
أسمع الأنفاس من حولي تتوالى..
لا أدري إن كانت هي أنفاسي أم أنفاس من حولي..
أسمع فيها ترانيم الحياة..
من حكايا و ضحكات..
و همسات و تنهيدات..
بينما أكتفي أنا بالصمت..
لأدير بخيالي عجلة القيادة..
و أركب بساط الريح الأبيض..
و أطير به من فكرة لأخرى..
تقترب يدا حفيدي لتتلمس خطوط الزمن التي باتت واضحه على أصابعي..
فأشعر بدفئها.. و حبها..
أبادلها الابتسام.. بعد حرب قاسية مع شفتاي الوهنتان
ليصرخ الصغير:جدتي ابتسمت جدتي ابتسمت..انظري يا أمي
فتجيبه والدته و حرقة في حلقها: ذلك لأنها سعيدة بزيارتك..
أسمع صوتها
ابنتي حبيبتي التي اشتاقت عيناي لها..
و اشتكى حضني فراقها..
اشتم رائحتها..
و اكاد أراها في مخيلتي تخفي دموعها عن صغيرها..
إنها طفلتي و قطعة من جسدي.. و انجازي و فخري.. ما كنت لأظنها ستكبر أبدا..
حاولت جهدي.. و استجمعت قوتي..
أريد أن أتلمس وجهها.. و أحيطه بذراعي تماما كإحاطة السوار للمعصم..
أريد أن أخبرها بأن كل شيء سيكون بخير..
فأجد يداي تخوناني..
و جسدي يزداد التصاقا بالسرير..
كمن يهاب الحياة..
أنا حبيسة جسدي..
و سجينة المرض..
الغيبوبة احتلتني منذ سنين و سيرتني كما تهوى..
قواي قد خارت..
و أطرافي قد ضعفت..
و بالرغم من ذلك أجد أملي يزهر كل يوم..
من تحت الرماد..
متسلحاً بالمحبة والصبر و الدعاء..
ويظل عزائي الأجر من رب السماء..
فبالرغم من عجزي إلا أنني محظوظة بعائلتي التي تظل تزورني كل يوم...
و تحكي لي.. فلانة تزوجت.. و تلك ولدت..
اليوم ذهبنا و فعلنا و أكلنا و تعلمنا..
فأعيش مع أحاديثهم حياة خارج أسوار الجسد..
و أسمع منها أنفاسي.. و أنفاسهم..
فتمتزج مع بعضها البعض..
باعثة الدفء في المكان..
فأتذوق طعم الحياة من أبنائي و بناتي شهداً..
كما كنت بالأمس مرآتهم للدنيا
باتوا اليوم مرآتي للعالم..
و أبقى معهم أحلم..
إلى أن يأتي ذلك الصوت الرخيم ليوقظني قائلاً:
عذراً لقد انتهى موعد الزيارة..