أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

ملتقى الإيمان

جعل الله تعالى قلب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم يهوى عائشة رضى الله الله عليها، فأعلن حبه لها أمام الرجال قبل النساء، أحبها جبريل بحب الإله وحب النبي فألقى عليها السلام.
وأُنزل على النبي من الإله آيات تذود عنها وتتوعد متهميها إلى يوم الدين بالعذاب، أسطورة هي لمن في مثل عمرها، وآية من آيات تجلَّت في نقل جبل من الحكمة عن الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ، أسطورة هي، فقد تتلمذ على يديها من جعل الله على أيديهم فتح البلاد، وصلاح العباد.

أسطورة هي، من أصبحت بأمر الله أماً لكل مؤمن، أسطورة هي في علمها وفقهها بالرغم من حداثة سنها، السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها مهما سُطِّرت فيها السطور، وكُتبت المدائح، وتسابق أولادها المؤمنون بأمر الله في الكشف عن فضلها ومناقبها، فلن يوفوها شيئاً مما تستحق، فهي محاولات مهما ارتقت فلن ترقى إلى القمم، ولكن حسبنا في ذلك شعورنا بالعزة والفخر والتشريف، ونحن نتكلم عن الأم المصطفاة المطهرة التي أسعدت نبينا وحبيبنا محمداً صلى الله عليه وسلم .
وقد كانت رضي الله عنها تتفاعل مع آيات القرآن الكريم، وقدوتها في ذلك صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت تتلقى منه العلم مباشرة بلا وسيط، بل أحياناً كانت هي أول من يتلقى منه العلم، فكانت أول من يطيع، فكان فضل الله عليها عظيماً، وقد وهبها الكريم أجر المهاجر في سبيل الله وهي ما زالت في سن الطفولة، وأول ما استمعت أذناها آيات تتلى من فم أبيها، وقد كان رجلاً بكاءً يتأثر به من يسمعه، وحتى وهي في أشد ما لاقت من محن، ومرت من ابتلاء، ونقصد بذلك حادثة الإفك، فقد قالت موجهة حديثها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبويها: لقد سمعتم بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدّقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني، ولئن اعترفت بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتُصَدِّقني، فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما أقول أبو يوسف: فصبر جميل والله المستعان على" ما تصفون (18) (يوسف).
فاعتصمت بالله رضي الله عنها، فأغدق عليها من فضله وكرمه آيات تُتلى في براءتها إلى يوم الدين، وفيها إنذار ووعيد لمن يتجرأ ويعود لمثل ذلك، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين 17(النور).
وكانت براءة السيدة عائشة من الله مباشرة، فاعتصامها رضي الله عنها بربها أدخلها في رحمة منه وفضل.
فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما 175 (النساء).
وكانت كذلك في حياتها، فعندما خيَّرها صلى الله عليه وسلم هُديت إلى الطريق المستقيم واختارت الله ورسوله.
وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما 29(الأحزاب).
واختارت رضي الله عنها الله ورسوله، والله صادق في وعده أن لها الأجر العظيم، وقد ائتمرت بأمر الله في قوله تعالى: واذكرن ما يتلى" في بيوتكن من آيات الله والحكمة
فقد كانت مستأمَنة على ذلك فيمن استأمن الرحمن، فروت لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حوالي 2210 أحاديث، وكانت حجرتها منارة للعلم والفقه، وقد ساعدها على ذلك حداثة سنها، فمكثت ثمانية وأربعين عاماً تذكر الحكمة وتصححها وتعلمها لمن فتح الله على أيديهم البلاد والأمصار، وقد فرغها لنا سبحانه بتحريم زواجها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وفرغها سبحانه فلم تنجب، وكان العلم هو شغلها الشاغل، أن تذكر للمسلمين السنة كما سمعتها ورأتها.
إن الله سبحانه وتعالى أحب أمهات المؤمنين ومنهم عائشة وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرص على إرضائهن وعلى مشاعرهن.
ذلك أدنى" أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن (الأحزاب:51).
وكانت السيدة عائشة من الزوجات التي أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم ألا يبدل بهن أحداً، رضي الله عنها وأرضاها.
لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج الأحزاب:52).
وتحركت بقول الله:
ويؤثرون على" أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (الحشر:9).
عندما استأذنها الخليفة عمر بن الخطاب أن يدفن في مكانها الذي أرادته لمدفنها أذنت له وهو حي وأذنت له بعد أن مات، عندما أوصى ألا يدخلوه حجرتها للدفن إلا بعد إذنها فحققت معنى الآية وتحركت بها بالرغم من حبها ورغبتها أن تدفن بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها، وأبي بكر رضي الله عنه أبيها.
وقد قال تعالى: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على" هؤلاء شهيدا 41(النساء).
فماذا كانت شهادة النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة عائشة رضي الله عنها؟ ففيما اتفق عليه الشيخان أن عمرو بن العاص سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس إليه قال: "عائشة"، وكان الصحابة تقرباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم تزيد هداياهم وهو في بيت عائشة لإدخال السرور عليه، وفي البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا عائشة هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام". قالت: وعليه السلام ورحمة الله. ترى ما لا نرى يا رسول الله؟! ومن ألقى عليه جبريل السلام فهو في سلام.
ومات صلى الله عليه وسلم وهي زوجته فنالت شرف الأمومة للمؤمنين.
النبي أولى" بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم (الأحزاب:6).
ومات صلى الله عليه وسلم وهو أقرب ما يكون من عائشة، فقد قُبض صلى الله عليه وسلم وهو بين سحرها ونحرها، وهل هناك شهادة بالرضا أكثر من ذلك! وكان فضل الله على حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصلاً، حيث دُفن صلى الله عليه وسلم في بيتها، فأصبح بيتها تحفه الملائكة، وهي رضي الله عنها فيه، وكانت عفيفة طاهرة مطهرة، حتى إن الوحي كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معها في لحاف واحد، وشهد لها الرحمن الرحيم، ووهبها شرف الزواج من آخر الأنبياء على هذه الأرض، وكانت هدية مهداة من الملك الذي يهدي بكل نفيس. فقد ورد في البخاري في المناقب عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "أُريتك في المنام مرتين، أرى أنك في سرقة من حرير، ويقول هذه امرأتك فاكشف عنها فإذا هي أنت، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه"، وأمضاه سبحانه بقدرته لتكون خير رفيق لخير البشر.
والسيدة عائشة روت لنا كثيراً من الأحاديث التي أفلجت لنا الصباح من الظلمة، فجعلها الله رضي الله عنها سبباً في تيسير الكثير من الأحكام خاصة المتعلقة بالأمور الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولنرشف من معين علمها رشفات قصيرة:
كان الخلفاء وهي أمهم يقفون على بابها ليتعلموا منها العلم.
وروت لنا عن أهمية السواك لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
لكل صلاة.
لملاقاة الله.
إذا دخل البيت.
حرصاً على مشاعر النساء.
عند النوم.
كما روت لنا السيدة عائشة رضي الله عنها كل ما تعرف عن آداب قضاء الحاجة كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم ؛ من الدعاء قبل الدخول، وأي يد تستخدم للاستنجاء، وما يقال عند الخروج من الخلاء، وما جاء في الوضوء وتعلمته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بكل أمانة روته لنا.
تعلمنا منها الكثير ونسأل الله أن يجعله في موازين حسناتها، كيف كنا سنعرف ذلك؟
وأيضاً كانت السبب في أحكام المسح على الخفين، ثم الغُسل، وصفة غُسل الجنابة، وغُسل الحائض، والغُسل من الاحتلام.
وذكرت لنا أحوال الجنب كما تعلمتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنى لنا أن نعلم ذلك إن لم تذكره لنا السيدة عائشة؟!
وذكرت لنا ماذا يفعل الجنب إذا أراد النوم، أو أراد الطعام، أو أراد تأخير الغُسل، وما إلى ذلك من أحكام.
ورفعت الحرج عن الحائض، وروت لنا ما تعلمته من رسول الله صلى الله عليه وسلم من كيفية مباشرة الحائض والاستمتاع بها بما أحله الله منها في هذه الفترة للزوج، وطهارة سؤر الحائض، وعن سير حياتها طبيعياً، حتى إنها كانت تُرجل رأس النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، وإزالة الحرج عن قراءة القرآن في حجر الحائض، وقضاء الحائض للصيام وعدم قضائها للصلاة. وذكرت لنا أحوال المستحاضة باستفاضة.
إن ديْن السيدة عائشة على النساء كبير، وعلينا أن نكثر من ذكرها، والذود عنها رضي الله عنها.
كما ذكرت لنا أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات كما رأتها بأم عينها وتعلمتها، فجزاها الله عنا خيراً، فقد أنارت لنا الطريق في أول ما سنحاسب عليه بين يدي الله.
أيضاً روت لنا تفاصيل دقيقة عن كيفية صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع ذكر الأدعية التي تعلمتها منه مباشرة صلى الله عليه وسلم وتابعتها كثيراً بالمشاهدة والسمع.
وذكرت لنا النوافل في الصلاة من حيث عددها ووقتها.
وذكرت قيام الليل، وحددت وقته، كما رأت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكرت لنا كيفية ذلك، وكم كان يصلي في الليل.. فأي فضل لك علينا يا عائشة يا أم المؤمنين؟!
ويسَّرت على الأمة عندما ذكرت وروت لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى النافلة قاعداً في أواخر عمره.
وروت لنا عن صلاة التراويح، وماذا يفعل من فاتته صلاة الليل.
هنيئاً لك يا عائشة عندما تستيقظين وتتلقين مباشرة من رسول الله الأدعية: أصبحنا وأصبح الملك لله.
أي فضل من الله كان عليك يا عائشة!
وذكرت لنا بما كانت تسمع وتتعامل أن مرور المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة.
وذكرت لنا غُسل يوم الجمعة، وعدد التكبيرات في صلاة العيد وخروج النساء للصلاة.
وصلاة الكسوف وصلاة الخسوف وكيفيتها.
والأمر بالصدقة في الكسوف.
وأيضاً صلاة الخوف.
فجزاك الله عنا خيراً يا أم المؤمنين، فكيف إن حُجب عنا كل هذا الخير كيف سنكون.
وفي الجهاد تحدثت عن فضل الجهاد وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن مبايعة النساء وفداء الأسير بالمال.
وفي الدعوات تحدثت عن جوامع الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان صلى الله عليه وسلم فيما روت عنه يقرأ الزمر والإسراء عند النوم، وكان يرفع يديه في السماء، وكان يدعو على من ظلمه.
وروت في البر والصلة فضل الإحسان إلى البنات وتحريم قطيعة الرحم، وتقبيل الصبيان، والوصية بالجار، وإكرام الضيف، وتحدثت عن فضائل السيدة خديجة رضي الله عنها وكثير من الصحابة، وتحدثت في الشمائل عن صفة كلامه صلى الله عليه وسلم وأن عينه تنام ولا ينام قلبه عن ذكر الله، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم والرائحة الطيبة التي وجدتها عند خروج روحه، وحب اليتامى في كل شيء، وقيامه في الليل، وخدمته لأهله، وأنه لم يمس يد امرأة قط، وما خيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
وفي الزهد والرقائق:
أن نتقي النار ولو بشق تمرة، وما أعجب النبي صلى الله عليه وسلم إلا ذو تقى... وفي القتل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما ذُكر في الدجال، وعن الأهوال وكيفية حشر الناس، وعن الثلاثة مواطن التي لا يذكر فيها أحد أحداً، وما جاء في الحوض وفي الكوثر، وفي الإيمان والتوحيد، وروت عن بدء الوحي وكيفية نزوله وأن المشركين لا تنفعهم أعمالهم الخيرة، وأن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً، وعن الاستغفار أنه إذا كثرت ذنوب العبد ابتلاه الله عز وجل بالحزن.
وفي الخلافة أنه إذا أراد الله عز وجل بالأمير خيراً جعل له وزير صدق.
يا نساء النبي: أليست السيدة عائشة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، وأليس هو نداء خاصاً لها معهن.
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على" هؤلاء شهيدا 41 (النساء).
ماذا كانت شهادة الله سبحانه على السيدة عائشة، وماذا كانت شهادة النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة عائشة وشهادة الصحابة، وشهادة عليّ؟!
وتحدثت في باب الأدب عن روايات رفق الله، وأنه يحب الرفق، وتحدثت بالتفصيل عن شدة وجع النبي صلى الله عليه وسلم وعن آخر لحظاته في الدنيا، وروت عن أهمية التلبينة والحبة السوداء، والشفاء من حموة المدينة، وعن الرقى بالمعوذات، والاسترقاء من العين.
وروت عن العقيقة، والتسمية على الطعام، والأكل باليمين، وتحريم كل شراب يسكر، بصرف النظر عن مسماه، وعن اللباس ونهي المرأة عن الدخول في الحمامات، والزجر لمن وضعت ثيابها في غير بيتها.وروت عن نقض الرسول صلى الله عليه وسلم للصليب، وعن نكاح المرأة لمالها وجمالها ودينها، وأن من يمن المرأة تيسير خطبتها وصداقها، وكيفية استئمار المرأة في الزواج، وعن اللهو المباح في العرس، وروت عن تعظيم حق الزوج على المرأة وما جاء في العدل بين النساء، وعدله صلى الله عليه وسلم كنموذج، وأن الولد للفراش.
كما أن لها مرويات عن إمكانية أن يأخذ الوالد من مال ولده، وتحريم تجارة الخمر، والنهي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، والرخصة في الشراء إلى أجل، وعن الصدقات، والمرأة إن تصدقت من مال زوجها، والصدقة عن الميت، وجواز أن تأخذ المرأة من مال زوجها غير مفسدة، وتحدثت عن النذور وأنه لا نذر في معصية الله، وإبرار القسم، وفي الفرائض تحدثت عن الوالي يقضي دين من مات من المسلمين، وعن أحكام من يموت وليس له وارث، وفي الحدود هي التي روت أحاديث عن ستر المسلم، وأن القلم رُفع عن ثلاث، وأيضاً لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث، وكراهية الشفاعة في الحد، وروت رضي الله عنها عن الهدية، والهبة، وقبول النبي للهدية، والمكافأة عليها، وقبول العطاء، إن كان من غير مسألة.
وقد كان مقام السيدة عائشة بين المؤمنين فضلاً عن أنها أمهم هو مقام الأستاذ من تلاميذه، حيث إنها إذا سمعت من أحد الصحابة روايات ليست على وجهها الصحيح، قامت من فورها بالتصحيح، وبينت لهم ما خفي عليهم وهم يستمعون ويثقون ويصححون.وكان تبويب علمها مما اهتم به العلماء.. جزاها وجزاهم عن المؤمنين خير الجزاء.

مقال ل
سمية رمضان أحمد
أكاديمية متخصصة في القضايا التربوية والدعوية
1
670

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

omhabeba2000
omhabeba2000
جزاكى الله خيرا