مضت القرون المفضلة الأولى ، والثاني والثالث ، ولم تسجل لنا كتب التاريخ أن أحداً من الصحابة ، أو التابعين ، أو تابعيهم ومن جاء بعدهم- مع شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، كونهم أعلم الناس بالسنة ، وأحرص الناس على متبعة شرعه صلى الله عليه وسلم احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
وأول من أحدث هذه البدعة هم بني عبيد القداح الذين يسمون أنفسهم بالفاطميين .
وينتسبون إلى ولد علي أبي طالب- رضي الله عنه-،وهم في الحقيقة من المؤسسين لدعوة الباطنية ، فجدهم هو ابن ديصان المعروف بالقداح، وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق، وكان من الأهواز وأحد مؤسسي مذهب الباطنية، وذلك بالعراق.
ثم رحل إلى المغرب،وانتسب في تلك الناحية إلى عقيل بن أبي طالب.
وزعم أنه من نسله ، فلما دخل في دعوته قوم من غلاة الرافضة،ادعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر بن جعفر الصادق ، فقبلوا ذلك منه.
مع أن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق مات ولم يعقب ذرية.
وممن تبعه: حمدان قرمط، وإليه تنسب القرامطة.
ثم لما تمادت بهم الأيام ، ظهر المعروف منهم بسعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون بن ديصان القداح.
فغيَّر اسمه ونسبه وقال لأتباعه:أنا عبيد الله بن الحسن بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق فظهرت فتنته بالمغرب .
قال البغدادي : ( وأولاده اليوم مستولون على أعمال مصر )ا.هـ
وقال ابن خلِّكان : ( وأهل العلم بالأنساب من المحققين ينكرون دعواه في النسب ) ا.هـ .
وفي سنة 402هـ كتب جماعة من العلماء والقضاء ، والأشراف والعدول والصالحين والفقهاء والمحدثين ، محاضر تتضمن الطعن والقدح في نسب الفاطميين - العبيديين - وشهدوا أن الحاكم بمصر هو : منصور بن نزار الملقب بـ(( الحاكم ))- حكم الله عليه بالبوار والخزي والدمار- ابن معد بن إسماعيل بن عبد الله بن سعيد- لا أسعده الله -.
فإنَّهُ لما صار إلى بلاد المغرب تسمى بعبيد الله ، وتلقب بالمهدي ، وأن من تقدم من سلفه أدعياء خوارج ، لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ولا يعلمون أحداً من أهل بيوتات على بن أبي طالب-رضي الله عنه- توقف عن إطلاق القول في أنهم خوارج كذبه ، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعاً في الحرمين ، وفي أول أمرهم بالمغرب ، منتشراً انتشاراً يمنع أن يدلس أمرهم على أحد ، أو يذهب وهم إلى تصديقهم فيما ادَّعوه ، وأن هذا الحاكم بمصر- هو وسلفه-كفار فساق فجار ، ملحدون زنادقة ، معطلون ، وللإسلام جاحدون ، ولمذهب المجوسية والوثنية معتقدون ، قد عطَّلُوا الحدود ، وأباحوا الفروج ، وأحلوا الخمر ، وسفكوا الدماء ، وسَبُّوا الأنبياء ، ولعنوا السلف، وادَّعُوا الربوبية،وكتب في سنة اثنتين وأربعمائة للهجرة ، وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير ا.هـ.
وقد صنَّف القاضي الباقلاني كتاباً في الردِّ على هؤلاء وسماه :كشف الأسرار وهتك الأستار).بيَّن فيه فضائحهم وقبائحهم، وقال فيهم : هم قوم يظهرون الرفض ، ويبطنون الكفر المحض.
وقد سُئِل شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- عنهم ، فأجاب : بأنهم من أفسق الناس ، ومن أكفر الناس، وأن من شهد لهم بالإيمان والتقوى ، أو بصحة النسب ، فقد شهد لهم بما لا يعلم ، وقد قال تعالى : { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ......}(2) . وقال تعالى : {.....إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }(3) .
وهؤلاء القوم يشهد عليهم علماء الأمة ، وأئمتها ، وجماهيرها ، أنهم كانوا منافقين زنادقة ، يظهرون الإسلام ، ويبطنون الكفر ، فالشاهد لهم بالإيمان ، شاهد لهم بما لا يعلمه ؛ إذ ليس معه شيء يدلّ على إيمانهم ، مثل ما مع منازعيه ما يدل على نفاقهم وزندقتهم .
وكذلك النسب : قد علم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم ، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس أو اليهود ، هذا مشهور من شهادة علماء الطوائف من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وأهل الحديث ، وأهل الكلام ، وعلماء النسب ، والعامة ، وغيرهم . وهذا أمر قد ذكره عامة المصنفين لأخبار الناس وأيامهم ، حتى بعض من قد يتوقف في أمرهم ؛ كابن الأثير الموصلي في تاريخه ونحوه ، فإنَّه ذكر ما كتبه علماء المسلمين بخطوطهم في القدح في نسبهم .
وأما جمهور المصنفين من المتقدمين والمتأخرين ، حتى القاضي ابن خلكان في تاريخه ، فإنهم ذكروا بطلان نسبهم ، وكذلك ابن الجوزية ، وأبو شامة ،وغيرهم من أهل العلم بذلك.
حتى صنَّف العلماء في كشف أسرارهم، وهتك أستارهم؛كالقاضي أبي بكر الباقلاني في كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم،وذكر أنهم من ذرية المجوس، وذكر من مذاهبهم ما بيَّن فيه أن مذاهبهم شر من مذاهب اليهود والنصارى، بل ومن مذاهب الغالية اَإلهية عليّ أو نبوته، فهم أكفر من هؤلاء،
وهؤلاء -بنو عبيد القدح-ما زالت علماء الأمة المأمونون علماً وديناً يقدحون في نسبهم ودينهم، لا يذمونهم بالرفض والتشيع ،فإن لهم في هذا شركاء كثيرين ،بل يجعلونهم من القرامطة الباطنية،الذين منهم الإسماعيلية والنصيرية ، وأمثالهم من الكفار المنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، والذين أخذوا بعض قول المجوس وبعض قول الفلاسفة.
فمن شهد لهم بصحة نسب أو إيمان، فأقل ما في شهاداته أنه شاهد بلا علم، قاف ما ليس له به علم ، وذلك حرام باتفاق الأمة، بل ما ظهر عنهم من الزندقة والنفاق ، ومعاداة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم : دليل على بطلان نسبهم الفاطمي ، فإن من يكون من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم القائمين بالخلافة في أمته ، لا تكون معاداته لدينه كمعادة هؤلاء ، فلم يعرف في بني هاشم ، ولا بني أمية : من كان خليفة وهو معاد لدين الإسلام ، فضلاً عن أن يكون معادياً كمعاداة هؤلاء، بل أولاد الملوك الذين لا دين لهم آدم، الذي بعثه الله بالهدى ودين الحق كيف دينه هذه المعاداة ؟!.
ولهذا نجد جميع المأمونين على دين الإسلام باطناً وظاهراً معادين لهؤلاء، إلا من هو زنديق عدو لله ورسوله ، أو جاهل لا يعرف ما بعث به رسوله ، وهذا مما يدل على كفرهم، وكذبهم في نسبهم .ا.هـ.
فأوّل من قال بهذه البدعة الاحتفال بالمولد النبوي - هم الباطنية الذين أرادوا أن يُغيِّروا على الناس دينهم ، وأن يجعلوا فيه ما ليس منه ؛ لإبعادهم عمَّا هو من دينهم ، فإشغال الناس بالبدع طريق سهل لإماتة السنة والبُعْد عن شريعة الله السمحة ، وسنته صلى الله عليه وسلم المطهرة .
وكان دخول العبيديين مصر سنة 362هـ ، في الخامس من رمضان ، وكان ذلك بداية حكمهم لها .
وقيل : يوم الثلاثاء لسبع خلون من شهر رمضان سنة 362هـ، فبدعة الاحتفال بالموالد عموماً ،ومولد النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً ، إنَّما ظهرت في عهد العبيديين ، ولم يسبقهم أحدٌ إلى ذلك .
قال المقريزي : (ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية ، وتكثر نعمهم .
وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي :
موسم رأس السنة ، وموسم أول العام ، ويوم عاشوراء ، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومولد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ومولد الحسن ، ومولد الحسين عليهما السلام ، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام ، ومولد الخليفة الحاضر ، وليلة أول رجب ، وليلة نصفه ، وليلة أول شعبان ، وليلة نصفه ، وموسم ليلة رمضان ، وغرة رمضان ، وسماط رمضان ، وليلة الختم ، وموسم عيد الفطر ، وموسم عيد النحر ، وعيد الغدير ،وكسوة الشتاء ، وكسوة الصيف ، وموسم فتح الخليج ، ويوم النوروز ، ويوم الغطاس ، ويوم الميلاد ، وخميس العدس ، وأيام الركوبات ).ا.هـ(2) .
ثم تكلم عن كل موسم ، ومراسم الاحتفال فيه .
فهذه شهادة ظاهرة واضحة من المقريزي- وهو من المثبتين انتسابهم إلى ولد علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- ومن المدافعين عنهم - أن العبيديين هم سبب البلاء على المسلمين ، وهم الذين فتحوا باب الاحتفالات البدعية على مصراعيه ، حتى أنهم كانوا يحتفلوا بأعياد المجوس والمسيحيين كالنوروز ،والغطاس، والميلاد، وخميس العدس.
وهذا من الأدلة على بعدهم عن الإسلام، ومحاربتهم له ، وإن لم يجهروا بذلك ويظهروه .
ودليل أيضاً على أن إحياءهم للموالد الستة المذكورة-ومنها المولد النبوي-، ليس محبة له صلى الله عليه وسلم وآله كما يزعمون ، وكما يظهرون للعامة والسذَّج من الناس ، وإنما قصدهم بذلك نشر خصائص مذهبهم الإسماعيلي الباطني ، وعقائدهم الفاسدة بين الناس ، وإبعادهم عن الدين الصحيح ، والعقيدة السليمة بابتداعهم هذه الاحتفالات ، وأمر الناس بإحيائها ، وتشجيعهم على ذلك ، وبذل الأموال الطائلة في سبيل ذلك .
فخلاصة ما سبق أن أول من احتفل بالمولد النبوي هم بنو عبيد القداح ( الفاطميون )
قال الشيخ حمود التويجري : ( إن الاحتفال بالمولد بدعة في الإسلام أحدثها سلطان إربل في آخر القرن السادس من الهجرة ، أو في أول القرن السابع ) .ا.هـ .
فإذا عرفنا ذلك، فلا شكَّ أن العبيديين هم أول من احتفل بالمولد النبوي، حسب ما ورد في كتب التاريخ والسير؛ لأنَّ العبيديين دخلوا مصر وأسسوا ملكهم في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ، واستمرت دولتهم القرن الخامس، ونصف القرن السادس الهجري .
منقول من كتاب /البدع الحولية
جودي ليان @gody_lyan
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
جزآك الله خير ,, :)
(( اللهُم أنت ربي، لا إله إلا أنت عليك توكلتُ وأنت ربُ العرش العظيم،
ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن،
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،
أعلم أن الله على كُل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً،
اللهم إني أعُوذُ بك من شر نفسي،
ومن شر كل دابةٍ أنت أخذٌ بناصيتها، إن ربي على صراطٍ مُستقيم)).