بسم الله الرحمن الرحيم
===================
الكريم
=======
أحد دروس "أسماء الله الحُسنى" للشيخ "راتب النابلسي"،
وهي متاحة على موقعه: www.nabulsi.com
===========
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم:الاسم اليوم اسم "الكريم" ، وهذا الاسم أيها الإخوة له دلالات كبيرة ، ويمكن للإنسان أن يتخلَّق بهذا الاسم لأنه من الأسماء التي يمكن أن يتخلق بها الإنسان ،فكما تعلمون أن أسماء الله عز وجل ،منها ما هو خاص بالله عز وجل الخالق ، القديم ، ومنها أسماء أمرنا أن نتخلق بها ، واسم الله " الكريم" من الأسماء الإلهية التي أمرنا أن نتخلق بها ، واسم الكريم ثابت بنص القرآن الكريم في قوله تعالى :
سورة الانفطار
وهذه الآية تخاطب القلب والعقل معا وهذا الاسم ورد بصيغة اسم التفضيل في آية أخرى بقوله تعالى :
سورة العلق
قبل أن نصل إلى ما تعنيه كلمة كريم في حق الله جل وعلا نريد أن نبدأ الحديث بما تعنيه كلمة كريم في التعامل اليومي ، كلمة كريم نستخدمها كثيرا ، فقال العلماء : " كل صفة محمودة تسمى كرما على خلاف ما يظنه معظم الناس " ، فلان كريم يعني يعطي ، كثير العطاء .
كلمة كريم ؛ الحلم كرم ، السخاء كرم ، اللطف كرم ، الصبر كرم ، المروءة كرم .. الكرم أية صفة حميدة يتصف بها الإنسان ، بل إن الصفات الحميدة كلها تلخص بكلمة واحدة هي الكرم ، وإن الصفات الخسيسة كلها تلخص بكلمة واحدة هي اللؤم .
قيل: الذُّل : أن يقف الكريم بباب اللئيم ، فالخسيس لئيم والمتكبر لئيم ، والجَحود لئيم ، والذي يحب ذاته على حساب الآخرين لئيم ، والبخيل لئيم ، كل الصفات الخسيسة تجمعها كلمة لئيم ، وكل الصفات المحمودة تجمعها كلمة كريم ، فالناس رجلان ؛بَرٌّ كريم و فاجر لئيم هكذا قال عليه الصلاة والسلام ؛فليس معنى كريم الذي يعطي ، الحليم كريم اللطيف كريم ، الرحيم كريم ، الصافي كريم ، الودود كريم ، المنصف كريم ، ومنه :حَجَر كريم ،مثل: اللؤلؤ ، الألماس الياقوت المرجان فالياقوت حجر لكنه كريم ، والماس حجر لكنه كريم. ......يقول الشاعر:
محمد ٌبشر وليس كالبشر بل هو ياقوتة والناس كالحجر
إذا أنتَ أكرمتَ الكريم مَلَكْتَهُ وإن أنت أكرمت اللئيم تَمَرَّدا
أُعلِّمُه الرماية كلَّ يــوم فلما اشتدَّ ساعده رماني
وكَم علمتُه نَظْم القوافي فلما قال قافية هَجانــــي
ومن معاني الكريم :مَن كان كريم النسب ، فسيدنا يوسف ،
. هو الكريم بن الكريم ابن الكريم بن الكريم ، " يوسف أكرم الناس " كما قال عليه الصلاة والسلام.
أو نقول : فلان كريم الطرفين ، يعني أمه كريمة وأبوه كريم ، فقد حاز الشرف من طرفين ، من طرف أمه وأبيه .
من معاني الكريم: من كان ذا صورة حسنة ، والدليل قول الله عز وجل حينما وصف سيدنا يوسف
سورة يوسف
فالكرم يستعمل بمعنى النسب الشريف ، ولا يتحدث عن شرف النسب إلا بعد معرفة الله وتطبيق منهجه ، فإذا تحدثنا عن النسب فقط ؛ فأبو لهب ، تعرفون من أبو لهب :
سورة المسد
أنا جد كل تقي ولو كان عبدا حبشيا .
لا نتحدث عن النسب إلا بعد الإيمان ، إذا أضيف النسب إلى الايمان نور على نور ، أما كما قال الشاعر :
جمال الوجه مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوسي
المقام الكريم ؛ هو الجنة ، لا تعب هناك لا نصب لا خوف لا حزن لا حسد لا تباغض ، لا شيء يزعج ، مقام كريم في الجنة .
من معاني الكريم : الشيء العزيز ، الذي تشتد الحاجة اليه يحتاجه كل شيء في كل شيء ، ويقل وجوده ولا يستغنى عنه إطلاقا ، والدليل قوله تعالى :
سورة الحجرات
والكريم الشيء الذي تكثر منافعه ، قال تعالى :
سورة النمل
كتاب كريم ؛ كله منافع ، كله فوائد ، كله حقائق ، كله توجيهات صائبة ، كله خيرات ، كله بركات ، اذن معنى القرآن الكريم ؛ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، القرآن الكريم ليس فيه باطل ولا غلط ، ليس فيه خلل ولا تناقض ، ليس فيه مخالفة للواقع ، ولا ضعف ، ليس فيه معالجة سريعة ،ولا معالجة متناقضة ، قرآن كريم ، خلا من كل شائبة ، يعني المعنى الذي يجمع كل هذه المعاني ، الكرم ، يعني الكمال ، قرآن كريم خلا من كل عيب .
نقول ناقة كريمة ، أي غزيرة اللبن ، درها كثير ، والنبي عليه الصلاة والسلام –كما روى ابن عباس-حينما أرسل سيدنا معاذا الى اليمن ، قال له :
" إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب "أخرجه البخاري
كرائم أموالهم : يعني عنده بقرة يحرص عليها حرصا شديدا دعها له خذ بقرة أخرى يختارها لك هو ، لا كما يفعل بعض الناس ، حين يأخذون ما يعجبهم ، إذا فرضنا عليهم شيئا نأخذ ما يعجبنا وندع ما لا يعجبنا، أما السُنَّة المطهرة،فهي كما قال له : " إياك وكرائم أموالهم " .
وسمي العنب كَرما لأنها فاكهة كثيرة الخير ، ظل ظليل ، وثمار يانعة وقطوف دانية ، وغذاء جيد وفاكهة محبة .
أحيانا ينصب الناس خياما على مداخل البيوت هذه الخيام من حين لآخر تتمزق ، تعصف بها الرياح ، تتلفها الأمطار ، ولكن أناسا يزرعون الكرم على مداخل البيوت ، فهذا الكرم ظل ظليل وفاكهة دانية ويانعة ومفيدة وإلى ما شاكل ذلك .
وإذا قلنا مكارم الأخلاق ، يعني أفضلها وأحسنها وأرفعها وأسماها .. فهناك مكارم الأخلاق ، والكرم وهو العنب ، وهناك ناقة كريمة كثيرة در اللبن، وهناك الكتاب الكريم ، كثير الفوائد ، وهناك الأحجار الكريمة الصافية من كل شائبة ، وهناك العزيز ، الشيء النادر، وهناك مقام كريم ، وهناك الجمال الصوري
سورة يوسف
فإذا قلت : قرآن كريم يعني كتاب الله ، الله سبحانه وتعالى كماله مطلق وكلامه في كماله مطلق ، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه . وقال بعض الشعراء :
وحَمل الزاد أقبح كل شيء اذا كان القدوم على الكريم
الآن اذا وصفنا الله سبحانه وتعالى كما وصف هو نفسه بأنه كريم :
سورة الانفطار
كلمة ما غرك ، ما الغرور ؟ .. الغرور أن ترى علبة في الأرض تظنها شيئا ثمينا تنكب عليها تلتقطها فإذا هي علبة فارغة ظننت فيها قطعة ماس أو ظننت فيها قطعة ذهب ، أو ساعة ثمينة انكببت عليها، فاذا هي علبة فارغة ، هذه الحادثة اسمها الغرور ، أنت اغتررت بها ، هذا المعنى هل يمكن أن ينسحب على هذه الآية ؟ لا .،فالمعنى الذي يليق بهذه الآية هو أنك إذا ظننت أن هذا القاضي يقبض الرشوة ، فإذا أعطيته مالاً حكم لك وأنت ظالم ،تكون قد اغتررت بنزاهة هذا القاضي ، فإذا قلنا " ياأيها الانسان ما غرك بربك الكريم " ، يعني ظننت بربك غير الحق ، ظننته غير عادل ظننته غير رحيم ، ظننته غير قدير ، إذن نفيت عنه القدرة والرحمة و العدل والإنصاف ، وأنه لا ينسى عباده المؤمنين ، وأنه لن يَضع الذين أفنوا حياتهم في طاعته في النار ، ولن يكافئ الذين ناصبوه العداء بالجنة ، إذا ظننت بالله غير الحق ظن الجاهلية ، فقد اغتررت بربك الكريم ، لأن الله كريم كيف تغتر به .
التعريف الدقيق لاسم الكريم ، هو الواجب الوجود المنزَّه عن كل عدم وعن كل نقص ، العزيز الذي لا إله غيره .
هذا الكلام يلخص بكلمات ثلاث ، وجوده ووحدانيته وكماله ، الله كريم يعني موجود وواحد وكامل .
الآن التعاريف الدقيقة لهذا الاسم العظيم :
الكريم ؛ هو الذي يبتدئ بالنعمة من غير استحقاق ، تفضل علينا وأوجدنا دون أن يكون لنا حق في أن نوجد ، ليس لنا حق عنده تفضل علينا وأوجدنا ، فنعمة الإيجاد ابتدأها الله دون استحقاق منا ، أنت كإنسان عندك موظف ، وأخلَص اخلاصا شديدا ، وقدم جهدا طيبا ربما تكافئه ، فهذه المكافأة ، جاءت منك ليس ابتداء ولكن عقب احسانه وإخلاصه ، مقابل شيء فعله ، أما الكريم الحقيقي، الكريم المطلق هو الذي يبتدئ بالنعمة دون استحقاق ، ،حيث أنه أوجدنا وأنعم علينا من دون اختيار ، و دون طلب فهو يتبرع بالإحسان من غير سؤال ، فإذا قلت يا كريم العفو .. ما هو العفو الكريم ؟ .. قد يعفو عنك شخص ، من حين لآخر يقول لك لا تنس أنك فعلت كذا ، يريحك أسبوع ، أنت فعلت كذا تقول : نعم .. جزاك الله خيرا عفوت عني ، من حين لآخر يذكرك بمساءتك ، لكنك إذا قلت يا رب ، يا كريم العفو ، عفو الله عز وجل ليس معناه أن يلغي العقاب وليس معناه أن يُنسي الناس ذنبك ، ولكن عفو الله معناه ، أن يُنسيك أنت ذنبك ،وهذا معنى دقيق جدا ، يعني أنت صاحب الذنب من كمال عفوه عنك ان ينسيك ذنبك . " اذا تاب العبد توبة نصوحا أنسى الله حافظيه وملائكته ، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، وأنساه هو نفسه " فالمؤمن ـ من كرم الله عز وجل ـ له جاهلية ، و قد ينسى أن له جاهلية ، فيعيش في جو لطيف ، الله عز وجل يكرمه ، هذا معنى كريم العفو .
ومن معاني الكريم أنه يستر الذنوب ويخفي العيوب ، إنسان قد يلقى من إنسان آلاف الأعمال الطيبة ، فإذا عثر على نقص ، تشبث به وأظهره وأذاعه بين الناس ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : " اللهم إني أعوذ بك من جار سوء ، إن رأى خيرا كتمه ، وإن رأى شرا أذاعه اللهم إني أعوذ بك من إمام سوء ، إن أحسنت لم يقبل ، وإن أسأت لم يغفر " .
لكن الكريم يغفر الذنوب ويستر العيوب ، حتى قال بعض العارفين ، والله لو عرفوا قبيح طويتي لأبى السلام علي من يلقاني ولأعرضوا عني وملوا صحبتي .
فربنا عز وجل يُظهر من عبده الكرم الجميل ويستر القبيح ، فإذا قلت يا ستار ، ستار العيوب ، يجب أن يقشعر جلدك ، لأن الله سبحانه وتعالى إذا ستر .. ستر ، أما الإنسان لابد من أن يذكر هذا العيب ،يهمسه بأذن إنسان آخر يقول : انتبه هذا الرجل فيه من العيوب كذا.. ما ستره ، لكن جميل السَتر هو الله سبحانه وتعالى .
الكريم هو المتغافِل ، أي الذي يتغافَل ، الكريم لا يغفل ولكنه يتغافل ، قال تعالى :
سورة ابراهيم
سمعت عن رجل كان مفتيا في هذه البلدة الطيبة ، قبل أربعين أو خمسين سنة ، وكان قاضيا ، وجاءته امرأة ،وفي أثناء صعودها الدرج صدر منها صوت كريه فخجلت خجلا لا حدود له ، فلما اقتربت منه ، قال ما اسمك يا أختي ، قالت له فلانة ، قال : لم أسمع ، قالت فلانة ، قال: والله لم أسمع ارفعي صوتك فأنا سمعي ضعيف ، فقالت هذه المرأة لأختها لم يسمعنا ..
الكريم يتغافل ، واللئيم يدقق العيوب ، يتبع العيوب .
النبي الكريم مع أصحابه ، كانوا في وليمة وتناولوا طعام الجزور توضؤوا وصلوا الظهر جميعا ، يبدو أن أحد أصحاب رسول الله انتقض وضوؤه من دون قصد ، وعرف بعضهم ذلك ، فلما أذن العصر قال عليه الصلاة والسلام : " كل من أكل لحم جزور فليتوضأ ، قالوا : كلنا أكلنا يا رسول الله ، قال : اذن كلكم فتوضؤا " . لأنه كريم ، تغافل عنه فاللئيم يتبع ، يحمِّر الوجوه ، يُحرج ، يفضح فضاح ، طعَّان ، ليس المؤمن بطعَّان ولا فاحِش ، ولا لعَّان .
الكريم يتغافل واللئيم يتبع ، والكريم ؛ إذا استغفره عباده غفر لهم ولا يذكِّرهم بأنواع معاصيهم وقبائحهم وفضائحهم .
مرة وقفت بمنطقة مشرفة على دمشق ،بها بيوت ، يسكنها فوق الخمسة ملايين من البشر، تلوت قوله تعالى :
سورة الإسراء
هذه البيوت لا يعلم إلا الله ما فيها من طاعات أو من معاصي ومع ذلك يرزقهم ويعافيهم :يقول الله عز وجل فس الحديث القدسي " عبدي لي عليك فريضة ولك علي رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك " . والكريم إذا أتاه عباده بالطاعات اليسيرة قابلهم بالثواب الجزيل .
إنسان يطعم لقمة ، هذه اللقمة تصبح يوم القيامة كجبل أُحد ، لا أعتقد انه في الدنيا يوجد نظام تدفع له ليرة وتأخذ منه خمسة آلاف مليون ليرة ? بالآخرة تأخذ أكثر ، أَعطيت شيئا يسيرا ، أعطيت بعض الطاعات أنفقت بعض مالك ، ضبطت شهواتك ، التزمت طريق الحق ، فأعطاك الجنة وما فيها قال تعالى :
سورة آل عمران
الكريم جعل هذا العبد الحقير ، هذا العبد الضعيف هذا العبد الذليل يرتفع ، رفعه فقال :
سورة البقرة
فهل لنا عهد .. نحن ند إلى ند ، ولكن هذا من كرم الله عز وجل خاطبنا ، حينما خاطبنا علَّل أوامره ، وتعليل الأوامر إكرام لنا قال تعالى :
سورة العنكبوت
الإنسان القوي يعطي أمرا لإنسان ضعيف دون تعليل افعل كذا فقط ، ولكن الله عز وجل حينما أمرنا أعطانا التعليل ، قال تعالى :
سورة البقرة
سورة التوبة
فلذلك جعلنا أهلا لمعاهدته فقال : " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبوني " .
كريم ، والكريم جعلنا أهلا لمحبته ، قال تعالى :
سورة المائدة من الآية 54
سورة مريم
الكريم أعطانا الدنيا كلها ، والدليل قوله تعالى :
سورة البقرة
الهواء ، هل له قائمة عندكم ؟ .. نعمة بلا ثمن تستنشق الهواء في أي مكان ، والماء ،و هذا الذي تدفعه ثمن الطعام ، هذا شيء رمزي ، من منكم يصدِّق أنه يدفع ثمن التفاح ، هذا ثمن خدمة(زراعة وحصاد ونقل وتخزين وتقديم) التفاح ، أما هو فليس له ثمن، هذا الفلاح الذي اعتنى بهذا البستان وسقاه وسمده وقطف الفواكه وأنزلها إلى السوق ، أعطيته ثمن كيلو التفاح ، أما التفاح نفسه،فلا يقدَّر بثمن ،لأنه من الله عز وجل .
والآخرة أيضا ملَّكها لعباده المؤمنين وسخر الله سبحانه وتعالى ما في السماوات والأرض جميعا منه ، تسخير تكريم وتسخير تعريف .
الكريم هو الذي يعطي من غير مِنَّة ، من الصعب أن ترى انسانا يعطيك بلا منة ، يقول لك " لحمك من خيري ، أنا تفضلت عليك ، أنا أنقذتك من العدم ، أنت كنت لا شيء " . لكن العطاء من الله سبحانه وتعالى من غير مِنَّة .
كما أنه لا يحوِجك إلى وسيلة ، أحيانا لا تُعطي الشخص حتى تُهلكه ،تقول له: قدِّم طلب ، هات ما يُثبت هويتك ، تعال بعد جمعة ، تعال بعد يومين ، سنجري تحقيق ، يكره العطاء لشدة التحقيقات وشدة التأجيلات والتأخيرات والتعقيدات والوثائق ، أما الكريم لا يحوجك إلى وسيلة . والكريم لا يقنِّط العُصاة من توبة ، قال تعالى :
سورة الزمر الكريم ؛ إذا أعطى أجزل ، واذا عُصِي أجمل لأنه .. حليم .
الكريم ؛ هو الذي لا تتخطاه الآمال .. أحيانا انسان يأتي إليك يعرض عليك حاجته يتذلل ، يبذل ماء وجهه ، فترده... عندها ، ينزعك من قائمته ، ينزعك من مخيلته ، لأنك خيبت أمله ، أما إنسان يسأل الله عز وجل ويخيبه؟ لا هذا مستحيل ،فهو لا تتخطاه الآمال .. إذا أولى فضلا أجزله ثم ستره ، يعني الكريم إذا أعارك بذلته ، يقوللك: ارتديها لا شيء عليك ، ثم يفضحك أمام الناس . كثيرا تلاحظ ذلك على شخص أعطى حاجة إلى إنسان .
والكريم دائم المعروف كثير النوال ، ذو الطول والإنعام يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ، هذه كلها أوصاف قرآنية .
وإن الله حَيِيٌّ كريم ، ومن حيائه وكرمه أنه يستحيي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما خائبتين .
يا ابن" آدم كبرت سنك وانحنى ظهرك ، وضعف بصرك ، وشاب شعرك فاستحِ مني فأنا أستحي منك .
وفي الحديث القدسي : " ما أنصفني عبدي ، أَستحي أن أُعذبه ولا يستحي أن يعصيني " .
" وما قال عبد قط يا رب ثلاثا الا قال الله لبيك يا عبدي " .
بل إن الكريم يغضب على من لا يسأله ، قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله عز اسمه كريم يحب مكارم الأخلاق ويبغض سفاسفها " .
سفاسف الأمور يعني إذا رآك سخيفا ، تافهاً، بخيل ، وأناني ، ومحور حياتك مصالحك ، هذه سفاسف الأمور ، واذا اطَّلع على قلبك فرآه قلبا يهتم لعامة المسلمين فهذا من مكارم الأخلاق ، فالله عز وجل لا ينظر الى صوركم ، هذا طويل هذا قصير ، هذا عيونه كبيرة ، هذا عيونه صغيرة هذا ناتئ الوجنتين ، هذا غائر العينين ، هذا حواجبه متصلة منفصلة خده أسيل ،
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم "صحيح مسلم. والقلب محل نظر الرب .
قال : الكريم الذي لا يبالي كم أعطى ولا لمن أعطى ، بل إن الكريم من إذا رُفعت حاجة إلى غيره لا يرضى .
أحيانا تذهب إلى إنسان تقول له : إياك أن تسأل أحدا غيري ، هذه أعلى درجة في الكرم ، أنا أغضب لو سألت غيري .
تصور إنسانا والأمر كله بيد الله عز وجل ، يقف أمام انسان ضعيف حقير ، لئيم يتذلل له ، يبذل ماء وجهه أمامه ، ثم يرده ، والله سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين ، فلذلك الكريم من إذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى .
الكريم من إذا جفي عاتب وما استقصى ، وعدك أحدهم أن يزورك ، لم يأت ، عاتبته ، قال لك ابنتي كانت مريضة ، اتصلت بجاره صحيح كانت ابنته مريضة ، هذا اسمه استقصاء ، ولكن الله عز وجل يستحي منك،ويلتمس لك العذر، فمن عدم الكرم أن تستقصي الأمر .
لو إنسان اعتذر منك قال : جاءني أخي - متنصلا من ذنبه- فلتقبل منه محقا كان أو مبطلا ،فالكريم ؛ من اذا جُفي عاتب ولم يستقصي .
حديث أسرَّه النبي إلى بعض أزواجه ، فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرَّف(قال) بعضه وأعرض عن بعض ، لن تكون كريما إلا إذا كان أمامك عشرة أخطاء،فغضضت البصر عن تسعة وحاسبت على العاشر ،لأن كثرة العتاب تورث البغضاء ، فالكريم عرَّف بعضه وأعرض عن بعض .
الكريم ؛ لا يُضيِّع من لاذ به ، ولا يضيِّع من التجأ إليه ، هذه تعاريف دقيقة جدا ، الملخص: يجب أن تعتمد على الله وحده ، وأن تلتجئ إليه ، وأن تعلق عليه كل الآمال ، وأن تقطع آمالك من البشر جميعا ، إذا كنت ترغب أن تسعد في الدنيا والآخرة ، فحيثما تعلقت بالبشر ، واعتمدت عليهم وعقدت عليهم الآمال خيبوك .
رجل له صديق تولى منصبا رفيعا ، لزمه حاجة ، فذهب إليه أقسم بالله أنه وقف أمام مكتبه ، ولم يقل له تفضل استرح ، وعندما سأله ما تريد قال : كذا ، قال ما في موافقة !!! لكن الكريم يغنيك عن الوسائل والشفعاء فصنع المعروف ،أن تكرم انسانا دون تعقيد ، دون أن تمن عليه ، دون أن تضعه أمام عقبات تعجيزية . والكريم من إذا هجرته وصلك .
أحيانا الإنسان العادي يكون فقيرا مثلا ، أموره غير مريحة ، تنفر نفسه من الدين ، تراه يترك الصلاة ، لكن الله عز وجل لا يدعه ، أحيانا يكرمه ، فيحل مشكلته ، يريه مناما طيبا ، العبد هجر لكن الله عز وجل وصل .
الكريم من إذا هجرته وصلك ، إذا مرضت عادك ، إذا وفيت من سفر زارك ، إذا افتقرت أحسن إليك ، فمن أدق معاني الكرم ، أن الكريم من بَني البشر إذا رفعت إليه حاجة عاتب نفسه لأنه لم يبادر إلى قضائها قبل أن تسأله هذه الحاجة !!!هذا والله معنى دقيق .
أحيانا يكون لك أخ وهذا الأخ له كرامته ،وله مكانته، له عزته ولكنه افتقر ، بينما حالتك المادية جيدة ، وأخوك يفضِّل أن ينسحق سحقا ولا يسألك وإذا سألك ، إعلم علم اليقين أنك إذا أحوجْته إلى أن يسألك فقد أسأت إليه.. دققوا في هذا الكلام ، إذا كنت كريما فعلا تتقصى شؤون إخوانك أقربائك ، أخواتك دون أن تحوجهم إلى أن يسألوك فالكريم من إذا رفعت إليه حاجة عاتب نفسه لِأنه لَم يبادر إلى قضائها قبل أن تسأله .
الآن حظ العبد من هذا الاسم ، قال :قد يتصف العبد بأنه كريم ، هذا العبد الكريم ألِح عليه بطلبك ، زُره واجلس عنده ثلاث ساعات ،النتيجة هي أنه يتأفف يتضايق ، يسكت ،أو يقول لك عندي موعد ، ألح عليه بالطلب مرات عديدة يضجر منك ، قد ينهرك ، قد يقسو عيك ، إذ لا يمكن أن يكون الانسان كريما كرما مطلقا ، لابد من أن يكون كريما كرما نسبيا ، لكن الكريم كرما مطلقا هو الله وحده ، إن الله يحب الملحين في الدعاء أحضر لي إنسانا واحدا يحب من يلح عليه أما الله عز وجل " إن الله يحب الملحين في الدعاء " ،ويقول:من لا يدعُني أغضب عليه ، الإنسان كي يكون كريما يجب أن يتجاوز عن ذنوب المسيئين ، ويجب أن يوصل النفع إلى جميع الخلق ، أحيانا ترى بلدا متقدما المواطن في هذا البلد يحيا أرقى حياة ، له حقوق كثيرة جدا ، الطعام الشراب المسكن ، أنواع الأطعمة ، الحريات ، لكن هذا البلد المتقدم الذي يوفر لهؤلاء الناس حياة رفيعة المستوى ، هو ينهش بلحوم بقية الشعوب ، إذن هؤلاء ليسوا كرماء هؤلاء أنانيون ،لكنهم بنوا أمجادهم وحضارتهم ورفاهية شعبهم وغِنى أبنائهم وتوافر الحاجات عندهم على نهب ثروات الآخرين ، وعلى قهر الآخرين ، وعلى سرقةثرواتهم ، هؤلاء ليسوا كرماء ، لن تكون كريما إلا إذا عم نفعك كل الناس وكل الخَلق حتى الحيوانات .
في المداجن إذا وجدوا إنتاج الكتاكيت أكثر مما هم بحاجة إليه يضعونه في محارق... هكذا أوربا ، هكذا التعليمات .
هل يفعل هذا مسلم ؟ كتكوت يسبِّح الله عز وجل تحرقه؟ ماذا عمل ؟ اجعله ينمو واذبحه وكله ، واستفِد منه ولك أجر بهذا العمل ، أما أن تحرقه بنار الدنيا هذا الكرم ؟
لن تكون كريما إلا إذا عم خيرك الناس جميعا وأنا أقول لكم والله إذا أسأت إلى مجوسي ، أو إلى عابد صنم أو إلى ملحد ، والله هذه الإساءة إثمها أضعاف مضاعفة عن إساءتك لمسلم ، لأن هذا عرَف الدين من اساءتك ، أبعدته عن الدين من إساءتك .
فالكريم من بَني البشر صفوح عن الذنوب، ستار للعيوب تارك للانتقام مسبغ للإنعام .
سمعت حادثة انسان كان على وشك أن يلقي كيس القمامة في الحاوية فرأى كيسا فيه حركة ، دهش ، أخذ الكيس المتحرك ففتحه فإذا فيه طفل قد وُلد حديثا ، يبدو أنه أُلقي خلال نصف ساعة ، أخذه إلى البيت ، وأسرع به الى المستشفى ، ووضعه في الحاضنة ، واعتنى به ، إلى أن أصبح هذا الجنين طفلا ، أدخله المدرسة ، حتى أنهى الابتدائية ، ثم الإعدادي ثم الثانوي ، سمعت أنه اعتنى به عناية كبيرة ، القصة إلى هنا انتهت ، لو أن هذا الإنسان تابع العناية ، حتى جعله طبيبا ، جاء، اشترى له عيادة ، زوجه ابنته ، أعطاه رأس مال ، هذا الانسان الذي أنعم عليك كل هذا الإنعام ، ما موقفك منه ؟
وبعد ان أصبح طبيبا وهو راكب سيارة ، شاهد عمه الذي التقطه من الحاوية ، قال له يا بني أوصلني الى البيت ، تردد خمس ثوان ، قال له إلى البيت ؟قال : نعم قال: تفضل . هذا التردد إجرام بحق هذا العم . كان في الحاوية كان سيموت ، صنع منه طبيبا ، فهذا إنسان فكيف خالق الأكوان ؟ من أنت ؟ .. عندك في البيت كتاب قديم مطبوع سنة الثلاثين مثلا وأنت ولدت في التاسع والثلاثين في الأربعين في الستين ، ابحث عن كتاب تاريخه قبل ولادتك ، قل عندما صفوا الحروف أين كنت أنا ؟ .. عندما ألفه المؤلف أين كنت ؟ وقت باعوه أين كنت ؟ وقت نشروه أين كنت ؟
هذه القصة ذكرتني بموقف الصحابي الجليل عبد الله بن رواحه ، لما رأى صاحبيه قد استُشهدا وهو على وشك موت سريع جدا قال :
أقسمتُ عليك يا نفسُ لتَنزِلِنَّ مالي أراكِ تكرهين الجنة؟
يا نفسُ إلاَّ تُقتلي تموتي هــذا حِمام الموت قد صَليت
إن تفعلي فِِعلُهما فقد رضيت وإن توليتِ فقد شقيـتـِ
أروي القصة إن صحت قال النبي عليه الصلاة والسلام : " أخذ الراية أخوكم جعفر فقاتل بها حتى قتل ، وإني لأرى مقامه في الجنة ، ثم أخذ الراية أخوكم زيد فقاتل بها حتى قتل وإني لأرى مقامه في الجنة ، ثم سكت النبي ، فقالوا ما فعل عبد الله قال: ثم أخذها عبد الله وقاتل بها حتى قتل ، وإني لأرى في مقامه ازورارا عن صاحبيه ، يعني هبط مكانه درجة في الجنة لأنه تردد ..
سورة الانسان
فلذلك حق الله كبير . حينما قال ربنا في حق المنافقين: " ولا تُصَلِّ على أحدٍ مِنْهُم مات أبداً ولا تَقُم على قبرهِ إنَّهم كفَروا باللهِ ورسولهِ وماتوا وهم فاسقون "سورة التوبة حينما اقترب أجل النبي أسرَّ الى سيدنا حذيفة سرا أعطاه سبعة عشر اسما قال له هؤلاء ، اذا ماتوا بعدي لا تصلوا عليهم ، لأن الله نهانا عن أن نصلي عليهم ، كما جاء في الآية
فسيدنا حذيفة أمين سر رسول الله ، فمات سيدنا الصديق ، وجاء سيدنا عمر ، سيدنا عمر عملاق الإسلام ، الخليفة الراشد ، ثاني خليفة ، جاء إلى حذيفة قال له : يا حذيفة أنشدك الله هل رأيت اسمي بينهم .. والله ما قالها تمثيلا لا والله ، والله قالها صادقا ، لعظم حق الله عليه ،،واكمل عمر:" لعلي مقصر ، لعلي منافق ، لو تعثَّرَت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها ، جاءه من أذربيجان رسول ، كره أن يطرق بابه ليلا ، جاء للمسجد رأى رجلا يصلي ويبكي ، ويقول : "يا رب هل قبلت توبتي حتى أهنئ نفسي أم رددتها حتى أعزيها" قال له : من أنت؟ قال أنا عمر ، قال : ألا تنام الليل؟ ، قال له :"يا أخي إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي" أخذه إلى البيت قال : يا أم كلثوم ، ماذا عندك من طعام لضيفنا قالت له والله ما عندنا إلا خبز وملح ، قال هاته لنا ، وخيَّره أتحب أن تأكل مع فقراء المسلمين( الفقراء يأكلون اللحم) ، أم تحب أن تأكل عندي ؟ قال:لا والله عندك يا سيدي ، أنت خليفة ، عنده خبز وملح فقط قال له ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال جئتك بهذه الهدية من أذربيجان ، علبة فيها حلوى ، لكنها درجة أولى ، قال : أو يأكل عندكم عامة المسلمين هذا الطعام ، قال لا هذا طعام الخاصة الطبقة الراقية ، الغنية ، فأرسل كتابا إلى عامله على أذربيجان عنَّفه فيه وقال له كُل مِمَّا يأكل عامة المسلمين وقال أعط هذه الهدية لفقراء المسلمين في المدينة ، وحرام على بطن عمر أن يذوق طعاما لا يطعمه فقراء المسلمين .
رأى إبلا سمينة في الطريق ، قال لمن هذه الإبل ، قالوا هي لابنك عبد الله ، قال : ائتوني به ، قال له : لمن هذه ؟ بقسوة ، قال : هذه إبلي اشتريتها بمالي وبعثت بها إلى المرعى لتسمن فماذا فعلت ؟ اشتريتها بمالي وأسمِّنها لأبيعها وأرتزق بها " ، قال له : ويقول الناس ارعوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين ؟ اسقوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين ؟ وهكذا تسمن إبلك يا بن أمير المؤمنين لأنك أنت ابني سُمِّنت هذه الإبل ،ثم قال له : بع هذه الإبل وخذ رأس مالك ورد الباقي لبيت مال المسلمين
وكان ذات مرة جالساً مع أصحابه ، قال أحدهم : والله ما رأينا خيرا منك بعد رسول الله (والله كلام لطيف كان عليه أن يقول : بارك الله فيك) ولكنه أحَدَّ إليهم النظر ، حتى كاد يأكلهم بنظراته ، إلى أن قال أحدهم: لا والله لقد رأينا من هو خير منك قال : من هو ، قال : أبو بكر ، فقال رضي الله عنه كذبتم جميعا وصدق .. عد سكوتهم كذبا ، قال : والله كنتُ أضَلُّ من بعيري وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك .وذات مرةٍ سأل أحد عمَّاله(وُلاتِه) ، قال ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ، قال أقطع يده ، قال له : اذن مَن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا على خلقه لنسد جوعتهم ونستر عوراتهم ونوفر لهم حرفتهم ، إن وفيناهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خُلقت لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية أعمالا ، فاشغَلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية .
هذا هو عمر بن الخطاب الخليفة الذي قال لسيدنا حذيفة : أنشدك الله هل رأيت اسمي بين أسمائهم ، قال : لا والله أنت أكرمنا وأنت أرحمنا ، وأنت كذا .. خجل سيدنا حذيفة ، فهذا الكرم .
هذا الاسم الإلهي العظيم ، أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نتخلق به، بأخلاق الله ، أن تصل من قَطَعَك ، وأن تعفو عمَّن ظَلَمك ، وأن تُعطي من حرمك ، وأن يكون صمتُك فِكرا ونُطقك ذِكرا ونَظَرك عِبرة .
الآن مع قصتين أو أكثر ، قال سيدنا موسى حينما ناجى ربه ، قال يا رب : إنه لتَعرِض إليَّ الحاجة أحيانا فأستحي أن أسألك ، أفأسأل غيرك ؟ فأوحى الله إليه أن يا موسى لا تسأل غيري ، وسلني حتى ملح عجينك وعَلَف شاتك .
ربنا عز وجل يحب المُلِحِّين ، لم لا تسألوه في السجود في صلاة السَحَر ؟ لم لا تسألوه عن حاجاتكم كلها ؟!!!
حكى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه جاءه إنسان ليلة يسأله حاجة ، فقال يا غلام ارفع السراج ، ولما رفع السراج : قال سلني حاجتك ، لماذا فعل هذا ، قال : لئلا أرى في وجهه ذُل السؤال ، حتى لا يُحرج ، حتى لا يَخجل ،لا يعرف من هو ...هذا من كرم سيدنا علي .
أحد العلماء ، كان لا يناول الفقير شيئا بيده ، يضعه على الطاولة يقول له خذه لئلا تكون يده عليا ويد الفقير سُفلى !!!
يحكى عن أبان بن عياش " أبان أحد الصحابة أما عياش ليس صحابيا " ، يحكى عن أبان بن عياش ، أنه قال خرجتُ يوما من عند أنس ابن مالك في البصرة ، فرأيت جنازة يحملها أربعة من الزنج ، ولم يكن معهم رجل آخر ، قلت سبحان الله ، سوق البصرة وجنازة رجل مسلم لا يشيعها أحد فلأكونن خامسهم (اذا رأى رجل جنازة ومشي فيها لا مانع ولو ما في معرفة وتتبعها حتى القبر ، وإذا فتحوا النعش رأى ماذا فُعِل بهذا الميت كيف وضع في القبر ، كيف أهيل التراب عليه لأن في معالجة جسد خاو عِبرة )، فتتبع الجنازة ، فمضيت معهم فلما وضعوها بالمصلى ، قالوا لي : تقدم قلت : أنتم أولى ، قالوا كلنا سواء لا نعرفه ، حتى دفنوه ، وصليت عليه ، وقلت لهم ما القصة ، قالوا اسأل هذه المرأة ، فهناك امرأة واقفة بعيدا ، قال: فلما سألتها ، قالت : هذا ابني كان مذنبا ، وقال لي يا أماه إذا مت فلا تخبري بوفاتي جيراني لئلا يشمتوا بي ، واكتبي على خاتمي لا إله إلا الله محمد رسول الله واجعليه في كفني فلعل الله تعالى يرحمني ، وضعي رجلك على خدي وقولي هذا جزاء من عصى الله ، فإذا دفنتني فارفعي يديك إلى الله تعالى وقولي إني راضية عنه .
أعطاها معلومات دقيقة ، لم تخبر أحدا ، وضعت رجلها على خده بعد الموت قالت هذا جزاء من عصى الله ، تقول هذه المرأة فما رفعت يدي إلى السماء حتى سمعت صوته بلسان فصيح يقول : انصرفي يا أماه فقد قدمت على رب كريم .. هذا سر القصة .
فإذا كان الإنسان يخاف الله عز وجل ويستحي منه ،فهذه فضيلة ، أما الأكمل ، للإنسان أن يكون بالرخاء تائبا منيبا مستقيما وباب رحمة الله واسع .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يتغمدنا برحمته ، وأن يلهمنا أن نكون كرماء لأنه كريم ، والكريم بالمعنى الموجز :ما كان خاليا من كل شائبة فكتاب كريم ومقام كريم ورب كريم وإنسان كريم ومؤمن كريم .أي أن الكذب والنميمة والغيبة وتتبُّع العورات هذه كلها تقدح بكرم الانسان .
والحمد لله رب العالمين .
rainyheart @rainyheart
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
اسم الله الكريم فيقال عبد الكريم
مشاركة رائعة عزيزتي
:26: