


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بمناسبة عيد الأضحى أحببت أن أهديكم مفتاح دار السعادة
افادني الله واياكم من هذا المنتدى المعطاء
***
سمعنا الكثير عن السعادة التي نكاد أن نلتمس شفافيتها في زمننا الحاضر
الذي طغت عليه المادية والصلابة ... نسمع عن السعاده ولكننا لا نكاد نحس بها
قد يكون ذلك ظناً منا أنها معنوية أكثر من ماديتها
أنا من وجهة نظري أرى أنها تحمل الاثنين معاً بعد أن أعرض عليكم
ما أردتكم ان تطلعوا عليه ... أتمنى أن يعبر كلاً منكم
عن السعادة الحقيقية من وجهة نظره
***
ماهي السعادة عند {{ ابن قيم الجوزية }} 00 رحمه الله
***
الدنيا مزرعة الآخرة.....وخير ما فيها العلم
الدنيا حقيرة عند الله....لاتساوي لديه جناح بعوضة....كانت ومافيها في غاية البعد منه.....
خلقها الله سبحانه....مزرعة للآخرة....ومعبرا إليها...
يتزود منها عباده إليه...فلم يقرب منها إلا ماكان متضمنا لإقامة ذكره...
ومفضيا إلى محابه..وهو العلم الذي به يُعرف الله ويُعبد ويذكر ويُثنى
عليه ويمجد....ولهذا خلقها ....وخلق أهلها..كما قال الله تعالى :
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
***
حركات القلوب
القلوب جوالة, فقلب حول الحشر, وقلب يطوف مع الملائكة حول العرش,
فأعظم عذاب الروح انغماسها وتدسيسها في أعماق البدن, واشتغالها بملاذه,
وانقطاعها من ملاحظة ما خلقت له, وهيئت له, وعن وطنها ومحلها
ومحل أنسها ومنزل كرامتها, ولكن سُكّر الشهوات يحجبها عن مطالعة
هذا الألم والعذاب, فإذا صحت من سكرها وأفاقت من غمرتها أقبلت عليها
جيوش الحسرات من كل جانب فحينئذ تتقطع حسرات على ما فاتها
من كرامة الله وقربه والأنس به والوصول إلى وطنها الذي لا راحة لها إلا فيه كما قيل:
صحبتك إذ عيني عليها غشاوة
فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
ولو تنقلت الروح في المواطن كلها والمنازل , لم تستقر ولم تطمئن إلا
في وطنها ومحلها الذي خلقت له, كما قيل:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ماالحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
***
قال بعض المتكلمين:
أفنيت عمري في الكلام , أطلب الدليل, وأنا لا أزداد إلا بعدا عن الدليل
فرجعت إلى القرآن أتدبره وأتفكر فيه, وإذا أنا بالدليل حقا معي,,
وأنا لا أشعر به, فقلت : والله ما مثلي إلا كما قال القائل:
ومن العجائب والعجائب جمة
قـُرب الحبيب وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول
***
طلب العلم جهاد
جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم : إذا جاء الموت طالب العلم
وهو على هذه الحال...مات شهيدا
وقال سفيان بن عيينه : من طلب العلم...فقد بايع الله عزوجل
السعادة التي تؤثرها النفس
العلم.....هو السعادة الحقيقية وهي سعادة نفسانية روحية قلبية...
سعادة العلم النافع ثمرته...فإنها هي الباقية على تقلب الأحوال
والمصاحبة للعبد في جميع أسفاره...وهي دوره الثلاث..أعني :
دار الدنيا....دار البرزخ....ودار القرار...وبها يترقى معارج الفضل ودرجات الكمال.
يحكى عن بعض العلماء: أنه ركب مع تجار في مركب....فانكسرت
بهم السفينة فأصبحوا بعد عز الغنى في ذل الفقر...ووصل العالم
إلى البلد..فأكرم وقـُصِد بأنواع التحف والكرامات...فلما أرادوا
الرجوع إلى بلادهم...قالوا له: هل لك إلى قومك كتاب أو حاجة...
.فقال : نعم...تقولون لهم: إذا اتخذتم مالا لا يغرق إذا انكسرت
السفينة....فاتخذوا العلم تجارة...
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته...
فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ
قال مسلم في صحيحه..: قال يحيى بن أبي كثير :"لا ينال العلم براحة الجسم"
....وقد قيل..من طلب الراحة...ترك الراحة..
يا وصل الحبيب أما إليه
بغير مشقة أبدا طريق
لولا جهل الأكثرين بحلاوة هذه اللذة..وعظم قدرها...
لتجالدوا عليها بالسيوف..ولكن حفت بحجاب من المكاره...
وحجبوا عنها بحجاب من الجهل...ليختص الله لها من يشاء من عباده...
***
الانسان يرتقي بالعلم
السيف إذا نبا عما هيِّء له..ولم يصلح له...ضُرب منه فاس أو منشار ونحوه..
وهكذا الدور والعظام الحسان...إذا خربت وتهدمت اتخذت
حظائر للغنم أو الإبل وغيرها...
وهكذا الآدمي...إذا كان صالحا لإصطفاء الله له برسالته
ونبوته اتخذه رسولا ونبيا كما قال الله تعالى :"الله أعمل حيث يجعل رسالته"...
فإذا كان قاصرا عن هذه الدرجة..صالحا لخلافة النبوة وميراثها
الفكر.....هو الذي ينقل من موت الفطنة إلى حياة اليقظة..
..ومن المكاره إلى المحاب....ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة.
...ومن سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة...ومن ضيق الجهل إلى سعة العلم ورحبة
ومن مرض الشهوة والإخلاد إلى هذه الدار إلى شفاء الإنابة إلى الله
والتجافي عن دار الغرور
ومن مصيبة العمى والصمم والبكم إلى نعمة البصر
والسمع والفهم عن الله والعقل عنه
ومن أمراض الشبهات إلى برد اليقين وثلج الصدور
وبالجملة...أصل كل طاعة إنما هي الفكر وكذلك أصل كل معصية إنما
يحدث من جانب الفكرة..فإن الشيطان يصادف أرض القلب خالية فارغة
فيبذر فيها حب الأفكار الرديئة فيتولد منه الإرادات والعزوم,
فيتولد منها العمل فإذا صادف أرض القلب مشغولة ببذر الأفكار ا
لنافعة فيما خلق له,
وفيما أمر به وفيما هيء له وأعد له من النعيم المقيم أو العذاب
الأليم لم يجد لبذره موضعا وهذا كما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبا فارغا فتمسكا
***
فوائد العلم
من فوائد العلم أنه يثمر اليقين الذي هو أعظم حياة القلب,
وبه طمأنينته وقوته ونشاطه وسائر لوازم الحياة,
ولهذا مدح الله سبحانه أهله في كتابه وأثنى عليهم بقوله :"وبالآخرة هم يوقنون"
قال سهل: حرام على قلب أن يشم رائحة اليقين وفيه سكون إلى غير الله
وقيل : من علامات اليقين.. الإلتفات إلى الله في كل نازلة,
والرجوع إليه في كل أمره, و الإستعانة به في كل حال,
وإرادة وجهه بكل حركة وسكون.
حقيقة اليقين:
إذا استكمل العبد حقيقة اليقين, صار البلاء عنده نعمة, والمحنة منحه
فالعلم أول درجات اليقين. ولهذا قيل: العلم يستعملك, واليقين يحملك,
فاليقين أفضل مواهب الرب لعبده ولا تثبت قدم الرضاء إلا على
درجة اليقين قال تعالى :"ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه"
إن الأعنياء يموت ذكرهم بموتهم, والعلماء يموتون ويبقى ذكرهم
كما قال أمير المؤمنين في هذا الحديث: مات خزان الأموال
وهم أحياء و العلماء باقون ما بقي الدهر, فخزان الأموال أحياء
كأموات, والعلماء بعد موتهم أموات كأحياء.
روي أن لما هبط آدم من الجنة, أتاه جبريل فقال : إن الله أحضرك
العقل والدين والحياء, لتختار واحدا منها..
قال: أخذت العقل, فقال الدين والحياء, أمرنا أن لا نفارق العقل
حيث كان , فانحازا إليه.
***
نوعا النظر في آيات الله
النوع الأول: نظر إليها بالبصر الظاهر, فيرى مثلا زرقة السماء
ونجومها وعلوها وسعتها, وهذا نظر يشارك الإنسان
فيه غيره من الحيوانات,وليس هو المقصود بالأمر
النوع الثاني: أن يتجاوز هذا إلى النظر بالبصيرة الباطنة,
فتفتح له أبواب السماء, فيجول في أقطارها وملكوتها وبين ملائكتها
, ثم يفتح له باب بعد باب, حتى ينتهي به سير القلب إلى عرش الرحمن
, فنظر سعته وعظمته وجلاله ومجده ورفعته, ويرى السماوات السبع
والأرضين السبع بالنسبة إليه كحلقة ملقاة بأرض فلاة,
ويرى الملائكة حافين من حوله, لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتقديس والتكبير
والأمر ينزل من فوقه بتدبير الممالك والجنود التي لا يعلمها إلا ربها ومليكها
فينزل الأمر بإحياء قوم وإماتة آخرين, وإعزاز قوم وإذلال آخرين,
وإسعاد قوم وشقاوة آخرين, وإنشاء ملك وسلب ملك وتحويل
نعمة من محل إلى محل, وقضاء الحاجات على اختلافها وتباينها وكثرتها......
فحينئذ يقول القلب بين يدي الرحمن مطرقا لهيبته, خاشعا لعظمته,
عان لعزته, فيسجد بين يدي الملك الحق المبين سجدة
لا يرفع رأسه منها إلى يوم المزيد, فهذا سفر القلب,
وهو في وطنه وداره ومحل ملكه, وهذا من أعظم آيات الله وعجائب صنعه,
فيا له من سفر ما أبركه وأروحه وأعظم ثمرته وربحه وأجل منفعته
وأحسن عاقبته, سفر هو حياة الأرواح, ومفتاح السعادة,
وغنيمة العقول والألباب, لا كالسفر الذي هو قطعة من العذاب.
لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بتدبر وتفكر
لو علم الناس مافي قراءة القرآن بالتدبر, لاشتغلوا بها عن كل ما سواها
, فإذا قرأه بتفكر, حتى مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه,
كرره, ولو مائة مرة, ولو ليلة, فقراءة آية بتفكر وتفهم,
خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم, وأنفع للقلب وأدعى
إلى حصول الإيمان, وذوق حلاوة القرآن, وهذه كانت
عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح.
قال ابن مسعود: لا تهذوا القرآن هذ الشعر, ولا تنثروه نثر الدقل,
وقفوا عند عجائبه, وحركوا به القلوب, لا يكن هم أحدكم آخر السورة
وروى أبو أيوب قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة,
إني أقرأ القرآن في ثلاث: قال: لأن أقرأ سورة من القرآن في ليلة,
فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كما تقرأ.
***
هذه مفاتيح دار السعادة عند ابن قيم الجوزية رحمه الله
***
مع أمنياتي لي ولكم بالتماس المعنى الحقيقي للسعادة
وهي عند استشعار لحظات تقربنا الى الله وحضننا
للأرض عند السجود... جعلها الله من خواتمنا
***
لكم احترامي وتقديري
لـــهــفـــة الــخــاطــر