تعليق الشيخ الألباني على حديث النبي صلى الله عليه وسلم
" يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ،
كتاب الله و عترتي أهل بيتي " .
قال رحمه الله تعالى
و اعلم أيها القارىء الكريم ، أن من المعروف أن الحديث
مما يحتج به الشيعة ، و يلهجون بذلك كثيرا ،
حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك ، و هم
جميعا واهمون في ذلك ، و بيانه من وجهين :
الأول : أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم : " عترتي "
أكثر مما يريده الشيعة ، و لا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به ،
ألا و هو أن العترة فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم ،
و قد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه كحديث
الترجمة : " عترتي أهل بيتي " و أهل بيته
في الأصل هم " نساؤه صلى الله عليه
وسلم و فيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا
كما هو صريح قوله تعالى في ( إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا )*
بدليل الآية التي قبلها و التي بعدها :
*( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء
إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي
في قلبه مرض و قلن قولا معروفا . و قرن
في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى
و أقمن الصلاة و آتين الزكاة و أطعن
الله و رسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا . و
اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله
و الحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا )* ،
و تخصيص الشيعة ( أهل البيت ) في الآية ب
علي و فاطمة و الحسن و الحسين رضي
الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم
من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا
لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه ،
و حديث الكساء و ما في معناه غاية ما فيه
توسيع دلالة الآية و دخول علي و أهله فيها
كما بينه الحافظ ابن كثير و غيره ،
و كذلك حديث " العترة " قد بين
النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته
صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل
لزوجاته و علي و أهله . و لذلك قال
التوربشتي - كما في " المرقاة " ( 5 / 600 ) :
" عترة الرجل : أهل بيته و رهطه
الأدنون ، و لاستعمالهم " العترة " على أنحاء كثيرة بينها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بقوله : " أهل بيتي " ليعلم أنه أراد بذلك
نسله و عصابته الأدنين و أزواجه " .
و الوجه الآخر : أن المقصود من " أهل البيت " إنما هم العلماء
الصالحون منهم و المتمسكون بالكتاب و السنة ،
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه
الله تعالى : " ( العترة ) هم أهل بيته
صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه و
على التمسك بأمره " .
و ذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار
إليه آنفا. ثم استظهر أن الوجه في تخصيص
أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله : " إن أهل
البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت و أحواله ،
فالمراد بهم أهل العلم منهم
المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون ب
حكمه و حكمته . و بهذا يصلح
أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال :
*( و يعلمهم الكتاب و الحكمة )* "
. قلت : و مثله قوله تعالى في خطاب أزواجه
صلى الله عليه وسلم في آية التطهير
المتقدمة : *( و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة )* .
فتبين أن المراد بـ ( أهل البيت ) المتمسكين منهم بسنته
صلى الله عليه وسلم ، فتكون هي
المقصود بالذات في الحديث ، و لذلك جعلها
أحد ( الثقلين ) في حديث زيد بن أرقم
المقابل للثقل الأول و هو القرآن ، و هو ما يشير إليه قول ابن الأثير في "
النهاية " : " سماهما ( ثقلين ) لأن الآخذ بهما ( يعني الكتاب و السنة )
و العمل بهما ثقيل ،
و يقال لكل خطير نفيس ( ثقل ) ، فسماهما ( ثقلين ) إعظاما
لقدرهما و تفخيما لشأنهما " .
قلت : و الحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا
الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته
صلى الله عليه وسلم في قوله : " فعليكم بسنتي و سنة
الخلفاء الراشدين ... " .
قال الشيخ القاريء ( 1 / 199 ) :
" فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي ، فالإضافة إليهم ،
إما لعملهم بها ، أو لاستنباطهم و اختيارهم إياها
" . إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث " الموطأ " بلفظ : "
تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما ،
كتاب الله و سنة رسوله " .
و هو في " المشكاة" ( 186 ) .
و قد خفي وجه هذا الشاهد على بعض
من سود صفحات من إخواننا الناشئين

~ كـنــوووزة ~ @knoooz_2
عضوة شرف في عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.




الصفحة الأخيرة
جزاكِ الله خير
يعطيكِ العافيه