أم فلسطينية تعيش 700 عام من العزلة!!

الملتقى العام

البيت يضج بضحكاتهم، تسمع نداء من هنا وآخر من تلك الزاوية، وهمسة من هذه الغرفة؛ فهم خمسة شباب تتكحل العين برؤيتهم، هذا يداعبها وذاك يقبل جبينها، والآخر يأخذ يدها ويطلب الدعاء. لم تتوقع "أم بكر" أن هذا البيت سيفتقد يوما تلك الشقاوات أو تلك الضحكات، فهم خمسة من المستحيل أن يرحلوا مرة واحدة، لكن الاحتلال لم يجعل على الأرض شيئا مستحيلا. وحكم القاضي بـ700 عام من السجن هي مجموع ما سيقضيه أبناؤها الخمسة خلف الأسوار الإسرائيلية.

"أم بكر" حاولت أن تحبس دمعات وهي تجلس في البيت الذي أعتم بسبب غيابهم، ومن يستطيع أن يمنع نزول دمع من عين افتقدت خلف قضبان السجن خمسة كزهور الربيع؟ هل تكفي كل كلمات المواساة المخطوطة في القواميس للتخفيف عنها؟ أم هل تستطيع الصور الحد من حرقة الشوق إليهم؟

"توقعت أن يسرق مني الاحتلال ككل الفلسطينيات أحد أبنائي لكن ليس الخمسة! كان المنزل يضج بالحياة والحيوية لكنه اليوم يشتاق لهم، وجدرانه تفتقدهم". تقول أم بكر كلماتها وهي تشحذ نفسها بالصبر والإيمان بجسدها النحيل الذي هده البعد والجوى.

الكفيف.. صانع المتفجرات!!
بدأت حكاية "أم بكر" مع الاعتقالات يوم أن وقع ابنها "معاذ" أسيرا في سجون الاحتلال؛ حيث يقضي الآن حكما بالسجن المؤبد 26 مرة بالإضافة إلى 25 عاما و24 شهرا، وهو حاليا معتقل في سجن نفحة الصحراوي، وتتهم إسرائيل معاذا بأنه أحد العاملين مع مجموعات كتائب الشهيد عز الدين القسام، ويرتبط اسمه بشكل خاص بالشهيد المهندس "يحيى عياش".

في حين يمكث الابن الثاني "عثمان" في سجن عسقلان بعد أن حكم عليه بالسجن المؤبد خمس مرات، أي أن معاذا وعثمان لا يمكن أن يلتقيا بالوالد الشيخ أو الأم إلا بقدرة ربانية.

ولكن دعوات "أم بكر" لأبنائها متصلة لا تنقطع، ورجاؤها برب العالمين كما تقول كبير "وإن لم يقدر الله لي رؤيتهم في الدنيا فأنا أدعو الله ليل نهار أن يجمع بيننا في الآخرة، ومهما حاول الاحتلال أن يكون سببا في فصل جسدي عن أجسادهم فأرواحنا متصلة".

ولم تكتمل حكاية أسرة "أم بكر" بعد؛ فـ"عبادة" الابن الأصغر له حكاية أخرى، إذ لم يشفع له فقدانه للبصر وكونه كفيفا ليعتقله الجنود قبل نحو عام ونصف تقريبا، وتصدر عليه حكما بالسجن عشر سنوات، والتهمة الموجهة إليه أنه أحد صانعي المتفجرات.

يقول الشيخ أبو بكر: "لا يعقل أن يقوم شخص كفيف ومريض بصناعة المتفجرات، ويتذكر كيف اعتقل المحتلون أبناءه من المنزل أثناء سفره للعلاج، تاركين عبادة يسبح وحده في المنزل دون مساعد، قائلا: "لقد قمت بتزويجه مبكرا عله يجد من يساعده في قضاء حوائجه، ويجد في الزوجة السلوى، وتزيل عنه هموم الوحدة مع فقدان البصر وغياب الإخوة في السجون، إلا أنه لم يهنأ بالزواج؛ فقد تم اعتقاله بعد زواجه بشهر واحد".

ويضيف الوالد أن ابنه الآن يصارع الجلاد والمرض في سجن عسقلان حيث يعاني عبادة كذلك من مرض في المعدة.

نظرات في الزحام


"كنا نلتقي في الطرقات لأراه، نمشي.. نمشي.. لا أعلم أين تتيه فينا الخطوات، وتهرب عيناه لا يريد أن يضعف أمامي؛ فهو مطارد، وتلاحقه طائرات إسرائيل، بعد ساعات من السير يفترق الطريق فينا، هو يغوص في طرقات المدينة وأنا أذهب تداعب ذكراه وإخوته خيالاتي" تتحدث عن أولى فرحتها؛ "بكر" والد لأربعة أطفال أصغرهم دخلتُ عليه يقول: "وينك يا بابا ليش تركتني ورحت؟ وما تسأل عنا؟".. كلماته أجبرتني على البكاء بماذا أجيبه؟ وأبوه كان مطاردا وهو الآن يقبع في سجون الاحتلال ينتهي من حكم إداري ليبدأ غيره؟

تتحدث "أم بكر"، ولا تفقد الأمل بل تجعلك تستمد قوة من كلماتها وبسماتها، على الرغم من منعها من زيارتهم داخل السجون بعد عزلهم في زنازين منفردة.

أما "عمر" الذي كان يوصل بعض المستلزمات والأغراض لأخيه فقضى بالمعتقل عاما ونصف العام، وحكم عليه بالإداري ثلاث مرات قابلة للتجديد بتهمة الإيواء والتستر على مطاردين.

مرة أخرى أبلغ القاضي أم بكر: "يجب إحراق دمك على أبنائك فهم مخربون"، قابلته بابتسامة وقالت: "هم فداء للوطن".

"أنجبت خمسة إرهابيين"

"أم بكر" التي قال لها قاضي المحكمة الذي نطق بالحكم الجائر على عبادة: "لا يحق لأم مثلك أن يكون لديها أبناء يكفنونها عند الموت لأنك أنجبت خمسة إرهابيين، ودولة إسرائيل ستحرص على حرمانك من رؤيتهم لآخر لحظة في حياتك"، لم يسمح لها بزيارة أبنائها، حتى الاتصالات شبه معدومة بسبب الحجز الانفرادي لمعظمهم إن لم يكن لجميعهم، تقول: "إن أبناءها معتقلون في سجون مختلفة وبعيدة عن بعضها البعض، ومرات كثيرة تتصادف مواعيد الزيارات لأبنائها في ذات اليوم مما يزيد من حيرتها، ولا تستطيع أن تزور اثنين معا؛ فالإجراءات التي تتخذها مصلحة السجون بحقهم تأخذ وقتا طويلا تستنفد ساعات النهار بكامله، كما أنهم لا يصدرون لها إلا تصريحا واحدا للزيارة".

وتشير الأم المكلومة بأبنائها إلى أنه بعد انتفاضة الأقصى باتت الزيارات صعبة ومعقدة، وغالبا ما يتم إلغاؤها أو منعها هي شخصيا من الزيارة، فما إن يعرف السجان الإسرائيلي أنها والدة أحد المعتقلين من عائلة سعيد بلال حتى يمنعها من مقابلة ابنها المقصود.

ولا ينظر الشيخ سعيد باستهجان للسياسة القمعية الإسرائيلية، بل يعتقد أن اعتقال الصهاينة لأبنائه الخمسة سياسة تفرضها طبيعة المحتل الغريب الذي يشعر بالخوف في كل لحظة يتباهى فيها بالانتصار؛ فالشيخ نفسه قد تعرض للسجن عام 1980، وكذلك تعرض للعقوبات الجائرة كالإقامة الجبرية لفترات طويلة؛ حيث يقول: "لقد أحرقوا مكتبتي بما فيها من كتب قيمة في البلدة القديمة، وهذا ليس غريبا على من حرق المسجد الأقصى ومصاحف القرآن الكريم في المساجد، وهم اليوم يحرقون مهجة قلبي بإبعاد أبنائي الخمسة عني"، مشيرا إلى أن اعتقال عبادة زاد من معاناتهم بسبب مرضه وفقدانه البصر.

ويختم الشيخ كلامه قائلا: إن أمله بأن يعود إليه أبناؤه ما زال حيا في قلبه، وأنه على يقين أنه سيحتضنهم يومًا ما كيقينه أن الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين إلى زوال.
2
532

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

*أليسار*
*أليسار*
:( .. الله يساعد قلب هالأم المسكينة ..
الباب المفتوح
لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم...
اللهم يالله أفرغ على والدي وأهل هؤلاء الشباب وكل من اعتقل على أيدي أشباه الخنازير صبرا من عندك وامنن عليهم بسلوى وراحة يجدونها في قلوبهم منك ياجواد ياكريم...
اللهم إنا نستودعك كل من اعتقل من المسلمين دون ذنب جناه أن تعصم دمائهم وأموالهم وأعراضهم..وأن تفرغ على قلوبهم ونفوسهم صبرا جميلا من عندك وتؤنس وحشتهم وتردهم سالمين غانمين لأهليهم غير خزايا ولامفتونين..اللهم عاجلا غير آجل...آآآآآآآآمين يارب العالمين............