قال الله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) لقمان 14
لم يعرف التاريخ دينا ولا نظاما كرم المرأة باعتبارها أما وأعلى من مكانتها مثل الإسلام لقد أكد الوصية بها وجعلها تالية للوصية بتوحيد الله وعبادته، وجعل برها من أصول الفضائل كما جعل حقها أوكد من حق الأب، لما تحملته من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية وهذا ما يقرره القرآن ويكرره في أكثر من سورة ليثبته في أذهان الأبناء ونفوسهم.
وقال الله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا، حملته أمه كرها ووضعته كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) الاحقاف 15
لا يمكن للمرء أن يتخيل قوة وعظم الكلمات التي ذكرها الله في محكم كتابه، حيث ذكر “وهناً على وهن”، وكرها على كره، ومع هذا لا يمكن لأحد أن يتصور فرحة الأم بطفلها الوليد الذي ما ان يطل عليها بصراخه إلا استبشرت وفرحت ونسيت أي وهن وأي كره عانته قبل ثوان من إطلالته.
يروي البزار أن رجلاً كان بالطواف حاملا أمه يطوف بها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل أديت حقها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة.. أي من زفرات الطلق والوضع ونحوها، تعتبر الأم الجندي الذي وهب حياته وأفنى عمره في ساحة المعركة، ومنذ اللحظة التي تدخل فيها هذه المعركة والتي تعد معركتها الأزلية وهي تبذل كل غال ورخيص من أجل النصر، وتذود عن أبنائها كل طعنة سيف ورمية سهم، كل هذا ولا تنظر الى هذا الجهاد على أنه امتياز سيعود عليها برتبة إدارية، ولا مكافأة مالية، تعطي بلا حدود، وتسهر بلا توقف، وتحب وتسامح، ولا تطلب.
نعم الأم جندية مجهولة، في معركة أبدية كتبت عليها هذه المعركة منذ لحظة تخلقها في بطن أمها، وكتبت في الكتاب انها أنثى، هذه المخلوقة الضعيفة، التي تحمل بين ضلوعها وفي عمق قلبها نبعاً من الحب والعطاء والحنان، هي الجندية الوحيدة في ساحة المعركة الأبدية حين يتخلى الجميع عن مواقعهم، وتقف صامدة متماسكة في وجه أي عدو وتصد أي ريح يمكن أن تعصف بخيام أسرتها، وحين تُقيّم الأشياء أو تقدس تنسب للأم، ويكفي أن تكون حواء أم البشرية، والفاتحة أم الكتاب، ومكة أم القرى، والأسماء المنسوبة للأم لا تعد ولا تحصى.
يقول الشيخ الدكتور سعود الشريم إمام وخطيب الحرم الشريف: “إننا حينما نتحدث عن الأم فإننا نتحدث عنها على أنها قرينةُ الأب، لها شأن في المجتمع المكون من البيوتات، والبيوتات المكونة من الأسر، والأسر المكونة منها ومن بَعْلِها وأولادها، هي نصف البشرية، ويخرج من بين ترائبها نصف آخر، فكأنها بذلك أمةٌ بتمامها، بل هي تلد الأمة الكاملة، إضافة إلى ما أولاه الإسلام من رعاية لحق الأم، ووضع مكانتها موضع الاعتبار، فلها مقام في الحضانة، ولها مقام في الرضاع، وقولوا مثل ذلك في النفقة والبر وكذا الإرث”.
جاء رجل يسأل رسول الله “من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك)، وقد نكون متحيزين للأم من نظرة إسلامية بحتة، لكن الأم لم تقصر مكانتها ولا منزلتها في الدين الإسلامي بل ان الله سبحانه وتعالى يؤكد على مكانتها في كل الديانات وعلى يد كل الرسل وعلى لسان نبيه عيسى عليه السلام ورد: “وبرا بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا”، فربط بره بوالدته بالتجبر والشقاء لو أنه تنكر لها.
وبصراحة مطلقة أقولها مصيبتنا العظمى في الاحتفالات التي نطبل لها ونكتشف أنها تنظم للأشياء التي نفقد قيمتها الحقيقية، فيوم الأحد القادم هو عيد الأم، الكل سيحتفل ومن كان يظن أن عيد الأم هو يوم 21 مارس/آذار، لا يستحق أمه، ومن سيحتفل ليكرم أمه بوردة أو عطر أو قطعة ألماس ويظن أنه انتهى من مهمة لن يعود إليها إلا العام الذي يليه فقد كفر بأمه، لا يعرف الخير من لا يصطبح بابتسامة الرضى من شفتيها كل صباح، لا يعرف الخير من ينام وأمه لا تجاوره في الغرفة تضي ليله بدعواتها، لا يعرف الخير من يعود في المساء ولا يجد أمه تتوسط البيت ببركتها وكلها آذان صاغية تستمع لهمومه وآلامه ومشاكله تحنو عليه بكل ود، أغمضوا عيونكم في هذه اللحظة واستحضروا صورة أمهاتكم لتتبارك جمعتكم، كل الأيام عيد للأم، كل الساعات والثواني عيد للأم، كل المواسم عيد للأم، كل الأمكنة وكل الأزمنة وكل الأعياد.
دمعة أم:
إلى أم كل شهيد، وكل أسير، وكل أم غاب عنها ابنها، وإلى كل عقيم لم تنل شرف هذا الجهاد، هذا الصبر وهذا الجهاد له الجنة هدية من رب العزة فهنيئاً لك.
منقول من ملحق استراحة الجمعة

أم شماء @am_shmaaa
رحيق الصحة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️