آمال بنت عبد الرحمن محمد
كانت الأسرة وما زالت من أقوى المؤسسات التربوية التي تؤثر في الطفل ، وفي تكوين شخصيته ، وتحديد أسلوبه الذي سيواجه به مشوار حياته الطويل ، وقد أكدت الدراسات والأبحاث أن مرحلة الطفولة من أكثر مراحل النمو حساسية وتأثيرا في حياة الفرد ، حيث أفادت الدراسات أن نسبة كبيرة ممن يعانون من متاعب في سن الكبر منشأة في رحلة الطفولة إذ إنهم لم يمروا بطفولة سعيدة .
ولا شك أن رعاية الطفولة والاهتمام به أصبح مؤشرا من مؤشرات التقدم ، ولله الحمد أن الإسلام كان له فضل السبق في رعاية الطفولة ، فأولاها جل اهتمامه بداية من تكوين الأسرة واختيار الأم الصالحة ، فقال عليه الصلاة والسلام ، " تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس " رواه البخاري .
ولقد عدل عمر بن الخطاب أحد قوانين الدولة من أجل بكاء طفل عندما علم أن سبب بكائه فطامه مبكرا من أجل الحصول على نصيب من بيت المال ، فنادى قائلا : يا أهل المدينة لا تعجلوا بفطام أطفاكم فإنا نعطي الوليد .
ومظاهر اهتمام الإسلام بالطفولة يضيق عنها الحصر وعند بعض الأسر المسلمة في عصرنا الراهن بعض الأنماط الخاطئة في تربية الطفل والتي سوف نحاول أن نتعرض لها موضحين الآثار السيئة لكل نمط وسوف نحاول أن نقدم النمط الصحيح في تربية الطفل .
فمن الأنماط السيئة :
1- الإسراف في تدليل الطفل ، والإذعان لمطالبه مهما كانت شاذة أو غريبة ، وإصراره على تلبية مطالبه أينما وكيفما ، ومتى يشاء دون مراعاة للظروف الواقعية أو عدم توفر الإمكانات ، ويؤدي هذا النمط إلى عدم تحمل الطفل المسئولية ، والاعتماد على الغير في قضاء كل صغيرة وكبيرة في حياته ، وكذا عدم تحمل الطفل مواقف الفشل والإحباط في الحياة الخارجية حيث تعود أن تلبى كافة مطالبه .
وقد يحمل هذا الاتجاه معه إلى المدرسة مما قد يعرضه لبعض مواقف الفشل ، وتوقع هذا الإشباع المطلق من المجتمع فيما بعد ، فيصطدم بعملية الضبط الاجتماعي ، وربما تعارضت رغباته مع التعاليم الدينية ، كما تنمو نزعات الأنانية وحب التملك لدى الطفل ، حيث يريد أن يمتلك كل شيء في الوجود .
2- الإسراف في القسوة والصرامة والشدة مع الطفل ، وإنزال العقاب فيه بصورة مستمرة ، وصده وزجره كلما أراد أن يعبر عن نفسه ، وقد يؤدي هذا الأسلوب إلى ميل الطفل إلى الانطواء ، أو الانزواء ، أو الانسحاب من معترك الحياة الاجتماعية وإلى شعوره بالنقص وعدم الثقة في نفسه ، ويجد الطفل صعوبة في تكوين شخصية مستقلة نتيجة منعه من التعبير عن نفسه ، مما ينعكس على حياته المستقبلية وشعوره المستمر بالذنب .
كما قد يؤدي إلى كره السلطة الوالدية ، وقد يمتد هذا الشعور إلى معارضة السلطة الخارجية في المجتمع باعتبارها البديل عن السلطة الوالدية .
وقد ينتهج الطفل منهج الصرامة والشدة في حياته المستقلة عن طريق عمليتي التقليد والتقمص لشخصية أحد الوالدين أو كليهما .
3- النمط المتذبذب بين الشدة واللين ، حيث يعاقب الطفل مرة في موقف ، ويثاب مرة أخرى في موقف يشبه الموقف الأول الذي عوقب فيه ، مما يفقده المعيار القيمي في تقديره للأمور ، ويؤدي هذا النمط إلى إيجاد صعوبة في معرفة الصواب من الخطأ وينشأ على التردد وعدم الحسم في الأمور ، وقد يكف عن التعبير الصريح عن آرائه ومشاعره ، وقد تلجأ بعض الأسر إلى الإعجاب الزائد بالطفل ، حيث يعبر الآباء والأمهات بصورة مبالغ فيها عن إعجابهم بالطفل ، وحبه ومدحه والمباهاة به ، والثناء عليه في كل تصرف يقوم به .
ومن شأن هذا النمط أن يؤدي إلى شعورالطفل بالغرور الزائد ، والثقة الزائدة بالنفس ، وربما وصل إلى حد التكبر الممقوت الذي يؤدي إلى نفور المحيطين به في حياته ، وفي تعامله معهم .
وقد يؤدي أيضا إلى كثرة مطالب الطفل ، وتضخيم ذاته ، ويؤدي هذا إلى إصابته بعد ذلك بالإحباط والفشل عندما يصطدم مع غيره من الناس الذين لا يمنحونه نفس القدر من الإعجاب .
4- قد تعمل بعض الأسر على فرض الحماية الزائدة على الطفل ، وإخضاعه لكثير من القيود من أساليب الرعاية الزائدة والخوف الزائد عليه ، وتوقع تعرضه للأخطار من أي نشاط ولذا تمنعه الأسرة من الذهاب في الرحلات أو قضاء بعض الأشياء البسيطة ، وربما وصل الأمر إلى حد مراقبته وهو يرتدي ملابسه ، ومن شأن هذا الأسلوب أن يخلق شخصا هيابا يخشى اقتحام المواقف الجديدة ، ولا يعتمد على نفسه ويتسم بالاتكالية الزائدة على الغير .
5- اختلاف وجهات النظر : بعض الأسر يوجد فيها اختلاف حول وجهات النظر في تربية الطفل بين الأم والأب كأن يؤمن الأب بالصرامة والشدة بينما تؤمن الأم باللين ، وتدليل الطفل ، أو يؤمن أحدهما بالطريقة الحديثة ، والآخر بالطريقة التقليدية .
وهنا قد يكره الطفل والده ويميل إلى الأم ، وقد يحدث العكس بأن يتقمص صفات الخشونة من والده ويجد مثل هذا الطفل صعوبة في التمييز بين الصح والخطأ ، أو الحلال والحرام ، كما يعاني من ضعف الولاء والإنتماء لأحد الوالدين أو كليهما .
وقد يؤدي ميله وارتباطه بأمه إلى تقمص صفاتها الأنثوية ، فتبدو عليه علامات التخنث والميوعة .
6- استخدام الطفل كسلاح : من الأساليب الخاطئة استخدام أحد الأبوين الأطفال سلاحا يشهره في وجه الطرف الآخر ، فيسعى إلى ضم الأطفال في معسكره لكي يقفوا معه في حربه ضد الطرف الآخر ، وهو في سبيل تحقيق هذا التكتل يغدق العطاء والتدليل على الأطفال ، ويتهاون معهم ويتساهل حتى يكسب رضاهم ، وبذكل تتكون لدى الطفل فكرة سيئة عن الحياة الأسرية ، ويعتقد أنها مجرد ميدان أو ساحة للقتال ، وقد يكون للطفل اتجاها معاديا نحو أحد الوالدين أو كليهما ويضعف مثل هذا الجو من شعور الطفل بالولاء ، ويشوه مثل هذا المنهج صورة الأب أو الأم في ذهن الطفل ، ويتعلم أسلوب العمالة والتبعية وكيف يبيع الحق والعدل بالمال ، ويؤيد المخطئ أو الظالم عن غير قناعة ، بل نظير الحصول على النفع .
ويعد هذا النمط من أسوأ النمط التربية الأسرية على وجه الإطلاق ، وله آثاره المدمرة على شخصية الطفل ، وعلى الحياة الأسرية برمتها .
7- عدم توخي المساواة والعدل في معاملة الأطفال : فقد تميز الأسرة بين الابن والبنت ، أو الأول والأخير ، أو يفضل الأب بعض أولاده من زوجة على آخرين من زوجة أخرى .
وتتجلى صور عدم المساواة في منح العطف والحب والحنان والعطاء المادي والاهتمام وفرض القيود والتسامح .
الأسلوب المثالي في التربية الإسلامية للطفل :
يتمثل هذا الأسوب فيما يلي :
1- التوسط والاعتدال في معاملة الطفل ، وتحاشي القسوة الزائدة والتدليل الزائد ، وكذلك تحاشي التذبذب بين الشدة واللين ، والتوسط في إشباع حاجات الطفل الجسمية والنفسية المعنوية ، بحيث لا يعاني من الحرمان ، ولا يتعود على الإفراط في الإشباع ، وبحيث يتعود على قدر من الفشل والإحباط ، وذلك لأن الحياة لا تعطيه كل ما يريد ، والغلو أو التقصير ممقوتان في ميزان الإسلام
قال الله تعالى ] وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [ ( البقرة : 286 ) وفي الوقت نفسه عدم إهمال مطالب النمو حتى لا تفوت فرصة التعليم على الطفل ، ومؤدى ذلك أننا لا نتعجل النمو بمعنى ألا ترغب الأم مثلا أن يمشي ابنها قبل نضوج عضلات وعضام الساقين ، فتعرضه لانحناء العظام ومع ذلك لا نهمل رغبة الطفل في الإمساك بالقلم وتعلم الكتابة .
4- الإيمان بما يوجد لدى الأطفال من فروق فردية ، والتي توجد في جميع السمات الجسمية كالطول والوزن والعرض ، وفي القدرات العقلية مثل الذكاء ، وكذلك السمات الانفعالية فكل طفل له سرعته الخاصة في النمو ومعدلاته الخاصة في الطعام وما إلى ذلك .
ومن شأن مراعاة مبدأ الفروق الفردية أننا لا نتوقع أن يكون جميع الأطفال نسخة واحدة ، وإنما يعتبر كل طفل عالما قائما بذاته ، ويؤدي الإيمان بهذا المبدأ إلى أن نكيف كل طفل حسب قدراته ، ولا نكلفه بما لا طاقة له به حتى لا يشعر بالحرمان ، والفشل ، والإحباط ، وحتى لا يشعر بفقد الثقة في النفس ، أو يكره المدرسة والمواد الدراسية .
5- التكامل في التربية : فلا نعني بعقل الطفل وحده كما كان يحدث في الماضي ، وإنما نهتم بجميع جوانب شخصية الطفل الجسمية ، والعقلية والنفسية ، والروحية ، والخلقية ، بحيث يشب شخصية متكاملة ولقد كان في الماضي يقصر الاهتمام على عقل الطفل ، ولذلك كانت تستهدف التربية حشد الكثير من المعلومات في ذهنه ، وإعطائه كثيرا من المسائل والتمرينات الرياضية ، بقصد تدريب ذهنه على التفكير ، وإعطائه حشدا كبيرا من المعلومات ليحفظها بقصد تدريب ملكة الذاكرة عنده .
أما الآن فلقد أصبحت التربية تنظر للطفل نظرة تكاملية وبدلا من تكديس المعلومات في ذهنه أصبحت تهتم بتكوين الاتجاهات وتنمية القدرات والاستعدادات لدى الطالب .
وقد اتجهت التربية الحديث إلى تنمية الجوانب العملية لدى الطفل في كافة شئون الحياة ، حتى لا تصبح الأفكار عنده شعارات جوفاء ، فلابد أن نلقن الطفل الدروس العملية عن الأمانة ، والصلاة ، وبعض العبادات ، ونمارسها أمامه ومعه ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه .
________________________
تحياتي
**أمةالله** @amallh_2
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
انسه ملعقه
•
الله يجزاك الجنه سلمت يداك
الصفحة الأخيرة