
جادَّة @gad_1
عضوة
إلا هذه العادة
نجيب الزامل - 13/10/1429هـ
.. نحن نقرأ، إن قرأنا، إذا لم يكن عندنا أي خيارٍ آخر.
هذا أنا في القاعةِ الفسيحةِ في إحدى قاعات القطاراتِ الكبرى من سنواتٍ في ممباي، وأمامي أسرةٌ هندية، أبٌ وأمٌ وبنتٌ وولدٌ متصافين متلاصقِين على المقعدِ الخشبي أمامي، لو سألتني كيف تصِفُ وجوهَهم وأنا متجمّد مقابلهم لمدة ساعةٍ كاملة، لما استطعتُ الإجابة.. ولو غابوا في الزحمةِ الصاخبةِ لما اهتديتُ لمعالمهم! أما الذي حال بين عيني الفضوليةِ، وبين التزحلق بنظري على ملامحهـِم، فهو أنهم حمَوا وجوهـَهـَم جميعاً، كل منهم.. بكتاب! لقد كانوا مستغرقين بتصوِّف تنسُّكي وهم يقرأون كتبـَهم، لم يرفعوا عينا، ولم يتجاذبوا الحديثَ إلا في همساتٍ استئذانية.. ثم لا حظتُ أن معظم الناس في البهوِ يقرأون ، لقد مرّتْ من أمامي قافلةٌ من شبابِ وشاباتِ المعسكرات الذين يحملون حوائجَهم على ظهورِهم، ومن كل كيسٍ محمولٍ يطلّ كتابٌ، أو أكثر..
ورأيتُ طابوراً طويلا لا ينتهي في "كوالا لمبور" من اليافعين واليافعات، والطابورُ يتحرّك ببطءِ دودةِ الأغصان، في انتظار أن يحصل الواحدُ والواحدةُ منهم على كتاب الساحر الصغير الذي صار شاباً "هاري بوتر"!
.. أما نحن، بصراحةِ الواقع، لسنا أمة من القراء، حتى اليوم - وأرجو ألا يكون في الغدِ وبعده - ولا يمكننا الادعاء بأننا جماعيا طوّرنا أدواتـَنا العقلية القرائية، ولا حاولنا أن نفعّل إقبالا شعبيـّا على قراءةِ الكتب.. والدليل: انظر لحال مكتباتِنا العامة، لا تقرأ بها إلا.. العناكبُ.
مع الزمن يا ما اكتسبنا من عاداتٍ وعاداتٍ من تتبع صرعاتِ الموضات إلى منادمة البورصات، ما عدا عادة القراءة!
حتى الآن لم تتشكل لدينا الأداةُ الوجدانية، ولا العاملُ العقلاني، ولا الدافعُ الفكري، ولا التحفزُ التصوري للخيال الإنساني في الشعر والفن والعلوم، أو في تتبع السِيـَر المكتوبة أو مراجعة الكتبِ العلمية .. ولا نفـَس لدينا حتى للمقالاتِ العاليةِ الكثافة والتركيز.
إن مصادرَنا الكاسحة الغالبة في "استجمامِنا العقلي" - تفاديا للمعنى الإمتاعي الترفيهي - هي وسائطُ الإعلام الأربعةِ: المذياعُ، والتلفازُ، والصحفُ اليومية، والإنترنت. تطوّرُنا العقلي ليس مناطا في الأدبِ الجاد، ولا النتاجِ الفكري الخالص، أو الدأب التعلمي الباحث.. إنما هذا ما يقرأه الطلابُ في مدارسهم وجامعاتهم فيما تجبره المناهجُ إجباراً بلا اختيار، وعيداً لليومِ المشهودِ، يوم الامتحان!
يا أخي أمرٌ محيرٌ بالفعل! نحن شعبٌ تغلّب بنسبةٍ فائقةٍ على الأميّة، وعندنا كُتـّاب ممتازون، بل إن بعضهم استثنائيين، ولكن، لا أحد يستطيع أن يعيش بمجرد كونهِ كاتبا. إن الكتابة ليست صنعة ولا امتهانا في بلدِنا، لذا فنقصُ الجودةِ عائدة لأن الكاتبَ لا يحق له أن يبحث قبل تأليف الكتاب، كما يفعلون في الغربِ فتجد في القصة معلوماتٍ تأريخية، أو جغرافية، أو طبية، أو بوليسية، أو أركيولوجية، ومرافق العلوم المتعددة، لأن الدخلَ يسمح للمؤلف أن يقضي سنواتٍ للبحث قبل تأليف قصة ويكون الناشرُ هو المتعهد المالي من أول المسافةِ لنهايتها غير الدخل المضمون من البيع.. أما آلية النشرِ عندنا حتى لا نتجاوز في الكلام.. مضحكة!
إن أمهرَ الكتابِ الجادين وأكثرهم تحكًما في مادتهم المعرفية لا تباع كتبهم بما يفي بمعاشِهم (بينما "رولنج" مؤلفة روايات هاري بورتر، بالمناسبةِ، أغنى من ملكِتها، ملكة بريطانيا!) نعرف كثيرين من أصحاب اللمعاتِ الذهنية، أدباً، فكراً، وفناً، رأوا لأنفسِهم الانغماس في الحياة العمليةِ أو الوظيفيةِ بعيدا، بل حتى هربا، عن هذه المواهب المغروسة في أدمغتهم..
وفي مجتمعٍ لا يعيش المبدعُ كما لا بد أن يعيش الكريمُ، نفقد عقولاً كان من الممكن أن تـُثرينا، وتنير دروبَ حياتِنا، وتزهي حضارتـَنا، وتلوِّن أيامَنا الرتيبة، وتغذي بالفيتامين المعرفي عروقَ العقليات المتجمّدة. والتجمدُ يورِثُ التسطـُّحََ والتعصّب.
نعم، عندما نفقدُ هذه العقول فنحن نفرط بهدايا أُرسِلـَتْ لنا من السماء!
أترى؟! الناس عندنا يصفون طوابير لتذاكر الملاعبِ والمسارح والأكازيونات المحال، والمخابز.. لا بأس! ولكن هل مرّة رأيت في عمرِك المديدِ إن شاء الله طابوراً عندنا لشراءِ كتاب؟
رأيتُ بالأخبارِ كما رأى الملايينُ بأم أعينهم أطول وأبطأ طابور قرائي في مدينة نيويورك لشراء كتاب وبعضهم افترش الأرض، أو أتى قبل طلوع الشمس حتى يكون بمركز متقدم قبل أن تفتح المكتبةُ أبوابَها.. أما الجمهورُ المتزاحمُ فهم من الأطفال واليافعين، من أجل كتاب "هاري بوتر".. وآلاف الطوابيرِ في أرجاءِ العالم المتقدم لذاتِ الغرض.
أما إن جاءك مَن يسألك: هل عندنا طوابير من نفس العيـِّنة، فقـُل له:
.. يا أخي كفاك مزاحاً!
رابط المقال : http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=10793
1
422
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
إلا الكتب أراها في تناقص
ووالله انني اقرأ بعض الكتب وعدد صفحاتها يتجاوز ال600 صفحه واقول في نفسي لابد وان هذا الكتاب غال ثمنه
وأراه ب25 ريال
سبحان الله
لانه ذو فائده ..وتغذيع للعقل ونور للبصيره ..
لكن متى نعي ذلك..
الكتب الدينيه والسيره النبويه العطره ..
فيها من الثقافه وبلاغه في اللغه ..وقوه في المعاني..تكفينا لأن نكون نافعين لأنفسنا في دنيانا واخرانا..
ولايمن ان اكون متطلعه لكل علم ..وأخذ معلومه عنه ..
بارك الله فيك
متى تكون هذه عادتنا..جميعا
واقصد هنا القراءه النافعه التي اخرج منها بفائده ..