جاءني صوتها حزيناً عبر الهاتف : الأخ أبو البراء ؟
قلت : أجل . تفضلي يا أختي
قالت : أريد أن أحكي لك مشكلتي
قلت : أنا مصغ إليك
صمتت . غاب صوتها . أحسست بعبرتها تخنقها
قلت : تفضلي يا أختي .. لماذا سكتتِ ؟
لم تتحدث . شعرت بها وكأنها لا تقوى على الحديث
قلت : لا تتحرجي يا أختي من الحديث ، فأنا لا أعرفك ولا أراك ، فخذي راحتك في الكلام
قالت والحزن ظاهر في نبرات صوتها : بدأت مشكلتي قبل ثمانية أشهر ، حين بدأت أحس بصداع شديد ، وكنت أُعالجه بالأسبرين والبنادول . لكن الآلام كانت تزيد ، وتطول فترتها ، وأحس برأسي يكاد ينفجر
عندها قرر والدي أنه لا بد من مراجعة المستشفى
راجعت المستشفى ، فأجروا لي تخطيطاً للدماغ ، ومجموعة من صور الأشعة ، وبعدها قرروا تحويلي إلى مستشفى آخر ..
كان هذا المستشفى الآخر هو مركز الكويت لمكافحة السرطان .. ولكني لم أكن أدري . كان الجميع يخفون عني الحقيقة
قلت : وكيف اكتشفت حقيقة مرضك ؟
قالت : أخبرتني أخواتي
قلت : متى ؟
قالت : قبل بضعة أيام . وربما لم يبقَ في حياتي سوى بضعة أيام أخرى
قلت : هونّي عليك يا أختي .. هل لي أن أعرفك اسمك ؟
قالت : لماذا ؟
قلت : لأخاطبك به
قالت برنة أسى أحزنتني : أمل
قلت مندهشاً : أمل . اسمك أمل حقاً ؟!
قالت بعفوية : إي والله اسمي أمل
قلت : أوَيصح أن تكون " أمل " بلا أمل ؟
قالت : كان عليهم أن يسموني " يأس " !
قلت : لا يا أمل . لا تقنطي من رحمة الله .. ألست مؤمنة ؟
قالت : بلى
قلت : ألا تصلين ؟
قالت : بدأت أصلي منذ فترة
قلت : اعلمي إذن أن الأعمار بيد الله ، وليست بيد هذا الطبيب أو ذاك ، وكم من طبيبٍ قال لمريضه : لم يبقَ في حياتك إلا أشهر ، فمات الطبيب وعاش المريض
قالت : إنك تريد أن تبعث فيّ الأمل
قلت : ما دمت مؤمنة فعليك ألا تقطعي رجاءك في الله تعالى . عليك يا أختي أن تصرفي ذهنك عن التفكير في مرضك
قالت : وكيف أستطيع هذا ؟ إن عقلي لا يتوقف عن التفكير .. وكل من حولي يذكرني بمرضي
قلت : أهلك يذكرونك بمرضك ؟!
قالت : بعطفهم علي . بإشفاقهم . بإحضارهم لي كل ما أطلب . كأنهم يقولون لي : إنك ستموتين قريباً .. وعلينا ألا نزعلك .. علينا ألا نغضبك .. ولهذا صرت أكرههم .. أجل .. صرت أكره أهلي .. وأعتزلهم .. أجلس وحدي .. فريسة لهواجسي ومشاعري ..
قلت : هل قرأت قصة المرأة المغربية التي أُصيبت بالسرطان .. ثم شفيت منه عندما شربت ماء زمزم ؟
قالت : لا
قلت : إنها امرأة نشرت قصتها الصحف والمجلات . لقد سافرت إلى مكة المكرمة ، وأدت العمرة ، وشربت من ماء زمزم وهي تدعو الله أن يشفيها ، وتحجبت بعد أن كانت سافرة . وأحست بآلام السرطان تختفي من جسمها . وعندما عادت إلى أطبائها ، وأجرت تحليلات جديدة قالوا لها :
لقد اختفى المرض ! وشك بعضهم في أن تكون هي نفسها التي راجعتهم من قبل
فهلا عرفت ماذا يمكن أن يفعل الإيمان ؟!
صمتت أمل لم تنبس ببنت شفة ..
قلت : ألا تحبين القراءة ؟
قالت : وأحب الكتابة أيضاً . وشهد من قرأ لي بأني موهوبة . كتبت قصصاً مفعمة بالأمل على الرغم من أني يائسة
قلت : ليتك ترسلين بعض قصصك لننشرها لك
قالت بحزن : إن كان في العمر بقية . ربما ينتهي أجلي بعد أن أضع سماعة الهاتف
قلت بقوة : أمل .. لا تنسي اسمك .. لا تضعفي ..
قالت : لم أضعف . بل على العكس .. ما دام الموت قادماً إلي .. فلمَ لا أسبقه إليه !
صرخت : تنتحرين !؟ ماذا تقولين يا أمل ؟ الفارق كبير بين أن يكون موتك جسراً إلى الجنة .. وبين أن يكون جسراً إلى النار
قالت : أريد أن أضع حداً لعذابي النفسي .. وآلام رأسي
قلت : ترتاحين من عذاب الدنيا لتخلدي في عذاب الآخرة ؟ لا يا أمل . لا تقولي هذا ، ولا تفكري فيه ، واصرفي ذهنك عنه ، واتكلي على الله تعالى ، واعلمي أن الموت أجل محدد ، لا يتقدم ساعة ولا يتأخر . هل تعدينني بأن تصرفي فكرة الانتحار تماماً عن ذهنك ؟
قالت بعد صمت قصير : أعدك
قلت : كيف تشعرين الآن ؟
قالت : الآن أشعر ببعض الراحة . ربما أنني بحاجةٍ إلى من يستمع إلي . إلى من أُحدثه ويحدثني
قلت : إذن لا تترددي أبداً في الاتصال بنا .. متى رغبت في ذلك
قالت : اسمح لي أن أودعك الآن . السلام عليكم
قلت : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ــــــــــــــ
بارقة أمل @bark_aml
عضوة فعالة
هذا الموضوع مغلق.
بارقة أمل
•
:confused:
آية
•
لا حول ولا قوة إلا بالله
لكم أحس بأقصى الآلام عندما أسمع أن أحدا مريض بهذا المرض الخبيث لأن أعز الناس عندي توفيت بعد إصابتها بالمرض.
لكن الأمل في الله كبير. فكم سمعنا عن حالات شفيت بعدما عجز الطب أمامها.
ولا يدري أحدنا متى ولا بأي أرض يموت.
لكم أحس بأقصى الآلام عندما أسمع أن أحدا مريض بهذا المرض الخبيث لأن أعز الناس عندي توفيت بعد إصابتها بالمرض.
لكن الأمل في الله كبير. فكم سمعنا عن حالات شفيت بعدما عجز الطب أمامها.
ولا يدري أحدنا متى ولا بأي أرض يموت.
الصفحة الأخيرة