أهوال يوم القيامة وما سيحدث للارض والسماء والجبال والبحار00

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم



النفخ فى الصور
**********


هذا الكون العجيب الغريب الذي نعيش فيه يعج بالحياة والأحياء الذين نشاهدهم والذين لا نشاهدهم ، وهم في حركة دائبة لا تهدأ ولا تتوقف ، وسيبقى حاله كذلك إلى أن يأتي اليوم الذي يهلك الله فيه جميع الأحياء إلا من يشاء ( كل من عليها فان ) ، ( كل شيء هالك إلا وجهه ) . وعندما يأتي ذلك اليوم ينفخ في الصور ، فتنهي هذه النفخة الحياة في الأرض والسماء ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله )، وهي نفخة هائلة مدمرة يسمعها المرء فلا يستطيع أن يوصي بشيء ، ولا يقدر على العودة إلى أهله وخلانه ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ) . وفي الحديث : ( ثم ينفخ في الصور ، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا، ورفع ليتا ، قال : وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله ، قال : فيصعق ويصعق الناس ) رواه مسلم ، والليت : صفحة العنق

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن سرعة هلاك العباد حين تقوم الساعة فقال ( ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما ، فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه ، فلا يشقي فيه ، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها ) رواه البخاري
*****************************


الصور الذي ينفخ فيه
**************
الصور في لغة العرب : القرن ، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور ففسره بما تعرفه العرب من كلامها ، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( ما الصور ؟ قال : الصور قرن ينفخ فيه ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، وقال عنه الحاكم صحيح ووافقه الذهبي . وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ( الصُور ) ، جمع صورة ، وتأوله على أن المراد النفخ في الأجساد لتعاد إليها الأرواح . ونقل عن أبي عبيدة والكلبي أن ( الصُّوْر) بسكون الواو جمع صورة ، كما يقال : سور المدينة جمع سورة ، والصوف جمع صوفة، وبسر جمع بسرة. وقالوا : المراد النفخ في الصور وهي الأجساد ، لتعاد فيها الأرواح وما ذكروه خطأ من وجوه:

الأول : أن القراءة التي نسبت إلى الحسن البصري لا تصح نسبتها إلى الأئمة الذين يحتج بقراءتهم

الثاني: أن ( صورة ) تجمع على ( صُوَر) ولا تجمع على ( صُوْر) كما ادعى أبو عبيدة والكلبي قال تعالى ( وصوركم فأحسن صُوَركم ) ولم يعرف عن أحد من القراء أنه قرأها : فأحسن صُوْركم

الثالث : أن الكلمات التي ذكروها ليست بجموع وإنما هي أسماء جموع يفرق بينها وبين واحدتها بالتاء

الرابع : أن هذا القول خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة ، فالذي عليه أهل السنة والجماعة أن الصور بوق ينفخ فيه

الخامس : أن هذا القول مخالف لتفسير الرسول صلى الله عليه وسلم حيث فسره بالبوق

السادس : أن الله تعلى قال ( ونفخ في الصور فصعق من السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) فقد أخبر الحق سبحانه أنه ينفخ في الصور مرتين ، ولو كان المراد بالصور النفخ في الصُوَر التي هي الأبدان لما صح أن يقال ( ثم نفخ فيه أخرى ) لأن الأجساد تنفخ فيها الأرواح عند البعث مرة واحد
*********************************

النافخ فى الصور
*********

قال ابن حجر العسقلاني : ( اشتهر أن صاحب الصور إسرافيل عليه السلام ، ونقل فيه الحليمي الإجماع ، ووقع التصريح به في حديث وهب بن منبه ، وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي ، وفي حديث أبي هريرة عند ابن مردويه ، وكذلك في حديث الصور الطويل) . وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن صاحب الصور مستعد دائما للنفخ فيه منذ أن خلقه الله تعالى ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن طَرْف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش ، مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه ، كأن عينيه كوكبان دريان ) رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الاسناد ووافقه الذهبي وفي هذا الزمان الذي اقتربت فيه الساعة ، أصبح اسرافيل أكثر استعدادا وتهيؤا للنفخ في الصور ، فقد روى ابن المبارك في الزهد ، والترمذي في سننه ,أبو نعيم في الحلية وأبو يعلى في مسنده وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كيف أنعم ، وقد التقم صاحب القرن القرن ، وحنى جبهته ، وأصغى سمعه ، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ ، فينفخ. قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله ؟ قال : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، توكلنا على الله ربنا ) وقال الترمذي : حديث حسن صحيح
****************

اليوم المحدد للنفخ
************

تقوم الساعة يوم الجمعة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة ) رواه مسلم . وفي حديث آخر أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الساعة تقوم يوم الجمعة ، وفيها يبعث العباد أيضا ، فعن أوس بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليّ ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارامي والبيهقي . ولما كانت الساعة تقع في هذا اليوم فإن المخلوقات في كل يوم جمعة تكون مشفقة خائفة إلا الانس والجن ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه هبط وفيه تيب عليه ، وفيه مات وفيه تقوم الساعة ، وما من دابة إلا وهي مصيخة - منتظرة قيام الساعة - يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس ، شفقا من الساعة إلا الجن والإنس ) روام مالك وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد

*****************
عدد النفخات
*******



الذي يظهر أن إسرافيل ينفخ في الصور مرتين ، الأولى يحصل بها الصعق ، والثانية يحصل بها البعث ، قال تعالى ( ونفخ في الصور فصعق من السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون( ، سورة الزمر . وقد سمى القرآن النفخة الأولى بالراجفة ، والنفخة الثانية بالرادفة ، قال تعالى ( يوم ترجف الراجفة ، تتبعها الرادفة) . وفي موضع آخر سمى الأولى بالصيحة ، وصرح بالنفخ بالصور بالثانية، قال تعالى ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ، ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ) . وقد جاءت الأحاديث النبوية مصرحة بالنفختين ، ففي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما بين النفختين أربعون ) قالوا: يا ابا هريرة : أربعون يوما ؟ قال: ابيت. قال: اربعون شهرا ؟ قال : ابيت ، قال : أربعون سنة ؟ قال : ابيت ) رواه البخاري في صحيحه . وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ثم ينفخ في الصور ، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ، ورفع ليتا ، فأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله ، قال : فيصعق ، ويصعق الناس، ثم يرسل الله- أو قال: ينزل الله مطرا ، كأنه الطل ، أو الظل فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) رواه مسلم . وذهب جمع من أهل العلم إلى أنها ثلاث نفخات ، هي نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، ونفخة البعث. وممن ذهب هذا المذعب ابن العربي وابن تيمية وابن كثير والسفاريني، وحجة من ذهب هذا المذهب أن الله ذكر نفخة الفزع في قوله (ويوم ينفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ( كما احتجوا ببعض الأحاديث التي نصت على أن النفخات ثلاث ، كحديث الصور الطويل ، الذي أخرجه الطبري وفيه ( ثم ينفخ في الصور ثلاث نفخات ، نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، ونفخة القيام لرب العالمين) ، أما استدلالهم بالآية التي تذكر نفخة الفزع فليست الآية صريحة على أن هذه نفخة ثالثة، إذ لا يلزم من ذكر الحق تبارك وتعالى للفزع الذي يصيب من في السماوات والأرض عند النفخ في الصور أن تجعل هذه نفخة مستقلة ، فالنفخة الأولى تفزع الأحياء قبل صعقهم ، والنفخة الثانية تفزع الناس عند بعثهم . أما حديث الصور فهو حديث ضعيف مضطرب كما يقول الحجة في علم الحديث ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى ، ونقل تضعيفه عن البيهقي . وذهب ابن حزم رحمه الله تعالى إلى أن النفخات يوم القيامة أربع : الأولى نفخة إماتة ، والثانية نفخة إحياء ، يقوم بها كل ميت وينشرون من قبورهم ويجمعون للحساب، والثالثة : نفخة فزع وصعق ، يفيقون منها كالغشي عليه ، لا يموت منها أحد ، والرابعة : نفخة إفاقة من ذلك الغشي . قال ابن حجر بعد أن حكى مقالة ابن حزم: هذا الذي ذكره من كون الثنتين أربعا ليس بواضح ، بل هما نفختان فقط ، ووقع التغاير في كل واحد منهما باعتبار من يستمعهما ، فالأولى يموت فيها كل من كان حيا ، ويغشى على من لم يمت ممن استثنى الله . والثانية : يعيش بها من مات ، ويفيق بها من غشي عليه والله أعلم
********************************

الذين لايصعقون عند النفخ في الصور
***********************


أخبر الباري جل وعلا أن بعض من السماوات ومن في الأرض لا يصعقون عندما يصعق من في السماوات ومن في الأرض( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) وقد اختلف العلماء في تعيين الذين عناهم الحق بالاستثناء في قوله( إلا من شاء الله ) ، فذهب ابن حزم إلى أنهم جميع الملائكة لأن الملائكة في اعتقاده أرواح لا أرواح فيها ، فلا يموتون أصلا. وهذا الذي ذهب إليه لا يسلم له ، فالملائكة خلق من خلق الله تبارك وتعالى وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله إذا تكلم بالوحي أخذ الملائكة منه مثل الغشي) ، فأخبر في هذا الحديث أنهم يصعقون صعق الغشي ، فإذا جاز عليهم صعق الغشي جاز عليهم صعق الموت . وذهب مقاتل وغيره إلى أنهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وأضاف إليه بعض أهل العلم حملة العرش. وصحة هذا متوقف على أحاديث رووها ، وأهل العلم بالحديث لا يصححون مثلها . وذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أن المراد بهم الذين في الجنة من الحور العين والولدان، واضاف إليهم أبو اسحاق بن شاقلا من الحنابلة والضحاك بن مزاحم خزنة الجنة والنار وما فيها من الحيات والعقارب . يقول ابن تيميةرحمه الله : وأما الاستثناء فهو متناول لما في الجنة من الحور العين ، فإن الجنة ليس فيها موت ، وقد جنح أبو العباس القرطبي صاحب " المفهم إلى شرح مسلم " إلى أن المراد بهم الأموات كلهم ، لكونهم لا إحساس لهم فلا يصعقون. وما ذهب إليه أبو العباس صحيح إذا فسرنا الصعق بالموت ، فإن الانسان سيموت مرة واحدة ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) .

وقد عقد بان القيم في كتابه " الروح " فصلا كاملا بين فيه أن أهل العلم قد اختلفوا في موت الأرواح عند النفخ في الصور. والذي رجحه ابن القيم أن موت الأرواح هو مفارقتها للأجساد وخروجها منها ، ورد قول الذين قالوا بفناء الأرواح وزوالها . أما إذا فسرنا الصعق بالغشي ، فإن الأرواح تصعق بهذا المعنى ولا تكون داخلة فيمن اشتثنى الله تبارك وتعالى ، فإن الإنسان قد يسمع أو يرى ما يفزعه فيصعق ، كما وقع لموسى عندما رأى الجبل قد زال من مكانه ( وخر موسى صعقا ) ، وقد جاء هذا المعنى صريحا في بعض النصوص ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله ) رواه البخاري وهذا الحديث صريح في أن الموتى يصعقون ، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد المرسلين يصعق ، فغيره أولى بالصعق . وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الذي يصعق صعق غشي هم الشهداء دون غيرهم من الأموات ، وأضاف غليهم آخرون الأنبياء. ويرى القرطبي أن السر في قصر هذا على الشهداء والأنبياء أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين مستبشرين ، وهذه صفة الأحياء في الدنيا ، وإذا كان هذا حال الشهداء كان الأنبياء أحق وأولى وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء ، وأن عليه الصلاة والسلام قد اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء وخصوصا بموسى.....إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحيا .... وإذا تقرر أنهم أحياء ، فإذا نفخ في الصور نفخة الصعق صعق كل من في السماوات ومن في الرض إلا من شاء الله . وذهب البيهقي إلى أن الأنبياء والشهداء يصعقون صعق الغشي وبناء على هذا الفقه يكون الأنبياء والشهداء من الذين يصعقون ، ولا يكونون داخلين في الاستثناء. وقد نقل عن ابن عباس وأبي هريرة وسعيد بن جبير أن الأنبياء والشهداء من الذين استثناهم الله ، وعزاه ابن حجر إلى البيهقي، فإن كان المراد استثناؤهم من الموت فإن هذا حق ، وإن كان المراد استثناؤهم من الصعق الذي يصيب الأموات كما دل عليه حديث موسى فالأمر ليس كذلك وقد ذهب الحليمي أن لا يمكن أن يكون المستثنون حملة العرش أو جبرائيل وميكائيل وملك الموت ، فحملة العرش ليسوا من سكان السماوات والأرض ، لأن العرش فوق السماوات كلها . وأما جبرائيل وميكائيل وملك الموت فمن الصافين المسبحين حول العرش والعرش فوق السماوات ، فكيف يكون الاصطفاف حوله في السماوات. وكذلك رد القول بأنهم هم الولدان والحور العين في الجنان ، لأن الجنان وإن كان بعضها أرفع من بعض فإن جميعها فوق السماوات ودون العرش. وكذلك رد قول الذين قالوا أن المستثنون هم الأموات لأن الاستثناء إنما يكون لمن يمكن دخوله في الجملة ، فأما من لا يمكن دخوله في الجملة فيها فلا معنى لاستثنائه منها ، والذين ماتوا قبل النفخ ليسوا بفرض أن يصعقوا فلا وجه لاستثنائهم ، وقد اختار أن الغشية التي تصيب موسى ليست هي الصعقة التي تهلك الناس وتميتهم ، وإنما هي صعقة تصيب الناس في الموقف بعد البعث . وقد جزم ابن القيم رحمه تعالى بأن الصعقة التي تحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم هي صعقة تكون بعد البعث ، وهي المرادة بقوله تعالى ( فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ) والله أعلم بالصواب



وخلاصة القول أن بعض أهل العلم ذهب إلى أن الأولى بالمسلم التوقف في تعيين الذين استثناهم الله لأنه لم يصح في ذلك نص صريح. وقد اشار ابن تيمية إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم توقف في موسى وهل هو داخل في الاستثناء أم لا . فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر بكل من استثنى الله لم يمكننا أن نجزم بذلكالبعث والنشور
*********


المراد بالبعث المعاد الجسماني ، وإحياء العباد في يوم المعاد، والنشور مرادف للبعث في المعنى، يقال : نشر الميت نشورا إذا عاش بعد الموت ، وأنشره الله أي أحياه . وقد جاءت بعض الأحاديث مخبرة أنه يسبق النفخة الثانية في الصور نزول ماء من السماء فتنبت منه أجساد العباد ، ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثم ينفخ في الصور ، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ورفع ليتا. قال : وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله ، قال : فيصعق ويصعق الناس. ثم يرسل الله - أو قال: ينزل الله - مطرا كأنه الطل أو الظل فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) رواه مسلم



وإنبات الأجساد من التراب بعد إنزال الله ذلك الماء الذي ينبتها يماثل إنبات النبات من الأرض إذا نزل عليها لماء من السماء في الدنيا، ولذا فإن الله سبحانه قد أكثر في كتابه من ضرب المثل للبعث والنشور بإحياء الأرض بالنبات كما قال تعالى ( وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ) والإنسان يتكون في اليوم الآخر من عظم صغير عندما يصيبه الماء ينمو نمو البقل، هذا العظم الذي هو عجب الذنب ، وهو عظم الصلب المستدير الذي في أصل العجز ، وأصل الذنب. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما بين النفختين أربعون ، ثم ينزل من السماؤ ماء ، فينبتون كما ينبت البقل ، ولي في الإنسان شيء إلا يبلى ، إلا عظم واحد وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لأبي داود والنسائي ومالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب ، منه خلق ، وفيه يركب ) ، وقد دلت الأحاديث الصحيحة أن أجساد الأنبياء لا يصيبها البلى والفناء ( إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) رواه أبو داود
**************************************
البعث خلق جديد
**********

يعيد الله العباد أنفسهم ، ولكنهم يخلقون خلقا مختلفا شيئا ما عما كانوا عليه في الحياة الدنيا ، فمن ذلك أنهم لايموتون مهما أصابهم البلاء ( ويأتيه الموت من كل مكان وماهو بميت )، وفي الحديث عن عمرو بن ميمون الأودي قال : قام فينا معاذ بن جبل فقال : ( يا بني أود إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلمون المعاد إلى الله ، ثم إلى الجنة أو النار ، وإقامة لا ظعن فيه ، وخلود لا موت ، في أجساد لا تموت ) رواه الحاكم والطبراني . ومن ذلك إبصار العباد مالم يكونوا يبصرون ، فإنهم يبصرون في ذلك اليوم الملائكة والجن ، وما الله به عليم ، ومن ذلك أن أهل الجنة لا يبصقون ولا يتغوطون ولا يتبولون وهذا لا يعني أن الذين يبعثون في يوم الدين خلق آخر غير الخلق الذي كان في الدنيا ، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والنشأتان نوعان تحت جنس : يتفقان ويتماثلان ويتشابهان من وجه ، ويفترقان ويتنوعان من وجه آخر ، ولهذا جعل المعاد هو المبدأ ، وجعله مثله أيضا فباعتبار اتفاق المبدأ والمعاد فهو هو ، وباعتبار ما بين النشأتين من الفرق فهو مثله ، وهكذا كل ما أعيد ، فلفظ الإعادة يقتضي المبدأ والمعاد ....)

أول من تنشق عنه الأرض
*****************


أول من يبعث وتنشق عنه الأرض هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ...... وأول مشفع ) رواه مسلم



وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( استب رجل من المسلمين ، ورجل من اليهود ، فقال المسلم : والذي اصطفى محمد على العالمين ، فقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين ، فرفع المسلم عند ذلك يده ، فلطم اليهودي ، فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الذي كان من أمره وأمر المسلم ، فقال: لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون ، فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري أكان فيمن صعق ، أو كان ممن استثنى الله عز وجل ) ، وفي رواية لهما ( ....... فإنه ينفخ في الصور ، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من يبعث ، فإذا موسى آخذ بالعرش ، فلا أدري : أحوسب بصعقة الطور ، أم بعث قبلي )
*********************************

حشر الخلائق جميعا إلى الموقف
***********************

سمى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بيوم الجمع ، لأن الله يجمع العباد فيه جميعا ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم يوم مشهود) ويستوي في هذا الجمع الأولون والآخرون ( قل إن الأولين والآخرين لمجمعون إلى ميقات يوم معلوم) . وقدرة الله تعالى تحيط بالعباد فالله لا يعجزه شيء ، وحيثما هلك العباد فإن الله قادر على الإتيان بهم ، إن هلكوا في أجواز الفضاء ، أو غاروا في أعماق الأرض ، وإن أكلتهم الطيور الجارحة أو الحيوانات المفترسة ، أو أسماك البحار أو غيبوا في قبورهم في الأرض ، كل ذلك عند الله سواء ( أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير ) . وكما أن قدرة الله محيطة بعباده تأتي بهم حيثما كانوا ، فكذلك علمه محيط بهم ، فلا ينسى منهم أحد ، ولا يضل منهم أحد ولا يشذ منهم أحد ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ، لقد أحصاهم وعدهم عدا ، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا )ا وقال تعالى ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا (وهذه النصوص بعمومها تدل على حشر جميع الخلائق الإنس والجن والملائكة ، ولا حرج على من فقه منها أن الحشر يتناول البهائم أيضا .

وقد اختلف أهل العلم في حشر البهائم ، فذهب ابن تيميه رحمه الله تعالى ، إلى أن البهائم تحشر مع الخلائق يوم القيامة قال تعالى ( وإذا الوحوش حشرت ) ، وقال تعالى ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) ، وقال تعالى ( ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) وحرف " إذا " إنما يكون دلالة لما يأتي لا محالة . وحكى القرطبي خلاف أهل العلم في حشر البهائم ، ورجح أن ذلك كائن للأخبار الصحيحة في ذلك ، قال القرطبي : ( واختلف الناس في حشر البهائم وفي قصاص بعضها من بعض ، فروى ابن عباس أن حشر البهائم موتها ، وقاله الضحاك . وروي عن ابن عباس في رواية أخرى أن البهائم تحشر وتبعث ، وقاله أبو ذر وأبو هريرة وعمرو بن العاص ، والحسن البصري وغيرهم، وهو الصحيح لقوله تعالى ( وإذا الوحوش حشرت ) ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة ، البهائم والطير والدواب وكل شيء ، فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء ، ثم يقول : كوني ترابا ، فذلك قوله تعالى حكاية عن الكفار ( ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) ، ونحوه



صفة حشر العباد
************


يحشر الله العباد حفاة عراة غرلا أي غير مختونين ، ففي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنكم محشورون حفاة عراة غرلا ) ثم قرأ ( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) ، وعندما سمعت عائشة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ) يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ) قالت : يا رسول الله ، الرجال والنساء جميعا ، ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : ياعائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض ) متفق عليه



وقد جاء في بعض النصوص أن كل إنسان يبعث في ثيابه التي مات فيها ، فقد روى أبو داود وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد ، فلبسها ، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ) وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي . وقد وفق البيهقي بين الحديثين السابقين بثلاثة أوجه

الأول : أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم ، فإذا وافوا الموقف يكونون عراة ثم يلبسون من ثياب الجنة

الثاني : أنه إذا كسي الأنبياء ثم الصديقون ، ثم من بعدهم على مراتبهم فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه ، ثم إذا دخلوا الجنة لبسوا من ثياب الجنة

الثالث : أن المراد بالثياب هاهنا الأعمال ، أي يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر ، قال الله تعالى ( ولباس التقوى ذلك خير ) ، وقال ( وثيابك فطهر) . واستشهد البيهقي على هذا الجواب الأخير بحديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يبعث كل عبد على ما مات عليه ) رواه مسلم ، ولا يفقه من هذا الحديث أن العبد يبعث في ثيابه التي كفن فيها أو مات فيها ، وإنما يبعث على الحال التي مات عليها من الإيمان أو الكفر واليقين والشك ، كما يبعث على العمل الذي كان يعمله عند موته يدل على هذا ما رواه عبدالله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلمي قول ( إذا أراد اله بقوم عذابا ، أصاب العذاب من كان فيهم ، ثم بعثوا على أعمالهم ) رواه مسلم . وجاء أن الذي يموت وهو محرم يبعث يوم القيامة ملبيا ، فعن عبدالله بن عباس قال : إن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ، ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ) رواه البخاري ومسلم . والشهيد يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب اللون لون دم والريح ريح المسك. ومن هنا استحب تلقين الميت لا إله إلا الله ، لعله يموت على التوحيد ، ثم يبعث يوم القيامة ناطقا بهذه الكلمة الطيبة
*******************************

أرض المحشر
********


الأرض التي يحشر العباد عليها في يوم القيامة أرض أخرى غير هذه الأرض ، قال تعالى ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) ، وعن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ) قال سهل أو غيره : ليس فيها معلم لأحد . رواه البخاري ومسلم ، قال الخطابي : العفر : بياض ليس بناصع. وقال عياض : العفر بياض يضرب إلى حمرة قليلا. وقال ابن فارس : معنى عفراء خالصة البياض

والنقي : بفتح النون وكسر القاف ، أي الدقيق النقي من الغش والنخال

والمعلم : العلامة التي يهتدي بها الناس إلى الطريق ، كالجبل والصخرة

وقد جاءت نصوص كثيرة عن عدة من الصحابة تفيد هذا المعنى، فقد جاء عن عبدالله بن مسعود في قوله تعالى ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : تبدل الأرض أرضا كأنها الفضة لم يسفك عليها دم حرام ، ولم يعمل عليها خطيئة ، وجاء في حديث الصور الصور الطويل ( تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ، فيبسطها ويسطحها ، ويمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة ، فإذا هم في هذه الأرض المبدلة ، في مثل مواضعهم من الأولى ، ما كان في بطنها كان في بطنها ، وما كان على ظهرها كان على ظهرها )

وذهب بعض أهل العلم أن الذي يبدل من الأرض هو صفاتها فحسب ، فمن ذلك حديث عبدالله بن عمرو الموقوف عليه ، قال ( إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم ، وحشر الخلائق) ، ومنها حديث ابن عباس في تفسير قوله تعالى ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) ، قال : يزاد فيها وينقص منها ، ويذهب آكامها وجبالها ، وأوديتها ، وشجرها ، وتمد مد الأديم العكاظي



الوقت الذي تبدل فيه الأرض غير الأرض والسماوات

أخبر عليه الصلاة والسلام أن الوقت الذي يتم فيه هذا التبديل هو وقت مرور الناس على الصراط أو قبل ذلك بقليل ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) ، فأين يكون الناس يا رسول الله ؟ فقال : على الصراط) رواه مسلم . وعن ثوبان أن حبرا من أحبار اليهود سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هم في الظلمة دون الجسر ) رواه مسلم ، والمراد بالجسر أي الصراط


كسوة العباد في يوم المعاد
****************

يحشر الله العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا ، كما صحت بذلك الأحاديث ، ثم يكسى العباد ، فالصالحون يكسون الثياب الكريمة ، والطالحون يسربلون بسرابيل القطران ، ودروع الجرب ، ونحوها من الملابس المنكرة الفظيعة . وأول من يكسى من عباد الله نبي الله إبراهيم خليل الرحمن ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل ) رواه البخاري . قال ابن حجر : وأخرج البيهقي من طريق ابن عباس نحو حديث الباب وزاد ( وأول من يكسى من الجنة إبراهيم ، يكسى حلة من الجنة ، ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ، ثم يؤتى بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم لها البشر )



وذكر العلماء أن تقديم إبراهيم على غيره بالكسوة في يوم القيامة ، لأنه لم يكن في الأولين والآخرين أخوف لله منه ، فتعجل له الكسوة أمانا له ليطمئن قلبه . ويحتمل لأنه - كما جاء في الحديث - أول من لبس السراويل إذا صلى مبالغة في التستر وحفظا لفرجه من أن يماس مصلاه ، ففعل ما أمر به ، فجزي بذلك أن يكون أول من يستر يوم القيامة ، ويحتمل أن الذين ألقوه في النار جردوه ونزعوا ثيابه على أعين الناس ، كمن يراد قتله ، فجزي بكسوته في يوم القيامة أول الناس على رؤوس الأشهاد ، وهذا أحسنها
***************************************

قبض الأرض وطي السماء
*******************


تحدث القرآن عن أهوال يوم القيامة التي تشده الناس وتشد أبصارههم وتملك عليهم نفوسهم ، وتزلزل قلوبهم. ومن أعظم تلك الأهوال ذلك الدمار الكوني الشامل الرهيب الذي يصيب الأرض وجبالها والسماء ونجومها وشمسها وقمرها ، فالأرض تزلزل وتدك ، وأن الجبال تسير وتنسف ، والبحار تفجر وتسجر ، والسماء تتشقق وتمور ، والشمس تكور وتذهب ، والقمر يخسف والنجوم تنكدر ويذهب ضوؤها وينفرط عقدها فالحق تبارك وتعالى يقبض الأرض بيده يوم القيامة ، ويطوي السماوات بيمينه، كما قال تعالى ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) ، وجاء في موضع آخر ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)

وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يقبض الله الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول: أنا الملك ، فأين ملوك الأرض ) رواه البخاري ومسلم . وعن عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يطوي الله السماوات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله - وفي رواية : يأخذهن بيده الأخرى - ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون أين المتكبرون ) رواه مسلم

وهذا القبض للأرض والطي للسماوات يقع بعد أن يفني الله خلقه ، وقيل إن المنادي ينادي بعد حشر الخلق على أرض بيضاء مثل الفضة ، لم يعص الله عليها ، واختاره أبو حعفر النحاس ، قال : والقول صحيح عن ابن مسعود وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل وقال القرطبي ( والقول الأول أظهر ، لأن المقصود إظهار انفراده بالملك، عند انقطاع دعوى المدعين ، وانتساب المنتسبين ، إذ قد ذهب كل ملك وملكه ، وكل جبار ومتكبر وملكه ، وانقطعت نسبهم ودعاويهم ، وهذا أظهر)

دك الأرض ونسف الجبال
***************


أخبر الحق تبارك وتعالى أن هذه الأرض الثابتة ، وما عليها من جبال صم راسية تحمل في يوم القيامة عندما ينفخ في الصور فتدك دكة واحدة ( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ، وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ، فيومئذ وقعت الواقعة ) ، ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ) ، وعند ذلك تتحول هذه الجبال الصلبة إلى رمل ناعم كما قال تعالى ( يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا) أي تصبح ككثبان الرمل بعد أن كانت حجارة صماء ، والرمل المهيل : هو الذي إذا أخذت منه شيئا تبعك ما بعده ، يقال : أهلت الرمل هيلا، إذا حركت أسفله حتى انهال من أعلاه ، وجاء في موضع آخر أن الجبال تصبح كالعهن وهو الصوف كما قال تعالى ( وتكون الجبال كالعهن ) ، وفي موضع آخر ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش)



ثم إن الحق تبارك وتعالى يزيل هذه الجبال عن مواضعها ويسوي الأرض حتى لا يكون فيها موضع مرتفع ، ولا منخفض ، وعبر القرآن عن إزالة الجبال بتسييرها مرة وبنسفها أخرى فقال تعالى ( وإذا الجبال سيرت ) وقال ( وسيرت الجبال فكانت سرابا ) ، وقال في نسفه لها ( وإذا الجبال نسفت) ، ثم بين الحق حال الأرض بعد تسيير الجبال ونسفها ( ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة ) أي ظاهرة لا ارتفاع فيها ولا انخفاض ، كما قال تعالى ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ، فيذرها قاعا صفصفا ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا)
*************************************

تفجير البحار وتسجيرها
*****************


أما البحار التي تغطي الجزء الأعظم من هذه الأرض وتعيش في باطنها عوالم هائلة من الأحياء ، فإنها تفجر في ذلك اليوم ، وقد علمنا في هذا العصر الهول العظيم الذي يحدثه انفجار الذرات الصغيرة التي هي أصغر من ذرات الماء فكيف إذا فجرت ذرات المياه في هذه البحار العظيمة ، عند ذلك تسجر البحار ، وتشتعل نارا ، ولك أن تتصور هذه البحار العظيمة الهائلة وقد أصبحت مادة قابلة للإشتعال ، كيف يكون منظرها ، اللهب يرتفع منها إلى أجواز الفضاء ، قال تعالى ( وإذا البحار فجرت ) ، وقال ( وإذا البحار سجرت ) ، وقد ذهب المفسرون قديما إلى أن المراد بتفجير البحار ، تشقق جوانبها وزوال ما بينها من الحواجز واختلاط الماء العذب بالماء المالح ، حتى تصير بحرا واحدا ، وما ذكرناه أقرب وأوضح ، فإن التفجير بالمعنى الذي ذكرناه مناسب للتسجير والله أعلم بالصواب

دوران السماء وانفطارها
*****************


أما السماء الجميلة التي ننظر إليها فتنشرح صدورنا وتسر قلوبنا فإنها تمور مورا وتضطرب اضطرابا عظيما ( يوم تمور السماء مورا ) ثم إنها تنفطر وتتشقق ( إذا السماء انفطرت ) ، ( إذا السماء انشقت ، وأذنت لربها وحقت ) ، وعند ذلك تصبح ضعيفة واىهية كالقصر العظيم المتين البنيان الراسخ الأركان عندما تصيبه الزلازل ، تراه بعد القوة أصبح واهيا ضعيفا متشققا ( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ) أما لون السماء الأرزق الجميل فإنه يزول ويذهب ، وتأخذ السماء في التلون في ذلك اليوم كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها ، فتارة حمراء ، وتارة صفراء ، وأخرى خضراء ، ورابعة زرقاء ، كما قال تعالى ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) ، وقد نقل عن ابن عباس أن السماء تكون في ذلك اليوم كالفرس الورد ، والفرس الورد - كما يقول البغوي - تكون في الربيع صفراء ، وفي الشتاء حمراء ، فإذا اشتد البرد تغير لونها ، وقال الحسن البصري في قوله ( وردة كالدهان ) أي تكون ألوانا

******************************

تكوير الشمس وتناثر النجوم
**********************

أما الشمس التي تغمر هذه الحياة بالضياء ، فإنها تجمع وتكور ، ويذهب ضوؤها كما قال تعالى ( إذا الشمس كورت ) ، والتكوير عند العرب : جمع الشيء بعضه على بعض ، ومنه تكوير العمامة ، وجمع الثياب بعضها على بعض ، وإذا جمع بعض الشمس على بعض ، ذهب ضوؤها ورمى بها أما القمر الذي نراه في أول الشهر هلالا ثم يتكامل ويتنامى حتى يصبح بدرا جميلا بديعا ، فإنه يخسف به ويذهب ضوؤه ( فإذا برق البصر ، وخسف القمر ) أما تلك النجوم المتناثرة في القبة السماوية الزرقاء ، فإن عقدها ينفرط فتتناثر وتنكدر ( وإذا الكواكب انتثرت ) ، وقال تعالى ( وإذا النجوم انكدرت) ، والانكدار : الانتثار ، وأصله في لغة العرب : الانصباب
**********************************

المحاسبي يصور أهوال ذلك اليوم
******************


يقول الحارث المحاسبي رحمه الله واصفا ما يقع في ذلك اليوم من أهوال:

حتى إذا تكاملت عدة الموتى ، وخلت من سكانها الأرض والسماء فصاروا خامدين بعد حركاتهم ، فلا حس يسمع ، ولا شخص يرى ، وقد بقي الجبار الأعلى كما لم يزل أزليا واحدا منفردا بعظمته وجلاله ، ثم لم يفجأ روحك إلا بنداء المنادي لكل الخلائق معك للعرض على الله عز وجل بالذل والصغار منك ومنهم . فتوهم كيف وقوع الصوت في مسامعك وعقلك وتفهم بعقلك كأنك تدعى إلى العرض ‘لى الملك الأعلى فطار فؤادك ، وشاب رأسك للنداء ، لأنها صيحة واحدة بالعرض على ذي الجلال والإكرام والعظمة والكبرياء، فبينما أنت فزع للصوت إذ سمعت بانفراج الأرض على رأسك ، فوثبت مغبرا من قرنك إلى قدمك بغبار قبرك قائم على قدميك ، شاخص بصرك نحو النداء ، قد ثار الخلائق كلهم معك ثورة واحدة مغبرون من غبار الأرض التي طال فيها بلاؤهم فتوهم ثورتهم بأجمعهم بالرعب والفزع منك ومنهم ، فتوهم نفسك بعريك ومذلتك وانفرادك بخوفك وأحزانك وغمومك وهمومك في زحمة الخلائق عراة حفاة صوت أجمعون بالذلة والمسكنة والمخافة والرهبة ، فلا تسمع إلا همس أقدامهم والصوت لمدة المنادي ، والخلائق مقبلون نحوه، وأنت فيهم مقبل نحو الصوت ، ساع بالخشوع والذلة ، حتى إذا وافيت الموقف ازدحمت الأمم كلها من الجن والإنس عراة حفاة ، قد نزع الملك من ملوك الأرض ولزمتهم الذلة والصغار ، فهم أذل أهل الجمع وأصغرهم خلقة وقدرا بعد عتوهم وتجبرهم على عباد الله عز وجل في أرضه ثم أقبلت الوحوش من البراري وذرى الجبال منكسة رؤوسها ذليلة ليوم القيامة حتى وقفت من وراء الخلائق بالذل والمسكنة والانكسار للملك الجبار ، وأقبلت الشياطين بعد عتوها وتمردها خاشعة لذل العرض على الله سبحانه فسبحان الذي جمعهم بعد طول البلاء واختلاف خلقهم وطبعائهم وتوحش بعضهم من بعض قد أذلهم البعث وجمع بينهم النشورحتى إذا تكاملت عدة أهل الأرض من إنسها وجنها وشياطينها ووحوشها وسباعها وأنعامها وهوامها ، واستوو جميعا في موقف العرض والحساب تناثرت نجوم السماء من فوقهم وطمست الشمس والقمر ، وأظلمت الأرض بخمود سراجها وإطفاء نورها. فبينما أنت والخلائق على ذلك إذ صارت السماء الدنيا من فوقهم ، فدارت بعظمها من فوق رؤوسهم وذلك بعينك تنظر إلى هول ذلك ، ثم انشقت بغلظها خمسمائة عام ، فيا هول صوت انشقاقها في سمعك ، ثم تمزقتوانفطرت بعظيم هول يوم القيامة والملائكة قيام على أرجائها وهي حافات ما يتشقق ويتفطر ، فما ظنك بهول تنشق فيه السماء بعظمها ، فأذابها ربها حتى صارت كالفضة المذابة تخالطها صفرة لفزع يوم القيامة كما قال الجليل الكبير( فكانت وردة كالدهان) ، ( يوم تكون السماء كالمهل ، وتكون الجبال كالعهن) ، فبينما ملائكة السماء الدنيا على حافتها إذا انحدروا محشورين إلى الأرض للعرض والحساب ، وانحدروا من حافتيها بعظم أجسامهم وأخطارهم وعلو أصواتهم بتقديس الملك الأعلى الذي أنزلهم محشورين إلى الأرض بالذلة والمسكنة للعرض عليه والسؤال بين يديه ، فتوهم تحدرهم من السحاب بعظيم أخطارهم وكبير أجسامهم وهول أصواتهم وشدة فرقهم منكسين لذل العرض على عز وجل . فيا فزعك وقد فزع الخلائق مخافة أن يكونوا أمروا بهم ، مسألتهم إياهم: أفيكم ربنا ؟ ففزع الملائكة من سؤالهم إجلالا لمليكهم أن يكون فيهم ، فنادوا بأصواتهم تنزيلا لما توهمه أهل الأرض: سبحان ربنا ليس هو بيننا فهو آت ، حتى أخذوا مصافهم محدقين بالخلائق منكسين رؤوسهم في عظم خلقهم بالذل والمسكنة والخشوع لربهم ، ثم كل شيء على ذلك وكذلك إلى السماء السابعة كل أهل سماء مضعفين بالعدد وعظم الأجساد ، وكل أهل سماء محدقين بالخلائق صفا حتى إذا وافى الموقف أهل السماوات السبع والأرضين السبع كسيت الشمس حر عشر سنين وأدنيت رؤوس الخلائق قاب قوس أو قوسين ، ولا ظل لآحد إلا ظل رب العالمين ، فمن بين مستظل بظل العرش ، وبين مضحو بحر الشمس ، قد صهرته بحرها واشتد كربه وقلقه من وهجها ، ثم ازدحمت الأمم وتدافعت ، فدفع بعضهم بعضا وتضايقت فاختلفت الأقدام وانقطعت الأعناق من العطش واجتمع حر الشمس ووهج أنفاس الخلائق وتزاحم أجسامهم ففاض العرق سائلا حتى استنقع على وجه الأرض ثم على الأبدان على قدر مراتبهم ومنازلهم عند الله عز وجل بالسعادة والشقاء ، حتى إذا بلغ من بعضهم العرق كعبيه ، وبعضهم حقويه ، وبعضهم غلى شحمة أنه ، ومنهم من كاد أن يغيب في عرقه ومن قد توسط العرق من دون ذلك منه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الرجل ( وقال مرة إن الكافر ) ليقوم يوم القيامة في بحر رشحه إلى أنصاف أذنيه من طول القيام)

وعن عبدالله رفعه إلى التبي صلى الله عليه وسلم ( إن الكافر يلجم بعرقه يوم القيامة من طول ذلك اليوم) وقال علي : من طول القيام . قالا جميعا حتى يقول : رب أرحني ولو إلى النار . وأنت لامحالة أحدهم ، فتوهم نفسك راجعة لكربك وقد علاك العرق ، وأطبق عليك الغم ، وضاقت نفسك في صدرك من شدة العرق والفزع والرعب ، الناس معك منتظرون لفصل القضاء إلى دار السعادة أو إلى دار الشقاء ، حتى إذا بلغ المجهود منك ومن الخلائق منتهاه ، وطال وقوفهم لا يكلمون ولا ينظرون في أمورهم

عن قتادة أو كعب ، قال : يوم يقوم الناس لرب العالمين قال : ( يقومون مقدار ثلاثمائة عام ، قال سمعت الحسن يقول : ما ظنك بأقوام ما قاموا لله عز وجل على أقدامهم مقدار خمسين ألف لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة، حتى إذا انقطعت أعناقهم من العطش ، واحترقت أجوافهم من الجوع انصرف بهم إلى النار ، فسقوا من عين آنية قد آن حرها ، واشتد نفحها ، فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به كلم بعضهم بعضا في طلب من يكرم على مولاه أن يشفع لهم في الراحة من مقامهم وموقفهم لينصرفوا إلى الجنة أو إلى النار من وقوفهم ففزعوا إلى آدم ونوح ومن بعده إبراهيم ، وموسى وعيسى من بعد إبراهيم ، كلهم يقول لهم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضبه قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ، فكلهم يذكر شدة غضب ربه عز وجل وينادي بالشغل بنفسه فيقول : نفسي نفسي ، فيشتغل بنفسه عن الشفاعة لهم إلى ربهم لاهتمامه بنفسه وخلاصها وكذلك يقول الله عز وجل ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها )

فتوهم أصوات الخلائق وهم ينادون بأجمعهم منفرد كل واحد منهم بنفسه ، ينادي نفسي نفسي ، فلا تسمع إلا قول نفسي نفسي. فيا هول ذلك وأنت تنادي معه بالشغل بنفسك والاهتمام بخلاصها من عذاب ربك وعقابه فما ظنك بيوم ينادي فيه المصطفى آدم والخليل إبراهيم ، والكليم موسى ، والروح والكلمة عيسى مع كرامتهم على الله عز وجل وعظم قدر منازلهم عند الله عز وجل كل ينادي : نفسي نفسي ، شفقا من شدة غضب ربه ، فاين أنت منهم في اشفاقك في ذلك اليوم واشتغالك بذلك اليوم ، وبحزنك وبخوفك؟ حتى إذا أيس الخلائق من شفاعتهم أتوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم فسألوه الشفاعة إلى ربهم فأجابهم إليها ، ثم قام إلى ربه عز وجل واستأذن عليه فأذن له ثم خر لربه ساجدا ، ثم فتح عليه من محامده والثناء عليه لما و أهله ، وذلك كله بسمعك واسماع الخلائق ، حتى أجابه ربه عز وجل إلى تعجيل عرضهم والنظر في أمورهم


يا غفار الذنوب.

اللهم إنا نستغِرُكَ استغفارا يُطهر النفوس من أوزارها.. ونشهدُ لكَ شهادةً نُحشر تحت ظلالها.. وارزقنا حمداً يملأُ الميزان.. وشكراً يزيدُنا فى الإحسان.. وارزقنا تلاوة القرآن بأصدق منطق وأحسن بيان.. واجعل قلوبنا له أوعية صفية نقية تقية.. واجعل نفوسنا به راضية مرضية.. نسألُك بوجهك الكريم.. نسألك بوجهك الكريم الفردوس الأعلى.. نسألُكَ إيماناً لا يرتد.. ونعيمًا لا ينفد.. وقرة عين لا تنقطع.. ومرافقة نبيك مُحمد (صلى الله عليه وسلم) فى أعلى جِنان الخُلد.. يا مَن يُجير ولا يُجار عليه.. أجرنا من النار.. ومن خزى النار.. ومن كل عمل يقربنا إلى النار.. وأدخلنا الجنة مع الأبرار.. نسألك رضاك والجنة.. ونعوذ بك من سخطك والنار.

اللهم اجعل القرآن العظيم زادنا وسندنا.. والسُنة المطهرة حبنا ومددنا.. واحفظنا من تفرُق كلمتنا.. واعصمنا من شتات أمرنا.. ولا تجعلنا فِرقًا وشيعا.. ولا تجعلنا فرقا وشيعا نُخالف بعضنا.. واجعل صلاتنا للبلاء واقية.. وللأمراض شافية.. واجعل تلاوتنا للقرآن مُنجية.. ومن النار كافية.. واجعل نفوسنا صافية.. وفى الآخرة راضية.

يا من لا تضيع عنده الودائع.

اللهم إنك وضعت فى كل قلبِ ما يشغله.. فأودع فى قلوبنا ما يشغلُنا بك.. وأودع فى أسماعنا ما يطمئنُنا بك.. وأودع فى جوارحنا ما يقربنا منك.. وأودع فى ألسنتنا ما يهدينا إليك.. وأنزع الغِل والشِقاق والنفاق من بيننا.. واجعلنا ورثة لخير سلفِنا.

يا ربنا.. وخالقنا.. ورازقنا.. اجعلنا ممن يسبح بحمدك فى كل وقت وحين.. وممن يخرون لآياتك سُجداً وباكين.. وممن سمع ندائك فكان من المُجيبين المُنيبين.. وممن أسلم وجهه طوعًا لرب العالمين.. واجعل هذا كلهُ نجاة لنا دُنيا ودين.. برحمتك يا أرحم الراحمين.

يا خير الرازقين.. ارزقنا إيمانًا لا ريب فيه.. ورزقًا لا جحود فيه.. ونصراً لا كِبر فيه.. وعزاً لا ذُل فيه.. وعِلماً لا ضلال فيه.. وقلبا لا قسوة فيه.. ولسانًا لا لغو فيه.. وبصراً لا خيانة فيه.. ورضوانًا لا سخط فيه.. وحجاً لا رفث فيه.. وصحةً لا سقم فيها.. وعافية لا مُبدل لها.. وبركةً لا نازع لها.. برحمتك يا أكرم الأكرمين.

نسألك صحة بلا علل.. وإيمانًا بلا خلل.. وعملاً بلا جدل.. ونعوذ بك من غرور الأمل.. والخطأ والزلل.. وضعف البدن.. وضيق السُبل.. ونعوذ بك من الأيام الدول.

يا واهب النعم.. يا ولى النعم.. هب لنا من صدق أبى بكر.. ومن عدل عُمر.. ومن حياء وعطاء عُثمان.. ومن علم على.. ومن قوة أسامة وخالد.. ومن ثبات حمزه.. ومن فراسة عمرو.. ومن أمانة أبى عُبيدة.. ومن خُلق صحابة النبى (صلى الله عليه وسلم).. ورضي الله عنهم أجمعين.

يا غفار الذنوب.. اغفر لنا الذنوب التى تُنزل البلاء.. والتى تقطع الرجاء.. والتى تُحبس الدُعاء.. والتى تمنع غيث السماء.. اغفر لنا الذنوب التى تمنع غيث السماء.. والتى تُزيل النِعم.. وتورث الندم.. وتجلب النقم.. برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت عُدتنا.. وولى نعمتنا.. وقوتنا فى شدتنا.. وناصرنا فى كربتنا.

اللهم إنك ربُنا العظيم الحكيم الكريم.. ترى ولا تُرى.. ولك الثناء الأعلى فى الملأ الأعلى.. ولك الأخرة والأولى.. ولك الممات والمحيا.. وإليك المرجع والمُنتهى.. وتعلم السر والنجوى.. نعوذ بكَ أن نذِل ونخزَى.. نسألُك ما يُرضيك عنا.

اللهم أشرى بالإيمان في قلوبنا.. والإحسان أرواحنا.. وأصلح بهما أسماعنا وأبصارنا.. وأفتح لهما مسامع قلوبنا.. لنسمع نصيحتك.. ونحفظ وصيتك.. وننصر شريعتك.

اللهم أعنا على دُنيانا بديننا.. وعلى آخرتنا بتقوانا.. وسع لنا الخير.. واصرف عنا الضُر.. فإن عزيمتك لا تُرد.. وقولكَ لا يُكذَب.. ونعيمك لا ينفد.

اللهم ارزقنا إيمانًا دائما.. اللهم ارزقنا إيمانًا كاملا.. ودينًا قيما.. وخُلقًا كريما.. وفضلاً عظيما.. وارزقنا الرحمة بعبادك.. والرضا بقدرك وقضاءك.. وحُسن التوكل عليك.. وحب أولياءك.. والشدة على أعدائك.. واجعلنا ممن يصون العِرض.. ويحمى الأرض.. ويفى بالعهد.. وينجز الوعد.. ويديم الود.. برحمتك يا ودود.. يا ذا العرش المجيد.. يا عياذ المستعيذين.. ويا غياث المستغيثين.. نعوذ بك من أنكر الأصوات.. وتتبع العورات.. ومن ربا الشُبهات.. ومن الرياء فى الصلوات.. ومن قذف المُحصنات.. والغى والضلالات.. ومن الخبيثين والخبيثات.. ومن فتنة المحيا والممات.. ومن عقوق الآباء والأمُهات.. وسفه الأبناء والبنات.. ونعوذ بك من الأسقام والعاهات.. ومن الحرام والشُبهات.. ونسألك يا مُنزل البركات.. أن تجعلنا ممن تسابقوا فى الخيرات.. وحافظوا على الصلوات.. واتموا الحج والعمرات.

اللهم ارزقنا الصبر على الطاعات.. والصدق والإخلاص فى الدعوات.. وأعنا على الخير وقضاء الحاجات.. وضاعف لنا الأجر والحسنات.. واجعلنا من الذاكرين لك جميعا والذاكرات.. ولا تحرمنا الخُلة والشفاعات.. واهد البنبن والبنات.. واصلح المسلمين والمسلمات.

نعوذ بك يا ربنا من السِحر والسموم.. والحُزن والهموم.. ومن طوارق الليل والهموم.. ومن ظِل اليحموم.. نعوذ بك من ظل اليحموم.. ومن الطعن والطاعون.. والزيغ والجنون.. والفقر والديون.. ونعوذ بك من كِبر إبليس.. وحسب قابيل.. ومن غرور عادِ وثمود.. ومن فتنة النمروذ.. ومن علو فرعون.. ومكر هامان.. وبغى قارون.. ومن حيل أصحاب السبت.. وجهل أبى جهل.. وتباب أبى لهب.

يا رب.. لا تجعل النوم يسرقنا.. والذنب يُغرقنا.. والهم يؤرقنا ..والعدو يطرقنا.

يا مُجيب السائلين.. نسألُك إخلاص نبيك إبراهيم الذي وفى.. وصدق نبيك إسماعيل الذي بنفسه ضحى.. وعفة نبيك يوسف.. الذي استعصم واستحيا.. وشُكر نبيك سُليمان.. الذي حمد وأفنى.. ونسألُك قوة في الطاعة.. ونسألك قوة في الطاعة والحق مثل هارون وموسى.. ونسألُك طهارة نبيك عيسى.. الذي أبرأ الأبرص والأعمى.. ونسألُك خُلق نبيك مُحمد (صلى الله عليه وسلم).. الذي دنا من سدرة المُنتهى.. واجعلنا يا رب ممن تدبر آياتك.. فكان من أولى النُهى.. وارزقنا سعادة الدنيا.. واجعل الآخرة خير لنا من الأولى.. واجعلنا من أصحاب النعيم.. والدرجات العُلى.. برحمتك يا رب.. يا رب
3
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

سحابة الليل
سحابة الليل
موضوع طويل قرات بدايته

ان شاء الله بكمل بكرة

بارك الله فيك
المهلله
المهلله
بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع طوووووووووووويل
قرأت النصف والباقي غدا انشاء الله
جزاك الله خيرا على مجهودك
كوب قهوه
كوب قهوه
جزاك الله خير