اخواتي
بعد موضوعي هذا
نداء لكل الزوجات / هل تستطيعي ان تكوني مثل هذه الزوجة ( فيديو )
حبيت اهديكم هذا الكتاب القيم
كتاب: الزوجة مع زوجها - يوسف أحمد بعدراني
واتمنى تقبلونه مني
واتمنى من الادراه تثبيت الموضوع بشكل دائم لان القسم هذا بحاجه لمثل هالكتاب وفيه توعيه للمرأه وبيان لحق الزوج العظيم عند الله
وهذا نص من حديث للرسول صلى الله عليه وسلم قال:(.....والذي نفسي بيده، لا تؤّدي المرأة حقّ ربّها حتى تؤدّي حقّ زوجها.) رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه واللفظ له.
وشكراٍ
الطبعة الثانية - 1425هـ 2004م

المحتويات:
العائلة... قلعة الإسلام
المعاشرة
الرعاية
القناعة بالمرأة وفيها عِوَج
الإسعاد واجب الزوجة
مكاره الزواج وثوابه
الفصل الثالث
المرأة الفاحش
النشوز
الزوج والزوجة والإنفاق
علاج نشوز الرجل
الزوجة التي تكون من أهل الجنّة
الزوجة الملعونة
الإحداد
الفصل الخامس
صفات نساء أهل الجنّة
نساء عِشنَ الهدى
{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المؤمن – 8)
الإهداء
بعد، سيّدات أهل الجنة اللاتي سمّاهنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم:
* سيِّدتنا آسيا بنت مزاحم، إمرأة فرعون، ملك الأرض في زمنه، التي تابت إلى ربّها توبى لا تصل إلى درجتها إمرأة إلى يوم القيامة.
* سيِّدتنا مريم المتعبِّدة التي نذرت نفسها للعيش في المحراب موضع العبادة لله، معجزة الله الفريدة منذ خلق حوَّاء إلى قيام الساعة، أمّ نبيّ الله ورسوله وعبده المطيع عيسى عليه السلام.
* سيدِّتنا خديجة بنت خويلد، رضي الله عنها، أمّ المؤمنين، وأولى المؤمنين بنبوَّة الرسول صلى الله عليه وسلم أمّ سيدِّتنا فاطمة.
* سيِّدتنا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيّد الأنبياء والرسل والبشر أجمعين، أرقى نساء أهل الأرض نَسَبَاً وأجلّهم حَسَباً.
* سيِّدتنا عائشة بنت أبي بكر، أمّ المؤمنين رضي الله عنها، أحبّ أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قلبه الطاهر المطهّر وينبوع سروره.
أجل، بعد هذه السيّدات الطاهرات المطهّرات، سيّدات نساء أهل الجنّة قاطبةً اللاتي يقفن وحدهنَّ أمة من دون باقي البشر، يستطيع المرء أن يتذكّر ويدعو بالرضوان والمغفرة إلى المرأة التي أثّرت فيه فكريّاً أو عاطفيّاً.
ثلاث فاطمات في الدنيا أثّرنَ فيَّ تأثيراً جامعاً لا يمكن لأحد آخر أن يشاركهنَّ فيه بشيء ولو يسير:
فاطمة ابنة الخليفة عبد الملك. شقيقة الخلفاء الأربعة. الوليد وسليمان ويزيد وهشام. وزوجة الخليفة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، محطّ كل الإعجاب والتقدير التي يمكن للنفس البشريّة أن تتجيّش به من كتب التاريخ، أعرق نساء زمنها حسباً، تلبَّسَها المجد والسؤدد تلبس السوار بالمعصم، أحاط بها الفخر والملك كما يحيط الرداء بجسد المرأة المؤمنة، فضفاضاً، أنار لها الجاه والعزّ كلّ طريق وأغناها الغنى عن كل ذهب وجوهر.
هذه السيدة التي استبدلت كلّ نعم الله عليها بنعمة طاعتها لزوجها المؤمن الذي استخلفه الله في عباده فانشغل عنها بعبادة الأمر بحكم الله بين الناس.
هذه المرأة، التي جعلها الله آيةً من آياته بين الناس، ونبراساً تراه الأمم من النساء فلا يكون المجد بعدها لأي إمرأة سبباً في التكبّر على الرجل، ولا يكون النفوذ مهما اتسع بعد نفوذها سبباً في التقصير بإرضاء زوجها، ولا يكون الجمال بعد جمالها سبباً في الغرور والتعالي عن فرض الخضوع والتواضع للزوج.
هذه المؤمنة التي نبذت كلّ أمجاد الدنيا وكنوزها لتتفرّغ إلى تأدية حقّ زوجها ليتقبّل الله منها عبادتها، حباها الله بِمجدٍ وجمالٍ ودينٍ ما لم يعطه لإمرأة أخرى قد يكون في التاريخ كلّه ليمتحن إيمانها، ولتكون منارةً بين نساء الأرض يضيء نور هدايتها ظلمات الشيطان بالنفوس.
لروح هذه السيّدة، فاطمة زوج الخليفة عمر بن عبد العزيز، أتضرّع إلى الله داعياً لها بالمغفرة والرضوان أن ينزل على روحها في قبرها السكينة والطمأنينة.
وفاطمة أميّ. أحببتها حبّاً موصوفاً، كنت أبكي عندما أذكرها وهي حيّة بعيدة، وما زلت أبكي عندما أذكرها وهميّة في قبرها منذ ثلاثة عشر عاماً. أبكي تفانيها في حبّ والدي وتأمين الراحة له وخدمته في أيّام مرضه وتربيتنا لطاعته وعبادة الله.
أبكي صبرها على بلاء الله الذي لم يكن عائقاً للسعي في ترفيه زوجها والقيام بواجبه. أبكي سعيها الدؤوب دون ملل أو كلل بتحمّل مسؤوليّاتها الزوجيّة وواجبات الأمومة بحسن الخلق والحمد الدائم للباري تعالى على فضله عليها بالزوج والبنين.
أمي، كانت زوجة يفزع الشيطان من حضورها لرسوخ إيمانها وخيفتها من ذات المعصية قبل أن يصل تفكيرها إلى الربط بين المعصية وعقاب الله عليها.
لنفسها الزكيّة أستمطر رحمة ربّي وأسجد داعياً بنفس عابدة خاشعة أن يحقّق فينا وعده باجتماع الصالحين نسباً وذرّيّة في الآخرة.
إلى ذكراها التي كانت حافزاً لهذا الموضوع أقول لأمي: هنيئاً لك بما أسلفت ولترضَ روحك فالشيطان قد خزاه الله في ذرّيتك كما خزاه في دارتك.
وفاطمة، زوجتي!!
عربون حبٍّ وأمل لابنتيَّ عبير وعلا وأخواتي وبنات إخوتي أن يهتدينَ ويكنَّ من القانتات الحافظات للغيب العابدات لله الصالحات، إليهنَّ وإلى كلّ إمرأة تطمح برحمة ربّها وجنّة عرضها السموات والأرض أهدي: العائلة... قلعة حصنها الله ورسوله.
تمهيد بدون عنوان
حقائق كثيرة فاجأتني بنتائجها التي كنت أستنتجها من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. أترك لكم تقدير مستوى تأثيرها على مسار حياتكم ومساعدتكم على وضع أيّ خلافٍ زوجي في إطاره الصحيح وسهولة معالجته أو إزالته بالرضوخ لحكم الله.
أمرَ الله الأقارب والحكّام بنصح الزوجين وتذكيرهما بحكم الله في أمرهما قبل إيقاع الطلاق بينهما. ولكن الفرديّة طغت على العلاقات وأصبح المرء يخجل من استشارة غيره أو يأنف منها، وبذلك عزف عن الاستنصاح وأخذ يعتمد على اجترار أفكاره عساه يستنبط منها رشداً. ونسيَ أنّ ذلك حرام محرّم على المسلم لأن الأمر كلّه يعود إلى ما أمرَ به الله ورسوله. فإلى الذي يرغب بالنصيحة ويظنّ أن طلبها وضيعة، وإلى الذي يريد رشداً ويظن مصادره صعبة، وإلى الذي يظن امرأته سيئة غير قابلة لإصلاح أمرها، وإلى من تظنُّ زوجها سيئاً لا حياة لها معه، إلى المرأة التي عميت بصيرتها عن وضوح رؤية دورها في الحياة، إلى المرأة التي أمسك الشيطان بأطراف أمرها يتقاذفها كيف يشاء وهي في بُعدٍ سحيق عن إدراك مصيرها، إلى المرأة التي تقوم بالمعصية الزوجيّة طائعة للشيطان وتمتنع عن الزنى خوفاً من الله، إلى المرأة التي تصلّي لأنها اتخذت الله ربّاً وعصت زوجها منصاعةً لهواها، فجعلت لنفسها ربّين دون أن تدري: ربّاً للصلاة وربّاً للمعصية، بينما الله ربُّ كل شيء في الوجود؛ رب خالق مطاع بالعقل والهوى، وإليه وحده يصعد العمل الطيّب، إلى المرأة التي تطلب السعادة في الحياة والجنة في الآخرة.
وحتى تقلّ حالات سوء الفهم الناتجة عن الجهل في بواقع الزواج، ومن أجل وضع كثير من الخلافات في إطارها الواقعي، فلا تتحوّل إلى مأساة طلاق وتشريد عائلة، ندعو إلى التزام أحكام ديننا وتحكيمها في أمورنا، للتقيُّد به والعمل به. والتخلّي عن ذلك ارتكاب لثلاث معاصٍ شرعيّة أدناها كبيرة من الكبائر وثانيها كفرٌ عظيم:
1 التخلّي عن الإيمان لأن الإيمان تصديقٌ وعمل، وتصديق بدون عمل يضع الإنسان في خانة المنافقين أو مرتكبي الكبائر.
2 خروج من صفة "عبادي" التي يسمّي بها الله أهل الجنة وبذلك تحرَّم الجنة على مَن يعرف حكم الله ولا يعمل به لأنه يكون قد أطاع الشيطان.
3 معصية إقامة كيان العائلة على غير الأساس الذي أمر الله به وما يؤدّي ذلك إلى هدم أحكام الإسلام في الحياة يستحقُّ فاعله أشدَّ العذاب.
فالتقيّد بحكم الله في كلّ أمر هو الطريق الوحيد إلى الجنة وإلى المجد والسعادة في الدنيا والآخرة. ومعرفة الحكم إنما تكون لغاية محددة واضحة.
أهميّة موضوع العائلة في دين الله الذي جبَّ جميع الأديان التي أنزلها الله قبل الإسلام، كموضوع الحكم بما أنزل الله للفصل في خلافات البشر وإعلان الحرب على مَن يمنع انتشار فكر الإسلام واعتناقه وإقامة أحكامه بين الناس وبين الدول؛ ركيزة من ركائز هذا الدين وقاعدة من قواعده إن لم يكن قاعدة من قاعدتين.
البحث في العائلة، رغم محاولات كثيرة قام بها المؤلَّفون، لم يُعطَ حقه في التجديد والاستنارة. والكتب التي كُتبت عن العائلة كما أمر بها سبحانه وتعالى أن تكون وبما جاء في هدي سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، كانت دائماً دون تحديد لواقعها مشتّتة غير متوحّدة الموضوع وكأن القصد محصور في جمع أحكامها. وأيضاً، في غالبيّتها أُخذت لذاتها ودونما اعتبارٌ لمتعلّقاتها. فغاب عنها الهدف من الكتابة فيه ممّا أفقدها العمق اللازم للبحث وبالتالي أفقد تلك الكتابات قدرة التأثير والتوجيه في صيانة العائلة المسلمة من التيارات الفكريّة الشيطانية التي عمل الكفَّار، أعداء الله وأعداء كلِّ مَن آمن بالله ورسوله، مئات السنين دون كللٍ أو مللٍ ليلَ نهار لتحويل العائلة المسلمة إلى كيان يعشِّشُ فيه الضلالُ والباطلُ فيزدهر وينتشر منها باطلٌ وكفرٌ وابتداعٌ شيطاني جديد.
الفكر الإسلامي وحده من بين أفكار الدنيا الذي يحتّم ممارسة العمل به ويجعله شرط الإيمان والكفر والجنّة والنّار. فلا يكون الإنسان مسلماً ولا مؤمناً إن عرف أحكاماً إسلاميّة ولم يطبِّقها على نفسه وفي حياته حيث يلزم. ونحن إذ نقدِّم هذه المفاهيم الإسلامية التي تحدِّد كيان العائلة المسلمة وهدفها من هذا الكيان إنّما بقصد التزام المسلمين بها لتعود العائلة معقلاً لإقامة أحكام الله ومنارةً للهداية إلى دين الله ويهزموا الشيطان الذي سيطر على حياتهم سنين دون وعي منهم على الجهل والضلال الذي يحيون فيه. فالشيطان لا ينهزم إلاّ بإقامة حكم الله. ففي كلِّ أمر يواجهه المسلم يحاول الشيطان أن يغريه بمعالجة الأمر بأيّة وسيلة غير الوسيلة الشرعيّة. وحده التمسُّك بالمعالجة الشرعيّة يهزم الشيطان.
في هذا العصر الذي تكاثرت فيه شياطين الأنس على شياطين الجنّ، وفي هذا الزمن الذي لم يَبقَ في الأرض موطنٌ واحدٌ للإيمان حيث أحكم إبليس قبضته على عنق البشر أجمعين؛ لم يعد لأيّ فرد أو أمّة الإسلام غير القرار الجازم بمواجهة الواقع، وقائع الحياة بأحكام الله ورسوله. فمعرفة الحكم الذي يحتاجه الواقع من أجل التقيّد بذلك الحكم وتطبيقه هو الوسيلة الوحيدة للنجاة من غضب الله وعذابه.
جديد هذا الكتاب أنّه أكمل نواقص الموضوع وأزال الغموض عن غوامضه واستغنى عن طويله بعمقِه ووحَّدَ مُتَفَرِّقَهُ بالتركيز على مقصدِهِ، وفي ترتيب أحكامه أبان التوافق والتلاقي في الأحكام والمقاصد بدل الاختلاط والإبهام. وفي كلّ هذا ومن كلّ هذا جاء النتاج ليس جديداً بقدر ما هو متمايز مغاير غير مشابه لكلّ ما قيل وكُتب في موضوع العائلة.
الله من وراء القصد: الأول أن يتحرّك المسلم في إقامة كيان ذاتي يحارب به الشيطان ويتّخذه عدوّاً كما أمره الله.
الثاني أن يقرِّر المسلم القبول والرضى بحكم الله وطاعته لله سبحانه بالتقيّد بأحكامه حتّى تتحوَّل حياته إلى حياة مؤمن يصدّق ويعمل بأمر الله، فيتحوّل إلى جرّافة تهدم الغثَّ البالي من بنيان الكفر في المجتمع، ومع غيره يشيع حكم الله في المجتمع وتقوم دولة تحكم بما أنزل وأمر به الله وحده.
الفصل الأول:
العائلة... قلعة الإسلام حصَّنها الله ورسوله من الشيطان
إن التخلّف الذي يعيشه المسلمون واقع ملموس في جميع نواحي الحياة. والتخلّف أو الانحطاط عندما يعمّ الجميع يكون سببه الأساسي واحداً، ومن المحتّم أن يكون سببه واحداً لأنّ السلوك الإنساني كله وتجاه أيّ شيء ينطلق من قاعدة واحدة هي العقل، الذي بعقيدته الرئيسية للأفكار وقناعاته يوجّه سلوك الإنسان تجاه الموجودات والأحداث. فانحطاط الإنسان أو ارتقاؤه يرتبط مباشرة بحال عقيدته الرئيسيّة لأفكاره التي تحدّد له مساره في الحياة لأنها في ذاتها تحدّد له مهمّته التي عليه إنجازها خلال مدة بقائه حيّاً على هذه الأرض، بغضّ النظر عن مدة حياته وعن إمكانياته المادية أو الفكرية. ولا بد أن يكون لكل أمة ولكل مجتمع ولكل عائلة ولكل فرد ذكراً أو أنثى مثل هذه القاعدة الرئيسية للأفكار حتى لو كانت مزيجاً تاقهاً أو متناقضاً مما استطاع أن يجمعه من أفكار يشكّل به قاعدة يقتنع بها.
وبحسب صلاح وتماسك هذه القاعدة الرئيسية للأفكار وبحسب الالتصاق والتقيّد بما توجبه يكون مستوى الرقي الإنساني فردياً، عائلياً، مجتمعاً أو أمة.
أما الدليل القاطع لصلاح هذه القاعدة الفكرية فهو توافقها مع طبيعة الإنسان وفطرته. وطبيعة الإنسان ليست مجموعة غرائز وحسب بل جوعات وغرائز وعقل وميول، فأيّ قاعدة فكرية تغفل جزءاً من طبيعته يؤدّي السلوك بحسبها إلى التعاسة والشقاء. وبذلك لا تكون صالحة لأن أمنية الإنسان في الحياة هي السعادة نقيض التعاسة والشقاء. والإنسان بطبيعتة وفطرته أي بجوعاته وغرائزه وعقله ضعيف جداً وعاجز كلياً أن يقرّر ما هو الصالح وما هو شر له، لذلك منذ بدء وجوده استعان بالله تعالى ليساعده في تبيان الخير والشر له، وكان الله يمدّه دائماً بسبل الهداية.
لكن إبليس كان يقعد للإنسان في كلّ مكان وناحية ويوسوس له في كلّ أمرٍ ليضلّه عن الرأي السديد الذي هداه الله إليه، وبذلك انقسم الجنس البشري إلى من يتمسك بهداية الله له وإلى من يستجيب لتضليل إبليس. فمن اهتدى سُمّي مؤمناً ومن لم يهتدِ سُمّي بما رضي أن يفعله ليرضي إبليس به وليس نفسه، لأن النفس تشقى وتتألم وتتعذّب من السير بأفعال إبليس، فكان من تسمياته بحسب فعاله مشركاً أو كافراً أو فاسقاً أو منافقاً أو ظالماً أو عاقاً أو خائناً وهكذا. وحياة المؤمن كانت حياةً سعيدة هانئة لأنه تستحيل الحياة السعيدة والهنيئة مع إبليس كما يستحيل الشقاء بالإيمان، ومصير المؤمن إلى جنّة لا يمكن لعقل أو لسان وصفها لكثرة النعم فيهاِ، ويستحيل أن لا يكون مصيره إلى الجنة إذا رحمه ربه لأن الله كتب على نفسه الرحمة للمؤمنين وغفران ذنوبهم التي لا تخرجهم عن الإيمان مهما كانت كثيرة، صغيرة أو كبيرة. تماماً بعكس مصير رفيق إبليس أو تابعه الطاغوت؛ الذي رضي التصرّف بغير حكم الله، الذي يستحيل أن يكون بإذن الله إلاّ في جهنّم لأن الله كتب على نفسه أن يملأها بمن رضي بالطاغوت حكماً وإبليس سيداً. وجهنم أيضاً يعجز العقل واللسان عن وصف شدة العذاب فيها.
الفرد في العائلة تختلف نوعيّة واجباته عمّا في الجهاد أو في العمل، فحياة وكيان العائلة جزء من عالم الحياة. والتنظيم الذي أتى به القرآن الكريم والسنّة الشريفة، تنظيم للحياة التي جزء كبير منها العائلة.
فالله خلق آدم أوّلاً وجعل له في صدره ثمانية عشر ضلعاً في جهة اليمين وأخر في جهة اليسار من صدره، فلّما أراد أن يخلق حوّاء أخذ الضلع الأعلى من الجهة اليسرى في صدر آدم عليه السلام وهو أكثر الأضلع الثمانية عشر اعوجاجاً، وخلق منه أمّنا حوّاء. ولهذا بقي في الجهة اليسرى من كلّ رجل يولد سبعة عشر ضلعاًَ. وعمليّة الخلق هذه زرعت في كلّ امرأة تلد على هذه الأرض حاجتها إلى رجل يرعاها ويساعدها في أمور الحياة ويكون قيّماً عليها وحامياً لها. وبذلك جعل الله للرجال على النساء درجة حسب الآية الكريمة {... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (228 البقرة).
ومعنى هذه الآية أنّ المعاشرة بين الزوج والزوجة هي معاشرة بالمعروف والحسنى أي كلُّ يقوم بواجبه الحياتي في المعاشرة يتحمّل مسؤوليّاته ويؤدّي أعماله بطيب نفس، أمّا { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} فتعني أنّ للرجال منزلة أعلى بالمسؤوليات والمهام ليست للنساء. فعلى الرجال الجهاد والتفكير بتدابير الحياة والعمل وأن يجمع القوّة اللازمة لحماية عائلته وله من الميراث أكثر لما عليه من موجبات الإنفاق على عائلته ودفع المهر، ويتحمّل مسؤوليّة القضاء والإمامة، ومسؤوليّة الإنفاق والرعاية لزوجه وأطفاله، وله الشهادة وأن يتزوّج على زوجته وله الطلاق وعليها طاعته. وإذا كانت كلّ هذه لا تكفي لتميّز الرجل عن المرأة في واقع الحياة فيكفي أن يكون خلقها الله من ضلع منه. وقال عليه الصلاة والسلام: "لو أمرت أحداً بالسجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". وقال الله عزّ وجلّ: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} ومعنى {قَوَّامُونَ} أُمِّروا عليهنَّ، أي على المرأة أن تطيع زوجها وهذا جزء من طاعتها لله. ومعنى { بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} من كون الرجال منهم الأنبياء والخلفاء والحكّام والأئمّة والمجتهدون والقوّاد والمجاهدون، وزيادة قدرة العقل والتزامات الدين وصلوات الجمع والاجتماعات ومباشرة المسؤوليّة والرعاية لشؤون الأمّة وللرجل أن يتزوّج بأربع ولا يحلّ للمرأة غير زوج واحد وزيادة النصيب في الميراث وبيده الطلاق ولا تتزوّج المرأة إلاّ أن يزوّجها رجل وليّ لها وللرجل حقّ رجعتها وإليه يكون انتساب الولد. ومعنى { قَانِتَاتٌ} قائمات بما يجب عليهنَّ من حقوق أزواجهنَّ التي بيّنها الله في آياته وأحاديث نبيّه وتوجبها وقائع العشرة والمعاشرة. ومعنى { حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} حفظ نفوسهنَّ عند غيبة أزواجهنَّ ومن حفظ أنفسهن حفظ ألسنتهن من استغابة أزواجهن بما فيهم مما لا يطّلع على حالهم إلا الأزواج، فسر العشرة أمانة عند الزوجة. ومن حفظ نفوسهن حفظ فروجهنَّ وعوراتهنَّ عن كلّ أجنبي وحفظ أموال أزواجهنَّ في غيبتهم وحضرتهم.
إنّ الله جعل الزوجة مِنَّةً منه على عباده من الرجال فقال: { وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} الروم 21. أي جعل الزوجة التي يطمئنّ إليها الرجل ويقدّم إليها المودّة والرحمة وما يؤدّي به ذلك من جماع وولد واطمئنان وإفضاء إلى زوجه بمكنونات قلبه وعقله دون سابق معرفة قبل الزواج معجزة من معجزات الله الكبرى في الحياة.
إنّ الله قد كرّم المرأة وساواها في الأجر والثواب مع الرجل. فبالرغم من تحميله الرجل مسؤوليّات أكبر ومهام أكثر وأخطر من تلك التي أوجبها على المرأة فإنّه سبحانه وتعالى ساوى بالأجر والثواب بينهما كما ساوى في العقاب.
وحملة العرش يدعون للآباء وأزواج المؤمنين سواء بسواء دون تفريق حيث يقول تعالى عن لسان حملة العرش وهم يستغفرون للذين آمنوا: { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (غافر 8). وجعل شرط دخول الجنّة للذكر والأنثى واحداً بقوله: {... وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} غافر 40. فليس الأمر في الإسلام مفاضلة بين الذكر والأنثى بل تحديد مهمّات بما يتوافق وطبيعة كلّ منهما. ولمّا كانت طبيعة المرأة أنّها أمّ فقد خُلِقَت فيها ينابيعُ دافقةٌ بالحبّ والرحمة والشفقة أغزر من تلك التي وجدت في الرجل. ومن الطبيعة البشريّة أنّ مَن قَوِيَت عنده هذه الأحاسيس تضعف عنده قدرة التمسّك والتقيّد بالثوابت والقناعات العقليّة التي تمتحن في المواقف والسير في أمور الحياة بما يتوافق والقواعد والقناعات العقليّة التي تمتحن في المواقف والسير في أمور الحياة بما يتوافق والقواعد والقناعات الفكريّة دون تأثير طاغ لأيّ ميل عاطفي ذاتي. ولهذا جاء الشرع في معظم أمور الحياة التي تحتاج إلى القدرات العاطفيّة الطاغية يجعلها مسؤوليّة المرأة. وفي معظم أمور الحياة التي تحتاج إلى إعمال العقل وأخذ القرار بالقيام بما يجب القيام به، من مسؤوليّة الرجل.
وقد تنبّه إبليس الملعون المرجوم إلى هذه الخصائص في طبيعة المرأة والرجل ورأى أنّ باب الولوج إلى العائلة والمجتمع لإفساده هو في السيطرة على المرأة. فمتى سيطر إبليس على المرأة أفسد العائلة وفكّكها وأمكنه هذا الإنهيار أن يوجد الأجواء المؤاتية لبثّ أيّ فكرٍ شيطاني لتفسيخ المجتمع وهدم ما يقوم عليه من أفكار وقيم، ويؤدّي به إلى الانحلال وتحكّم الطاغوت به. فليس تجنّياً أن يركّز الرسول عليه الصلاة والسلام إلى تحذير المرأة والرجل من سيطرة الشيطان على المرأة، وليس رجماً بالغيب أن يقول ما معناه أنّ أكثر النساء في جهنّم بسبب سهولة انجرافهنَّ إلى مكائد إبليس اللعين. وضعف حوّاء واستسلامها إلى إبليس ومشيئته بأكل ثمرة الجنّة التي حرّمها الله عليها وعلى آدم ليمتحنهما كان النجاح الأوّل لإبليس في تجربته الخبيثة. فقد رأى إبليس أنّه لا سبيل للإيقاع بآدم عليه السلام إلا بواسطة حوّاء التي بعد غواية الشيطان لها واستسلامها، بذلت جهدها لإقناع آدم بقطف الثمرة المحرّمة، وقد عارض آدم وتردّد ولكنّها بعد أن تبنّت قضيّة إبليس حاورته وبقيت عليه مصرّة تعطيه الحجّة الشيطانيّة تلو الأخرى حتّى استسلم ووقع وأوقع نسله بالندامة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان"، أي مكائد الشيطان وقال: "إتّقوا النساء فإنّ أول فتنة بني إسرائيل كان من النساء" وقال عليه الصلاة والسلام: "إنّ المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان".
وقال: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان" ومعناه نظر الشيطان إليها ليغويها ويغوي بها. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ أقلّ ساكني الجنّة النساء"، لذلك وحتّى يدرأ الله خطر النساء ويخفف تأثيرهنَّ على مسيرة حياة الأمّة بسبب سهولة خضوعهنّ للشيطان أمرت أحكامُهُ بفصل مجتمع النساء عن الرجال، وبحجابهنَّ، حتّى يصعب على الشيطان استشرافهنّ ونفخ طلباته فيهنَّ بإثارة رغباتهنَّ أو تحريكها. ومنع المخالطة ومشاركتهنَّ في الحياة العامة وقال عليه الصلاة والسلام: "أخّروا النساء حيث أخّرهنَّ الله". ومعناه لا تقدّموهنَّ ذكراًَ وحكماّ ومرتبة.
كلّ هذا ليس ذمّاً للمرأة ولا تقليصاً لدورها في الحياة ومن باب أولى ليس إجحافاً بحقّ لها أو استعباداً، بل تشريعاً يوافق طبيعتها حقّ التوافق وإنصافاً يعطيها حجمها ودورها الطبيعي في الحياة، ورحمة من الله بها بأن لا يحمّلها ما يثقل عليها بما يخالف قدراتها العقليّة والجسديّة.
أمر الرجل بالقيام بأمور الحياة عنها ترفيهاً لها وتوفيراً لطاقتها كي تصرف في أداء رسالتها ببقاء عمليّة تناسل الجنس البشري تسير بيسر وسهولة، وخدمة زوجها بما يلزمه في بيته. وكلا الدورين جعله الله مقابل قيام الرجل بخدمتها في أمور الحياة وحمايتها. ولا مجال للمقارنة والمفاضلة بين دورها ودوره فقد أحكم الله الخالق توزيع المسؤوليّة بحسب طبيعة الذكر والأنثى وموقع كلّ منهما في المجتمع ودوره في محاربة عدوّ الله إبليس. ذلك أنّ الحياة على الأرض هي امتحان لكلّ فرد أن يتمسّك بهداية الله وذلك بطاعته في أوامره واجتناب محرّماته أو بالانزلاق والسير برغبات إبليس. وأكبر إنجاز لإبليس وللملايين من زبانيته على الإطلاق هو تفتيت أواصر العائلة التي أحكم الله بنيانها بحسب التشريع الإسلامي. فالإسلام قد جعل العائلة بالأحكام التي نظّم بها الزواج وحياته قلعة حصينة يستحيل لإبليس أن ينفذ منها إلى أيّة عائلة مسلمة تقيم أحكام الله في أمورها. ولهذا فالعائلة هي أكبر تحدٍّ لإبليس في الحياة وهدمها أكبر إنجاز له. وقد ثبت أنّ إبليس لا يقرب أحداً من زبانيته ولا يدخل عرشه، أي مجلسه، إلاّ من نجح بهدم عائلة. فشيطان الخمر وشيطان الزنى وشيطان السرقة وشيطان الدسّ وشيطان الربا وشيطان القمار وشيطان القتل وشيطان الخيانة ومئات غيرهم يبعدهم إبليس وينفر منهم ويصرخ وينادي أين شيطان الطلاق إئتوني به فإنّه حبيبي والمفضّل عندي من المفسدين كلّهم، أي من جميع الشياطين.
عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئاً ثم يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا حتّى فرّقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت فيلتزمه". فتماسك العائلة والحفاظ على الرباط الزوجي أعظم فشل لإبليس الذي يفعل كلّ ما يستطيع فعله لضربها وتفكيكها، ويعتبر نجاحه في ذلك أعظم انتصار له في الحياة على الأرض. لهذا أحكم الله تعالى تفصيلات العلاقة بين المرء وزوجه، ولم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وبيَّن فيها حكمه إلى يوم الدين. وبعد تفصيل أحكام العلاقة أجزل في الثواب للرجل على صبره بتقصير الزوجة في حقّه أو على ما لا يرضيه فيها أو في أخلاقها وسلوكها، ورغّب المرأة بالجنّة إذا أحسنت أداء حقِّ زوجها وهدّدها بالعذاب إذا أهملت حقّه عليها. فالثواب الكبير جدّاً الذي وعد الله به الرجل الذي يصبر على سوء خلق زوجه أو مرضها أو تقصيرها في حقّه هو الدرع القوي الذي يردعه عن استعماله رخصته في الطلاق الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: "ما أحلّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق" فلا يصل المؤمن إلى طلاق زوجه إلاّ في حال نشوزها أي معصيتها المتعمّدة المتكرّرة وإصرارها على عدم طاعته. أو إتيانها بفاحشة مبيّنة أي تطاولها باللسان على زوجها باستعمال بذيء الكلام أو بعلوّ صوتها على صوته ممّا يؤدّي إلى صعوبة التعايش معها لسوء خلقها فيسود القلق الدائم حياة الزوجيّة بدل السكينة والوداعة والطمأنينة.
وكما أوجب الشرع طاعة المرأة لزوجها وجعله فرضاً عينيّاً عليها تستحقّ العذاب الشديد إن فرّطت فيه لأنّه حجر الزاوية في استمرار الحياة الزوجيّة، أوجب تثبيت هذا الحكم واقعاً لا يستطيع حتّى الرجل التراخي فيه، لأنّه ليس أمراً خاصّاً بل عامّاً يتعلّق بصيغة ومسيرة الحياة للإسلام والأمّة، حرّم الشرع طاعة الزوجة وأوجب عدم طاعة النساء في توجيه سياسة الحياة ومباشرة مسؤوليّة الرعاية العائليّة والعامّة. وليس في الأمور الخاصة التي تحتاج إلى تشاور من مثل طعام اليوم ومكان الموقد وشكل الكرسي وما شابه. بل بخط سير الحياة وغايات الأعمال، قال عليه الصلاة والسلام في حديث أخرجه الترمذي عن علي رضي الله عنه: "إذا فعلت أمّتي خمس عشرة خصلة، حلّ بها البلاء..." الحديث وفيه: "وأطاع الرجل زوجته، وعقّ أمّه" إلى قوله: "واتخذت القينات والمعازف" وفي آخره "فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء، وخسفاً أو مسخاً وقذفاً".
وقد أوضح عليه الصلاة والسلام أنّ خيانة الأنثى موروثة من حوّاء مذ خانت آدم عليه السلام في الجنّة. عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها الدهر". أخرجه الشيخان. خيانة حوّاء لآدم: هي في النصيحة له في الأكل من الشجرة وليس في غيرها. وسوء النصح في الإسلام من الخيانة وهو غير النصح عن جهالة.
وجوب طاعة المرأة لزوجها وتحريم طاعة الرجل لزوجه ينبع من أمرين: الأوّل، النظام الاجتماعي في الإسلام يقوم على رعاية الرجل لأسرته، وهذه الرعاية تستوجب أن يكون المسؤول محدّداً. والثاني حماية قرار المسيرة الحياتيّة للمسلمين. فالمرأة بما سبق وعرفنا من ضعفها في المواقف وسهولة انجرافها مع أهوائها وتراخيها في أخذ القرارات الحاسمة يكون من الخطر الكبير على العائلة والمجتمع أن يكون لها رأي يطاع ومن هنا تحريم طاعة الرجل لزوجه.
ومن التحصينات الأخرى لمنع الشيطان من هدم العائلة وتشتيت ا"لأولاد انتزع من المرأة حق الطلاق وحصره بالرجل وجعل الطلاق لا يكون إلا منه وحرّم على المرأة أن تطالب به تحريماً صريحاً فقال عليه الصلاة والسلام: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من دون بأس فحرام عليها رائحة الجنة" وقال: "وإنّ المختلعات هنَّ المنافقات" المختلعة التي تطلب الطلاق. والبأس الذي قد يتراءى أنّه عذرٌ للمرأة تطلب من أجله الطلاق هو نشوز زوجها، وفي هذا أوجب الله على الزوجة علاجه قبل أن يصل إلى حدّ اعتباره بأساً وذلك قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} النساء 128. وهو ليس السأم والتذمّر فيكون بأساً برأيها. فالبأس هو مخالفة الزوج لحكم شرعي أمره الله به تجاه زوجه. وليس من البأس في شيء عدم قيادة السيارة أو قلّة في الملابس أو عدم الخروج أو منعها من الزيارات أو عدم وجود غسّالة كهربائيّة أو تجديد المفروشات وما شاكل ذلك من أمور الحياة التي يُقال بهتاناً أنها أصبحت من ضرورات حياة المجتمع.
هذه الأحاديث تنبّه الرجل والمرأة إلى خطر الشيطان على المرأة، فمفهوم الأحاديث الضمني وجوب تَحَصُّن المرأة ذاتيّاً لتقف بوجه هجمة الشيطان عليها ومحاولة غوايتها وتسخيرها لتحقيق غاياته في الدنيا. خاصة وأنّ أسمى غاياته هو بذر الشقاق في العائلة عن طريق تنفير الزوجة من الزوج أو العكس حتّى يسهل على المرأة معصية زوجها والتطاول عليه باللسان وهو نهاية مطاف أيّ زواج. ومن مفهوم الحديث الضمني أيضاً وجوب مساعدة الرجل لامرأته بتحصينها ضدّ مكائد الشيطان والوقوف معها بمحاربة أساليبه بالتنبّه الدائم والحرص الشديد بالتمسّك والوعي بأحكام الله المتعلّقة برعاية العائلة.
حتى لا يجرف تيّار إبليس الرجل إذا تحقّقت مساعيه في امتلاك إرادة المرأة والسيطرة على أهوائها، سعى الإسلام لإقامة حاجز آخر لمحاربة الشيطان والمرأة التي سارت في ركابه فأمر عليه الصلاة والسلام الرجال باتّقاء النساء اللواتي هنَّ حبائل الشيطان وحرّم طاعتها وفرض عليها الطاعة للرجل. عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الدنيا حلوة خضرة، وإنّ الله تعالى مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا والنساء، فإن أوّل فتنة بني إسرائيل كان من النساء". أخرجه مسلم والنسائي.
هذه التشريعات شاملة كاملة أحكمها الله تنظيماً للعائلة وأمورها، لا يمكن بالقناعة والتقيّد بها أن تشقى عائلة، وهذا التنظيم هو بحدّ ذاته تحصينٌ ذاتيٌ لمواجهة الشيطان وتفشيلٌ لمهمّته في ضرب العائلة مهما حاول وبأيّ أسلوب. فالتنظيم الشرعي لحياة العائلة تحصين، وتحذير المرأة من الانقياد للشيطان تحصين، وترغيب الزوج بأجر الصبر على نواقص وعيوب وعِوَج زوجه تحصين. فالشيطان عندما ينجح في ضرب العائلة إنّما ينجح في العائلة غير المحصّنة، أي العائلة التي لا تقوم على الإسلام وعندئذٍ لا أسف على عائلة شرّعت أبوابها للشيطان يدخلها ويعمل بها تخريباً وهدماً.
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيّته والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راعٍ على مال سيّده وهو مسؤول عنه ألا فكلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته".
هذا الحديث يحمِّل كلَّ إنسان ذكرٍ أو أنثى مسؤوليّة تأدية واجبه ومباشرة ما يلزمه من العمل والقول في الحياة بالوجه الأفضل والأكمل مسؤوليّة مفروضة وهو سيحاسب عمّا قام به أو قاله في حياته وسيحاسب عن الكيفيّة التي قام بها بعمله وعن مستوى العمل الذي أتى به وتمامه. لأنّ كلمة راعٍ تعني التكليف بالعمل، فكما الراعي مسؤول عن تدبير أمور قطيعه من البهائم من سقي وإطعام وحماية، كذلك كلّ إنسان في حماه راعٍ وعليه تدبير شؤون ما استرعى عليه بأحسن ما يمكن. فالرجل راعٍ في بيته وعمله ومجتمعه ووطنه، والمرأة راعية في بيتها وفي بيت زوجها. فالإنسان راعٍ في أيّ مكان وجد فيه. وقاعدة الرعاية هي القيام بما يلزم عمله على أكمل وجه. وهذا عينه قاعدة المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها الزوج والزوجة. فقاعدة المعاشرة بالمعروف بالتعامل والتواصل يكون على ما أمر الله به من حسن المعاشرة أي المخالطة والممازجة، وهو أوثق وأقوى الصلات البشريّة وأهمّها. فليس هناك تعايش أو تعامل حميمي أكثر من التعايش والتعامل في العشرة الزوجيّة. فمن باب مسؤوليّة الراعي على الرجل والمرأة أن يؤدي كلّ بموقعه حقّ مسؤوليّة الرعاية التي ألزمها الله عنق كلّ إنسان. وعلى الرجل بحكم إلزامه الرعاية على زوجه أن يبادر لحسن الصحبة وعلى المرأة مبادلته بما ألزمها الله به من حسن الطاعة لتكون أُدمَةَ ما بينهم وصحبتهم على الكمال. فالالتزام بواجبات ومسؤوليّات "كلّكم راع" توجب حسن التعامل وكمال الصحبة إطلاقاً فكيف بين الزوجين وقد أمر الله الرجل فيها بالتحديد فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}. فوجوب المعاشرة بالمعروف واجب وإن كان يكره فيها بشاعة أو كبراً أو مرضاً أو فقراً أو عادة أو سوء خلق، دون النشوز ومن غير ارتكاب فاحشة. أوجب التعايش والتعاشر بمعروف لأنّ الكره ليس سبباً لسوء المعاشرة بل النشوز أي العصيان، وارتكاب الفاحشة أي رفع صوت الزوجة على زوجها والتطاول باللسان والوقاحة بالفعل والقول وحده مبرّر للوعظ والهجر والضرب، فإن أصرّت على النشوز والفاحشة فالطلاق. غير ذلك لا يجوز فيه سوء عشرة إطلاقاً، خاصة وأنّ حسن المعاشرة عليه أجر. قد يكون في ما يكره الرجل خير كثير لا يعلمه إلا الله. وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم. قال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم عن أبي هريرة: "لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إن كَرِهَ منها خلقاً رضي منها آخر"، أو قال: "غيره". المعنى: عدم بغضها كليّاً، لا يحمله على فراقها، أي لا ينبغي له ذلك بل يغفر سيّئتها لحسنتها ويتغاضى عمّا يكره لما يحبّ.
وقد حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على حسن الخلق والمعاشرة بالمعروف وجعل أجره بأجر الصدقة فقال: "كلّ معروفٍ صدقةٌ وإنّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق". ومن هذا نفهم معنى المعروف أنّه القيام بالواجب بنفس راضية فمثلاً إن طلب الوالد من ابنه كوب ماء فأحضره له ووضعه على الطاولة أمامه بخفّة أو تململ ولم يشعره بإحضار الماء كان ذلك قيام بواجب الطاعة للأب وهو يُسقط المعصية والعقّ. ولكن لو جاء الإبن بكوب الماء وقدّمه لوالده بكلمة عذبة وانتظر أباه أن يتناوله منه أو يأمره بوضعه على الطاولة فإن ذلك يكون معروفاً. فالمعروف فوق الفرض وهو مندوب وليس بفرض أي يؤجر فاعلُه ولا يُذمّ تاركُه. والمندوب أسمى من الفرض لأنّ الذي يحرص على المندوب في الدنيا حرصه على الفرض أو بعد تأدية الفرض إنّما يفعل ذلك لأنّه يدرك أنّ الجنة درجات ولا يحظى بالدرجة العالية منها العامّة من الناس الذين أدّوا الفرائض، بل المؤمنون الذين حرصوا على تأدية الواجب وأتبعوه بالحرص على المندوب. ففي المندوب ترتقي النفوس والعقول ويقرّبها الله تعالى منه. ولهذا فإنّ يوم القيامة يفصل الله أهل المندوب وهم أهل المعروف عن بقيّة المسلمين منذ اللحظة الأولى، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المعروف كأِسمه وأوّل من يدخل الجنّة يوم القيامة المعروف وأهله". عليه يكون قول الله {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} طلب إلى الرجال أن يستعملوا حقّهم في مباشرة أمور رعاية الزوجة بالأسلوب الحسن والخلق الحسن وبالوجه الأحسن وذلك حرصاً منه تعالى على عباده للوصول إلى الدرجة العالية في الجنة وحرصاً منه تعالى على رقيّ مستوى الرعاية الزوجيّة. فأجر الرجل الذي يعاشر زوجه بالمعروف يفوق مرات ومرات أجر الرجل الذي يعاشر زوجه بمستويات الفرض الواجب فقط.
وأمر الله للرجل بقوله { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ورد في آية أخرى يساوي فيها بين الرجل والمرأة في أحقيّة التعامل بالمعروف ووجوبهما فقال تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. البقرة 228.
الزواج أحد المهام التي أوكلها الله إلى عباده من ذكور وإناث. وككل مهمة تصادف الإنسان في الحياة يَلزمه التوقّف عندها لدراسة أمر مواجهتها أو حمل أعبائها بما يكفل نجاحه. غير أن المسلم يتوقّف عند كلِّ مهمة وأمر في الحياة ليعرف الطريقة التي أمر الله بها بمعالجة ذلك الأمر. فالمسلم لا يبتدع تنظيماً أو حكماً بل يبحث عن التنظيم والحكم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويعمل بموجبه. فالعلم بحكم الله في الأمر الذي يواجه المسلم شرط الإيمان، تماماً كوجوب العمل بحكم الله شرط الإيمان ويقول الله تعالى في بيان ذلك: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} المجادلة 11. لأن الإيمان يشترط العمل بالحكم والعمل يشترط العلم بالحكم. فلا إيمان في الإسلام بمعرفة أحكام الإسلام وترك العمل بها. فالتعاشر بالمعروف بين الأزواج حقّ من الله للرجل على زوجته وحق من الله مكرر التأكيد عليه للمرأة على زوجها. وكما أن هذا حق لكل منهما من الآخر يكون واجباً على كلّ منهما تجاه الآخر. فعلى الزوج أن يبادر إلى رفع مستوى المعاشرة مع زوجه إلى درجة "المعروف" دون اهتمام أو اعتبار للمستوى الذي تتعاشر به الزوجة معه، فالواجب عليه أولاً ولا يسقطه عنه عدم مبادلة زوجه له بمعاشرته بمعروف، فذلك حقّ له واجب على الزوجة. فقيامه بواجب يسقط الإثم عنه، وصبره على عدم حصوله على حقّه بالمعروف من زوجته له فيه أجر الصبر. وهذا عينه ينطبق على الزوجة التي عليها أن تبادر إلى رفع مستوى تعاشرها مع زوجها إلى درجة "المعروف" حتّى يسقط الفرض عنها. ومسألة حقها لا تسقط بقيامها بواجبها وهي إن لم تحصل على حقها من زوجها وصبرت فلها أجر الصبر كما وعدها الله به. هذا التعاشر الذي أمر به الإسلام يحتم على الأزواج التسابق على التعامل بواجب المعروف ويجعل الحياة الزوجية مباراة دائمة بين من يزيد في صنع المعروف مع الآخر ليتباهى يوم الحشر بكثير معروفه. وهكذا يكون الزواج في الإسلام طريقة في العيش متميّزة عن أي طريقة أخرى في أيّ أمّة وشعب أو ملّة. وبهذا يتحقّق شرط الإسلام في أن تكون حياة الزواج جزءاً من حياة المؤمن في الدنيا يعيشها بأرقى مستوى وسعادة يتفوق بها على سائر البشر.
تصرّف المؤمنِ وسلوكُهُ في الحياة طريقة ثابتة ليس فيها تردّد أو اهتزاز لأنّ جميع تصرّفاته يجب أن تكون مرتبطة بالحكم الشرعي لا برأيه ولا بتقلّباته النفسيّة، وغير متأثّرة بالتأثيرات الخارجيّة الاستفزازيّة التي يمكن أن تخرجه عن طوره وبالتالي من الإيمان أي الالتزام بالحكم الشرعي. فالمؤمن لا يتصرّف بما يمليه الواقع بل بما يمليه الشرع حيال الواقع. الإيمان طريقة عيش للحياة وليس ارتباط ظرفي بفكر أو هدف أو غاية، جميع أمور الحياة ومشاكلها وظروفها يواجهها المؤمن بعقيدة الإيمان الراسخة في نفسه وما تفرضه من التزام بالحكم الشرعي طالما فيه رمق حيّ. وفي ذلك ينبّهنا الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: "لا تكونوا إمَّعة إن أحسن الناس أحسنتم وإن أساؤوا أسأتم، بل وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أحسنتم وإن أساؤوا تجنّبتم الإساءة إليهم".
ولا ينسى المؤمن ولا تنسى المؤمنة أنّ الصبر على ما يكرهه المرء فيه أجر من الله وهو غسل للذنوب. وفي ذلك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتّى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة". فالرجل يكره من زوجه ويصبر عليها والزوجة تكره من زوجها وتصبر عليه فهو غسلٌ لذنوبهما إن شاء الله. وقد أدرك علماء الأمّة وأخيارها وصلحاؤها حقيقة ذلك فعاشوه. ذكر ابن العربي قال: أخبرني أبو القاسم بن حبيب بالمهديّة، عن أبي القاسم السيوري عن أبي بكر بن عبد الرحمن حيث قال: كان الشيخ أبو محمّد بن أبي زيد من العلم والدين في المنزلة والمعرفة. وكانت له زوجة سيّئة العشرة وكانت تقصّر في حقوقه وتؤذيه بلسانها فيقال له في أمرها ويُعذَل بالصبر عليها، فكان يقول: أنا رجلٌ قد أكمل الله عليَّ النعمةَ في صحّة بدني ومعرفتي وما مَلَكَت يميني، فلعلّها بُعثَت عقوبة على ذنبي فأخاف إن فارقتها أن تنزل بي عقوبة هي أشدُّ منها.
أساس المعاشرة الزوجيّة هو قبول النفس من ذكر وأنثى تأديه دورها في الحياة بما هيّأه الله فيها من خاصيّات وقدرات برضى. فأيّ تمرّد على الطبيعة في النفس أو تململ من واجب قد يبرّر بدء الانحراف عن مسار المفاهمة الكاملة للعشرة الهنيئة. والمعاشرة لا يمكن أن تنجح من الرجل وحده ولا من المرأة وحدها. كما أنّ المعاشرة وهي في الزواج تعني مخالطة الجسد للجسد والأحاسيس بالأحاسيس وممازجة الفكر للفكر ومزاملة الروح للروح، لا بدّ لها من تنظيم وتبيان لواجبات الرجل وحقوقه وواجبات الزوجة وحقوقها. ومن إمعان النظر في الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة الواردة في هذا البحث ندرك أنّ الله لم يغادر كبيرة ولا صغيرة في تنظيم حياة العائلة التي يوجدها الزواج. وهي كخلقه سبحانه وتعالى للكون لم يغادر كبيرة ولا صغيرة إلاّ وأنعم بكمال إتمامها.
أوجب الله على الرجل مسؤولية تدبير أمور حياة زوجته من نفقة ووطءٍ وإطعام وكسوة وإسكان وحماية ومداواة، كل ذلك بالحسنى والمعاشرة بالمعروف.
وأوجب الله على الزوجة الطاعة لزوجها والخضوع له وكل ما يستوجب ذلك يلزمها القيام به. فعليها أن تطبخ له وتنظّف البيت وتعتني بنظافة أطفالها وتحمي ماله وتمنع بيته وتصونه في سمعته وتحفظ غيبته ولا تُدخل بيته أحداً دون إذنه، ولا تخرج أبداً دون إذنه، ولا تُكثر من طلباتها حتى في الأشياء الأساسية فلا تكون ملحاحة، ولا تعطي أحداً من ماله دون إذنه ولا حتى من طعامه إلا بإذنه، ولا تبذل مالها من دون موافقته ولا تصوم نافلة إلاّ بإذنه، ولا تعصيه في أمر وتطيعه فيما أمرها وهو غائب، ولا يرتفع صوتها فوق صوته ولا تكون فظة وقحة معه ولا تنشز ولا تفحش، ولا تمنعه نفسها بأي حال كانت، وأن تعمل بدأب متواصل لإرضائه. وللرجل أن يمنعها من التصرف إلاّ بإذنه وعليها القناعة بذلك. وفي كل أمر من هذه الأمور حكم شرعي والقيام به فيه أجر من الله سبحانه وتعالى. وقد حضَّ الإسلام على حسن المعاشرة لينعم الزوجان بالعيش الهنيء. ولأن القصد من الزواج تمام السعادة في الحياة.
جعل للفشل فيه مخرجاً حتى لا تطبق التعاسة على إنسان مدى الحياة. ولكن قبل الوصول إلى الطلاق أمر الله الزوجين باتخاذ إجراءات عملية لمعالجة الفشل. أمر الرجل بالرأفة بزوجه والتمتع بها مع العِوَجِ الذي بها. أمر الزوجة بالطاعة التامة لزوجها. إذا سخط الزوج فعلى الزوجة مراضاته فإن رضي أُجرت وإن لم يرض عُذرت عند الله. إذا نشز الرجل أي بَعُدَ وأبغض زوجه أي لم يعد يطيق لها صحبة، فقد حثَّ الله تعالى الزوجة على التنازل عن كل ما يمكن التنازل عنه ليستبقيها زوجة في رعايته. وإذا نشزت المرأة أو ارتكبت الفاحشة فعلى الرجل تذكيرها بالله وحكمه وواجباتها الشرعية في الرجوع عن المعصية والوقاحة والبذاءة في اللسان. وتذكيرها بعذاب الله على نشوزها وتفحّشها. فإن لم ترتدع هجرها في الفراش ولا يطأها عسى أن تهدأ نفسها وترجع فإن لم تفىء فله ضربها غير مبرِّحٍ.
وقول الله { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} قال فيه ابن عباس: الدرجة إشارة إلى حضِّ الرجال على حسن العشرة، والتوسع للنساء في المال والخلق، أي أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه. فهذه الدرجة تحمّل الرجال مسؤولية أكبر وليس سلطة أكبر للظلم كما قد يظن السذَّج والجهال من النساء. وقد جعل الله أجر المرأة المطيعة لزوجها التي تقوم بواجبها الحياتي في أمور الزوجية بنفس راضية يوازي أجر الشهداء في الآخرة.
عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إنّ الله عزَّ وجلَّ بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنّا بك وبإلهك، إنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، وإنكم معاشر الرجال فُضلتم علينا بالجُمَعِ والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج وبعد الحج، وأفضل من ذلك: الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلّ، وإن أحدكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم وغَزَلنا لكم أثوابَكم وربَّينا لكم أولادَكم، أفنشارككم في هذا الأجر والخير؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كلِّه ثم قال: "هل سمعتم مسألة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها، من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها وقال: إفهمي أيتها المرأة وأعلمي مَن خلفك من النساء أن حسنَ تبعُّل المرأة لزوجها وطَلَبها مرضاتِه واتباعها موافقته يعدل ذلك كله". رواه الإمام مسلم.
تحريم إفشاء السرِّ بين الزوجين والكفر بالعشير
العشرة الزوجية أكرمها الله والرسول بالعناية وشرّع الله والرسول ما يصونها من كل سوء أو مكروه وبحفظها بكرامة وعفة. فمنع الإسلام النميمة والغيبة وكشف السرِّ بين الأزواج، لما يؤدي ذلك إلى زرع الحقد والكراهية ممّا يجعل الحياة مع بعضهما مستحيلةً فينتصر الشيطانُ بِأَهوَن سبيل. وحرمة إفشاء السرِّ من أحد الزوجين جزء من حفظ الأمانة بين الناس. روى مسلم وأبو داود عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ من أعظم الأمانة عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها". وفي نفس المعنى عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: "إنَّ من شر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة الرجل، يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثمَّ ينشر أحدهما سرَّ صاحبه". وعن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "المجالس بالأمانة، إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق".
وغالباً ما يأتي إفشاءُ السرِّ بعد أن تجحد المرأة إحسانَ زوجِها ولذلك حرّم الله سبحانه وتعالى الجحودَ ووصفه عليه الصلاة والسلام بالكفر، فعن جابر قال: "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة. ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحثَّ على طاعته، ووعظ الناس وذكّرهم، ثم أتت النساء فوعظهنَّ وذكَّرهنَّ، وقال عليه الصلاة والسلام: "تصدقنّ فإن أكثركنَّ حطبُ جهنّم، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لأنكنَّ تكثرنَ الشكاة، وتكفرنَ العشير“. فجعلن يتصدَّقنَ من حليهنَّ، ويلقينَ في ثوب بلال".
معنى سطة النساء: أوسطهنَّ حسباًَ ونسباً. وسفعاء الخدين: فيهما سواد. الشكاة: الشكوى, العشير: الزوج.
وعن أبي سعيد الخدري قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرّ على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدقنَّ فإني رأيتكنَّ أكثر أهل النار. فقلنَ: وبِمَ يا رسول الله؟ قال: تكثرنَ اللعن وتكفرنَ العشير.. الحديث". متَّفَقٌ عليه. والمعنى رأيتكنَّ على سبيل الكشف، أو طريق الوحي.
فكثرة التذمر وكثرة اللعن والكفر بالعشير أي جحود إحسان الرجل وإفشاء السر حرمها الإسلام تحريماً واضحاً غير مبهم. وقد ساوى الإسلام في العقاب على هذه المحرمات بالنار لعظيم خطرها على الزواج وتعريضه للخطر. لأنّها جميعها أو منفردة توحي عن عدم رضى المرأة عن حياتها مع الرجل وهذا ما يؤدّي حتماً إلى الطلاق. فلا يجوز للمرأة أن تتذمّر من أيّ شيء من أمور الحياة إذا كان الرجل يؤدّي حقّها في المعاملة بتقوى الله ويعاشرها بالمعروف والحسنى. ومّا أن تتذمّر المرأة من مسكن أو فرش أو إصلاح عطب في الأدوات أو تغيير ستائر أو في طلبات ضروريّة كانت أو غير ضروريّة أو كثرة مؤن أو قلّة في المؤن أو مرض أو سياحة أو خروج أو استقبال وحتّى من قلّة الطعام أو كثرة في العمل وامتناع الخدم، كلّها لا يصلح معها التذمّر وتحرُم معها الشكوى إلاّ بالطلب الرقيق.
نعود إلى الكفر بالعشير، يقول الله سبحانه في القرآن الكريم: { وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} سورة إبراهيم 7، جاء في تفسير القرطبي في معناها: أي جحدتم حقّي وقيل نِعَمِي انتهى. فالكفر هو الجحود بحقّ الله وفضله. وقد جعل الله ورسوله لجحود الزوجة بحقّ الرجل ونِعَمِهِ عليها كفراً بمعنى جحود الحق. لأنّ الله قد أقام نظام التقاء الذكر بالأنثى وتكاثر الناس وترابطهم وتراحمهم والنسب والصهر يقوم كلّه على نظام الزواج، وقاعدة هذا النظام جعلها الله قيامة الرجل على المرأة بكلّ ما في ذلك من واجبات الرعاية والمسؤوليّة. وهذه القاعدة تلتها قاعدة أو حكم آخر لمجازاة الرجل في الحياة على تحمّله هذا العبء. فقد أمَّنَ وضَمِن للرجل إيفاءه بعض حقّه في الدنيا حتّى يخفّف عنه بعضٍ من هذه الأعباء، فلا يقنط أو ييأس ويتهرّب أو يعزف عنها كلّها أو عن أكثرها ثقلاً الذي هو الزواج.
فرض الله للتخفيف عن الرجل بعض أعبائه، وفرضه عدل، ليحفظ نظام الزواج للقصد الذي أراده له سبحانه وليس لمجرّد المتعة الجنسيّة التي من خصائصها أن تزول مع الوقت أو مع التعودّ على العشير، فأمر الزوجة بالترفيه والتخفيف عن زوجها، وجعل هذا الترفيه وطاعتَها لزوجها أساساً في نظام الزواج كفرض الرعاية على الرجل. لأنّ من طبيعة الرجل أنّه لا يقبل رعاية من يعصيه. فصاحب المتجر إذا كان له شريك يخالفه فأحد أمرين إمّا أن يبيع المتجر ويَفُضّ الشراكة أو يستمرّ فيؤثر ذلك سلباً على العمل. وأيّ ربّ عمل إن عصاه من يعمل عنده عزله مهما كانت أهمّيته له. والأب إن عصاه ابنه نبذه ونفاه من بيته. فالمعصية من الزوجة محرّمة تحريماً قاطعاً لأنّها تؤدّي حتماً، إلاّ في الحالات النادرة التي لها ظروفها، إلى التخلّص منها أي إلى فضّ الزواج كما في حال الشريكين. فلو أجيزت المعصية الزوجيّة في الإسلام كما أجازتها بعض المجتمعات الغربيّة في القرن الأخير لسقطت جميع القيم التي أمر الله بها المسلمين لأنّه لا يكون هناك وجود لكيان العائلة كما نعرفه. ولا مجال هنا للمقارنة أو للحديث عن حالة العائلة في تلك المجتمعات التي تقوم ركيزتها على إباحة الزنى.
طاعة المرأة للرجل ليست أمراً من صنع الرجل ولا عادة هو أقرّها بل هو فرض من الله سبحانه، واعتراف المرأة الزوجة بهذا الفرض وانصياعها له فرض من الله وليس من الرجل. إذا عصت الزوجة زوجها ولم يطلّقها، لأنّه ليس عنده عقاب غيره، يبقى عقابها على معصيتها تلقاه عقاباً موفوراً يوم الحساب. هذا الفرض، فرض طاعة المرأة لزوجها، ليس عبئاً زائداً على المرأة بل هو عبء قد يوازي بعض عبء الرجل في الحياة وهو الجزء المتعلّق برعاية زوجته وأولاده، وليس هو عبء يوازي كلّ ما حمّله الله للرجل من واجبات. فهذه الطاعة من الزوجة تؤدّي أو تعمل كوقود جديد للرجل ليتمكّن من السير في الحياة يواجه أعباءها الأخرى. وعدم الطاعة كحرمانه من الوقود الضروري له في الحياة. فهو بدون زواج يستطيع مواجهة أعباء الحياة الأخرى. وبالزواج وطاعة زوجته يستطيع أيضاً أن يواجه أعباء الحياة الأخرى وهي الأعباء التي لا علاقة لها بأعباء الزواج. ولكن بزواج ومعصية زوجته تثقل همّته ويعجز بطبيعته عن تحمّل أعباء الحياة الأخرى. لهذا، والله أعلم، جُعل فرض الطاعة من الله وبالتالي حقّاً لله يؤدّى للزوج. ونظراً لعظيم خطره على كيان الأمّة وإقامة أحكام الدين في الأرض فقد جعله سبحانه وتعالى ربّ السموات والأرض الجبّار العظيم حقّاً لله مقدّماً على كافة حقوق الله، فكتب جلّ جلاله أمراً في السماء والأرض أن لا يسمع صلاة أو دعاء المرأة العاصية غير أذنيها، فلا يكتبها ملك أو يحفّ بها ملك ولا يقبلها الجبّار العظيم. هذا جحود بحقّ الله وهو بذلك كالكفر ويقول الله: { وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}. جاء في تفسيرها أي جحدتم حقّي. ومعصية الزوجة لزوجها قد تكون من أكبر وأجلى معالم وقائع جحود حقّ الله. فهل تتبرّأ يوم الحساب زوجة واحدة عصت زوجها من عقوبة جحود حقّ الله وهو الكفر؟
كان هذا في ما يتعلّق بحقّ الله والله أعلم، فلننظر لجحود نِعَم الله. كثير من الناس قد لا يقدّرون نعمةً من أَنعُمِ الله أو قد لا يتنبّهون لها حقّ التنبّه. فمثلاً لا يمكن لصحيح الجسم أن يعرف حقيقة عبء المرض حتّى يجرّبه، والبصير لا يعرف حقيقة الفرق بالعيش بينه وبين الأعمى، ولا يمكن تعداد الأمثلة لأنّها في كلّ أمرٍ وشيء. هكذا الزواج هو نعمة من الله على الإنسان الذكر منه والأنثى دون تفريق. تماماً كما هي الحياة نعمة على الإنسان الذكر منه والأنثى. ولكن بعض الشّاذين قد يصل بشذوذه الفكري للاقتناع بأنّ الحياة شقاء للإنسان فيتخلّص منها فينتحر، وقد يدري أنّ جزاء فعلته خلود في النار ومع هذا لا يأبه فينتحر. عندما منَّ الله على عباده بنعمه للاستمتاع بها حدّد لهم كيفيّة الاستمتاع بأنعمه عليهم وحرّم عليهم التنكّر لهذه النعم أو منعها عن أحد من موقع السلطة والقوّة والقدرة على التعدّي والظلم. فلكلّ فردٍ الحرّيّة في الحصول على نعمة الله يسَّرَ الله له الحصول عليها ليستمتع بها بالوجه المباح له بالقدر الذي يريده أو يستطيع، كَثُرَ ذلك الاستمتاع المباح أو قلّ. وإذا كان التمتّع بنعمة مقتصراً على فعلٍ من ذاته لذاته ولا يتعلّق به حقّ الغير فله الحقّ في التّمتّع أو عدمه بتلك النعمة. مثلاً: التفّاحة نعمة من الله ولأنّ أكلها لا يتعلّق فيه حقّ الغير فله التمتّع بأكلها أو لا. النظر إلى نجوم السماء في الليل أو في قراءة الكتب نعمة مباحة ولكنّ النظر إلى عورة الجار محرّمة. وهكذا الأمثلة لا تنتهي والزواج أحدها وهو موضع بحثنا، وهو نعمة من الله بواقع الحال وبوصف الله له. ولكن هذه النعمة فيها حقّان وواجبان ومسؤولان هما الزوج وزوجه. فإذا تمّ الزواج بين اثنين تحقّقت نعمة الله عليهما. وإذا انقضى عقد زواجهما ذهبت معها نعمة الله لأنّ مهبطها الزواج وليس الرجل وحده ولا المرأة. لحفظ هذه النعمة أمر الله بحفظ الزواج بين عباده، فإن ظلم الرجلُ زوجَه فقد حرمها من نعمة أسبغها الله عليها وبذلك استحقّ عليه عقاباً في الآخرة وأوجد تشريعاً في وضع حدٍّ لظلمه في الدنيا. ولكن في معظم الحالات ظلم الرجل للمرأة يكون متوهّم التحقّق وليس واقعاً لأنّ حدود الظلم في الشرع يندر أن يستطيع الرجل الوصول إليها إلاّ في الشواذ من الناس. والتشريعات الإسلاميّة التي ينظّم الله بها حياة الأزواج تعالج ظلم الرجل المؤمن بسهولة ويندر أن يكون ظلمه سبباً في تطليق المرأة.
إنّ طاعةَ الزوجةِ ضمانٌ لاستمرار الزواج وبذلك ضمان لدوام نعمة الزواج على الرجل والمرأة التي بحدّ ذاتها موصوفة أنّها نعمة من الله وأنّها خيرٌ من كلّ النعم والكنوز إذا كانت امرأة صالحة مطيعة. فإذا ذهبت طاعتها للرجل ذهبت صفتها بأنّها من النعم ومن خير النعم. والرجل يصعب جدّاً أن يتحمّل معصية زوجته وفي أغلب الأحيان يكون الطلاق سبباً حتميّاً لمعصية الزوجة، وفي هدم نعمة الله التي أسبغها الله عليها وعلى زوجها. هذا الهدم والهدر والتفتيت لنعمة الله بهدم الزواج الناتج عن معصية الزوجة هو جحود بعمة الله التي في هذه الواقعة يمثّلها الزوج، فالجحود بنعمة الله سبب الجحود بالزوج ومظهر الجحود بالزوج هو معصيته المحرّمة من الله. فالزوج نعمة الله والكفر بالزوج جحود بنعمة الله الذي هو كفر. يقول الله سبحانه في سورة إبراهيم: { وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}. ونكرّر ما جاء في تفسير القرطبي في معناها: أي جحدتم حقّي وقيل نِعَمي. انتهى. فإذا كان الزوج من نعم الله والزواج من نعم الله والكفر بالعشير هدم للزواج وحرمان للشريك في الزواج من حقّه بالتمتّع بنعمة الزواج وقد يكون هدم صوامع النعم، لأنّ الزواج ليس نعمة واحدة أو بضعة نعم يمكن عدّها بل الزواج أهراءٌ من النعم يعني تلال منها وصوامع لها أي جوامع لها محفوظة من أيّ شرّ أو اعتداء أو تجريح، ومع الزمن تزيد نعم الزواج بفضل الله بدل أن تقلّ، إذا كان الجحود بعمة الله كفراً فهل تتبرّأ زوجة واحدة هدمت زواجها الذي هو جوامع من النعم بسبب كفرها بعشيرها، هل تتبرّأ هادمةُ النعم الجاحدةُ بأمّةٍ من النعم بدل النعمة الواحدة من عقوبة جحود نعمة الله وهو كفر من الكفر؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله تبارك وتعالى إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه". ففرضُ الشكر يكون ابتداءً على نعمة أو نعم من الله فمفهوم الحديث " لا تشكر لزوجها" يدلّ ويُثبت أنّ الزوج نعمة المرأة واقتران هذا الحديث بما تلاه: "وهي لا تستغني عنه" يدلّ ويثبت أنّ الرجل أساس جميع نعم الله على المرأة. "لا ينظر الله" تعني: لا يرحم الله. " لا تشكر لزجها" تعني: لا تطيع، لا تحسن طاعة زوجها، لا تطيعه طاعة يرضاها. الشكر لله عبادته أي طاعته في تنفيذ أحكامه كما أمر سبحانه والشكر للزوج كما الشكر للوالدين طاعة ترضيه وتُدخِلُ السرور إلى قبله: طاعة مع الاعتراف الظاهر بالفضل.