الوتين66

الوتين66 @alotyn66

عضوة فعالة

أنقذوني فقد أصبح المال فتنتي

الملتقى العام

فتنة المال

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونتوكل عليه ونثني عليه الخير كله , نحمده ولا نجحده ونصلي ونسلم على خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام وبعد :
قال تعالى :
" المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا " الكهف 46 وقال سبحانه :" إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم " التغابن 15
فلقد أصبح المال اليوم عند بعض الناس غاية وليس وسيلة وصار هو الشغل الشاغل الذي أنساهم ما سواه وكأنهم ما خلقوا إلا لذلك وتعددت طرق جمع المال بشكل كبير جداً منها ما هو حلال ومنها ما يغضب العزيز الجبار وصار البعض لا يهتم جمع من حلال أم من غير ذلك حتى ملأ حب المال قلوبهم فلم يبقى في القلوب متسع لسواه فمن أجله تسفك الدماء ومن أجله قد تستباح الأعراض ومن أجله قد يبيع البعض دينه – والعياذ بالله – بعرض منه قليل .
عن كعب ابن مالك – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه " رواه الترمذي وإبن حبان وهو حديث صحيح . فالمال فتنة ولا يسلم جامعه من شره إن لم يتقي الله تعالى فيه, وعن كعب ابن عياض – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال " رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وهو حديث صحيح , ويقول الحسن البصري – رحمه الله- : لكل أمة وثن يعبدونه وصنم هذه الأمة الدينار والدرهم . ويقول إبراهيم النخعي : إنما أهلك الناس فضول الكلام وفضول المال . فويل لمن عاش في هذه الدنيا مغروراً وظن أن السعادة كلها في جمع الأموال وتكديسها عنده آلافاً وملايين وبنايات وأراضي وعقارات فهذا هو الخاسر , أما علم أصحاب الأموال أن المال إذا تجاوز خدمة الدين وابتعد عنه فسيكون وبالاً ونكبة على صاحبه . يقول داوود عليه السلام : اللهم إني أعوذ بك من جار السوء ومن مال يكون علي عذابا . ولما سئل عيسى عليه السلام عن المال قال : لا خير فيه قيل : ولم يا نبي الله ؟ قال : لأنه يجمع من غير حل , قيل : فإن جمع من حل ؟ قال : لا يؤدى حقه , قيل : فإن أدى حقه ؟ قال : لا يسلم صاحبه من الكبر والخيلاء , قيل : فإن سلم ؟ قال : يشغله عن ذكر الله , قيل : فإن لم يشغله ؟ قال : يطيل عليه الحساب يوم القيامة . وأما محمد صلى الله عليه وسلم فلم يكن همه في هذه الدنيا جمع الأموال بل كان زاهداً فيها , وعن انس ابن مالك – رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : " حبب لي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة " رواه النسائي والحاكم وهو حديث صحيح, وقد عرضت عليه بطحاء مكة أن تكون ذهباً وفضة فرفضها وكان يمر عليه الشهر والشهران والثلاثة ولم يوقد في بيته نار وكان طعامه التمر والماء .
وفي قوله تعالى :" ألهاكم التكاثر " يقول ابن القيم - رحمه الله - :التكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره وهو مذموم إلا فيما يقرب إلى الله عز وجل. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الداء الخطير فعن ابي هريرة – رضي الله عنه – انه صلى الله عليه وسلم قال : " ما أخشى عليكم الفقر ولكن أخشى عليكم التكاثر " رواه أحمد وابن حبان والحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم .وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه كان يعطي الناس عطاءهم فجاء رجل فأعطاه ألف درهم ثم قال : خذها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما أهلك من قبلكم الدينار والدرهم وهم مهلكاكم " صححه الألباني وقال صحيح لغيره , وعن حكيم ابن حزام – رضي الله عنه - قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال : " يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه, ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه كالذي يأكل ولا يشبع " رواه البخاري ومسلم . وعن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالفجور ففجروا " رواه أبو داوود وهو حديث حسن صحيح .
قال طائفة من العلماء : الشح هو الحرص الشديد الذي يحمل صاحبه على أن يأخذ الأشياء من غير حلها ويمنعها حقوقها , وحقيقته أن تتشوف النفس إلى ما حرم الله ومنع منه , وأن لا يقنع الإنسان بما أحل الله له من مال أو فرج أو غيرهما . انتهى كلامهم رحمهم الله .
فمتى ما وصل الحرص على المال إلى هذه الدرجة نقص بذلك الدين والإيمان نقصاً بيناً . فالحريص على المال يضيع زمانه الشريف ويخاطر بنفسه في الأسفار وركوب الأخطار لجمع مال ينتفع به غيره . قيل لبعض الحكماء : إن فلاناً جمع مالاً . قال : هل جمع أياماً ينفقه فيها ؟ قيل : لا . قال : إذن ما جمع شيئاً .

وكما قال الشاعر :

يا جامعاً مانعاً والدهر يرمقه مفكراً أي باب منه يغلقه


جمعت مالاً ففكر هل جمعت له يا جامع المال أياماً تفرقه


المال عندك مخزون لوارثه ما المال مالك إلا يوم تنفقه


إن القناعة من يحلل بساحتها لم يلقى في ظلها هماً يؤرقه


وفي بعض الآثار الإسرائيلية تقول : الرزق مقسوم والحريص محروم , ابن أدم إذا أفنيت عمرك في طلب الدنيا فمتى تطلب الآخرة ؟ يقول الكواكبي : للمال الكثير من الآفات على الحياة الشريفة ترتعد منها فرائص أهل الفضيلة والكمال الذين يفضلون الكفاف من الرزق مع حفظ الحرية والشرف على امتلاك دواعي الترف و السرف , وينظرون إلى المال الزائد عن الحاجة على انه بلاء في بلاء في بلاء. ويقال : إن رجلاً بلا مال رجل فقير ولكن الأفقر منه رجل ليس لديه إلا المال . ويقول دوما : المال خادم جيد ولكنه سيد فاسد . ويقول أحد الحكماء : من يؤمن أن المال هو كل شيء , يفعل أي شيء من أجل الحصول عليه .
ويقول المتنبي :

ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر


وهنا نسأل هل السعادة في جمع المال ؟
فلقد صورت وسائل الإعلام المختلفة على أن السعيد هو الذي يملك مالاً أكثر من الآخرين وأن الشخص الغني هو الأسعد على الإطلاق , وهذا خطأ كبير وتلبيس على الناس . عن ابي هريرة – رضي الله عنه – قال : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس " متفق عليه . ويقول أحمد أمين : إن مثل من يجمع المال قصداً للسعادة كمثل الذي يتسلح للعدو فيلبس دروعاً ثقيلة ويحمل أسلحة كثيرة حتى يثقل ذلك عليه فيمنعه من السير . ويقول الشيخ الدكتور سلمان العودة : المال عرض زائل , تكسبه حين تنفقه ويشقيك مراراً إن أنت أمسكته , فالعاقل من أسكنه في يده ولم يأذن له بدخول قلبه فلا يطغى بكسبه ولا يحزن بفقده , وحينها فقط يسعد بالمال ولا يشقى . ولقد طرحت إحدى الصحف الإنجليزية سؤالاً تقول فيه : ما المال ؟ , فكان الجواب الذي نال الجائزة هو : المال جواز سفر عالمي يمكن لصاحبه السفر إلى كل البلاد ما عدا السماء , وهو يجلب كل شيء إلا السعادة. ويقول بل جيتكس مؤسس شركة مايكروسوفت وأغنى رجل في العالم : الثروة لا تكفي لجلب السعادة وقد تكون وبالاً على صاحبها .
ويقول الحطيئة :
ولست أرى السعادة جمع مالٍ ولكن التقي هو السعيد

وليس معنى ذلك أن نقول تبرع بكل ما تملك وأمكث في المنزل تنتظر صدقات الناس , ولكن احرص على الكسب الحلال ولا تجعل هذا المال يطغيك أو يلهيك حتى يكون هو هدفك الأكبر وهمك الأول ولا تنسى حق الله فيه , عن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال : قال صلى الله عليه وسلم :" نعم المال الصالح للرجل الصالح . " صححه الالباني , وعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي مع ابوذر – رضي الله عنه – ثم تكلما عن المال فقال عليه الصلاة والسلام :" إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا و هكذا وقليل ما هم ." رواه البخاري
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في شرحه لهذا الحديث : يعني أن المكثرين من الدنيا في الغالب هم المقلون من الأعمال الصالحة يوم القيامة , وذلك لأن الغالب على من كثر ماله في الدنيا أن يستغني ويتكبر ويعرض عن طاعة الله لأن الدنيا تلهيه فيكون مكثراً في الدنيا مقلاً في الآخرة إلا من صرف المال في سبيل الله . وفي الختام لعلنا نذكر بعضاً من مواقف الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في الإنفاق في سبيل الله :
وأما إنفاقه في سبيل الله من أموال غيره فكثير ، وما يهمنا هنا هو إنفاقه من ماله الخاص ، وقد حدَّث عن ذلك بعض تلامذته وهو د. عبد الله الموسىرئيس قسم الحاسبالآلي ونظم المعلومات ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
فقال :
أما ما أخفاه الشيخ عن الأمة فهو تبرعه السخي الخاص للمسلمين في مشارق الأرضومغاربها، وأذكر أنني في إحدى زياراتي له في منـزله عندما كنت أدْرس في الولاياتالمتحدة الأمريكية أنه أخذ بيدي إلى " مختصر " له فقال : يا عبد الله أنا وأنت هناولا يرانا إلا الله خُذ هذا المال ، وكان كبيراً ، وهو من مالي الخاص ! واشتر بهمصاحف ووزعها على المحتاجين في السجون الأمريكية ، وأنت مسؤول عن الشراء وعنالتوزيع ، وأسألك بالله ألا تبلِّغ بهذا أحداً !! .
ولم أبلِّغ بهذا أحداً منذوقته إلى الآن ، أما وقت انتقل الشيخ إلى الرفيق الأعلى فلا أرى بأسا أن أذكر أنهكان من المنفقين في السراء والضراء ، وكان لا يريد علم الناس بذلك ، رحم الله الشيخرحمة واسعة وأجزل له المثوبة والعطاء .
ولما أهديت له عمارة من الملك خالد بن عبد العزيز جعلها وقفاً على طلبة العلم ،وصار هو القيم عليها .
وكانت تعطى له الأعطيات الكبيرة فيعلن على الملأ مباشرة أنها لطلبةالعلم.
اللهم اغفر ذنوبنا وأستر عيوبنا اللهم إنا نعوذ بك من جار السوء ومن مال يكون علينا عذاباً ونسألك الرزق الحلال الطيب وأجعله معيناً لنا على طاعتك وقنا فتنة المال وقنا شح أنفسنا ولا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا الى النار مصيرنا والله اعلم والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

جمع وإعداد أخوكم في الله منسق الدعوة بمحافظة أحد رفيدة منطقة عسير المملكة العربية السعودية
0
740

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️