أقـــوى من الحب
أكرهها..بل أبغضها..وأي كلمة كره في قاموس اللغة العربية أو أي لغة أخرى أصفها بها. لا أحبها إطلاقا..أما أفراد أسرتي يحبونها..فهذا أبي يحرص على الجلوس معها كما يستشيرها ويأخذ رأيها..ويحترم وجهة نظرها..وأمي تخبرها بكل شاردة وواردة، وتقدر وجودها في وسط الأسرة، تقتنع بآرائها وتعمل بها، وهذا أخي لا يأكل أي وجبة إلا بوجودها، ويفعل ما تأمره به خاصة إذا مر بمشكلة. يا الله..ما هذه الإنسانة التي أخذت ألباب جميع أفراد الأسرة..حتى الخدم لم يسلموا منها يسمعون كلامها وينفذون ما تأمرهم، وهي بالمقابل تقدم خدماتها وعلاقاتها طيبة مع أفراد الأسرة تلبي طلبات أبي دون نقاش وتساؤل، تشارك أمي في بعض مستلزمات أعمال البيت، تطبخ- ترتب- تنظف وكثيرا ما تكون أمي خارج البيت أو البلد تعطيها المهام فتعمل جاهدة لإتقانها، تساعد أخي في وظائفه المدرسية من شرح أو مشاركة في إعداد بحث وتقف بجانبه في فترة الاختبارات.
أختي الصغرى ترتاح في الجلوس بغرفتها تقرأ عليها القصص وتشتري لها الألعاب أتعرفون من هي؟..قرائي الأعزاء..إنها أختي من أبي تكبرني بخمس سنوات لها قدر كبير من الجمال شخصية مختلفة ولأهمس في أذنك..هي تحبني وهذا ما اكتشفته من خلال علاقتي معها تساعدني في دروسي وتحرص أن تهديني في المناسبات وهي الوسيط لطلباتي مع أمي ولم أذكر يوما أن وبختني أو تشاجرت معي فطلبي دائما مجاب من قبلها. وكل هذا ففي نفسي كره كبير لها. غرفتي أمام غرفتها تبعد مسافة عشرة خطوات ولكن لا أطيق المكوث فيها. ولا أذكر إني دخلت غرفتها إلا لطلب شيء أو استفسار عن أمر في الحاسوب. وما زادني جفاء من ناحيتها ذات يوم كنا قد دعونا بعض صديقات والدتي فوقفت مدعوة لتشكر على إعداد الطبق الذي كان من صنع تهاني فقالت جملتها التي غلت في جسدي هذه ليست إبنة زوجك بل إبنتك الله يهني أبيها نعم الفتاة أدب وأخلاق وجمال. استشطت غضبا..أقول في نفسي حتى العلاقات الخارجية لم تسلم منها..ما هذه الإنسانة لم أسمع شخصا ينتقدها صرخت صرخة عالية: إني أكرهك..أكرهك..ما هذه المهازل التي تحصل وأنا أقف متفرجة ولكن كان سؤال يضرب في رأسي بين الحين والآخر ماذا فعلت هي بي لأكرهها بهذه الصورة؟ فعلا إنها شخصية مختلفة..دائما ترد علي بالحسنى بل أكثر..وعند انتهاء الفصل الأول من العام الدراسي أعدت أصنافا من الأطباق واشترت لي هدية كل هذا فقط عندما علمت بدرجاتي العالية في الامتحانات نعم أراها مختلفة ولكن لا أدري لماذا هذا الكره لا أدري؟ هل لأنها تمتاز بقدر كبير من الجمال وأنا..لا..تمتاز بالذكاء..لا أدري..لا أدري..وتزداد قناعتي أرى فيها عنوان الصلاح عنوان الأخلاق، والدين..لا تتهاون عن الصلاة حتى عن صلاة الفجر..وكثيرا ما أسمع قراءتها للقرآن الكريم..هي عنوان الجد والمثابرة في الجامعة لا تتأخر عن محاضراتها..تحصل على درجات عالية، وكل هذا,,نعم إني أكرهها ولا أطيق الجلوس معها كما لا أحب التودد لها. أتصورها دخيلة على بيتنا، ناقشت أمي مرارا لماذا لا تعيش مع والدتها؟ ما كنت أحصل على جواب شاف.
ومرت الأيام..وذات يوم عند عودتي من المدرسة رأيت والدتها وأمي في غرفتها حزانى يبكين..(( لماذا؟ )) لا أدري..الموقف غريب..هل فعلت شيئا خطأ..لا أظن ذلك..لم أعر للأمر اهتماما ما دام الشخصية لا تعنيني ليس من المهم أن أعرف الموضوع، وفي عصر اليوم نفسه أرى الحزن والكآبة على وجوه أفراد الأسرة..فضولي أمرني أن أعرف ما في الأمر..ذهبت لوالدتي رأيتها تبكي..وها هو أبي ما زال موجود في البيت ليست من عادته أن يكون هنا في هذا الوقت، نعم رأيته وعيناه مملوءة بالحزن، دخلت غرفة تهاني..وها هي ممددة على السرير وكومة المناديل بجانبها، قلت لها: ما هذه المشكلة التي نزلت عليكم وسودت في عيني جميع أفراد الأسرة.
رفعت رأسها من الوسادة ونظرت إلي وقالت: معالي..معالي مدت يدها لي..نعم كنت متعالية فقلت لها بنبرة حادة: أخبريني ما المشكلة؟ جلست على السرير وأشارت بيدها تطلبني أن أجلس بجانبها فقالت: معالي..منذ أسابيع كنت أشكو من ضعف ووهن فأشارت علي والدتي أن أعمل الفحوصات واليوم عندما استلمتها..رجعت تبكي كانت النتيجة أنني مصابة بمرض..
سكتت برهة فقلت لها: مصابة بماذا؟
قالت: بمرض سرطان الدم.
مسكت بيدي التي أحسست بها وكأنها قالب ثلج نظرت إلى عيونها باتت كقطع دماء، شهقت فقلت: صحيح لا أصدق..لا أصدق ما أدراك لعل التشخيص خطأ.
خرجت من الغرفة أحسست أن الأمر صعب ولكن لم أشعر بضيق مثل باق الأسرة. ومرت الأيام..وها هي تهاني تتردد على المستشفى بين الحين والآخر. بدا عليها التعب والوهن ولكن لم تتوان عن كسب ود الجميع..لم تفتر في عبادتها وصلاتها ودعائها. هذا عهدي بها أتذكر قبل أن تنام تطمئن علي وبعض المرات يأخذني النعاس فأراها تغطيني على السرير.
مرت الأيام تارة نراها في أوج نشاطها تضفي على الأسرة المرح والسرور..ومرة أراها في تعب ووهن. لم تستطع أن تكمل فصلها الدراسي قدمت اعتذار طبي..ركنت في غرفتها اشتد عليها المرض أسمع أنينها في الليل. مرة أطل عليها ومرة أهملها نعم أهملها بحجة ماذا أستطيع أن أقدمه، أصبحت لا تستطيع أن تتحرك من سريرها فكانت الخادمة تقدم وجبتها وفي الغالب أمي..أما أنا فكان همي دراستي وعلمي.
ذات يوم رجعت من المدرسة..ولأول مرة أرى باب غرفتها مغلقا سألت الخادمة فقالت بحزن: تهاني نقلت إلى المستشفى. اتصلت بوالدتي فأخبرتني أنها ستمكث في المستشفى.
تصدقون أعزائي القراء في هذا اليوم لم أهتم كثيرا بالأمر أخذت وجبة الغداء وواصلت في دراستي..اتصلت أمي طلبت مني الحضور ولكني رفضت بحجة اختبار الكيمياء. ومن يوم غد حاولت الاعتذار لكن إصرار أبي أمرني بزيارتها لمدة دقائق عديدة...وانتهى العام الدراسي واستقبلت العطلة وما زالت تهاني قابعة في المستشفى زرتها بعد مدة لانشغالي بالاختبارات رأيتها هزيلة، ضعيفة، تغيرت ملامحها محى..جمالها، تغير لونها، ابتسمت لي..كانت لا تستطيع أن تتكلم والأجهزة معلقة بيدها وأنفها..مسكت بيدي تضغط عليها بحرارة فقالت لي بصوت خافت: مبروك نجاحك وهمتك السنة القادمة للثانوية العامة.
وها أنا لاهية مع العطلة أخرج مع خالاتي أسهر على التلفاز وأنشغل بالانترنت..أزورها في الأسبوع مرة واحدة، عزم عمي على السفر وطلبت من والدي السفر معه، وبعد إلحاح وطلب مستمر وافق أبي، نعم كنت أريد السفر ولم أكن مهتمة بمرض تهاني واشتريت حاجات السفر، وقبل الرحلة بخمسة أيام، كنت جالسة في غرفتي في الساعة السابعة ليلا، كنت أتابع مسلسلا تلفزيونيا وإذ..بالخادمة تدخل فجأة بعدما فتحت الباب بقوة، تبكي وتصرخ قالت: تهاني..تهاني، صرخت بوجهها: ما بها.. قالت: ماتت..من هول الصدمة جلست على الأرض تلطم وتبكي..دارت الدنيا بي تارة أكذب الخبر وتارة أصدقه..
خرجت مسرعة..أطل من الدور العلوي وإذ أرى أختي أوضعت رأسها في حجر والدتي..وها هي أمي تبكي بحرقة نعم بحرقة وكأن تهاني ابنتها فلذة كبدها..نزلت مسرعة صرخت: أمي..هل الخبر صحيح مدت يدها لتحضني..بكيت..والله لبكيت أين خرجت الدموع لا أدري هل هي صادقة أم دموع التماسيح أم هي رهبة الخبر والله لا أدري.
دخل أخي يبكي وهو يقول: أمي..هل الخبر صحيح..أمي أرجوك كذبيه...كذبيه..بكت أمي وهي تميئ برأسها بالإيجاب. سألت عن والدي أشارت بإصبعها إلى غرفة المكتب، ذهبت إليه فرأيته واضعا يده على رأسه ويبكي..لأول مره أرى دموع أبي..نعم يبكي على ابنته التي رأى فيها الحياة والمستقبل..ياه..أرى الحزن في كل مكان دمعت عيني أسرعت الخطى نحو غرفتي التفت يمين نظرت لباب غرفتها وأقول في نفسي معقول..لن أراك بعد الآن يا تهاني.معقول..وقفت عند باب غرفتها ترددت بالدخول..أمسكت بمقبض الباب..فتحته..ولأول مرة أزور غرفتك لا أجدك بها..ياه إني أشتم عطرها في الغرفة جلست على كرسي مكتبها، رأيت كتبها وبحوثها رأيت تقويمها وخططها لقد وضعت إشارات على أيام مهمة في حياتها..ألقي نظري على سجادة صلاتها حملتها شممت رائحتها فيها..وزادت دموعي وضيقي وحزني..وها هو سريرها الذي كان يحمل جسدها الطاهر..نظرت لوسادتها التي حفرت بدموعها. وهذه الأدوية التي احتلت طاولة سريرها..وها هي عكازتها التي كانت تتوسد عليها بعد أن تمكن المرض في جسدها أين أنت يا تهاني..آه إن قلبي والله يتقطع وعيني تدمع..فتحت خزانة ملابسها وإذ أرى بعض الفساتين التي جمعت معها في مناسبات عديدة، كل شيء أعلن حداده وها هو حاسوبها..الذي كان بدايتي لمعرفة علم الحاسوب من خلاله..فتخت آلة تسجيلها..اسمع شريطها المفضل لقارئ القرآن الكريم..بحثت عن مصحفها تذكرت أنه كان رفيقها بالمستشفى..بكيت وخرجت من فمي كلمة أختي..أختي..دخلت أمي وشدتني لخارج الغرفة..دخلت غرفتي التي رأيتها مخالفة لغرفتها..آلة التسجيل، ليس لدي مصحف، نعم وليس لدي سجادة صلاة. مر الليل ثقيل..وفي هذه الساعة وكأن أتخيل خطواتها نحو دورة المياه..يا ربي ما هذه اللحظات التي أعيشها، نعم وكأني انتظر جملتها المعتادة معالي..أذن الفجر..كثيرا لم أكن أستجيب لندائها..وكأني بعد دقائق أسمع القرآن الكريم يخرج من غرفتها..صرخت أبكي م حرقة قلبي..كيف ضيعت علاقة ما أراها..إلا خير صحبة وخير أخوة..نظرت إلى بطاقة أهدتها لي في حفل نجاحي للفصل الدراسي الأول تقول بها (( أتمنى لك النجاح والسعادة والفلاح )) دخلت علي أختي الصغرى تعجبت أنها لم تنم إلى هذه الساعة فسألتها ذلك فقالت: أفكر بكلمات الخادمة عندما قالت لي تهاني لن ترجع أبدا للبيت. أمسكت بيديها وذهبت معها لغرفتها، غطيتها لتنام وكنت أهم بالخروج أطلقت جملتها التي استوقفتني: معالي أنت ليس مثل تهاني..التفت إليها وقلت: لماذا؟ قالت: تهاني..كانت تقول لي نكتة لغز، وتقص لي قصة قبل النوم وأنت فقط..أسدلت علي الغطاء وخرجت..رجعت إلى الغرفة أتمعن بكلماتها وأقول نعم يا أختي الصغرى أصدقت القول نعم أنا لست مثل تهاني، هي مصلية وأنا..لا..هي تحب الناس وتخدمهم، وأنا ..لا..هي متواضعة وأنا لا..هي كريمة ..وأنا لا..هي ترد الإساءة بالإحسان وأنا..آه يا أختي خيرك وصلني وأنت متوفيه..والله يا ربي لأعاهدك أن أكون مثلها بل وأكثر..طلبت من والدي أن أحتفظ بمصحفها..واحتفظت بسجادة صلاتها..نعم، نعم فقداني لأختي غير الكثير من نفسي وذاتي وروحي. يرحمك الله برحمته الواسعة، أثر غيابك في نفسي جعلني شخصية أخرى نعم علمت بعد فوات الأوان أن العلاقة التي بيني وبينك أقوى من الحب إنها علاقة أخوة النسب والأخوة في الله ولساني سيظل يلهج بالدعاء لك، سامحيني أختي واغفري زلاتي وعنادي وتكبري وجهلي سألقاك هناك في مكان لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اللهم اغفر لأختي تهاني وآنس وحشتها واجعل قبرها روضة من رياض الجنة.اللهم آمين..آمين..
==============
تحيـــــــــ القلب الطيب المحب ــــــــــاتي...:26:
القلب الطيب المحب @alklb_altyb_almhb
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
* كـان*
•
قصه مؤثرة.... فعلا بعض الأشخاص ما نفقدهم ونشعر بحبهم إلا بفراقهم....
مشكورة أختي القلب الطيب المحب على القصة وبصراحة أسمك مره حلو ما شاء الله..........
دمت بود.....:26:
مشكورة أختي القلب الطيب المحب على القصة وبصراحة أسمك مره حلو ما شاء الله..........
دمت بود.....:26:
قصه مؤثرة.... فعلا بعض الأشخاص ما نفقدهم ونشعر بحبهم إلا بفراقهم....
مشكورة أختي القلب الطيب المحب على القصة
مشكورة أختي القلب الطيب المحب على القصة
**مرفأ**
•
قصة مؤثره
غفر الله لي ولها وللمسلمين جميعا الأحياء منهم والميتين
لغة سليمة
وسرد واضح
حياك الله ياقلب
وننتظر جديدك
غفر الله لي ولها وللمسلمين جميعا الأحياء منهم والميتين
لغة سليمة
وسرد واضح
حياك الله ياقلب
وننتظر جديدك
الصفحة الأخيرة
القلب الطيب المحب
قصة مؤثرة
وخاتمة حسنة
تحيتي ’’