أميــــــــــــــــــــــــرة ( الجزء الثاني)

الأدب النبطي والفصيح


أميرة:
لقد قيل لي: لقد ماتت ، فروض فكرك بعد اليوم على نسيانها. فإن تعلق الحي بالميت سعي باطل لا حصيلة له !..
ولا والله ، ما طرقت سمعي كلمة - مما قيل لي في باب التعزية و السلوى - أشد من هذه الكلمة ولا أوحش .
معاذ الله أن يكون الموت عندي إلا تصعيدآ لهذا الحب وتكريرآ لرحيقه.
ما أحببت فيك مجرد قد معتدل وشكل جميل ، و لقد منحك الله منهما الشيء الكثير
وما فتنت منك بمجرد أنوثة مما يهفو إليه الرجال ، على أنك كنت تقبلين إلي من ذلك بفن و تدبرين بفن.
ولكن الذي علقني بك فوق ذلك كله ، إنما هو صفاء روحك ، سمو إحساسك ، إشراقة قلبك .
أحببت فيك حبك الرائع لمولاك العظيم جل جلاله.
أحببت فيك الليالي التي كنت تساهرينينني فيها بأنوثة عارمة ، وحب موله ، لا مزيد عليه ، حتى إذا اعتدل الليل ليمضي ، ورنق النعاس في العين ، و هفا الجنب إلى مضجعه - جافيت جنبك عن المهاد ، و تسللت إلى الغرفة المجاورة ، وقمت تناجين محبوبك الأعظم بعيون ملؤها الدمع ، ثم ركعت فأطلت بين يديه الركوع ، وسجدت فأطلت على أعتابه السجود .
أحببت فيك حنينك إلى الله .
أحببت فيك أشواق قلبك و رقة شعورك .
أحببت فيك الذكر النابض بين كل عشية وضحاها على لسانك .
أحببت فيك القلب الذي كنت أسمعه يخفق في هدأة النوم فأرى لسانك يتجاوب معه بذكر الله.
أحببت فيك النهاية ... تلك النهاية التي توجت فيعا عمر شبابك الغض بلحظة قدسية أخيرة اهتز لها سمه الزمان و المكان ، عندما قلت بملء فمك الجميل : الله .
مثل هذا الحب يولد ميلادآ جميلآ بالموت .
ومثل هذا الحب يتلظى سعيره من جديد إذا دخله تاريخ الموت .
يا رفيقة الدرب في حياتي و موتي .
يا أنيسة العمر شبحآ و روحآ في عالم الأحياء ، وسرآ روحانيآ عظيمآ في عالم الأموات : أما إن موتك زادني حبآ على حب ولسوف يبقى حبي لك في ازدياد ، حتى يتمم الله فضله ، وتحين ساعة اللقاء.

بقلم الدكتور
محمد سعيد رمضان البوطي
*[/
*
2
433

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بحور 217
بحور 217
مثل هذه الإنسانة تستحق مثل هذا الحب ..

رائع يا نور الشمس ..

جزاك الله خيرا .
نــــور
نــــور
شكرآ لك على تشريفك الموضوع
ولقد تقصدت ادراجه
حتى نتعلم سر الحب و السعادة بين الزوجين
والسر هنا واضح لمن عرف فك لغزه
فليتنا نتعلم !!!