مقال عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري
رضي الله - أن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم قال : ( لاتسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا مابلغ مد أحدهم ولا نصيفه ).
لعل كثيراً ممن في قلوبهم مرض من الذين ينتقصون أصحاب رسول الله –صلّ الله عليه وسلم – في الفضائيات و الصحف وغيرها يرون أن الوقت لم يحن بعد لإنتقاص القرآن والسنة فرأوا أن تقليل شأن الصحابة الكرام عند الناس هو من أخصر الطرق لرد الكتاب والسنة كما قال أبو زرعة _رحمه الله تعالى_ " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله -صلّ الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحابُ رسول الله -صلّ الله عليه وسلم- وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة " ا.هـ
ومما يزيد الأمر ضغّثاً على إباله ، أن المتكلم فيهم ليس من أهل الطوائف الظاهر ظلالها أو ممن عرف بالسب والطعن ، إنما هو ممن ينتسب إلى أهل السنة والجماعة وهنا تكمن المصيبة،ولعل الله عزوجل أراد أن يجري لهم الأجر وقد إنقطع عنهم العمل بسبب هؤلاء الضالين، كما جاء في صحيح مسلم عن جابر قال : (قيل لعائشة أن أناساً يتناولون أصحاب رسول الله – صلّ الله عليه وسلم – حتى أبا بكر وعمر قالت : وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر " .
لقد سمعتم وقرأتم في شأن أناس في الأيام الماضية يحاولون النيل والإنتقاص من قدر صاحب وصهر رسول الله-صلّ الله عليه وسلم- أمير وخال المؤمنين وكاتب وحي رسول رب العالمين،
معاوية بن أبي سفيان و لمن لا يعرف معاوية من أفضل الصحابة و أصدقهم لهجة و أكثرهم حلماً فكيف يعتقد أن يقاتل الخليفة الشرعي و يهرق دماء المسلمين من أجل ملك زائل ، و هو القائل : والله لا أخير بين أمرين ،بين الله و بين غيره إلا اخترت الله على سواه،
فكان لزاماً أن ندافع وننافح ونذود ونذب عن عرض هذا الصحابي الجليل ، وكما جاء في الحديثمن رد عن عرض أخيه بالغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) فهذا بالشخص العادي، فكيف بصاحب رسول الله -صلّ الله عليه وسلم،ولا شك ولا ريب أن معاوية من أكابر الصحابة نسبا وقرباً من النبي – صلّ الله عليه وسلم - ، وعلماً وحلماً ، فاجتمع لمعاوية شرف الصحبة وشرف النسب ، وشرف مصاهرته للنبي – صلى الله عليه وسلم – وشرف العلم والحلم والإمارة ، ثم الخلافة ، وبواحدة مما ذكرنا تتأكد المحبة لأجلها فكيف إذا اجتمعت ؟ وهذا كاف لمن في قلبه أدنى إصغاء للحق ،وإذعان للصدق .
هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي أبو عبد الرحمن خال المؤمنين وكاتب وحي رسول رب العالمين .
أسلم معاوية - رضي الله عنه - عام الفتح .
قال ابن كثير رحمه الله :" كان أبوه من سادات قريش ، وتفرد بالسؤدد بعد يوم بدر ، ثم لما أسلم بعد ذلك حسن إسلامه ، وكان له مواقف شريفة ، وآثار محمودة في يوم اليرموك وما قبله وما بعده ، وصحب معاوية رسول الله – صلّ الله عليه وسلم - ، وكتب الوحي بين يديه مع الكتاب ، وروى عن رسول الله – صلّ الله عليه وسلم – أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرها من السنن والمسانيد ، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين " .
دعا له النبي – صلّ الله عليه وسلم – :
فقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لمعاوية :" اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به ".
و زاد الإمام الآجري في كتابه الشريعة لفظة : ( ولا تعذبه ) . إسناده صحيح .
وقد اشترك معاوية رضي الله عنه في غزوة حنين قال تعالى: ((ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)) (التوبة ، الآية : 26).
ومعاوية رضي الله عنه من الذين شهدوا غزوة حنين وكان من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه ممن وعدهم الله الحسنى:
قال تعالى:
((لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) (الحديد ، الآية :10).
ومعاوية رضي الله عنه ممن وعدهم الله الحسنى، فإنه أنفق في حنين والطائف وقاتل فيهما.
كان أحد كتاب الوحي:
وذلك أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم :"يا نبي الله ثلاث أعطنيهن قال نعم قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم)
وذكر القاضي عياض – رحمه الله – : " أن رجلا قال : للمعافى بن عمران ، عمر بن عبد العزيز أفضل من معاوية ، فغضب وقال : لا يقاس أحد بأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم - ، معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله عز وجل " .
و أخرج الإمام أحمد ، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلّ الله عليه وسلم يقول : اللهم علم معاوية الكتاب و قه العذاب .
و أخرج ابن كثير في البداية والنهاية
بسند صحيح ، أن معاوية رضي الله عنه ، كان إذا لقي الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : مرحباً بابن رسول الله وأهلاً ، و يأمر له بثلاثمائة ألف ، و يلقى ابن الزبير رضي الله عنه فيقول : مرحباً بابن عمة رسول الله وابن حواريه ، ويأمر له بمئة ألف .
ومن فضائله ما قاله ابن عباس رضي الله عنه : ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية ، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب ، و لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب . .
وشهادة ابن عباس له بالفقه
ففي صحيح البخاري :" قيل لابن عباس : هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة ، قال إنه فقيه ".
و كان-رضي الله عنه-من الزاهدين و الصفوة الصالحين ، روى الإمام أحمد بسنده إلى علي بن أبي حملة عن أبيه قال : رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس و عليه ثوب مرقوع .
و أخرج ابن كثير عن يونس بن ميسر الزاهد - و هو أحد شيوخ الإمام الأوزاعي - قال : رأيت معاوية في سوق دمشق و هو مردف وراءه وصيفاً و عليه قميص مرقوع الجيب و يسير في أسواق دمشق .
و سئل الإمام أحمد : ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ، ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟
قال أبو عبد الله : هذا قول سوء رديء ، يجانبون هؤلاء القوم ، ولا يجالسون ، و نبين أمرهم للناس . .
وقال الربيع بن نافع الحلبي-رحمه الله : معاوية ستر لأصحاب محمد صلّ الله عليه وسلم ، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه .
ولقد عرف السلف الصالح فضل الصحابة الكرام وبيَّنوا ذلك وردوا على كل من أراد انتقاصهم _رضي الله عنهم_ قال ابن عمر _رضي الله عنهما_ " لا تسبوا أصحاب محمد صلّ الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عُمره " .
قال ابن تيمية- رحمه الله- : كل من كان عن التوحيد والسنة أبعد ، كان إلى الشرك والابتداع والافتراء أقرب.
وفي الختام لا نقول إلا كما قال الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) اللهم ارض عن أصحاب نبيك أجمعين واحشرنا وإياهم في زمرة سيد المرسلين والله تعالى أعلم وصلّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
للامانة منقول
ام الدعاء @am_aldaaaaa_1
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
رنوية العسل
•
بارك الله فيك
الصفحة الأخيرة