هيفوونة

هيفوونة @hyfoon

عضوة فعالة

ألم يقرأوا التاريخ ؟

الملتقى العام

هل يتعلــم حكـامنا مــن التـــــاريخ؟؟



يُحكي أن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان كان يُقرأ له يومياً شيئاً من أخبار الأمم السابقة ليتعظ منها وليستعين بها على معالجة أمور الحكم.


وقد احتوى ثلث القرآن الكريم وهو كلام الله على قصص الأولين من أجل العظة والاعتبار.


قال تعالى: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل" (سورة الفيل: آية 1) وكذلك قال تعالى: ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد. (سورة الفجر: الآيات 6،7 ) ومع نص القرآن الكريم على التعلم والاعتبار من أخبار الأمم السابقة، وما حل بها من أحداث جسام فإن دراسة تاريخ الأمم يكاد يصل إلى درجة الوجوب.


ولن أدخل هنا في الجانب الفقهي من الموضوع لأنه خارج اختصاصي.


وأترك ذلك بالطبع لأهل الاختصاص حول حكم دراسة التاريخ وأخبار الأمم السابقة في الإسلام.


ولكن ما أرغب بتناوله في هذا المقال أن الحكام العرب لا يقرؤا التاريخ ولا يتعلموا أو يتعظوا من أحداثه ومؤامرته.


وخير دليل على ذلك ما شهده المشرق العربي خلال الحرب العالمية الأولى من وعود أُعطيت للعرب ومؤامرات حيكت ضدهم.


ومن الوعود التي أُعطيت لهم ما يعرف بمراسلات الحسين مكماهون، وهي المراسلات التي تمت بين الشريف حسين شريف مكة وبين السير هنري مكماهون المعتمد البريطاني في القاهرة، والتي وصلت إلى عشرة رسائل في الفترة بين يوليو 1915 إلى مارس 1916، وكان أهمها الرسالة المؤرخة في 24 أكتوبر 1915 والتي تضمنت استعداد بريطانيا للاعتراف ودعم قيام دولة عربية في شبه الجزيرة العربية ما عدا الساحل السوري واللبناني، ومنطقتي الأسكندرونة ومرسين، إضافة إلى ترتيبات إدارية خاصة في ولايتي بغداد والبصرة، وعدم إلحاق الضرر بالمعاهدات المنعقدة بين بريطانيا وشيوخ وأمراء الخليج العربي.


وتم على أثر هذا الاتفاق دخول العرب إلى جانب بريطانيا في حربها ضد الدولة العثمانية، وهو ما عرف بالثورة العربية الكبرى.


ولكن وأثناء مفاوضات الشريف حسين مع مكماهون كان خيوط المؤامرة ضد العرب تُحاك في أروقة السياسة الفرنسية البريطانية والتي أسفر عنها معاهدة سايكس بيكو سنة 1916، والتي قسمت المشرق العربي بين فرنسا وبريطانيا مع تدويل فلسطين.


ولم يمض عام على ذلك وبالتحديد بتاريخ 2/11/ 1917 حتى خرج إلى الوجود أكبر صك تآمري على العرب ليس في المشرق فقط بل في المغرب وهو وعد بلفور، الذي يُعد ظاهراً رسالة من وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور إلى أكبر أغنياء اليهود في بريطانيا ،اللورد روتشلد، ولكنه في الحقيقة اتفاقية بين الحركة الصهيونية برئاسة حاييم وايزمن وبريطانيا.


وقد استغرق إعداده نحو سنتين، تم خلالها تبادل نحو ست مسودات بين الطرفين حتى ظهر بشكله النهائي.


ولا نرغب هنا بالخوض في الأسباب التي دعت لذلك ولكن شكلت كلمات الوعد التي بلغت 67 كلمة أكبر مؤامرة على فلسطين، حيث تم فيه إبراز عطف بريطانيا على ***** وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.


وبذلك فقد تم مخاطبة اليهود الذي بلغ عددهم آنذاك 3% من سكان فلسطين بالشعب اليهودي مقابل مخاطبة 97% من السكان بجماعات غير يهودية تقيم في فلسطين



وبعد قيام الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917م، وانسحابها من الحرب، ونشرها لاتفاقية سايكس بيكو التي كانت طرفاً ثالثاً فيها إضافة إلى نشر وعد بلفور من قبل الحركة الصهيونية عَلِمَ الشريف حسين بالأمر.


فقام بالاستفسار من بريطانيا التي أرسلت له الضابط البريطاني هوغارث لطمأنته، وإن كان في الواقع لخداعه مرة أخرى وهو ما تم بالفعل. حيث رحب الشريف حسين بجعل فلسطين ملجأ لليهود على أن تبقى جزءاً من الدولة العربية.


وقد كتب الشريف حسين لاحقاً في مذكراته: "كنت واثقاً أنهم سيخدعونني مرة أخرى، وسيكذبون علي، لكن الأوان كان قد فات، وكنت قد تورطت إلى أذني ... شعرت أنني نزلت إلى للسباحة في بحر من الحيتان؛ قبل أن أتعلم العوم".


وقد تكررت المؤامرة البريطانية الفرنسية فيما عرف بالبيان الفرنسي البريطاني المشترك الصادر في 8/11/1918 رداً على بيان السبعة، وهو البيان الذي وقعه سبعة من زعماء الحركة القومية، وطالبوا فيه بريطانيا بتفسيرٍ لما نشر حول اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور.


وقد ورد في التصريح المشترك أن هدف حكومتي بريطانيا وفرنسا هو تحرير البلاد العربية من النير العثماني، وإقامة حكومات وطنية مختارة من السكان المحليين.


وإنها فقط ستقدم الدعم إلى هذه الإدارات لضمان حسن عملها.


ولذلك يمكن أن يعد ذلك من الوعود الإيجابية للعرب.


وكان من الوعود الإيجابية للعرب أيضاً ما عرف أيضاً بتقرير لجنة كنج كرين الأمريكية التي تقصت الحقائق ورغبات السكان في فلسطين وبلاد الشام في سنة 1919، وخرجت بتقريرها الذي تضمن رفض 90% من سكان فلسطين للبرنامج الصهيوني، وأن هذا البرنامج يشكل انتهاكاً جسيماً لمبادئ الرئيس ولسون التي أعلنها خلال الحرب العالمية الأولى، والتي عرفت بالمبادئ الأربعة عشر.


ولما كان هذا التقرير لصالح الفلسطينيين والعرب تم إخفاءه ولم يُنشر إلا سنة 1947 عندما أصبح مجرد وثيقة تاريخية عفا عليها الزمن.


وقد تم إكمال سلسلة المؤامرة بما عرف بمعاهدة سان ريمو في 25 إبريل 1920، والتي تم بموجبها فرض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، والانتداب البريطاني على العراق وفلسطين.


ولو تأملنا ما تم خلال الحرب وما تلاها لوجدنا أن سلسلة المؤامرات هي التي نفذت على أرض الواقع، والتي رسمت مستقبل المشرق العربي ولا تزال بينما ذهبت الوعود الإيجابية للعرب أدراج الرياح. وانتهى الأمر بالشريف حسين منفياً في قبرص فيما بدأ تنفيذ صك المؤامرة في فلسطين وأدى في النهاية إلى النكبة وإقامة دولة إسرائيل سنة 1948 .


وحتى لا نطيل في الأمر فإن الأمر يتكرر مرة ثانية ولكن بسياق زمني وشخوص مختلفة، ودون أن يتعلم قادتنا مما حدث خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها.


فالوعود التي أُعطيت في أوسلو ثم في خارطة الطريق قد ذهبت أدراج الرياح، وانتهى الحال بالرئيس عرفات محاصراً في مبنى المقاطعة في رام الله حتى تم في النهاية إخراجه من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة.


وما يطبق وطبق على أرض الواقع هي خطة فك الارتباط الشارونية في قطاع غزة، وما أُعطي لإسرائيل من وعد بتاريخ 16/4/2004 والذي عرف بوعد بوش.


وبينما أقام وعد بلفور دولة إسرائيل الأولى عام 1948 فإن وعد بوش يُقر قيام دولة إسرائيل الثانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية من خلال الحفاظ على إسرائيل دولة يهودية أي إلغاء حق العودة. وكذلك عدم عودة إسرائيل إلى حدود 1967 وهذا يعني ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل.


وأن تبقى القدس عاصمة موحدة تحت السيادة الإسرائيلية.


وهنا يطرح السؤال نفسه ماذا بقي من قضايا للتباحث فيما سيعرف بمفاوضات الحل النهائي. فالدولة الفلسطينية "القابلة للحياة"، وهي فكرة الرئيس بوش، قد تم الإعلان أنها ستقام سنة 2005 ثم تم تأجيل ذلك إلى سنة 2008.


وفي الاجتماع الأخير بين بوش وأبو مازن ترك الرئيس بوش موعد إقامة الدولة غير محددٍ أي أصبح ذلك في عالم الغيب.


ولا تزال قيادتنا تلهث وراء واشنطن مثلما لهث الشريف حسين وراء وعود كاذبة من بريطانيا حتى فقد عرشه، وعاش وحيداً في قبرص حتى لاحقه الموت فنقل في النزع الأخير إلى عمان ومنها إلى القدس حيث دفن هناك.


فهل يدرس حكامنا التاريخ أم أنهم مجبرون على تصديق أمريكا وانتظار ما تقذفه لهم من فُتات؟؟


منقول
0
438

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️