جزاك الله خيرا اختي ام عبد الملك....
وهل انتهت القصة بهذه النهاية؟؟؟!!!
قصة مؤثرة جدا ومحزنة ايضا....
بارك الله لك أختي على هذا المجهود الرائع...
تحياتي...


لا تونااااااااااا على النهايه
باقي شوي ....تحلوا بالصبر......
كنت على هذه الحال ، إذ رأيتها تخرج من مصلى النساء .. فأشرق وجهي .. وأحسست قلبي يعود إلى مكانه .. صرت أخاف عليها ..
وفرحت أنها حريصة على الصلاة ..
تبقى الصلاة ذلك الرباط الوثيق ، الذي يشد الانسان إلى الخير والفضيلة ، مهما إجتالته الشياطين ..
يؤلمني كثيرا مشهد الانسان الذي لا يصلي .. أشفق عليه من النهاية البائسة ..
أحس أن الصلاة هي العتبة الأخيرة .. التي يقف الإنسان عليها ، قبل أن يهوي .. إذا ما تركها ، إلى درك .. يكون فيه ، هو والحيوان سواء ..
قالت وهي تفتح الباب لتركب :
- خفت تطلع من المسجد .. ولا تلقاني .. ثم تروح وتتركني .. فاستعجلت بصلاتي .. تنهدت ، وقلت في سري :
- "أنا الذي خفت .. أنك رحتي وتركتيني .."
صارت بالنسبة لي ، حبلي الوحيد إلى الحياة (الحقيقية) ...
التحدي الحقيقي لاستعادة إنسانيتي المهدرة .. الشمعة التي تتقد لتنثر الضوء ، والدفء في صقيع أعماقي المظلمة ..
في الطريق إلى المدرسة قلت لها :
- قبل أن أنزلك عند المدرسة أريد أن نمر من عند بيتكم ، حتى أعرف مكانه ..
ردت بتوجس ، وكأنها شكت أني سأذهب بها إلى أهلها :
- لماذا ...؟
- يمكن أزوركم الليلة ..
- والله ..؟
- إحتمال ..
تعرفت على موقع البيت ، ثم توجهت بها إلى المدرسة .. لم تكـن الطالبـات قد خرجن بعد .. فانتظرنا في السيارة في شارع مجاور ..
كانت أسراب الطالبات قد بدأت بالخروج من بوابة المدرسة عندما بادرتني قائلة :
- ما قلت لي إسمك ..
- محمد ..
نزلت .. وأغلقت الباب .. وبعد بضع خطوات ألتفتت نحوي ولوحت بأطراف أنا ملها .. خرجت من حي (الأمل) .. أحمل قلبا .. و(أملا) .. وإنسانية مستعادة ..
عند إحدى الاشارات ، نبهني سائق السيارة الذي بجواري ، إلى أن الباب لم يغلق جيدا .. التفت لأغلقة ، فوجدت قصاصة ورقة .. كانت قد كتبتها .. وتعمدت أن تتركها لأجدها.. قرأتها .. ثم دسستها في جيبي .. وتأكدت مرة أخرى أن البراءة لو تمثلت إنسانا ، وسارت على الأرض ، ومشت بين الناس .. لكانت هي ..
صليت العشاء في نفس المسجد .. ثم أنطلقت باتجاه بيتهم .. كنت قد عرفت منها عدد إخوانها وأخواتها ، واتفقت معها أن تذكر لأمها أن إحدى المعلمات تجمع معلومات عن الأسر المحتاجة ، وأنها قد استدعتها وطلبت منها معلومات عن بيتهم وأسرتهم ..
وصلت .. وقرعت الباب .. كنت مرتبكا قليلا . أخذت ، وأنا انتظر الرد ، أقلب طرفي فيما حولي .. لفت نظري أن كل بيت لا يكاد يخلو من طبق من أطباق الاستقبال الفضائية التلفزيونية (الدش) .. بل إن بعضها يتربع على سطحه أكثر من واحد ..
تساءلت في نفسي .. :
أي واقع إجتماعي سيتشكل ، عندما يجتمع في هذه البيوت .. الفقر .. والظلم الاجتماعي والمشاكل الأسرية .. وإنخفاض مستوى التعليم .. وفضائيات تصب العنف ، والجنس ، والرذيلة .. في عقول ساكنيها ..؟
هل يمكن أن يستغرب المرء سلوكا مثل الذي وقع من البندري .. وموضي ..؟
من أين جاء مفهوم (الصاحب) .. الذي يوفر ما عجز عن القيام به (الأب الغائب) .. مسجونا كان .. أو مطلقا .. أو ميتا .. أو حتى عاجزا .. متخليا عن دوره ..؟
من المسئول عن نشوء مثل هذا (العجز) .. في ظل الغياب القسري للأب ..؟
من (الطرف) الآخر الذي (تخلى) عن دوره ..
فسقط مثل هؤلاء (الضحايا) ..؟
فتح الباب ، وأطل طفل لا يتجاوز التاسعة . حسب توصيف موضي ، هذا شقيقها محمد . هناك بنت تكبره .. نوف ، أصغر من موضي ، في الصف السادس الابتدائي .. وأصغر منه بنت في الصف الأول .. أظن أن إسمها إبتسام ، ثم عبد الاله في حدود الخامسة .
سألته :
- اين الوالدة ..؟
- من أنت ؟
- مشرف إجتماعي .. من الجمعية الخيرية ..
غاب قليلا ثم عاد .. وسحب الباب خلفه ، وأبقاه نصف مفتوح ، ثم قال :
- الوالدة خلف الباب ..
ألقيت عليها السلام ، وذكرت لها أنني عضو في مجموعة خيرية ، تقوم بحصر الأسر المحتاجة ، من خلال التعاون مع بعض المعلمات ، ليتم ترتيب شيئا لها ، يساعدها في مواجهة تكاليف الحياة ..
كان يوم سبت ، أخبرتها أن هذه الزيارة استقصائية ، لمعرفة أوضاع الأسرة بالتفصيل ، وأنه سيعقبها زيارات أخرى ..
طلبت مني الدخول إلى غرفة تفتح على الممر المؤدي إلى داخل المنزل ، يبدو أنها (المجلس) المعد لإستقبال الضيوف.
جلست على فرش (موكيت) متآكل .. قد ذهب لونه . كان هناك مسندتان للظهر .. أو ثلاث .. ولا شئ غير ذلك ..
في السقف يوجد مروحة عتيقة ، ولمبة (فلورسنت) 2. شمعة ، أطرافها معتمة لطول الاستخدام . على الجدران المدهونة ، بلون أبيض مطفي ، يوجد خربشات أطفال .. لفت نظري أحدها ، يقول : "الدهر يومان .. يوم لك ، ويوم عليك" ..
ثم رسمة لقلب ، قد إخترقه سهم ، وينزف ، وقد كتب تحته :
" أحبك لو تكون ظالم" ..
لاحظت أن مثل هذه (الشعارات) مشترك (ثقافي) ، بين الاغنياء والفقراء ..
لكن .. كيف يفهم كل فريق (اليومين) .. اليوم الذي له .. واليوم الذي عليه ..؟
،
،
،
ما هو مفهوم كل طرف للحب .. وكيف هو مفهوم الظلم في الحب .. وفي غيره ، عند كل منهما ..؟
كيف فهمت موضي (الحب) .. لما سألتني إن كنت افعل الذي أفعله من أجلها .. لأني أحبها ..
وتبرعت بالتفسير ، على ضوء ما تعتقد أنه القانون السائد ، الذي يحكم العلاقات بين الناس
.. فقالت :
"الشخص لا يخدم شخصا آخر إلا إذا كان يحبه .. أو ينتظر منه شيئا .. مقابل ما يقدمه له" ..
موضي علمت يقينا أنني لا أنتظر منها (شيئا) .. مثل ذلك الذي كان يريده منها صاحب السيارة ..
وهي غير متأكدة أنني أحبها .. لروحها .. وذاتها .. إذ هي .. رغم صغر سنها ، تدرك ، أن حبا من هذا النوع ، لا يمكن أن يتخلق في إتصال هاتفي .. أو لقاء عابر ..
لذلك .. هي عاجزة أن تفسر موقفي منها .. لأنها غير قادرة على أن تبني علاقة بين متغيرين ...
"الخدمة .. مقابل .. ماذا ..؟ "
وهو ما دأب المعطى الثقافي السائد ، على تقديمهما ضمن (تراتيبية) معينة ..
عندما أخذت مكاني في المجلس ، جلست هي خارجة ، في الممر ، عند الباب ، تسمعني ، ولا أراها . سألتها بالتفصيل عن أحوالهم المادية ومصاريفهم اليومية والشهرية ..
عرفت منها أن زوجها مسجون في قضية مخدرات ، وأن محكوميته طويلة ، وأنهم منذ سنتين تقريبا لم يروه .. لأسباب لم تذكرها .
لا أقارب لصيقين لهم في الرياض .. أهلها .. وأهل زوجها يعيشون في مناطق بعيدة .. وليسوا بأحسن حال منهم ..
أنتهى اللقاء .. ووعدتها بزيارة قريبة ..
،
،
،
كنت قبل أن آتيهم ، مررت على محل لبيع الوجبات السريعة ، وأشتريت لهم فطائر (هامبورقر) ومشروبات غازية .. وتعمدت أن يكون عدد الفطائر غير مطابق لعددهم .. حتى لا تشك بأن لدي معلومات سابقة عنهم .
كانت فرحة الأطفال لا توصف .. بكيت في داخلي ، وأنا أراهم يتقافزون فرحا .. ويردد عبدالإلة الصغير : "زي اللي في التلفزيون" ..
عالم لا يرونه إلا في التلفزيون .. وحياة أخرى .. بعضها تافة وسخيف .. ونمارسها نحن بعشوائية ، وتلقائية .. لا يسمعون عنها إلا في التلفزيون ..
إنها (قصة) التلفزيون ..
قصة (الاكسسوارات) ، و (الصاحب) ..
و (الحياة) التي لا تنال .. إلا بأثمان باهضة أدناها الكرامة .. وأحدها الشرف ..
وأحيانا كثيرة .. لا تنال ..
مررت مساء الاثنين في زيارة سريعة ، وأنزلت اغراضا ، استشفيت من لقائي الأول أن هناك حاجة ماسة لها .. اشتريت كذلك وجبات (هامبرقر) ..
في هذه المرة لفت نظري شيئا ..
عندمـا كانت تساعد في إدخال الاغراض لاحظت أنها شابة .. كانت أصغر مما توقعت بكثير . كنت أظن أنها على مشارف الاربعين .. ظننت ذلك بناء على عملية حسابية ، أضفت فيها عمر موضي ، إلى سن الزواج المعتاد للنساء .. وتأخر في الحمل ، سنة أو سنتين ، إضافة إلى أشهر الحمل ..
هي في أول ثلاثينياتها قطعا .. وربما لا تزيد على الثلاث والثلاثين . تألمت أن تواجه إمرأة شابة ، في قمة نضجها البدني والعقلي .. هذا الواقع البائس ..
وحدة .. ووحشة .. وبؤس .. وحرمان ..
في مثل هذه المواقف ، يخطر على بالي هاجس ساذج ، اشبه بتصورات الاطفال .. تتملكني حالة من الأسى ، فتشف روحي .. وأبلغ درجة من التسامي والشفافية ، حتى أنني أود لو أكون أبا لكل يتيم .. وزوجا ، أو أخا لكل أرملة ، أو مطلقة .. أو أنثى .. تواجه بؤس الواقع لوحدها .. وتتحسى سم الظلم .. والقهر ، صباح .. مساء ..
،
،
.. ولأنهـا (خواطر طفلية) .. فإن عجز الاطفال يعتريني ، فأعمد إلى البكـاء .. الصامت .
أبكي .. حتى يذوب قلبي من كمد .. وتذوي نفسي ، حتى يرى ذلك في عيني .. اللتان تتحولان إلى بئر هائلة العمق .. لا ترى إلا لجتها السوداء ..
ابتلعت الدمع .. والضوء .. وغاض منها بريق الحياة ..
هكذا هي الحالة التي تلبستني حينما رأيت أم موضي .. أو أم محمد ، كما هي كنيتها ..
ما أقسى الألم .. حينما يكون إمرأة ..
وما أتعس قلبا .. لا يرى العالم .. إلا من خلال إمرأة ..
كأن العناء الذي أثارته موضي لا يكفي ..
ذكرت لها أني سآتي عصر الخميس ، لآخذ الاطفال إلى مركز ترفيهي ، ليتسلوا ببعض الالعاب . حينما جئت يوم الخميس ، كانـوا بانتظاري .. محمد وإبتسام وعبدالالة . سألتهم عن نوف ، فقالوا إن والدتهم لم تسمح لها ، وقالت لها ، أنت كبيرة .. لا يجوز أن تخالطي الرجال . بقدر ما أسفت أنها لن تفرح مثل بقية الاطفال ، في سنها ، إلا أنني ثمنت الموقف التربوي لوالدتها ، وحرصها على أخلاقها .
أخذتهم إلى مركز ألعاب ، وأطلقتهم يلعبون كما يشاؤون .. كنت أطرب حينما يأتي أحدهم ،
ويقول :
"عمي لو سمحت .. خلني ألعب في هذي اللعبة .." ..
كان قلبي يرقص معهم .. وفرحت كما لم أفرح من قبل في حياتي .. وحينما ركبت معهم في إحدى الالعاب ، ومالت بنا .. وظنوا أنهم سيسقطون ، ألتصقوا بي كالافراخ ، إذ تلوذ بأمها ..
في تلك اللحظة شعرت أني كلي صرت قلبا ، يهتز فقط .. ليمنحهم الحياة ..
ولما طوقتني سواعدهم في إحدى المرات .. شعرت أني أعلو ، وأن روحي تتحلل من ربقة الجسد .. فأنا محض روح ..
خرجنا من مركز الالعاب ، وكان قد بقى على صلاة المغرب ما يقرب من ساعة ..
أقترحت عليهم أن نأكل شيئا .. فضجوا ، فرحا وابتهاجا . دخلنا مطعم وجبات سريعة ، وأكلنا ، وطلبت أكلا للذين بقوا في البيت .
،
،
،
كان وقت صلاة المغرب قد حـان ، عندما غادرنا المطعم . صليت أنا ومحمد في مسجد قريب ، ثم أنطلقنا إلى
البيت . عند الباب كانت في استقبالنا .. كان للأطفال صراخ ، وضحكات متقطعة ، وضجيج ..
فتح الباب بعد طرق لم يتعد ثواني .. من خلف الباب سمعتها تلهج لي بالدعاء ..
طلبت مني أن أدخل لأتناول كأسة شاهي .. فاعتذرت لإنشغالي بارتباط .. جاء صوتها ترجوني :
- لن نؤخرك .. إشرب شاهينا .. حتى لو إنه .. (ماهو قد المقام) ..
- أشرب شاهيكم يا أم محمد .. ولا تقولي هذا الكلام مرة أخرى .. فإنه يؤذيني ..
جلست في نفس المكان ، وبعد لحظات جاء الشاهي في صينية معدن متثلمة ، وعليها ثلاث كأسات شاهي ، كل واحدة من صنف مختلف .
جلست أمامي القرفصاء ملتفة بعباءتها .. وبجانبها عبدالاله . وصبت كأسة شاي وناولتني إياها ، بأطراف أصابعها ، وكفها مازالت ممسكة بعباءتها ..
محاولة أن تكسر جمود الصمت بيننا .. قالت :
- كلفنا عليك .. في ميزانك .. إن شاء الله .
- ليس أجمل من ضحكة طفل .. إلا شعوره بالامتنان تجاهك .. لقد ضمتني إبتسام .. دون أن تتكلم .. لو تدرين يا أم محمد .. تطحننا الحياة أحيانا .. بلا رفق ، بإيقاعها السريع .. ونحتاج إلى ضمة كهذه .. لتبتل قلوبنا التي قتلها العطش ..
خرجت من عندهم ، ووعدت بزيارة في مطلع الاسبوع القادم دون أن أحدد وقتا معينا ..
انشغلت يوم السبت ، لكنني جئت في الموعد نفسه مساء الأحد . طرقت الباب وأنا أحمل طعاما ، وبعض الحلويات ..
تأخر الرد هذه المرة .. ثم حينما فتح الباب ، ظهر محمد مترددا .. ناولته الأغراض ، بعد أن سلمت عليه ، وداعبته .. لكنه لم يستجب لدعابتي .. قلت ..
ربما أغضبه أحد .. لكنه أيضا ، لم يستلم الأغراض مني .. وتراجع ، وقال ، وهو يشرع في إغلاق الباب :
- أمي تقول .. لا نريد منك شيئا .. ولا نريد أن نراك ثانية ..وقفت مشدوها أمام الباب ..
ما الذي حدث .. خاطبت نفسي ..؟
تركت الأغراض في مكانها ، وعدت إلى سيارتي أجر خطواتي جرا ..
شعرت أني مكلوم الفؤاد ..
مثل عاص طرد من الرحمة ..
ركبت سيارتي ، لكني عجزت عن تشغيلها ..
عدت إلى الباب ثانية وطرقته .. وألححت في الطرق .. فجاءني صوتها من وراء الباب:
- أرجوك أن تدعنا وشأننا ..
- لن تريني ثانية .. خذي الأغراض التي عند الباب .. إنها للأطفال .. أرجوك ..
لم أنم تلك الليلة .. قلبني الهم والوجع ..وتعذبت ..
شعرت كأنما دخلت التيه من جديد .. كطفل فقد أمه في زحام ..
فارغ القلب .. فارغ العينين .. يصرخ .. وصوته ضائع في الضجيج ..
سيطر علي إحساس أن الأمر له علاقة بموضي .. في الصباح الباكر إنطلقت ، قبل أن يبدأ الطلاب والطالبات الخروج إلى المدارس ..
جلست أرقب البيت من بعيد .. كلهم خرجوا إلا هي ..
من الغد .. صباح الثلاثاء ، فعلت الشئ نفسه .. لم تخرج موضي ..
بعد المغرب كنت عند الباب . طرقت .. جاء الرد بأسرع مما توقعت ..
كانت إبتسام هي التي فتحت ، يضيء وجهها بابتسامة ، شعرت بوهجها يلمع في عيني ..
- ماما .. محمد عند الباب ...
سمعت الصوت يأتي من الداخل ...
- أغلقي الباب ... يا بنت ..
كان معي في جيبي حلاوة ، فأخرجتها ، ولوحت بها لإبتسام ..
فجاءت تركض نحوي ..
طبعـت على جبينها قبلة ، وأعطيتها الحلاوة .. وأخذت أمازحها .. استبطأت أمها عودتها ، فجاءت إلى حيث الباب ، فرأتها معي .. صرخت :
- تعالي يا بنت ..
ثم وجهت الكلام لي :
- لم لا تكفينا شرك ..؟
- أم محمد .. أنا سأذهب .. لكن ، ليس قبل أن أعرف السبب ..
- أما تخاف الله .. تستغل حاجتنا .. وضعفنا .. وقلة حيلتنا لتخدع فتاة بريئة ..
أحسست كأنما دق في صدري وتد هائل .. انقبض قلبي وزادت دقاته .. وعجزت أن اتنفس .. وشعرت بحاجة للجلوس .. فارتميت على عتبة الباب ..
وخانني الدمع .. فتفجرت عيناي ..
رفعت وجهي إليها ، الذي غدا ، والدمع يملؤه ، كغدير ماء ضحل خاضت فيه السنابك ..
- إتق الله .. فأنا لا أتحمل مثل هذا الكلام .. ولن أغادر عتبة بابك حتى أعرف القصة كاملة ..
كأنما شكت فيما لديها ، مما تعتقد أنه (حقائق) ، وهي ترى الألم .. والذهول .. والصدمة .. تتصبب من قسمات وجهي صبا ..
أو هكذا ظننت ..
- تفضل ..
دخلت وأخذت مكاني المعتاد في المجلس .غابت عني دقائق ثم عادت ومعها موضي .. ووقفت أمامي .. ثم قالت ، وهي تشير إلى موضي بصوت مملوء بالغضب ..
- ما قصة هذه الملعونة ..؟
ثم لطمتها لطمة أطارت غطاء وجهها ..
كان مشهدا صدع قلبي .. ذلك الوجه اللؤلؤي البديع غدا كقطعة كهرمان .. من الكدمات السود التي انتشرت فيه ، نتيجة لتعرضه لضرب قاس وعنيف ..
إلتقطت موضي غطاء وجهها ، ولحظتني بطرف كسير .. أتى على البقية الباقية من نفسي .. ثم قبعت عند الباب .. كما أمرتها أمها ..
حكيت لها قصتي مع موضي كلها .. ثم قلت :
- أريد أن أحدثك حديثا خاصا .. قبل أن أمشي ..
أشارت إلى موضي بالانصراف ..
- البنت طفلة بريئة .. ضحية ظروف كثيرة ، لا تستحق هذه القسوة .. والقسوة لا تحل مشكلة ..
إن كانت موجودة ..
هي قد ارتكبت خطأ .. نعم .. لكن تم تداركه والحمد لله ..
- محمد ..
هكذا نادتني .. باسمي مجردا .. والبكاء يغلبها ..
باقي شوي ....تحلوا بالصبر......
كنت على هذه الحال ، إذ رأيتها تخرج من مصلى النساء .. فأشرق وجهي .. وأحسست قلبي يعود إلى مكانه .. صرت أخاف عليها ..
وفرحت أنها حريصة على الصلاة ..
تبقى الصلاة ذلك الرباط الوثيق ، الذي يشد الانسان إلى الخير والفضيلة ، مهما إجتالته الشياطين ..
يؤلمني كثيرا مشهد الانسان الذي لا يصلي .. أشفق عليه من النهاية البائسة ..
أحس أن الصلاة هي العتبة الأخيرة .. التي يقف الإنسان عليها ، قبل أن يهوي .. إذا ما تركها ، إلى درك .. يكون فيه ، هو والحيوان سواء ..
قالت وهي تفتح الباب لتركب :
- خفت تطلع من المسجد .. ولا تلقاني .. ثم تروح وتتركني .. فاستعجلت بصلاتي .. تنهدت ، وقلت في سري :
- "أنا الذي خفت .. أنك رحتي وتركتيني .."
صارت بالنسبة لي ، حبلي الوحيد إلى الحياة (الحقيقية) ...
التحدي الحقيقي لاستعادة إنسانيتي المهدرة .. الشمعة التي تتقد لتنثر الضوء ، والدفء في صقيع أعماقي المظلمة ..
في الطريق إلى المدرسة قلت لها :
- قبل أن أنزلك عند المدرسة أريد أن نمر من عند بيتكم ، حتى أعرف مكانه ..
ردت بتوجس ، وكأنها شكت أني سأذهب بها إلى أهلها :
- لماذا ...؟
- يمكن أزوركم الليلة ..
- والله ..؟
- إحتمال ..
تعرفت على موقع البيت ، ثم توجهت بها إلى المدرسة .. لم تكـن الطالبـات قد خرجن بعد .. فانتظرنا في السيارة في شارع مجاور ..
كانت أسراب الطالبات قد بدأت بالخروج من بوابة المدرسة عندما بادرتني قائلة :
- ما قلت لي إسمك ..
- محمد ..
نزلت .. وأغلقت الباب .. وبعد بضع خطوات ألتفتت نحوي ولوحت بأطراف أنا ملها .. خرجت من حي (الأمل) .. أحمل قلبا .. و(أملا) .. وإنسانية مستعادة ..
عند إحدى الاشارات ، نبهني سائق السيارة الذي بجواري ، إلى أن الباب لم يغلق جيدا .. التفت لأغلقة ، فوجدت قصاصة ورقة .. كانت قد كتبتها .. وتعمدت أن تتركها لأجدها.. قرأتها .. ثم دسستها في جيبي .. وتأكدت مرة أخرى أن البراءة لو تمثلت إنسانا ، وسارت على الأرض ، ومشت بين الناس .. لكانت هي ..
صليت العشاء في نفس المسجد .. ثم أنطلقت باتجاه بيتهم .. كنت قد عرفت منها عدد إخوانها وأخواتها ، واتفقت معها أن تذكر لأمها أن إحدى المعلمات تجمع معلومات عن الأسر المحتاجة ، وأنها قد استدعتها وطلبت منها معلومات عن بيتهم وأسرتهم ..
وصلت .. وقرعت الباب .. كنت مرتبكا قليلا . أخذت ، وأنا انتظر الرد ، أقلب طرفي فيما حولي .. لفت نظري أن كل بيت لا يكاد يخلو من طبق من أطباق الاستقبال الفضائية التلفزيونية (الدش) .. بل إن بعضها يتربع على سطحه أكثر من واحد ..
تساءلت في نفسي .. :
أي واقع إجتماعي سيتشكل ، عندما يجتمع في هذه البيوت .. الفقر .. والظلم الاجتماعي والمشاكل الأسرية .. وإنخفاض مستوى التعليم .. وفضائيات تصب العنف ، والجنس ، والرذيلة .. في عقول ساكنيها ..؟
هل يمكن أن يستغرب المرء سلوكا مثل الذي وقع من البندري .. وموضي ..؟
من أين جاء مفهوم (الصاحب) .. الذي يوفر ما عجز عن القيام به (الأب الغائب) .. مسجونا كان .. أو مطلقا .. أو ميتا .. أو حتى عاجزا .. متخليا عن دوره ..؟
من المسئول عن نشوء مثل هذا (العجز) .. في ظل الغياب القسري للأب ..؟
من (الطرف) الآخر الذي (تخلى) عن دوره ..
فسقط مثل هؤلاء (الضحايا) ..؟
فتح الباب ، وأطل طفل لا يتجاوز التاسعة . حسب توصيف موضي ، هذا شقيقها محمد . هناك بنت تكبره .. نوف ، أصغر من موضي ، في الصف السادس الابتدائي .. وأصغر منه بنت في الصف الأول .. أظن أن إسمها إبتسام ، ثم عبد الاله في حدود الخامسة .
سألته :
- اين الوالدة ..؟
- من أنت ؟
- مشرف إجتماعي .. من الجمعية الخيرية ..
غاب قليلا ثم عاد .. وسحب الباب خلفه ، وأبقاه نصف مفتوح ، ثم قال :
- الوالدة خلف الباب ..
ألقيت عليها السلام ، وذكرت لها أنني عضو في مجموعة خيرية ، تقوم بحصر الأسر المحتاجة ، من خلال التعاون مع بعض المعلمات ، ليتم ترتيب شيئا لها ، يساعدها في مواجهة تكاليف الحياة ..
كان يوم سبت ، أخبرتها أن هذه الزيارة استقصائية ، لمعرفة أوضاع الأسرة بالتفصيل ، وأنه سيعقبها زيارات أخرى ..
طلبت مني الدخول إلى غرفة تفتح على الممر المؤدي إلى داخل المنزل ، يبدو أنها (المجلس) المعد لإستقبال الضيوف.
جلست على فرش (موكيت) متآكل .. قد ذهب لونه . كان هناك مسندتان للظهر .. أو ثلاث .. ولا شئ غير ذلك ..
في السقف يوجد مروحة عتيقة ، ولمبة (فلورسنت) 2. شمعة ، أطرافها معتمة لطول الاستخدام . على الجدران المدهونة ، بلون أبيض مطفي ، يوجد خربشات أطفال .. لفت نظري أحدها ، يقول : "الدهر يومان .. يوم لك ، ويوم عليك" ..
ثم رسمة لقلب ، قد إخترقه سهم ، وينزف ، وقد كتب تحته :
" أحبك لو تكون ظالم" ..
لاحظت أن مثل هذه (الشعارات) مشترك (ثقافي) ، بين الاغنياء والفقراء ..
لكن .. كيف يفهم كل فريق (اليومين) .. اليوم الذي له .. واليوم الذي عليه ..؟
،
،
،
ما هو مفهوم كل طرف للحب .. وكيف هو مفهوم الظلم في الحب .. وفي غيره ، عند كل منهما ..؟
كيف فهمت موضي (الحب) .. لما سألتني إن كنت افعل الذي أفعله من أجلها .. لأني أحبها ..
وتبرعت بالتفسير ، على ضوء ما تعتقد أنه القانون السائد ، الذي يحكم العلاقات بين الناس
.. فقالت :
"الشخص لا يخدم شخصا آخر إلا إذا كان يحبه .. أو ينتظر منه شيئا .. مقابل ما يقدمه له" ..
موضي علمت يقينا أنني لا أنتظر منها (شيئا) .. مثل ذلك الذي كان يريده منها صاحب السيارة ..
وهي غير متأكدة أنني أحبها .. لروحها .. وذاتها .. إذ هي .. رغم صغر سنها ، تدرك ، أن حبا من هذا النوع ، لا يمكن أن يتخلق في إتصال هاتفي .. أو لقاء عابر ..
لذلك .. هي عاجزة أن تفسر موقفي منها .. لأنها غير قادرة على أن تبني علاقة بين متغيرين ...
"الخدمة .. مقابل .. ماذا ..؟ "
وهو ما دأب المعطى الثقافي السائد ، على تقديمهما ضمن (تراتيبية) معينة ..
عندما أخذت مكاني في المجلس ، جلست هي خارجة ، في الممر ، عند الباب ، تسمعني ، ولا أراها . سألتها بالتفصيل عن أحوالهم المادية ومصاريفهم اليومية والشهرية ..
عرفت منها أن زوجها مسجون في قضية مخدرات ، وأن محكوميته طويلة ، وأنهم منذ سنتين تقريبا لم يروه .. لأسباب لم تذكرها .
لا أقارب لصيقين لهم في الرياض .. أهلها .. وأهل زوجها يعيشون في مناطق بعيدة .. وليسوا بأحسن حال منهم ..
أنتهى اللقاء .. ووعدتها بزيارة قريبة ..
،
،
،
كنت قبل أن آتيهم ، مررت على محل لبيع الوجبات السريعة ، وأشتريت لهم فطائر (هامبورقر) ومشروبات غازية .. وتعمدت أن يكون عدد الفطائر غير مطابق لعددهم .. حتى لا تشك بأن لدي معلومات سابقة عنهم .
كانت فرحة الأطفال لا توصف .. بكيت في داخلي ، وأنا أراهم يتقافزون فرحا .. ويردد عبدالإلة الصغير : "زي اللي في التلفزيون" ..
عالم لا يرونه إلا في التلفزيون .. وحياة أخرى .. بعضها تافة وسخيف .. ونمارسها نحن بعشوائية ، وتلقائية .. لا يسمعون عنها إلا في التلفزيون ..
إنها (قصة) التلفزيون ..
قصة (الاكسسوارات) ، و (الصاحب) ..
و (الحياة) التي لا تنال .. إلا بأثمان باهضة أدناها الكرامة .. وأحدها الشرف ..
وأحيانا كثيرة .. لا تنال ..
مررت مساء الاثنين في زيارة سريعة ، وأنزلت اغراضا ، استشفيت من لقائي الأول أن هناك حاجة ماسة لها .. اشتريت كذلك وجبات (هامبرقر) ..
في هذه المرة لفت نظري شيئا ..
عندمـا كانت تساعد في إدخال الاغراض لاحظت أنها شابة .. كانت أصغر مما توقعت بكثير . كنت أظن أنها على مشارف الاربعين .. ظننت ذلك بناء على عملية حسابية ، أضفت فيها عمر موضي ، إلى سن الزواج المعتاد للنساء .. وتأخر في الحمل ، سنة أو سنتين ، إضافة إلى أشهر الحمل ..
هي في أول ثلاثينياتها قطعا .. وربما لا تزيد على الثلاث والثلاثين . تألمت أن تواجه إمرأة شابة ، في قمة نضجها البدني والعقلي .. هذا الواقع البائس ..
وحدة .. ووحشة .. وبؤس .. وحرمان ..
في مثل هذه المواقف ، يخطر على بالي هاجس ساذج ، اشبه بتصورات الاطفال .. تتملكني حالة من الأسى ، فتشف روحي .. وأبلغ درجة من التسامي والشفافية ، حتى أنني أود لو أكون أبا لكل يتيم .. وزوجا ، أو أخا لكل أرملة ، أو مطلقة .. أو أنثى .. تواجه بؤس الواقع لوحدها .. وتتحسى سم الظلم .. والقهر ، صباح .. مساء ..
،
،
.. ولأنهـا (خواطر طفلية) .. فإن عجز الاطفال يعتريني ، فأعمد إلى البكـاء .. الصامت .
أبكي .. حتى يذوب قلبي من كمد .. وتذوي نفسي ، حتى يرى ذلك في عيني .. اللتان تتحولان إلى بئر هائلة العمق .. لا ترى إلا لجتها السوداء ..
ابتلعت الدمع .. والضوء .. وغاض منها بريق الحياة ..
هكذا هي الحالة التي تلبستني حينما رأيت أم موضي .. أو أم محمد ، كما هي كنيتها ..
ما أقسى الألم .. حينما يكون إمرأة ..
وما أتعس قلبا .. لا يرى العالم .. إلا من خلال إمرأة ..
كأن العناء الذي أثارته موضي لا يكفي ..
ذكرت لها أني سآتي عصر الخميس ، لآخذ الاطفال إلى مركز ترفيهي ، ليتسلوا ببعض الالعاب . حينما جئت يوم الخميس ، كانـوا بانتظاري .. محمد وإبتسام وعبدالالة . سألتهم عن نوف ، فقالوا إن والدتهم لم تسمح لها ، وقالت لها ، أنت كبيرة .. لا يجوز أن تخالطي الرجال . بقدر ما أسفت أنها لن تفرح مثل بقية الاطفال ، في سنها ، إلا أنني ثمنت الموقف التربوي لوالدتها ، وحرصها على أخلاقها .
أخذتهم إلى مركز ألعاب ، وأطلقتهم يلعبون كما يشاؤون .. كنت أطرب حينما يأتي أحدهم ،
ويقول :
"عمي لو سمحت .. خلني ألعب في هذي اللعبة .." ..
كان قلبي يرقص معهم .. وفرحت كما لم أفرح من قبل في حياتي .. وحينما ركبت معهم في إحدى الالعاب ، ومالت بنا .. وظنوا أنهم سيسقطون ، ألتصقوا بي كالافراخ ، إذ تلوذ بأمها ..
في تلك اللحظة شعرت أني كلي صرت قلبا ، يهتز فقط .. ليمنحهم الحياة ..
ولما طوقتني سواعدهم في إحدى المرات .. شعرت أني أعلو ، وأن روحي تتحلل من ربقة الجسد .. فأنا محض روح ..
خرجنا من مركز الالعاب ، وكان قد بقى على صلاة المغرب ما يقرب من ساعة ..
أقترحت عليهم أن نأكل شيئا .. فضجوا ، فرحا وابتهاجا . دخلنا مطعم وجبات سريعة ، وأكلنا ، وطلبت أكلا للذين بقوا في البيت .
،
،
،
كان وقت صلاة المغرب قد حـان ، عندما غادرنا المطعم . صليت أنا ومحمد في مسجد قريب ، ثم أنطلقنا إلى
البيت . عند الباب كانت في استقبالنا .. كان للأطفال صراخ ، وضحكات متقطعة ، وضجيج ..
فتح الباب بعد طرق لم يتعد ثواني .. من خلف الباب سمعتها تلهج لي بالدعاء ..
طلبت مني أن أدخل لأتناول كأسة شاهي .. فاعتذرت لإنشغالي بارتباط .. جاء صوتها ترجوني :
- لن نؤخرك .. إشرب شاهينا .. حتى لو إنه .. (ماهو قد المقام) ..
- أشرب شاهيكم يا أم محمد .. ولا تقولي هذا الكلام مرة أخرى .. فإنه يؤذيني ..
جلست في نفس المكان ، وبعد لحظات جاء الشاهي في صينية معدن متثلمة ، وعليها ثلاث كأسات شاهي ، كل واحدة من صنف مختلف .
جلست أمامي القرفصاء ملتفة بعباءتها .. وبجانبها عبدالاله . وصبت كأسة شاي وناولتني إياها ، بأطراف أصابعها ، وكفها مازالت ممسكة بعباءتها ..
محاولة أن تكسر جمود الصمت بيننا .. قالت :
- كلفنا عليك .. في ميزانك .. إن شاء الله .
- ليس أجمل من ضحكة طفل .. إلا شعوره بالامتنان تجاهك .. لقد ضمتني إبتسام .. دون أن تتكلم .. لو تدرين يا أم محمد .. تطحننا الحياة أحيانا .. بلا رفق ، بإيقاعها السريع .. ونحتاج إلى ضمة كهذه .. لتبتل قلوبنا التي قتلها العطش ..
خرجت من عندهم ، ووعدت بزيارة في مطلع الاسبوع القادم دون أن أحدد وقتا معينا ..
انشغلت يوم السبت ، لكنني جئت في الموعد نفسه مساء الأحد . طرقت الباب وأنا أحمل طعاما ، وبعض الحلويات ..
تأخر الرد هذه المرة .. ثم حينما فتح الباب ، ظهر محمد مترددا .. ناولته الأغراض ، بعد أن سلمت عليه ، وداعبته .. لكنه لم يستجب لدعابتي .. قلت ..
ربما أغضبه أحد .. لكنه أيضا ، لم يستلم الأغراض مني .. وتراجع ، وقال ، وهو يشرع في إغلاق الباب :
- أمي تقول .. لا نريد منك شيئا .. ولا نريد أن نراك ثانية ..وقفت مشدوها أمام الباب ..
ما الذي حدث .. خاطبت نفسي ..؟
تركت الأغراض في مكانها ، وعدت إلى سيارتي أجر خطواتي جرا ..
شعرت أني مكلوم الفؤاد ..
مثل عاص طرد من الرحمة ..
ركبت سيارتي ، لكني عجزت عن تشغيلها ..
عدت إلى الباب ثانية وطرقته .. وألححت في الطرق .. فجاءني صوتها من وراء الباب:
- أرجوك أن تدعنا وشأننا ..
- لن تريني ثانية .. خذي الأغراض التي عند الباب .. إنها للأطفال .. أرجوك ..
لم أنم تلك الليلة .. قلبني الهم والوجع ..وتعذبت ..
شعرت كأنما دخلت التيه من جديد .. كطفل فقد أمه في زحام ..
فارغ القلب .. فارغ العينين .. يصرخ .. وصوته ضائع في الضجيج ..
سيطر علي إحساس أن الأمر له علاقة بموضي .. في الصباح الباكر إنطلقت ، قبل أن يبدأ الطلاب والطالبات الخروج إلى المدارس ..
جلست أرقب البيت من بعيد .. كلهم خرجوا إلا هي ..
من الغد .. صباح الثلاثاء ، فعلت الشئ نفسه .. لم تخرج موضي ..
بعد المغرب كنت عند الباب . طرقت .. جاء الرد بأسرع مما توقعت ..
كانت إبتسام هي التي فتحت ، يضيء وجهها بابتسامة ، شعرت بوهجها يلمع في عيني ..
- ماما .. محمد عند الباب ...
سمعت الصوت يأتي من الداخل ...
- أغلقي الباب ... يا بنت ..
كان معي في جيبي حلاوة ، فأخرجتها ، ولوحت بها لإبتسام ..
فجاءت تركض نحوي ..
طبعـت على جبينها قبلة ، وأعطيتها الحلاوة .. وأخذت أمازحها .. استبطأت أمها عودتها ، فجاءت إلى حيث الباب ، فرأتها معي .. صرخت :
- تعالي يا بنت ..
ثم وجهت الكلام لي :
- لم لا تكفينا شرك ..؟
- أم محمد .. أنا سأذهب .. لكن ، ليس قبل أن أعرف السبب ..
- أما تخاف الله .. تستغل حاجتنا .. وضعفنا .. وقلة حيلتنا لتخدع فتاة بريئة ..
أحسست كأنما دق في صدري وتد هائل .. انقبض قلبي وزادت دقاته .. وعجزت أن اتنفس .. وشعرت بحاجة للجلوس .. فارتميت على عتبة الباب ..
وخانني الدمع .. فتفجرت عيناي ..
رفعت وجهي إليها ، الذي غدا ، والدمع يملؤه ، كغدير ماء ضحل خاضت فيه السنابك ..
- إتق الله .. فأنا لا أتحمل مثل هذا الكلام .. ولن أغادر عتبة بابك حتى أعرف القصة كاملة ..
كأنما شكت فيما لديها ، مما تعتقد أنه (حقائق) ، وهي ترى الألم .. والذهول .. والصدمة .. تتصبب من قسمات وجهي صبا ..
أو هكذا ظننت ..
- تفضل ..
دخلت وأخذت مكاني المعتاد في المجلس .غابت عني دقائق ثم عادت ومعها موضي .. ووقفت أمامي .. ثم قالت ، وهي تشير إلى موضي بصوت مملوء بالغضب ..
- ما قصة هذه الملعونة ..؟
ثم لطمتها لطمة أطارت غطاء وجهها ..
كان مشهدا صدع قلبي .. ذلك الوجه اللؤلؤي البديع غدا كقطعة كهرمان .. من الكدمات السود التي انتشرت فيه ، نتيجة لتعرضه لضرب قاس وعنيف ..
إلتقطت موضي غطاء وجهها ، ولحظتني بطرف كسير .. أتى على البقية الباقية من نفسي .. ثم قبعت عند الباب .. كما أمرتها أمها ..
حكيت لها قصتي مع موضي كلها .. ثم قلت :
- أريد أن أحدثك حديثا خاصا .. قبل أن أمشي ..
أشارت إلى موضي بالانصراف ..
- البنت طفلة بريئة .. ضحية ظروف كثيرة ، لا تستحق هذه القسوة .. والقسوة لا تحل مشكلة ..
إن كانت موجودة ..
هي قد ارتكبت خطأ .. نعم .. لكن تم تداركه والحمد لله ..
- محمد ..
هكذا نادتني .. باسمي مجردا .. والبكاء يغلبها ..

dreem20
•
أم عبد الملك الله يعطيك العافية كملي وارجووووووووووووووووووووووووووووووكييييييييييييييييييي انه اذا انتهت القصة اكتبي في نهايتها
*********************************انــــــــــــــــــــتــــــــــــــــهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت****************************************
*********************************انــــــــــــــــــــتــــــــــــــــهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت****************************************
الصفحة الأخيرة
وفيه من هذا النوع كثيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييير الله يحميهم ويبعد عنهم كل شر
وعلى فكرة انا اول مرة اسمع القصة
وتصدقين عاد كنت اتوقع نهايتها مثل الحقني ياحليب السعودية او مع تايد --------وعاد تعرفين الباقي
لكن مشكوووووووووووووووووووووووورة