تمنيتكـ&

تمنيتكـ& @tmnytkamp

محررة ماسية

إهداء مني لحبيباتي واخواتي /كتاب: الزوجة مع زوجها - يوسف أحمد بعدراني

الأسرة والمجتمع

السلام عليكم
اخواتي
بعد موضوعي هذا
نداء لكل الزوجات / هل تستطيعي ان تكوني مثل هذه الزوجة ( فيديو )‎

حبيت اهديكم هذا الكتاب القيم

كتاب: الزوجة مع زوجها - يوسف أحمد بعدراني
واتمنى تقبلونه مني
واتمنى من الادراه تثبيت الموضوع بشكل دائم لان القسم هذا بحاجه لمثل هالكتاب وفيه توعيه للمرأه وبيان لحق الزوج العظيم عند الله
وهذا نص من حديث للرسول صلى الله عليه وسلم قال:(.....والذي نفسي بيده، لا تؤّدي المرأة حقّ ربّها حتى تؤدّي حقّ زوجها.) رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه واللفظ له.
وشكراٍ




الطبعة الثانية - 1425هـ 2004م








المحتويات:


العائلة... قلعة الإسلام


المعاشرة


الرعاية


القناعة بالمرأة وفيها عِوَج


الإسعاد واجب الزوجة


مكاره الزواج وثوابه


الفصل الثالث


المرأة الفاحش


النشوز


الزوج والزوجة والإنفاق


علاج نشوز الرجل


الزوجة التي تكون من أهل الجنّة


الزوجة الملعونة


الإحداد


الفصل الخامس


صفات نساء أهل الجنّة


نساء عِشنَ الهدى



{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المؤمن – 8)



الإهداء


بعد، سيّدات أهل الجنة اللاتي سمّاهنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم:


* سيِّدتنا آسيا بنت مزاحم، إمرأة فرعون، ملك الأرض في زمنه، التي تابت إلى ربّها توبى لا تصل إلى درجتها إمرأة إلى يوم القيامة.


* سيِّدتنا مريم المتعبِّدة التي نذرت نفسها للعيش في المحراب موضع العبادة لله، معجزة الله الفريدة منذ خلق حوَّاء إلى قيام الساعة، أمّ نبيّ الله ورسوله وعبده المطيع عيسى عليه السلام.


* سيدِّتنا خديجة بنت خويلد، رضي الله عنها، أمّ المؤمنين، وأولى المؤمنين بنبوَّة الرسول صلى الله عليه وسلم أمّ سيدِّتنا فاطمة.


* سيِّدتنا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيّد الأنبياء والرسل والبشر أجمعين، أرقى نساء أهل الأرض نَسَبَاً وأجلّهم حَسَباً.


* سيِّدتنا عائشة بنت أبي بكر، أمّ المؤمنين رضي الله عنها، أحبّ أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قلبه الطاهر المطهّر وينبوع سروره.


أجل، بعد هذه السيّدات الطاهرات المطهّرات، سيّدات نساء أهل الجنّة قاطبةً اللاتي يقفن وحدهنَّ أمة من دون باقي البشر، يستطيع المرء أن يتذكّر ويدعو بالرضوان والمغفرة إلى المرأة التي أثّرت فيه فكريّاً أو عاطفيّاً.


ثلاث فاطمات في الدنيا أثّرنَ فيَّ تأثيراً جامعاً لا يمكن لأحد آخر أن يشاركهنَّ فيه بشيء ولو يسير:


فاطمة ابنة الخليفة عبد الملك. شقيقة الخلفاء الأربعة. الوليد وسليمان ويزيد وهشام. وزوجة الخليفة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، محطّ كل الإعجاب والتقدير التي يمكن للنفس البشريّة أن تتجيّش به من كتب التاريخ، أعرق نساء زمنها حسباً، تلبَّسَها المجد والسؤدد تلبس السوار بالمعصم، أحاط بها الفخر والملك كما يحيط الرداء بجسد المرأة المؤمنة، فضفاضاً، أنار لها الجاه والعزّ كلّ طريق وأغناها الغنى عن كل ذهب وجوهر.


هذه السيدة التي استبدلت كلّ نعم الله عليها بنعمة طاعتها لزوجها المؤمن الذي استخلفه الله في عباده فانشغل عنها بعبادة الأمر بحكم الله بين الناس.


هذه المرأة، التي جعلها الله آيةً من آياته بين الناس، ونبراساً تراه الأمم من النساء فلا يكون المجد بعدها لأي إمرأة سبباً في التكبّر على الرجل، ولا يكون النفوذ مهما اتسع بعد نفوذها سبباً في التقصير بإرضاء زوجها، ولا يكون الجمال بعد جمالها سبباً في الغرور والتعالي عن فرض الخضوع والتواضع للزوج.


هذه المؤمنة التي نبذت كلّ أمجاد الدنيا وكنوزها لتتفرّغ إلى تأدية حقّ زوجها ليتقبّل الله منها عبادتها، حباها الله بِمجدٍ وجمالٍ ودينٍ ما لم يعطه لإمرأة أخرى قد يكون في التاريخ كلّه ليمتحن إيمانها، ولتكون منارةً بين نساء الأرض يضيء نور هدايتها ظلمات الشيطان بالنفوس.


لروح هذه السيّدة، فاطمة زوج الخليفة عمر بن عبد العزيز، أتضرّع إلى الله داعياً لها بالمغفرة والرضوان أن ينزل على روحها في قبرها السكينة والطمأنينة.


وفاطمة أميّ. أحببتها حبّاً موصوفاً، كنت أبكي عندما أذكرها وهي حيّة بعيدة، وما زلت أبكي عندما أذكرها وهميّة في قبرها منذ ثلاثة عشر عاماً. أبكي تفانيها في حبّ والدي وتأمين الراحة له وخدمته في أيّام مرضه وتربيتنا لطاعته وعبادة الله.


أبكي صبرها على بلاء الله الذي لم يكن عائقاً للسعي في ترفيه زوجها والقيام بواجبه. أبكي سعيها الدؤوب دون ملل أو كلل بتحمّل مسؤوليّاتها الزوجيّة وواجبات الأمومة بحسن الخلق والحمد الدائم للباري تعالى على فضله عليها بالزوج والبنين.


أمي، كانت زوجة يفزع الشيطان من حضورها لرسوخ إيمانها وخيفتها من ذات المعصية قبل أن يصل تفكيرها إلى الربط بين المعصية وعقاب الله عليها.


لنفسها الزكيّة أستمطر رحمة ربّي وأسجد داعياً بنفس عابدة خاشعة أن يحقّق فينا وعده باجتماع الصالحين نسباً وذرّيّة في الآخرة.


إلى ذكراها التي كانت حافزاً لهذا الموضوع أقول لأمي: هنيئاً لك بما أسلفت ولترضَ روحك فالشيطان قد خزاه الله في ذرّيتك كما خزاه في دارتك.


وفاطمة، زوجتي!!


عربون حبٍّ وأمل لابنتيَّ عبير وعلا وأخواتي وبنات إخوتي أن يهتدينَ ويكنَّ من القانتات الحافظات للغيب العابدات لله الصالحات، إليهنَّ وإلى كلّ إمرأة تطمح برحمة ربّها وجنّة عرضها السموات والأرض أهدي: العائلة... قلعة حصنها الله ورسوله.


تمهيد بدون عنوان


حقائق كثيرة فاجأتني بنتائجها التي كنت أستنتجها من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. أترك لكم تقدير مستوى تأثيرها على مسار حياتكم ومساعدتكم على وضع أيّ خلافٍ زوجي في إطاره الصحيح وسهولة معالجته أو إزالته بالرضوخ لحكم الله.


أمرَ الله الأقارب والحكّام بنصح الزوجين وتذكيرهما بحكم الله في أمرهما قبل إيقاع الطلاق بينهما. ولكن الفرديّة طغت على العلاقات وأصبح المرء يخجل من استشارة غيره أو يأنف منها، وبذلك عزف عن الاستنصاح وأخذ يعتمد على اجترار أفكاره عساه يستنبط منها رشداً. ونسيَ أنّ ذلك حرام محرّم على المسلم لأن الأمر كلّه يعود إلى ما أمرَ به الله ورسوله. فإلى الذي يرغب بالنصيحة ويظنّ أن طلبها وضيعة، وإلى الذي يريد رشداً ويظن مصادره صعبة، وإلى الذي يظن امرأته سيئة غير قابلة لإصلاح أمرها، وإلى من تظنُّ زوجها سيئاً لا حياة لها معه، إلى المرأة التي عميت بصيرتها عن وضوح رؤية دورها في الحياة، إلى المرأة التي أمسك الشيطان بأطراف أمرها يتقاذفها كيف يشاء وهي في بُعدٍ سحيق عن إدراك مصيرها، إلى المرأة التي تقوم بالمعصية الزوجيّة طائعة للشيطان وتمتنع عن الزنى خوفاً من الله، إلى المرأة التي تصلّي لأنها اتخذت الله ربّاً وعصت زوجها منصاعةً لهواها، فجعلت لنفسها ربّين دون أن تدري: ربّاً للصلاة وربّاً للمعصية، بينما الله ربُّ كل شيء في الوجود؛ رب خالق مطاع بالعقل والهوى، وإليه وحده يصعد العمل الطيّب، إلى المرأة التي تطلب السعادة في الحياة والجنة في الآخرة.


وحتى تقلّ حالات سوء الفهم الناتجة عن الجهل في بواقع الزواج، ومن أجل وضع كثير من الخلافات في إطارها الواقعي، فلا تتحوّل إلى مأساة طلاق وتشريد عائلة، ندعو إلى التزام أحكام ديننا وتحكيمها في أمورنا، للتقيُّد به والعمل به. والتخلّي عن ذلك ارتكاب لثلاث معاصٍ شرعيّة أدناها كبيرة من الكبائر وثانيها كفرٌ عظيم:


1 التخلّي عن الإيمان لأن الإيمان تصديقٌ وعمل، وتصديق بدون عمل يضع الإنسان في خانة المنافقين أو مرتكبي الكبائر.


2 خروج من صفة "عبادي" التي يسمّي بها الله أهل الجنة وبذلك تحرَّم الجنة على مَن يعرف حكم الله ولا يعمل به لأنه يكون قد أطاع الشيطان.


3 معصية إقامة كيان العائلة على غير الأساس الذي أمر الله به وما يؤدّي ذلك إلى هدم أحكام الإسلام في الحياة يستحقُّ فاعله أشدَّ العذاب.


فالتقيّد بحكم الله في كلّ أمر هو الطريق الوحيد إلى الجنة وإلى المجد والسعادة في الدنيا والآخرة. ومعرفة الحكم إنما تكون لغاية محددة واضحة.


أهميّة موضوع العائلة في دين الله الذي جبَّ جميع الأديان التي أنزلها الله قبل الإسلام، كموضوع الحكم بما أنزل الله للفصل في خلافات البشر وإعلان الحرب على مَن يمنع انتشار فكر الإسلام واعتناقه وإقامة أحكامه بين الناس وبين الدول؛ ركيزة من ركائز هذا الدين وقاعدة من قواعده إن لم يكن قاعدة من قاعدتين.


البحث في العائلة، رغم محاولات كثيرة قام بها المؤلَّفون، لم يُعطَ حقه في التجديد والاستنارة. والكتب التي كُتبت عن العائلة كما أمر بها سبحانه وتعالى أن تكون وبما جاء في هدي سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، كانت دائماً دون تحديد لواقعها مشتّتة غير متوحّدة الموضوع وكأن القصد محصور في جمع أحكامها. وأيضاً، في غالبيّتها أُخذت لذاتها ودونما اعتبارٌ لمتعلّقاتها. فغاب عنها الهدف من الكتابة فيه ممّا أفقدها العمق اللازم للبحث وبالتالي أفقد تلك الكتابات قدرة التأثير والتوجيه في صيانة العائلة المسلمة من التيارات الفكريّة الشيطانية التي عمل الكفَّار، أعداء الله وأعداء كلِّ مَن آمن بالله ورسوله، مئات السنين دون كللٍ أو مللٍ ليلَ نهار لتحويل العائلة المسلمة إلى كيان يعشِّشُ فيه الضلالُ والباطلُ فيزدهر وينتشر منها باطلٌ وكفرٌ وابتداعٌ شيطاني جديد.


الفكر الإسلامي وحده من بين أفكار الدنيا الذي يحتّم ممارسة العمل به ويجعله شرط الإيمان والكفر والجنّة والنّار. فلا يكون الإنسان مسلماً ولا مؤمناً إن عرف أحكاماً إسلاميّة ولم يطبِّقها على نفسه وفي حياته حيث يلزم. ونحن إذ نقدِّم هذه المفاهيم الإسلامية التي تحدِّد كيان العائلة المسلمة وهدفها من هذا الكيان إنّما بقصد التزام المسلمين بها لتعود العائلة معقلاً لإقامة أحكام الله ومنارةً للهداية إلى دين الله ويهزموا الشيطان الذي سيطر على حياتهم سنين دون وعي منهم على الجهل والضلال الذي يحيون فيه. فالشيطان لا ينهزم إلاّ بإقامة حكم الله. ففي كلِّ أمر يواجهه المسلم يحاول الشيطان أن يغريه بمعالجة الأمر بأيّة وسيلة غير الوسيلة الشرعيّة. وحده التمسُّك بالمعالجة الشرعيّة يهزم الشيطان.


في هذا العصر الذي تكاثرت فيه شياطين الأنس على شياطين الجنّ، وفي هذا الزمن الذي لم يَبقَ في الأرض موطنٌ واحدٌ للإيمان حيث أحكم إبليس قبضته على عنق البشر أجمعين؛ لم يعد لأيّ فرد أو أمّة الإسلام غير القرار الجازم بمواجهة الواقع، وقائع الحياة بأحكام الله ورسوله. فمعرفة الحكم الذي يحتاجه الواقع من أجل التقيّد بذلك الحكم وتطبيقه هو الوسيلة الوحيدة للنجاة من غضب الله وعذابه.


جديد هذا الكتاب أنّه أكمل نواقص الموضوع وأزال الغموض عن غوامضه واستغنى عن طويله بعمقِه ووحَّدَ مُتَفَرِّقَهُ بالتركيز على مقصدِهِ، وفي ترتيب أحكامه أبان التوافق والتلاقي في الأحكام والمقاصد بدل الاختلاط والإبهام. وفي كلّ هذا ومن كلّ هذا جاء النتاج ليس جديداً بقدر ما هو متمايز مغاير غير مشابه لكلّ ما قيل وكُتب في موضوع العائلة.


الله من وراء القصد: الأول أن يتحرّك المسلم في إقامة كيان ذاتي يحارب به الشيطان ويتّخذه عدوّاً كما أمره الله.


الثاني أن يقرِّر المسلم القبول والرضى بحكم الله وطاعته لله سبحانه بالتقيّد بأحكامه حتّى تتحوَّل حياته إلى حياة مؤمن يصدّق ويعمل بأمر الله، فيتحوّل إلى جرّافة تهدم الغثَّ البالي من بنيان الكفر في المجتمع، ومع غيره يشيع حكم الله في المجتمع وتقوم دولة تحكم بما أنزل وأمر به الله وحده.


الفصل الأول:


العائلة... قلعة الإسلام حصَّنها الله ورسوله من الشيطان


إن التخلّف الذي يعيشه المسلمون واقع ملموس في جميع نواحي الحياة. والتخلّف أو الانحطاط عندما يعمّ الجميع يكون سببه الأساسي واحداً، ومن المحتّم أن يكون سببه واحداً لأنّ السلوك الإنساني كله وتجاه أيّ شيء ينطلق من قاعدة واحدة هي العقل، الذي بعقيدته الرئيسية للأفكار وقناعاته يوجّه سلوك الإنسان تجاه الموجودات والأحداث. فانحطاط الإنسان أو ارتقاؤه يرتبط مباشرة بحال عقيدته الرئيسيّة لأفكاره التي تحدّد له مساره في الحياة لأنها في ذاتها تحدّد له مهمّته التي عليه إنجازها خلال مدة بقائه حيّاً على هذه الأرض، بغضّ النظر عن مدة حياته وعن إمكانياته المادية أو الفكرية. ولا بد أن يكون لكل أمة ولكل مجتمع ولكل عائلة ولكل فرد ذكراً أو أنثى مثل هذه القاعدة الرئيسية للأفكار حتى لو كانت مزيجاً تاقهاً أو متناقضاً مما استطاع أن يجمعه من أفكار يشكّل به قاعدة يقتنع بها.


وبحسب صلاح وتماسك هذه القاعدة الرئيسية للأفكار وبحسب الالتصاق والتقيّد بما توجبه يكون مستوى الرقي الإنساني فردياً، عائلياً، مجتمعاً أو أمة.


أما الدليل القاطع لصلاح هذه القاعدة الفكرية فهو توافقها مع طبيعة الإنسان وفطرته. وطبيعة الإنسان ليست مجموعة غرائز وحسب بل جوعات وغرائز وعقل وميول، فأيّ قاعدة فكرية تغفل جزءاً من طبيعته يؤدّي السلوك بحسبها إلى التعاسة والشقاء. وبذلك لا تكون صالحة لأن أمنية الإنسان في الحياة هي السعادة نقيض التعاسة والشقاء. والإنسان بطبيعتة وفطرته أي بجوعاته وغرائزه وعقله ضعيف جداً وعاجز كلياً أن يقرّر ما هو الصالح وما هو شر له، لذلك منذ بدء وجوده استعان بالله تعالى ليساعده في تبيان الخير والشر له، وكان الله يمدّه دائماً بسبل الهداية.


لكن إبليس كان يقعد للإنسان في كلّ مكان وناحية ويوسوس له في كلّ أمرٍ ليضلّه عن الرأي السديد الذي هداه الله إليه، وبذلك انقسم الجنس البشري إلى من يتمسك بهداية الله له وإلى من يستجيب لتضليل إبليس. فمن اهتدى سُمّي مؤمناً ومن لم يهتدِ سُمّي بما رضي أن يفعله ليرضي إبليس به وليس نفسه، لأن النفس تشقى وتتألم وتتعذّب من السير بأفعال إبليس، فكان من تسمياته بحسب فعاله مشركاً أو كافراً أو فاسقاً أو منافقاً أو ظالماً أو عاقاً أو خائناً وهكذا. وحياة المؤمن كانت حياةً سعيدة هانئة لأنه تستحيل الحياة السعيدة والهنيئة مع إبليس كما يستحيل الشقاء بالإيمان، ومصير المؤمن إلى جنّة لا يمكن لعقل أو لسان وصفها لكثرة النعم فيهاِ، ويستحيل أن لا يكون مصيره إلى الجنة إذا رحمه ربه لأن الله كتب على نفسه الرحمة للمؤمنين وغفران ذنوبهم التي لا تخرجهم عن الإيمان مهما كانت كثيرة، صغيرة أو كبيرة. تماماً بعكس مصير رفيق إبليس أو تابعه الطاغوت؛ الذي رضي التصرّف بغير حكم الله، الذي يستحيل أن يكون بإذن الله إلاّ في جهنّم لأن الله كتب على نفسه أن يملأها بمن رضي بالطاغوت حكماً وإبليس سيداً. وجهنم أيضاً يعجز العقل واللسان عن وصف شدة العذاب فيها.


الفرد في العائلة تختلف نوعيّة واجباته عمّا في الجهاد أو في العمل، فحياة وكيان العائلة جزء من عالم الحياة. والتنظيم الذي أتى به القرآن الكريم والسنّة الشريفة، تنظيم للحياة التي جزء كبير منها العائلة.


فالله خلق آدم أوّلاً وجعل له في صدره ثمانية عشر ضلعاً في جهة اليمين وأخر في جهة اليسار من صدره، فلّما أراد أن يخلق حوّاء أخذ الضلع الأعلى من الجهة اليسرى في صدر آدم عليه السلام وهو أكثر الأضلع الثمانية عشر اعوجاجاً، وخلق منه أمّنا حوّاء. ولهذا بقي في الجهة اليسرى من كلّ رجل يولد سبعة عشر ضلعاًَ. وعمليّة الخلق هذه زرعت في كلّ امرأة تلد على هذه الأرض حاجتها إلى رجل يرعاها ويساعدها في أمور الحياة ويكون قيّماً عليها وحامياً لها. وبذلك جعل الله للرجال على النساء درجة حسب الآية الكريمة {... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (228 البقرة).


ومعنى هذه الآية أنّ المعاشرة بين الزوج والزوجة هي معاشرة بالمعروف والحسنى أي كلُّ يقوم بواجبه الحياتي في المعاشرة يتحمّل مسؤوليّاته ويؤدّي أعماله بطيب نفس، أمّا { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} فتعني أنّ للرجال منزلة أعلى بالمسؤوليات والمهام ليست للنساء. فعلى الرجال الجهاد والتفكير بتدابير الحياة والعمل وأن يجمع القوّة اللازمة لحماية عائلته وله من الميراث أكثر لما عليه من موجبات الإنفاق على عائلته ودفع المهر، ويتحمّل مسؤوليّة القضاء والإمامة، ومسؤوليّة الإنفاق والرعاية لزوجه وأطفاله، وله الشهادة وأن يتزوّج على زوجته وله الطلاق وعليها طاعته. وإذا كانت كلّ هذه لا تكفي لتميّز الرجل عن المرأة في واقع الحياة فيكفي أن يكون خلقها الله من ضلع منه. وقال عليه الصلاة والسلام: "لو أمرت أحداً بالسجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". وقال الله عزّ وجلّ: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} ومعنى {قَوَّامُونَ} أُمِّروا عليهنَّ، أي على المرأة أن تطيع زوجها وهذا جزء من طاعتها لله. ومعنى { بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} من كون الرجال منهم الأنبياء والخلفاء والحكّام والأئمّة والمجتهدون والقوّاد والمجاهدون، وزيادة قدرة العقل والتزامات الدين وصلوات الجمع والاجتماعات ومباشرة المسؤوليّة والرعاية لشؤون الأمّة وللرجل أن يتزوّج بأربع ولا يحلّ للمرأة غير زوج واحد وزيادة النصيب في الميراث وبيده الطلاق ولا تتزوّج المرأة إلاّ أن يزوّجها رجل وليّ لها وللرجل حقّ رجعتها وإليه يكون انتساب الولد. ومعنى { قَانِتَاتٌ} قائمات بما يجب عليهنَّ من حقوق أزواجهنَّ التي بيّنها الله في آياته وأحاديث نبيّه وتوجبها وقائع العشرة والمعاشرة. ومعنى { حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} حفظ نفوسهنَّ عند غيبة أزواجهنَّ ومن حفظ أنفسهن حفظ ألسنتهن من استغابة أزواجهن بما فيهم مما لا يطّلع على حالهم إلا الأزواج، فسر العشرة أمانة عند الزوجة. ومن حفظ نفوسهن حفظ فروجهنَّ وعوراتهنَّ عن كلّ أجنبي وحفظ أموال أزواجهنَّ في غيبتهم وحضرتهم.


إنّ الله جعل الزوجة مِنَّةً منه على عباده من الرجال فقال: { وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} الروم 21. أي جعل الزوجة التي يطمئنّ إليها الرجل ويقدّم إليها المودّة والرحمة وما يؤدّي به ذلك من جماع وولد واطمئنان وإفضاء إلى زوجه بمكنونات قلبه وعقله دون سابق معرفة قبل الزواج معجزة من معجزات الله الكبرى في الحياة.


إنّ الله قد كرّم المرأة وساواها في الأجر والثواب مع الرجل. فبالرغم من تحميله الرجل مسؤوليّات أكبر ومهام أكثر وأخطر من تلك التي أوجبها على المرأة فإنّه سبحانه وتعالى ساوى بالأجر والثواب بينهما كما ساوى في العقاب.


وحملة العرش يدعون للآباء وأزواج المؤمنين سواء بسواء دون تفريق حيث يقول تعالى عن لسان حملة العرش وهم يستغفرون للذين آمنوا: { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (غافر 8). وجعل شرط دخول الجنّة للذكر والأنثى واحداً بقوله: {... وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} غافر 40. فليس الأمر في الإسلام مفاضلة بين الذكر والأنثى بل تحديد مهمّات بما يتوافق وطبيعة كلّ منهما. ولمّا كانت طبيعة المرأة أنّها أمّ فقد خُلِقَت فيها ينابيعُ دافقةٌ بالحبّ والرحمة والشفقة أغزر من تلك التي وجدت في الرجل. ومن الطبيعة البشريّة أنّ مَن قَوِيَت عنده هذه الأحاسيس تضعف عنده قدرة التمسّك والتقيّد بالثوابت والقناعات العقليّة التي تمتحن في المواقف والسير في أمور الحياة بما يتوافق والقواعد والقناعات العقليّة التي تمتحن في المواقف والسير في أمور الحياة بما يتوافق والقواعد والقناعات الفكريّة دون تأثير طاغ لأيّ ميل عاطفي ذاتي. ولهذا جاء الشرع في معظم أمور الحياة التي تحتاج إلى القدرات العاطفيّة الطاغية يجعلها مسؤوليّة المرأة. وفي معظم أمور الحياة التي تحتاج إلى إعمال العقل وأخذ القرار بالقيام بما يجب القيام به، من مسؤوليّة الرجل.


وقد تنبّه إبليس الملعون المرجوم إلى هذه الخصائص في طبيعة المرأة والرجل ورأى أنّ باب الولوج إلى العائلة والمجتمع لإفساده هو في السيطرة على المرأة. فمتى سيطر إبليس على المرأة أفسد العائلة وفكّكها وأمكنه هذا الإنهيار أن يوجد الأجواء المؤاتية لبثّ أيّ فكرٍ شيطاني لتفسيخ المجتمع وهدم ما يقوم عليه من أفكار وقيم، ويؤدّي به إلى الانحلال وتحكّم الطاغوت به. فليس تجنّياً أن يركّز الرسول عليه الصلاة والسلام إلى تحذير المرأة والرجل من سيطرة الشيطان على المرأة، وليس رجماً بالغيب أن يقول ما معناه أنّ أكثر النساء في جهنّم بسبب سهولة انجرافهنَّ إلى مكائد إبليس اللعين. وضعف حوّاء واستسلامها إلى إبليس ومشيئته بأكل ثمرة الجنّة التي حرّمها الله عليها وعلى آدم ليمتحنهما كان النجاح الأوّل لإبليس في تجربته الخبيثة. فقد رأى إبليس أنّه لا سبيل للإيقاع بآدم عليه السلام إلا بواسطة حوّاء التي بعد غواية الشيطان لها واستسلامها، بذلت جهدها لإقناع آدم بقطف الثمرة المحرّمة، وقد عارض آدم وتردّد ولكنّها بعد أن تبنّت قضيّة إبليس حاورته وبقيت عليه مصرّة تعطيه الحجّة الشيطانيّة تلو الأخرى حتّى استسلم ووقع وأوقع نسله بالندامة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان"، أي مكائد الشيطان وقال: "إتّقوا النساء فإنّ أول فتنة بني إسرائيل كان من النساء" وقال عليه الصلاة والسلام: "إنّ المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان".


وقال: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان" ومعناه نظر الشيطان إليها ليغويها ويغوي بها. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ أقلّ ساكني الجنّة النساء"، لذلك وحتّى يدرأ الله خطر النساء ويخفف تأثيرهنَّ على مسيرة حياة الأمّة بسبب سهولة خضوعهنّ للشيطان أمرت أحكامُهُ بفصل مجتمع النساء عن الرجال، وبحجابهنَّ، حتّى يصعب على الشيطان استشرافهنّ ونفخ طلباته فيهنَّ بإثارة رغباتهنَّ أو تحريكها. ومنع المخالطة ومشاركتهنَّ في الحياة العامة وقال عليه الصلاة والسلام: "أخّروا النساء حيث أخّرهنَّ الله". ومعناه لا تقدّموهنَّ ذكراًَ وحكماّ ومرتبة.


كلّ هذا ليس ذمّاً للمرأة ولا تقليصاً لدورها في الحياة ومن باب أولى ليس إجحافاً بحقّ لها أو استعباداً، بل تشريعاً يوافق طبيعتها حقّ التوافق وإنصافاً يعطيها حجمها ودورها الطبيعي في الحياة، ورحمة من الله بها بأن لا يحمّلها ما يثقل عليها بما يخالف قدراتها العقليّة والجسديّة.


أمر الرجل بالقيام بأمور الحياة عنها ترفيهاً لها وتوفيراً لطاقتها كي تصرف في أداء رسالتها ببقاء عمليّة تناسل الجنس البشري تسير بيسر وسهولة، وخدمة زوجها بما يلزمه في بيته. وكلا الدورين جعله الله مقابل قيام الرجل بخدمتها في أمور الحياة وحمايتها. ولا مجال للمقارنة والمفاضلة بين دورها ودوره فقد أحكم الله الخالق توزيع المسؤوليّة بحسب طبيعة الذكر والأنثى وموقع كلّ منهما في المجتمع ودوره في محاربة عدوّ الله إبليس. ذلك أنّ الحياة على الأرض هي امتحان لكلّ فرد أن يتمسّك بهداية الله وذلك بطاعته في أوامره واجتناب محرّماته أو بالانزلاق والسير برغبات إبليس. وأكبر إنجاز لإبليس وللملايين من زبانيته على الإطلاق هو تفتيت أواصر العائلة التي أحكم الله بنيانها بحسب التشريع الإسلامي. فالإسلام قد جعل العائلة بالأحكام التي نظّم بها الزواج وحياته قلعة حصينة يستحيل لإبليس أن ينفذ منها إلى أيّة عائلة مسلمة تقيم أحكام الله في أمورها. ولهذا فالعائلة هي أكبر تحدٍّ لإبليس في الحياة وهدمها أكبر إنجاز له. وقد ثبت أنّ إبليس لا يقرب أحداً من زبانيته ولا يدخل عرشه، أي مجلسه، إلاّ من نجح بهدم عائلة. فشيطان الخمر وشيطان الزنى وشيطان السرقة وشيطان الدسّ وشيطان الربا وشيطان القمار وشيطان القتل وشيطان الخيانة ومئات غيرهم يبعدهم إبليس وينفر منهم ويصرخ وينادي أين شيطان الطلاق إئتوني به فإنّه حبيبي والمفضّل عندي من المفسدين كلّهم، أي من جميع الشياطين.


عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئاً ثم يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا حتّى فرّقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت فيلتزمه". فتماسك العائلة والحفاظ على الرباط الزوجي أعظم فشل لإبليس الذي يفعل كلّ ما يستطيع فعله لضربها وتفكيكها، ويعتبر نجاحه في ذلك أعظم انتصار له في الحياة على الأرض. لهذا أحكم الله تعالى تفصيلات العلاقة بين المرء وزوجه، ولم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وبيَّن فيها حكمه إلى يوم الدين. وبعد تفصيل أحكام العلاقة أجزل في الثواب للرجل على صبره بتقصير الزوجة في حقّه أو على ما لا يرضيه فيها أو في أخلاقها وسلوكها، ورغّب المرأة بالجنّة إذا أحسنت أداء حقِّ زوجها وهدّدها بالعذاب إذا أهملت حقّه عليها. فالثواب الكبير جدّاً الذي وعد الله به الرجل الذي يصبر على سوء خلق زوجه أو مرضها أو تقصيرها في حقّه هو الدرع القوي الذي يردعه عن استعماله رخصته في الطلاق الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: "ما أحلّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق" فلا يصل المؤمن إلى طلاق زوجه إلاّ في حال نشوزها أي معصيتها المتعمّدة المتكرّرة وإصرارها على عدم طاعته. أو إتيانها بفاحشة مبيّنة أي تطاولها باللسان على زوجها باستعمال بذيء الكلام أو بعلوّ صوتها على صوته ممّا يؤدّي إلى صعوبة التعايش معها لسوء خلقها فيسود القلق الدائم حياة الزوجيّة بدل السكينة والوداعة والطمأنينة.


وكما أوجب الشرع طاعة المرأة لزوجها وجعله فرضاً عينيّاً عليها تستحقّ العذاب الشديد إن فرّطت فيه لأنّه حجر الزاوية في استمرار الحياة الزوجيّة، أوجب تثبيت هذا الحكم واقعاً لا يستطيع حتّى الرجل التراخي فيه، لأنّ‍ه ليس أمراً خاصّاً بل عامّاً يتعلّق بصيغة ومسيرة الحياة للإسلام والأمّة، حرّم الشرع طاعة الزوجة وأوجب عدم طاعة النساء في توجيه سياسة الحياة ومباشرة مسؤوليّة الرعاية العائليّة والعامّة. وليس في الأمور الخاصة التي تحتاج إلى تشاور من مثل طعام اليوم ومكان الموقد وشكل الكرسي وما شابه. بل بخط سير الحياة وغايات الأعمال، قال عليه الصلاة والسلام في حديث أخرجه الترمذي عن علي رضي الله عنه: "إذا فعلت أمّتي خمس عشرة خصلة، حلّ بها البلاء..." الحديث وفيه: "وأطاع الرجل زوجته، وعقّ أمّه" إلى قوله: "واتخذت القينات والمعازف" وفي آخره "فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء، وخسفاً أو مسخاً وقذفاً".


وقد أوضح عليه الصلاة والسلام أنّ خيانة الأنثى موروثة من حوّاء مذ خانت آدم عليه السلام في الجنّة. عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها الدهر". أخرجه الشيخان. خيانة حوّاء لآدم: هي في النصيحة له في الأكل من الشجرة وليس في غيرها. وسوء النصح في الإسلام من الخيانة وهو غير النصح عن جهالة.


وجوب طاعة المرأة لزوجها وتحريم طاعة الرجل لزوجه ينبع من أمرين: الأوّل، النظام الاجتماعي في الإسلام يقوم على رعاية الرجل لأسرته، وهذه الرعاية تستوجب أن يكون المسؤول محدّداً. والثاني حماية قرار المسيرة الحياتيّة للمسلمين. فالمرأة بما سبق وعرفنا من ضعفها في المواقف وسهولة انجرافها مع أهوائها وتراخيها في أخذ القرارات الحاسمة يكون من الخطر الكبير على العائلة والمجتمع أن يكون لها رأي يطاع ومن هنا تحريم طاعة الرجل لزوجه.


ومن التحصينات الأخرى لمنع الشيطان من هدم العائلة وتشتيت ا"لأولاد انتزع من المرأة حق الطلاق وحصره بالرجل وجعل الطلاق لا يكون إلا منه وحرّم على المرأة أن تطالب به تحريماً صريحاً فقال عليه الصلاة والسلام: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من دون بأس فحرام عليها رائحة الجنة" وقال: "وإنّ المختلعات هنَّ المنافقات" المختلعة التي تطلب الطلاق. والبأس الذي قد يتراءى أنّه عذرٌ للمرأة تطلب من أجله الطلاق هو نشوز زوجها، وفي هذا أوجب الله على الزوجة علاجه قبل أن يصل إلى حدّ اعتباره بأساً وذلك قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} النساء 128. وهو ليس السأم والتذم‍ّر فيكون بأساً برأيها. فالبأس هو مخالفة الزوج لحكم شرعي أمره الله به تجاه زوجه. وليس من البأس في شيء عدم قيادة السيارة أو قلّة في الملابس أو عدم الخروج أو منعها من الزيارات أو عدم وجود غسّالة كهربائيّة أو تجديد المفروشات وما شاكل ذلك من أمور الحياة التي يُقال بهتاناً أنها أصبحت من ضرورات حياة المجتمع.


هذه الأحاديث تنبّه الرجل والمرأة إلى خطر الشيطان على المرأة، فمفهوم الأحاديث الضمني وجوب تَحَصُّن المرأة ذاتيّاً لتقف بوجه هجمة الشيطان عليها ومحاولة غوايتها وتسخيرها لتحقيق غاياته في الدنيا. خاصة وأنّ أسمى غاياته هو بذر الشقاق في العائلة عن طريق تنفير الزوجة من الزوج أو العكس حتّى يسهل على المرأة معصية زوجها والتطاول عليه باللسان وهو نهاية مطاف أيّ زواج. ومن مفهوم الحديث الضمني أيضاً وجوب مساعدة الرجل لامرأته بتحصينها ضدّ مكائد الشيطان والوقوف معها بمحاربة أساليبه بالتنبّه الدائم والحرص الشديد بالتمسّك والوعي بأحكام الله المتعلّقة برعاية العائلة.


حتى لا يجرف تيّار إبليس الرجل إذا تحقّقت مساعيه في امتلاك إرادة المرأة والسيطرة على أهوائها، سعى الإسلام لإقامة حاجز آخر لمحاربة الشيطان والمرأة التي سارت في ركابه فأمر عليه الصلاة والسلام الرجال باتّقاء النساء اللواتي هنَّ حبائل الشيطان وحرّم طاعتها وفرض عليها الطاعة للرجل. عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الدنيا حلوة خضرة، وإنّ الله تعالى مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا والنساء، فإن أوّل فتنة بني إسرائيل كان من النساء". أخرجه مسلم والنسائي.


هذه التشريعات شاملة كاملة أحكمها الله تنظيماً للعائلة وأمورها، لا يمكن بالقناعة والتقيّد بها أن تشقى عائلة، وهذا التنظيم هو بحدّ ذاته تحصينٌ ذاتيٌ لمواجهة الشيطان وتفشيلٌ لمهمّته في ضرب العائلة مهما حاول وبأيّ أسلوب. فالتنظيم الشرعي لحياة العائلة تحصين، وتحذير المرأة من الانقياد للشيطان تحصين، وترغيب الزوج بأجر الصبر على نواقص وعيوب وعِوَج زوجه تحصين. فالشيطان عندما ينجح في ضرب العائلة إنّما ينجح في العائلة غير المحصّنة، أي العائلة التي لا تقوم على الإسلام وعندئذٍ لا أسف على عائلة شرّعت أبوابها للشيطان يدخلها ويعمل بها تخريباً وهدماً.
12
6K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

تمنيتكـ&
تمنيتكـ&
المعاشرة


عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيّته والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راعٍ على مال سيّده وهو مسؤول عنه ألا فكلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته".


هذا الحديث يحمِّل كلَّ إنسان ذكرٍ أو أنثى مسؤوليّة تأدية واجبه ومباشرة ما يلزمه من العمل والقول في الحياة بالوجه الأفضل والأكمل مسؤوليّة مفروضة وهو سيحاسب عمّا قام به أو قاله في حياته وسيحاسب عن الكيفيّة التي قام بها بعمله وعن مستوى العمل الذي أتى به وتمامه. لأنّ كلمة راعٍ تعني التكليف بالعمل، فكما الراعي مسؤول عن تدبير أمور قطيعه من البهائم من سقي وإطعام وحماية، كذلك كلّ إنسان في حماه راعٍ وعليه تدبير شؤون ما استرعى عليه بأحسن ما يمكن. فالرجل راعٍ في بيته وعمله ومجتمعه ووطنه، والمرأة راعية في بيتها وفي بيت زوجها. فالإنسان راعٍ في أيّ مكان وجد فيه. وقاعدة الرعاية هي القيام بما يلزم عمله على أكمل وجه. وهذا عينه قاعدة المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها الزوج والزوجة. فقاعدة المعاشرة بالمعروف بالتعامل والتواصل يكون على ما أمر الله به من حسن المعاشرة أي المخالطة والممازجة، وهو أوثق وأقوى الصلات البشريّة وأهمّها. فليس هناك تعايش أو تعامل حميمي أكثر من التعايش والتعامل في العشرة الزوجيّة. فمن باب مسؤوليّة الراعي على الرجل والمرأة أن يؤدي كلّ بموقعه حقّ مسؤوليّة الرعاية التي ألزمها الله عنق كلّ إنسان. وعلى الرجل بحكم إلزامه الرعاية على زوجه أن يبادر لحسن الصحبة وعلى المرأة مبادلته بما ألزمها الله به من حسن الطاعة لتكون أُدمَةَ ما بينهم وصحبتهم على الكمال. فالالتزام بواجبات ومسؤوليّات "كلّكم راع" توجب حسن التعامل وكمال الصحبة إطلاقاً فكيف بين الزوجين وقد أمر الله الرجل فيها بالتحديد فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}. فوجوب المعاشرة بالمعروف واجب وإن كان يكره فيها بشاعة أو كبراً أو مرضاً أو فقراً أو عادة أو سوء خلق، دون النشوز ومن غير ارتكاب فاحشة. أوجب التعايش والتعاشر بمعروف لأنّ الكره ليس سبباً لسوء المعاشرة بل النشوز أي العصيان، وارتكاب الفاحشة أي رفع صوت الزوجة على زوجها والتطاول باللسان والوقاحة بالفعل والقول وحده مبرّر للوعظ والهجر والضرب، فإن أصرّت على النشوز والفاحشة فالطلاق. غير ذلك لا يجوز فيه سوء عشرة إطلاقاً، خاصة وأنّ حسن المعاشرة عليه أجر. قد يكون في ما يكره الرجل خير كثير لا يعلمه إلا الله. وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم. قال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم عن أبي هريرة: "لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إن كَرِهَ منها خلقاً رضي منها آخر"، أو قال: "غيره". المعنى: عدم بغضها كليّاً، لا يحمله على فراقها، أي لا ينبغي له ذلك بل يغفر سيّئتها لحسنتها ويتغاضى عمّا يكره لما يحبّ.


وقد حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على حسن الخلق والمعاشرة بالمعروف وجعل أجره بأجر الصدقة فقال: "كلّ معروفٍ صدقةٌ وإنّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق". ومن هذا نفهم معنى المعروف أنّه القيام بالواجب بنفس راضية فمثلاً إن طلب الوالد من ابنه كوب ماء فأحضره له ووضعه على الطاولة أمامه بخفّة أو تململ ولم يشعره بإحضار الماء كان ذلك قيام بواجب الطاعة للأب وهو يُسقط المعصية والعقّ. ولكن لو جاء الإبن بكوب الماء وقدّمه لوالده بكلمة عذبة وانتظر أباه أن يتناوله منه أو يأمره بوضعه على الطاولة فإن ذلك يكون معروفاً. فالمعروف فوق الفرض وهو مندوب وليس بفرض أي يؤجر فاعلُه ولا يُذمّ تاركُه. والمندوب أسمى من الفرض لأنّ الذي يحرص على المندوب في الدنيا حرصه على الفرض أو بعد تأدية الفرض إنّما يفعل ذلك لأنّه يدرك أنّ الجنة درجات ولا يحظى بالدرجة العالية منها العامّة من الناس الذين أدّوا الفرائض، بل المؤمنون الذين حرصوا على تأدية الواجب وأتبعوه بالحرص على المندوب. ففي المندوب ترتقي النفوس والعقول ويقرّبها الله تعالى منه. ولهذا فإنّ يوم القيامة يفصل الله أهل المندوب وهم أهل المعروف عن بقيّة المسلمين منذ اللحظة الأولى، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المعروف كأِسمه وأوّل من يدخل الجنّة يوم القيامة المعروف وأهله". عليه يكون قول الله {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} طلب إلى الرجال أن يستعملوا حقّهم في مباشرة أمور رعاية الزوجة بالأسلوب الحسن والخلق الحسن وبالوجه الأحسن وذلك حرصاً منه تعالى على عباده للوصول إلى الدرجة العالية في الجنة وحرصاً منه تعالى على رقيّ مستوى الرعاية الزوجيّة. فأجر الرجل الذي يعاشر زوجه بالمعروف يفوق مرات ومرات أجر الرجل الذي يعاشر زوجه بمستويات الفرض الواجب فقط.


وأمر الله للرجل بقوله { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ورد في آية أخرى يساوي فيها بين الرجل والمرأة في أحقيّة التعامل بالمعروف ووجوبهما فقال تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. البقرة 228.


الزواج أحد المهام التي أوكلها الله إلى عباده من ذكور وإناث. وككل مهمة تصادف الإنسان في الحياة يَلزمه التوقّف عندها لدراسة أمر مواجهتها أو حمل أعبائها بما يكفل نجاحه. غير أن المسلم يتوقّف عند كلِّ مهمة وأمر في الحياة ليعرف الطريقة التي أمر الله بها بمعالجة ذلك الأمر. فالمسلم لا يبتدع تنظيماً أو حكماً بل يبحث عن التنظيم والحكم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويعمل بموجبه. فالعلم بحكم الله في الأمر الذي يواجه المسلم شرط الإيمان، تماماً كوجوب العمل بحكم الله شرط الإيمان ويقول الله تعالى في بيان ذلك: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} المجادلة 11. لأن الإيمان يشترط العمل بالحكم والعمل يشترط العلم بالحكم. فلا إيمان في الإسلام بمعرفة أحكام الإسلام وترك العمل بها. فالتعاشر بالمعروف بين الأزواج حقّ من الله للرجل على زوجته وحق من الله مكرر التأكيد عليه للمرأة على زوجها. وكما أن هذا حق لكل منهما من الآخر يكون واجباً على كلّ منهما تجاه الآخر. فعلى الزوج أن يبادر إلى رفع مستوى المعاشرة مع زوجه إلى درجة "المعروف" دون اهتمام أو اعتبار للمستوى الذي تتعاشر به الزوجة معه، فالواجب عليه أولاً ولا يسقطه عنه عدم مبادلة زوجه له بمعاشرته بمعروف، فذلك حقّ له واجب على الزوجة. فقيامه بواجب يسقط الإثم عنه، وصبره على عدم حصوله على حقّه بالمعروف من زوجته له فيه أجر الصبر. وهذا عينه ينطبق على الزوجة التي عليها أن تبادر إلى رفع مستوى تعاشرها مع زوجها إلى درجة "المعروف" حتّى يسقط الفرض عنها. ومسألة حقها لا تسقط بقيامها بواجبها وهي إن لم تحصل على حقها من زوجها وصبرت فلها أجر الصبر كما وعدها الله به. هذا التعاشر الذي أمر به الإسلام يحتم على الأزواج التسابق على التعامل بواجب المعروف ويجعل الحياة الزوجية مباراة دائمة بين من يزيد في صنع المعروف مع الآخر ليتباهى يوم الحشر بكثير معروفه. وهكذا يكون الزواج في الإسلام طريقة في العيش متميّزة عن أي طريقة أخرى في أيّ أمّة وشعب أو ملّة. وبهذا يتحقّق شرط الإسلام في أن تكون حياة الزواج جزءاً من حياة المؤمن في الدنيا يعيشها بأرقى مستوى وسعادة يتفوق بها على سائر البشر.


تصرّف المؤمنِ وسلوكُهُ في الحياة طريقة ثابتة ليس فيها تردّد أو اهتزاز لأنّ جميع تصرّفاته يجب أن تكون مرتبطة بالحكم الشرعي لا برأيه ولا بتقلّباته النفسيّة، وغير متأثّرة بالتأثيرات الخارجيّة الاستفزازيّة التي يمكن أن تخرجه عن طوره وبالتالي من الإيمان أي الالتزام بالحكم الشرعي. فالمؤمن لا يتصرّف بما يمليه الواقع بل بما يمليه الشرع حيال الواقع. الإيمان طريقة عيش للحياة وليس ارتباط ظرفي بفكر أو هدف أو غاية، جميع أمور الحياة ومشاكلها وظروفها يواجهها المؤمن بعقيدة الإيمان الراسخة في نفسه وما تفرضه من التزام بالحكم الشرعي طالما فيه رمق حيّ. وفي ذلك ينبّهنا الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: "لا تكونوا إمَّعة إن أحسن الناس أحسنتم وإن أساؤوا أسأتم، بل وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أحسنتم وإن أساؤوا تجنّبتم الإساءة إليهم".


ولا ينسى المؤمن ولا تنسى المؤمنة أنّ الصبر على ما يكرهه المرء فيه أجر من الله وهو غسل للذنوب. وفي ذلك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتّى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة". فالرجل يكره من زوجه ويصبر عليها والزوجة تكره من زوجها وتصبر عليه فهو غسلٌ لذنوبهما إن شاء الله. وقد أدرك علماء الأمّة وأخيارها وصلحاؤها حقيقة ذلك فعاشوه. ذكر ابن العربي قال: أخبرني أبو القاسم بن حبيب بالمهديّة، عن أبي القاسم السيوري عن أبي بكر بن عبد الرحمن حيث قال: كان الشيخ أبو محمّد بن أبي زيد من العلم والدين في المنزلة والمعرفة. وكانت له زوجة سيّئة العشرة وكانت تقصّر في حقوقه وتؤذيه بلسانها فيقال له في أمرها ويُعذَل بالصبر عليها، فكان يقول: أنا رجلٌ قد أكمل الله عليَّ النعمةَ في صحّة بدني ومعرفتي وما مَلَكَت يميني، فلعلّها بُعثَت عقوبة على ذنبي فأخاف إن فارقتها أن تنزل بي عقوبة هي أشدُّ منها.


أساس المعاشرة الزوجيّة هو قبول النفس من ذكر وأنثى تأديه دورها في الحياة بما هيّأه الله فيها من خاصيّات وقدرات برضى. فأيّ تمرّد على الطبيعة في النفس أو تململ من واجب قد يبرّر بدء الانحراف عن مسار المفاهمة الكاملة للعشرة الهنيئة. والمعاشرة لا يمكن أن تنجح من الرجل وحده ولا من المرأة وحدها. كما أنّ المعاشرة وهي في الزواج تعني مخالطة الجسد للجسد والأحاسيس بالأحاسيس وممازجة الفكر للفكر ومزاملة الروح للروح، لا بدّ لها من تنظيم وتبيان لواجبات الرجل وحقوقه وواجبات الزوجة وحقوقها. ومن إمعان النظر في الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة الواردة في هذا البحث ندرك أنّ الله لم يغادر كبيرة ولا صغيرة في تنظيم حياة العائلة التي يوجدها الزواج. وهي كخلقه سبحانه وتعالى للكون لم يغادر كبيرة ولا صغيرة إلاّ وأنعم بكمال إتمامها.


أوجب الله على الرجل مسؤولية تدبير أمور حياة زوجته من نفقة ووطءٍ وإطعام وكسوة وإسكان وحماية ومداواة، كل ذلك بالحسنى والمعاشرة بالمعروف.


وأوجب الله على الزوجة الطاعة لزوجها والخضوع له وكل ما يستوجب ذلك يلزمها القيام به. فعليها أن تطبخ له وتنظّف البيت وتعتني بنظافة أطفالها وتحمي ماله وتمنع بيته وتصونه في سمعته وتحفظ غيبته ولا تُدخل بيته أحداً دون إذنه، ولا تخرج أبداً دون إذنه، ولا تُكثر من طلباتها حتى في الأشياء الأساسية فلا تكون ملحاحة، ولا تعطي أحداً من ماله دون إذنه ولا حتى من طعامه إلا بإذنه، ولا تبذل مالها من دون موافقته ولا تصوم نافلة إلاّ بإذنه، ولا تعصيه في أمر وتطيعه فيما أمرها وهو غائب، ولا يرتفع صوتها فوق صوته ولا تكون فظة وقحة معه ولا تنشز ولا تفحش، ولا تمنعه نفسها بأي حال كانت، وأن تعمل بدأب متواصل لإرضائه. وللرجل أن يمنعها من التصرف إلاّ بإذنه وعليها القناعة بذلك. وفي كل أمر من هذه الأمور حكم شرعي والقيام به فيه أجر من الله سبحانه وتعالى. وقد حضَّ الإسلام على حسن المعاشرة لينعم الزوجان بالعيش الهنيء. ولأن القصد من الزواج تمام السعادة في الحياة.


جعل للفشل فيه مخرجاً حتى لا تطبق التعاسة على إنسان مدى الحياة. ولكن قبل الوصول إلى الطلاق أمر الله الزوجين باتخاذ إجراءات عملية لمعالجة الفشل. أمر الرجل بالرأفة بزوجه والتمتع بها مع العِوَجِ الذي بها. أمر الزوجة بالطاعة التامة لزوجها. إذا سخط الزوج فعلى الزوجة مراضاته فإن رضي أُجرت وإن لم يرض عُذرت عند الله. إذا نشز الرجل أي بَعُدَ وأبغض زوجه أي لم يعد يطيق لها صحبة، فقد حثَّ الله تعالى الزوجة على التنازل عن كل ما يمكن التنازل عنه ليستبقيها زوجة في رعايته. وإذا نشزت المرأة أو ارتكبت الفاحشة فعلى الرجل تذكيرها بالله وحكمه وواجباتها الشرعية في الرجوع عن المعصية والوقاحة والبذاءة في اللسان. وتذكيرها بعذاب الله على نشوزها وتفحّشها. فإن لم ترتدع هجرها في الفراش ولا يطأها عسى أن تهدأ نفسها وترجع فإن لم تفىء فله ضربها غير مبرِّحٍ.


وقول الله { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} قال فيه ابن عباس: الدرجة إشارة إلى حضِّ الرجال على حسن العشرة، والتوسع للنساء في المال والخلق، أي أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه. فهذه الدرجة تحمّل الرجال مسؤولية أكبر وليس سلطة أكبر للظلم كما قد يظن السذَّج والجهال من النساء. وقد جعل الله أجر المرأة المطيعة لزوجها التي تقوم بواجبها الحياتي في أمور الزوجية بنفس راضية يوازي أجر الشهداء في الآخرة.


عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إنّ الله عزَّ وجلَّ بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنّا بك وبإلهك، إنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، وإنكم معاشر الرجال فُضلتم علينا بالجُمَعِ والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج وبعد الحج، وأفضل من ذلك: الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلّ، وإن أحدكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم وغَزَلنا لكم أثوابَكم وربَّينا لكم أولادَكم، أفنشارككم في هذا الأجر والخير؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كلِّه ثم قال: "هل سمعتم مسألة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها، من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها وقال: إفهمي أيتها المرأة وأعلمي مَن خلفك من النساء أن حسنَ تبعُّل المرأة لزوجها وطَلَبها مرضاتِه واتباعها موافقته يعدل ذلك كله". رواه الإمام مسلم.


تحريم إفشاء السرِّ بين الزوجين والكفر بالعشير


العشرة الزوجية أكرمها الله والرسول بالعناية وشرّع الله والرسول ما يصونها من كل سوء أو مكروه وبحفظها بكرامة وعفة. فمنع الإسلام النميمة والغيبة وكشف السرِّ بين الأزواج، لما يؤدي ذلك إلى زرع الحقد والكراهية ممّا يجعل الحياة مع بعضهما مستحيلةً فينتصر الشيطانُ بِأَهوَن سبيل. وحرمة إفشاء السرِّ من أحد الزوجين جزء من حفظ الأمانة بين الناس. روى مسلم وأبو داود عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ من أعظم الأمانة عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها". وفي نفس المعنى عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: "إنَّ من شر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة الرجل، يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثمَّ ينشر أحدهما سرَّ صاحبه". وعن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "المجالس بالأمانة، إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق".


وغالباً ما يأتي إفشاءُ السرِّ بعد أن تجحد المرأة إحسانَ زوجِها ولذلك حرّم الله سبحانه وتعالى الجحودَ ووصفه عليه الصلاة والسلام بالكفر، فعن جابر قال: "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة. ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحثَّ على طاعته، ووعظ الناس وذكّرهم، ثم أتت النساء فوعظهنَّ وذكَّرهنَّ، وقال عليه الصلاة والسلام: "تصدقنّ فإن أكثركنَّ حطبُ جهنّم، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لأنكنَّ تكثرنَ الشكاة، وتكفرنَ العشير“. فجعلن يتصدَّقنَ من حليهنَّ، ويلقينَ في ثوب بلال".


معنى سطة النساء: أوسطهنَّ حسباًَ ونسباً. وسفعاء الخدين: فيهما سواد. الشكاة: الشكوى, العشير: الزوج.


وعن أبي سعيد الخدري قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرّ على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدقنَّ فإني رأيتكنَّ أكثر أهل النار. فقلنَ: وبِمَ يا رسول الله؟ قال: تكثرنَ اللعن وتكفرنَ العشير.. الحديث". متَّفَقٌ عليه. والمعنى رأيتكنَّ على سبيل الكشف، أو طريق الوحي.


فكثرة التذمر وكثرة اللعن والكفر بالعشير أي جحود إحسان الرجل وإفشاء السر حرمها الإسلام تحريماً واضحاً غير مبهم. وقد ساوى الإسلام في العقاب على هذه المحرمات بالنار لعظيم خطرها على الزواج وتعريضه للخطر. لأنّها جميعها أو منفردة توحي عن عدم رضى المرأة عن حياتها مع الرجل وهذا ما يؤدّي حتماً إلى الطلاق. فلا يجوز للمرأة أن تتذمّر من أيّ شيء من أمور الحياة إذا كان الرجل يؤدّي حقّها في المعاملة بتقوى الله ويعاشرها بالمعروف والحسنى. ومّا أن تتذمّر المرأة من مسكن أو فرش أو إصلاح عطب في الأدوات أو تغيير ستائر أو في طلبات ضروريّة كانت أو غير ضروريّة أو كثرة مؤن أو قلّة في المؤن أو مرض أو سياحة أو خروج أو استقبال وحتّى من قلّة الطعام أو كثرة في العمل وامتناع الخدم، كلّها لا يصلح معها التذمّر وتحرُم معها الشكوى إلاّ بالطلب الرقيق.


نعود إلى الكفر بالعشير، يقول الله سبحانه في القرآن الكريم: { وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} سورة إبراهيم 7، جاء في تفسير القرطبي في معناها: أي جحدتم حقّي وقيل نِعَمِي انتهى. فالكفر هو الجحود بحقّ الله وفضله. وقد جعل الله ورسوله لجحود الزوجة بحقّ الرجل ونِعَمِهِ عليها كفراً بمعنى جحود الحق. لأنّ الله قد أقام نظام التقاء الذكر بالأنثى وتكاثر الناس وترابطهم وتراحمهم والنسب والصهر يقوم كلّه على نظام الزواج، وقاعدة هذا النظام جعلها الله قيامة الرجل على المرأة بكلّ ما في ذلك من واجبات الرعاية والمسؤوليّة. وهذه القاعدة تلتها قاعدة أو حكم آخر لمجازاة الرجل في الحياة على تحمّله هذا العبء. فقد أمَّنَ وضَمِن للرجل إيفاءه بعض حقّه في الدنيا حتّى يخفّف عنه بعضٍ من هذه الأعباء، فلا يقنط أو ييأس ويتهرّب أو يعزف عنها كلّها أو عن أكثرها ثقلاً الذي هو الزواج.


فرض الله للتخفيف عن الرجل بعض أعبائه، وفرضه عدل، ليحفظ نظام الزواج للقصد الذي أراده له سبحانه وليس لمجرّد المتعة الجنسيّة التي من خصائصها أن تزول مع الوقت أو مع التعودّ على العشير، فأمر الزوجة بالترفيه والتخفيف عن زوجها، وجعل هذا الترفيه وطاعتَها لزوجها أساساً في نظام الزواج كفرض الرعاية على الرجل. لأنّ من طبيعة الرجل أنّه لا يقبل رعاية من يعصيه. فصاحب المتجر إذا كان له شريك يخالفه فأحد أمرين إمّا أن يبيع المتجر ويَفُضّ الشراكة أو يستمرّ فيؤثر ذلك سلباً على العمل. وأيّ ربّ عمل إن عصاه من يعمل عنده عزله مهما كانت أهمّيته له. والأب إن عصاه ابنه نبذه ونفاه من بيته. فالمعصية من الزوجة محرّمة تحريماً قاطعاً لأنّها تؤدّي حتماً، إلاّ في الحالات النادرة التي لها ظروفها، إلى التخلّص منها أي إلى فضّ الزواج كما في حال الشريكين. فلو أجيزت المعصية الزوجيّة في الإسلام كما أجازتها بعض المجتمعات الغربيّة في القرن الأخير لسقطت جميع القيم التي أمر الله بها المسلمين لأنّه لا يكون هناك وجود لكيان العائلة كما نعرفه. ولا مجال هنا للمقارنة أو للحديث عن حالة العائلة في تلك المجتمعات التي تقوم ركيزتها على إباحة الزنى.


طاعة المرأة للرجل ليست أمراً من صنع الرجل ولا عادة هو أقرّها بل هو فرض من الله سبحانه، واعتراف المرأة الزوجة بهذا الفرض وانصياعها له فرض من الله وليس من الرجل. إذا عصت الزوجة زوجها ولم يطلّقها، لأنّه ليس عنده عقاب غيره، يبقى عقابها على معصيتها تلقاه عقاباً موفوراً يوم الحساب. هذا الفرض، فرض طاعة المرأة لزوجها، ليس عبئاً زائداً على المرأة بل هو عبء قد يوازي بعض عبء الرجل في الحياة وهو الجزء المتعلّق برعاية زوجته وأولاده، وليس هو عبء يوازي كلّ ما حمّله الله للرجل من واجبات. فهذه الطاعة من الزوجة تؤدّي أو تعمل كوقود جديد للرجل ليتمكّن من السير في الحياة يواجه أعباءها الأخرى. وعدم الطاعة كحرمانه من الوقود الضروري له في الحياة. فهو بدون زواج يستطيع مواجهة أعباء الحياة الأخرى. وبالزواج وطاعة زوجته يستطيع أيضاً أن يواجه أعباء الحياة الأخرى وهي الأعباء التي لا علاقة لها بأعباء الزواج. ولكن بزواج ومعصية زوجته تثقل همّته ويعجز بطبيعته عن تحمّل أعباء الحياة الأخرى. لهذا، والله أعلم، جُعل فرض الطاعة من الله وبالتالي حقّاً لله يؤدّى للزوج. ونظراً لعظيم خطره على كيان الأمّة وإقامة أحكام الدين في الأرض فقد جعله سبحانه وتعالى ربّ السموات والأرض الجبّار العظيم حقّاً لله مقدّماً على كافة حقوق الله، فكتب جلّ جلاله أمراً في السماء والأرض أن لا يسمع صلاة أو دعاء المرأة العاصية غير أذنيها، فلا يكتبها ملك أو يحفّ بها ملك ولا يقبلها الجبّار العظيم. هذا جحود بحقّ الله وهو بذلك كالكفر ويقول الله: { وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}. جاء في تفسيرها أي جحدتم حقّي. ومعصية الزوجة لزوجها قد تكون من أكبر وأجلى معالم وقائع جحود حقّ الله. فهل تتبرّأ يوم الحساب زوجة واحدة عصت زوجها من عقوبة جحود حقّ الله وهو الكفر؟


كان هذا في ما يتعلّق بحقّ الله والله أعلم، فلننظر لجحود نِعَم الله. كثير من الناس قد لا يقدّرون نعمةً من أَنعُمِ الله أو قد لا يتنبّهون لها حقّ التنبّه. فمثلاً لا يمكن لصحيح الجسم أن يعرف حقيقة عبء المرض حتّى يجرّبه، والبصير لا يعرف حقيقة الفرق بالعيش بينه وبين الأعمى، ولا يمكن تعداد الأمثلة لأنّها في كلّ أمرٍ وشيء. هكذا الزواج هو نعمة من الله على الإنسان الذكر منه والأنثى دون تفريق. تماماً كما هي الحياة نعمة على الإنسان الذكر منه والأنثى. ولكن بعض الشّاذين قد يصل بشذوذه الفكري للاقتناع بأنّ الحياة شقاء للإنسان فيتخلّص منها فينتحر، وقد يدري أنّ جزاء فعلته خلود في النار ومع هذا لا يأبه فينتحر. عندما منَّ الله على عباده بنعمه للاستمتاع بها حدّد لهم كيفيّة الاستمتاع بأنعمه عليهم وحرّم عليهم التنكّر لهذه النعم أو منعها عن أحد من موقع السلطة والقوّة والقدرة على التعدّي والظلم. فلكلّ فردٍ الحرّيّة في الحصول على نعمة الله يسَّرَ الله له الحصول عليها ليستمتع بها بالوجه المباح له بالقدر الذي يريده أو يستطيع، كَثُرَ ذلك الاستمتاع المباح أو قلّ. وإذا كان التمتّع بنعمة مقتصراً على فعلٍ من ذاته لذاته ولا يتعلّق به حقّ الغير فله الحقّ في التّمتّع أو عدمه بتلك النعمة. مثلاً: التفّاحة نعمة من الله ولأنّ أكلها لا يتعلّق فيه حقّ الغير فله التمتّع بأكلها أو لا. النظر إلى نجوم السماء في الليل أو في قراءة الكتب نعمة مباحة ولكنّ النظر إلى عورة الجار محرّمة. وهكذا الأمثلة لا تنتهي والزواج أحدها وهو موضع بحثنا، وهو نعمة من الله بواقع الحال وبوصف الله له. ولكن هذه النعمة فيها حقّان وواجبان ومسؤولان هما الزوج وزوجه. فإذا تمّ الزواج بين اثنين تحقّقت نعمة الله عليهما. وإذا انقضى عقد زواجهما ذهبت معها نعمة الله لأنّ مهبطها الزواج وليس الرجل وحده ولا المرأة. لحفظ هذه النعمة أمر الله بحفظ الزواج بين عباده، فإن ظلم الرجلُ زوجَه فقد حرمها من نعمة أسبغها الله عليها وبذلك استحقّ عليه عقاباً في الآخرة وأوجد تشريعاً في وضع حدٍّ لظلمه في الدنيا. ولكن في معظم الحالات ظلم الرجل للمرأة يكون متوهّم التحقّق وليس واقعاً لأنّ حدود الظلم في الشرع يندر أن يستطيع الرجل الوصول إليها إلاّ في الشواذ من الناس. والتشريعات الإسلاميّة التي ينظّم الله بها حياة الأزواج تعالج ظلم الرجل المؤمن بسهولة ويندر أن يكون ظلمه سبباً في تطليق المرأة.


إنّ طاعةَ الزوجةِ ضمانٌ لاستمرار الزواج وبذلك ضمان لدوام نعمة الزواج على الرجل والمرأة التي بحدّ ذاتها موصوفة أنّها نعمة من الله وأنّها خيرٌ من كلّ النعم والكنوز إذا كانت امرأة صالحة مطيعة. فإذا ذهبت طاعتها للرجل ذهبت صفتها بأنّها من النعم ومن خير النعم. والرجل يصعب جدّاً أن يتحمّل معصية زوجته وفي أغلب الأحيان يكون الطلاق سبباً حتميّاً لمعصية الزوجة، وفي هدم نعمة الله التي أسبغها الله عليها وعلى زوجها. هذا الهدم والهدر والتفتيت لنعمة الله بهدم الزواج الناتج عن معصية الزوجة هو جحود بعمة الله التي في هذه الواقعة يمثّلها الزوج، فالجحود بنعمة الله سبب الجحود بالزوج ومظهر الجحود بالزوج هو معصيته المحرّمة من الله. فالزوج نعمة الله والكفر بالزوج جحود بنعمة الله الذي هو كفر. يقول الله سبحانه في سورة إبراهيم: { وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}. ونكرّر ما جاء في تفسير القرطبي في معناها: أي جحدتم حقّي وقيل نِعَمي. انتهى. فإذا كان الزوج من نعم الله والزواج من نعم الله والكفر بالعشير هدم للزواج وحرمان للشريك في الزواج من حقّه بالتمتّع بنعمة الزواج وقد يكون هدم صوامع النعم، لأنّ الزواج ليس نعمة واحدة أو بضعة نعم يمكن عدّها بل الزواج أهراءٌ من النعم يعني تلال منها وصوامع لها أي جوامع لها محفوظة من أيّ شرّ أو اعتداء أو تجريح، ومع الزمن تزيد نعم الزواج بفضل الله بدل أن تقلّ، إذا كان الجحود بعمة الله كفراً فهل تتبرّأ زوجة واحدة هدمت زواجها الذي هو جوامع من النعم بسبب كفرها بعشيرها، هل تتبرّأ هادمةُ النعم الجاحدةُ بأمّةٍ من النعم بدل النعمة الواحدة من عقوبة جحود نعمة الله وهو كفر من الكفر؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله تبارك وتعالى إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه". ففرضُ الشكر يكون ابتداءً على نعمة أو نعم من الله فمفهوم الحديث " لا تشكر لزوجها" يدلّ ويُثبت أنّ الزوج نعمة المرأة واقتران هذا الحديث بما تلاه: "وهي لا تستغني عنه" يدلّ ويثبت أنّ الرجل أساس جميع نعم الله على المرأة. "لا ينظر الله" تعني: لا يرحم الله. " لا تشكر لزجها" تعني: لا تطيع، لا تحسن طاعة زوجها، لا تطيعه طاعة يرضاها. الشكر لله عبادته أي طاعته في تنفيذ أحكامه كما أمر سبحانه والشكر للزوج كما الشكر للوالدين طاعة ترضيه وتُدخِلُ السرور إلى قبله: طاعة مع الاعتراف الظاهر بالفضل.
تمنيتكـ&
تمنيتكـ&
الغيبة


عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: ما الغيبة يا رسول الله؟ قال: "ذِكرُك أخاك بما يكره. قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته". البهت: الكذب والافتراء والحديث أخرجه مالك في الموطأ 28978 والترغيب والترهيب 3/515.


عن أبي حذيفة أنّ عائشة رضي الله عنها حكت امرأة عند النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت قصرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قد اعتبتها" رواه أحمد في مسنده 6/136.


الغيبة هي ذكر مساوىء الشخص بغضّ النظر أن تكون تلك المساوىء في جسمه أو خلقه أو عقله أو عادة أو طبع إلاّ أن تكون في محرّم يفعله حتّى يبلغه الخبر على أمل أن يزدجر عنه. وتحريم الغيبة عامّة بين المسلمين مطلقة بين أجناسهم وطبقاتهم وأمصارهم. ولا تتعلّق بقرابة أو مجاورة. وتحريم غيبة الجار دليل على تحريم غيبة الزوج. فالحديث الذي رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتّى يستقيمَ قلبُه حتّى يستقيمَ لسانُه ولا يدخل رجل الجنّة حتّى يأمن جاره بَوَائِقَه". رواه أحمد في مسنده 3/198 والغيبة من البوائق لأنّ البوائق هي الأذى على أنواعه وتحريم غيبة الجار من جاره وهو بموقع معرفة حقيقة أحوال جاره ونقائصه وعيوبه وعوراته فإذا كان ذلك الذي يعرف حقيقة العيوب في إنسان وتيقّن منها بحكم تمكّن الإطّلاع عليها يحرّم عليه أن يذكرها لغيره من الناس، فكيف يكون بذكرِ سيّئةِ بعيدٍ من الصعب التيقّن بحقيقة العيب الذي فيه؟ فمن الأولى عدم ذكر عيب في مسلم غير جار. وتحريم أذى الجار تحريم غيبة الجار وتشمل وتستوجب تحريمها على غير الجار.


والحديث نفسه يجعل شرط استقامة الإيمان حتّى يلتقي قلبه ولسانه على صراط الإيمان. وهو شرط الإيمان أساساً.


إذا كانت غيبة المسلم محرّمة ولا يدخل الجنّة رجل آذى جاره في ماله أو سمعته، فكيف حال المسلمة المرأة المتزوّجة التي تستغيب زوجها وتتكلّم عنه بسوء قد يكون حقيقةً فيه؟ أو تتكلّم عنه بسوء ليس فيه، لتشويه سمعته؟ إنّ الإثم يكون حقيقةً فيه؟ أو تتكلّم عنه بسوء ليس فيه، لتشويه سمعته؟ إنّ الإثم يتعاظم مع تعاظم القدرة عليه. وكلّما كان الإنسان في موضع أقرب لاطّلاعه على سرّ غيره كلّما كان حفظ أمانة السرّ أوجب والثواب على حفظها أجزل، وكلّما فرّط بتلك الأسرار كان أثمُهُ أكبر وجزاؤه بالآخرة أشدّ. وإذا كان الجارُ المؤذي جارَه بغيبته لا يدخل الجنّة فكيف بالزوجة تستغيب زوجها وتبهته؟ الله أعلم والرسول أخبرنا بمصيرها المشؤوم والعياذ بالله إلاّ أن تتوب إلى الله قبل فوات فرصة التوبة.


"لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتّى يستقيم قبله ولا يستقيم قلبه حتىّ يستقيم لسانه" أي لا يكون العبد مؤمناً حتّى يقنع القلب بأحكام الله فإن لم يقتلع الإيمانُ من قلبِه عواطفَ الغلّ والغضب والحقد والحسد وما شاكلها من المشاعر التي يستثيرها الشيطانُ ليوقعَ العبدَ بفعلِ الحرامِ فلا يكون إيمانُ ذلك العبد إيماناً عدلاً أي ليس الإيمانُ الذي أمر به الله وبيَّن الرسول سبيله. وقد اشترط الحديث استقامة اللسان مع استقامة القلب وجعل استقامة اللسان شرطاً لاستقامة القلب أي أن يؤدّي قناعة القلب واطمئنانه إلى الخضوع لحكم الله في الحياة إلى التعبير عن ذلك بما يتحرّك به اللسان أي بما ينطق به. فإن كان ما ينطق به اللسان ممّا اطمأنّ إليه القلب فإنّ ذلك هو استقامة الإيمان أي تلاقي القلب واللسان على الصراط المستقيم. وإن بقي اللسان يحرّك بما لا يتوافق واستقامة الإيمان أي بقي ينطق بحرام أو كفرٍ أو الأمر بضلالة أو ما يثير الفتن بين الناس أو التحريك بالسبّ والشتم والذمّ والغيبة والبهت وما شاكل فيكون اللسان في سبيل والقلب في سبيل آخر فإنّ شرط إيمان العبد يفسد ويبطل إيمانه.


على أنّ تحريم غيبة الزوج الذي هو جزء من حفظه في غيبته جاء مباشرةً دونما حاجة إلى قياسه على تحريم غيبة أيّ مسلم جاراً كان أو قريباً أو صديقاً جاء مباشرة من الله تعالى بقوله: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}.


وفي الحديث أيضاً مباشرة: عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر... الحديث وفيه: "ولا تطيعُ فيه أحداً"، وفيه "ولا تضرُّ". فمن طاعة الآخرين بالزوج غيبته والإضرار به يكون قولاً أو عملاً، والعياذ بالله.


* حديث شريف *


عن نافع بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:


"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته، فالأمير راعٍ والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعيةً على بيت زوجها وولده. فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيّته". أخرجه البخاري في كتاب النكاح: باب المرأة راعية في بيت زوجها، ومسلم في كتاب الإمارة: باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، وأحمد مسنده 2/54.


الرعاية


إذا كانت الرعاية تدبير شؤون الغير الحياتية من كافة جوانبها بأفضل الطرق والأساليب لتحقيق الأهداف والغايات التي تؤمن أفضل الظروف لحياة هنيئة راقية وهو المفهوم الشرعي لها، فإنها تكون جزءاً من أمانة الإسلام التي عهد الله بها للإنسان بالأصل وخصّها بالمسلم بعد بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم. هذه الرعاية عبءٌ ثقيلٌ على كلِّ مَن يتفهم مسؤولياتها، ومشقتها من جنس مشقة المقاتلة والعراك الدموي. لذلك جعلها الإسلام من أصناف الجهاد وجعل الموت دفاعاً عن ركن من مقوِّماتها استشهاداً، فحماية العرض ركن من الرعاية وحماية المال الواجب للرعاية ركن من الرعاية وهكذا فالموت دون العرض استشهاد والموت دون المال استشهاد لإقامة حكم من أحكام الإسلام. هذه أمثلة للتدليل أنّ الرعاية مسؤوليّة رئيسيّة في الحياة ولعلَّها المسؤوليَّة بعد مسؤوليّة حمل الدعوة الإسلاميّة للناس من أجل إقامة حكم الله في الأرض.


رعاية الزوج لزوجها ألزمها الله على الرجل بمفهومها الشرعي الذي حدّده القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم. إطارها العام حماية الزوجة من كل شيء. مثل: حمايتها من الاعتداء، حمايتها من الجوع، حمايتها من البرد، حمايتها من المرض، حمايتها من العري، حمايتها من الحرّ، حمايتها من العطش، حمايتها من شظف العيش وخشونته وهكذا. أمّا هدفها المحدّد فتأمين "الخير" للزوجة. في تحديد الإطار الشرعي للرعاية يقول الله سبحانه وتعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} أي الرجل هو الذي يدبِّر شؤون المرأة الحياتية وهذا ليس أمراً فيه خيار قبول والرفض بل واجب شرعي. وحتى لا يُفهم من هذا أنه تفضيل للرجل فينطلق بنزوات قد يظلم بها المرأة. أو يتردّد بتحمّل أعباء مسؤولية الرعاية، أكمل الله تعالى الآية ليوضح سبب إلقاء هذه المهمة على عاتق الرجل فقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}. ومفهوم الآية العام كما يفهم من كتب التفسير بما خصّ الله بعضهم أي الرجال بقدرة تتناسب ومتطلبات قوامة الرجل على المرأة، ومؤهلات لا بدّ منها للقيام بمسؤولية الرعاية. فثواب رعاية الرجل لزوجه أقلُّ من ثواب طاعة المرأة لزوجها. ولهذا لا يتعلّق التفضيل بالآية بالثواب والعقاب بل يتعلّق بتخصيص الرجل بمقومات رعاية العائلة ليقوم بدوره، وحقُّ الرعاية للرجل يوجب على المرأة طاعة زوجها في أمور الحياة حتى يستطيع القيامَ بفرض الرعاية بأرقى مستوى. فالتخصيص متعلّق بدور الرجل وليس بذات الرجل تماماً كما يتعلّق تخصيص دور المرأة برعاية الطفل والبيت. هذا التخصيص للدور مرتبط أيضاً بمسؤولية أخرى أساسية وهي الإنفاق.


المال وسيلة رئيسية لتدبير شؤون القوم والعائلة للسير في الحياة والعيش الرغيد. ولهذا، ولأن مجامع المال في المجتمعات تكون بطبيعتها بيد الرجال فإنه سبحانه وتعالى ألزمهم بالإنفاق على المرأة حتى لو كان عندها أموال تستغني بها عن مال زوجها. فجعل مبرّر إعطاء الرعاية للرجل بالإضافة إلى تفضيله بالقدرة للقيام بهذا الدور كذلك بسبب تمكّنه من الإنفاق أساساً، وفرض الإنفاق عليه للزوجة فأكمل الآية: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}. فالتفضيل أو تخصيص الرجل بالطاقة الجسدية ومنها العقلية وبالقدرة المالية مع إلزامه بالإنفاق على زوجه، وهما شرطان رئيسان للقيام بالرعاية، جعل فرض الرعاية للرجل من الله أمراً طبيعياً يتناسب مع تكوين المجتمع الإسلامي. ولو وقفت الآية عند هذا كان يمكن للمسلم أن يستنتج من قاعدة "ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب". إن قوامة الرجل على المرأة وتفضيله بمسؤولية الرعاية يوجب على المرأة طاعته وخدمته بأموره المعيشية وحفظ ماله وأن لا تنفق من مالها إلاّ بإذنه وأن تنفق من مالها إذا عجز عن الإنفاق وأن لا تخونه في غيبته وتحفظ سره، ولكن الله سبحانه وتعالى يصرّح بتحديد إطار الطاعة بنفس آية تحديد إطار الرعاية فيكمل الآية ويقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}. وجاء في تفسير القرطبي بشرحها: بما يجب عليهنَّ من حقوق أزواجهنَّ بالطاعة لهم.


بعد تحديد مسؤولية الرعاية وتحديد مسؤولية الطاعة لا بدّ من تحديد إطار الرعاية أو طرق مباشرتها وتحديد هدفها أو غايتها. لأن أي عمل يحتاج إلى أمرين طريقة تنفيذ وتحديد هدف وبدون أي منهما يتحوّل العمل إلى فوضى أو ضياع. والتحديد لا بدّ أن يكون من الله الذي أمر بالرعاية والطاعة أساساً. ففي تحديد الإطار أو طريقة التنفيذ يقول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. ويقول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوصي المسلمين: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً". وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم". فالتعامل مع الزوجة يلزم أن يكون من جنس العمل. العمل هو الرعاية، والرعاية لا تكون إلاّ بالرأفة والحنان، بالمعروف والخلق الحسن واللفظ الجميل، بمعذرة المقصِّر والعفو عن السيئة وغضّ النظر عن الشواذ الذي لا يخالف بذاته شرعاً، والتراحم بالصلة هو أساسي بمباشرة الرعاية. فالرجل مقيّد بطريقة مباشرة الرعاية إذا أراد من هذه المباشرة إرضاء الله والوصول إلى جنته.


ولا شك أن عملاً هذه طريقته لا بدّ أن تكون غايته وهدفه من جنسه فإذا كانت طريقته "خيراً" "وبالمعروف" فلا بدّ أن تكون غايته خيراً. صحيح أنّ جميع أحكام الإسلام يؤدي التقيّد بها إلى خير في الدنيا وخير في الآخرة دون استثناء، إلاّ أنّ سبحانه وتعالى ورسوله يؤكدان بكل وضوح هذه الغاية ووجوب تحقّقها من فرض الرعاية فيقول الله في القرآن الكريم: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} الخير نتيجة مباشرة الرعاية بطريقتها الشرعية "بالمعروف" حتى لو كنت تكره أمراً أو شيئاً من زوجتك، ولا تبقيها إلاّ على مضض. فمن باب أولى أن يكون الخير لك ولزوجك إذا كنت لا تكره منها شيئاً، وتهنأ بقربها وحديثها ومجالستها. فالخير نتيجة لحسن الرعاية وليس للود. فإذا كان الودُّ يكون الخير أكثر ولا شك. أمّا الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: "خيركم خيركم للنساء" ويقول صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". ومفهوم هذا الحديث أن حسن الرعاية تجعل من الرجل "خير" لزوجه. وإذا تحوّل الرجل إلى "خير" للزوجة، فإنها تكون قد ملكت نعيم الدنيا والآخرة. لأن الرجل لا يمكن أن يتحوّل إلى "خير" إلاّ إذا أطاعته وأرضته زوجه، ومن ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة. وإذا أمعن الرجل نظره في هذه الآية: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}. يدرك أن أجر المعاشرة بالمعروف، ولو على مضض وتململ وإعراض في نفسه عن الميل إلى زوجه، أو كرهه لبعض تصرّفاتها وطباعها، هو الجنّة. لأنّ الله يعد على هذا المعروف "خيراً كثيراً" والخير الكثير في الدنيا يكون بتقوى الله والسعادة وردّ البلاء وفي الآخرة يكون بمغفرة الله والسعادة الدائمة بالدخول إلى الجنّة، فخير الدنيا الشرعي الكثير يؤدّي إلى الخير الدائم في الآخرة.


مع بيان طريقة الرعاية الواضح وهدفها قد يتغطرس الرجل ويعصي الله بظلمه لزوجه لخشونةٍ في نفسه أو عصبيّة في مزاجه أو سوءٍ في طبعه. صحيح أنّ الإيمان يوجب السيطرة على الانفعالات النفسيّة والارتدادات العاطفيّة. فلا ينطق الفم إلاّ بما سمح به الشرع في تلك الحالة. وصحيح أنّ مقياس المؤمن للأمور هو المقياس الشرعي، إلاّ أنّ وضوح معنى العبوديّة لله وتسليم الأمر لله قد يعلوه الغبار عند الناس إذا لم يستمرّ المسلم ببلورة وصقل معلوماته وأفكاره الشرعيّة الأساسيّة. لهذا لم يترك أمر الرعاية للرجل دون توضيح وتحديد وترغيب وترهيب. الله سبحانه وعد الرجل الذي يعاشر زوجه بالمعروف ولو كان لا يطيقها بأجر كبير. ولكنّه سبحانه أيضاً يذكّر ويهدّد مَن يتجاوز حدود الرعاية التي فرضها الله، وهو قادر على ظلم زوجه بما مكّنه الله فيه من الكمال النسبي في خلقه، يذكّره بوعيد أنّه مهما أحسست أنّ لك قدرة في التسلّط وظلم زوجك، أُذكُر أنّ الله هو الذي جعل فيك تلك القدرة وأنّه أقدر عليك من قدرتك على زوجك. فيقول في نفس الآية (34 النساء) {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. فلا يتعالى أو يتكبّر مسلم على زوجه بفضل ما حباه الله به، فإن الله هو المتعالي ووحده الذي يحق له التعالي وهو المتكبر ووحده الذي يحقّ له التكبّر. ذلك أنّ الإنسان مهما بلغت قدرته ونفوذه يبقى محدوداً في قدرته ونفوذه. لأنّ هذه القدرة تعتمد على عناصر لوجودها واستمرارها فمتى ذهبت عناصرها ذهبت معها. أما قدرة الله سبحانه فلا تعتمد على عناصر بل جميع عناصر الوجود من خلق تلك القدرة وكلّ ما في الوجود يعتمد على تلك القدرة. فتعالي وتسلّط الرجل على الزوجة سوء لاستعمال القدرة التي قدّرها الله له ويمنع تحقق غاية "الخير" التي أمر الله والرسول صلى الله عليه وسلم بتحقيقها أساساً بممارسة فرض الرعاية. وهذا يعطل أحكاماً شرعية عدة أمر الله بها مما يجعل هذه المعصية جريمة نكراء، إثمها وإثم جميع ما يترتب على تعطيل غاية الرعاية يكون على المذنب وحده.
تمنيتكـ&
تمنيتكـ&
الفصل الثاني:


القناعة بالمرأة وفيها عِوَج


جعل الله قواعد للحياة الزوجيّة يستحيل معها هدم العائلة إذا ما تقيّد الرجل والمرأة بها، وبذلك يستحيل على الشيطان أن يجوس في أرجاء عائلة تقيم حياتها على قواعد الإسلام. ولعلّ أكبر عامل في هدم الحياة الزوجيّة هو عدم فهم الرجل لطبيعة المرأة ومدى اختلافها عن طبيعة الرجل....


عليه الصلاة والسلام أوضح عيوب النساء حتّى يتبيّن الرجل حقيقة المرأة ويعلمه ويحتاط له فقال: "إنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء". وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها، فدارِها تعش بها". وفي حديث آخر: "إنّ المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها". وقال: "لا يفرك مؤمن مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر". يفرك يعني يكره.


هذا الوصف من النبي عليه الصلاة والسلام الذي أوحى الله تعالى معناه إليه هو الوصف الثابت والدائم في المرأة. لأن فيه تبياناً للواقع الذي خُلقت عليه المرأة. خلقها الله من أكثر أضلع الرجل اعوجاجاً وهو الضلع الأعلى. وهذا لا يعني اعوجاجاً في الشكل أو العظم أو اعوجاج عضو، فالمرأة رمز الكمال في الخِلقة وعنوان الجمال في الكون ورأس الافتنان في الحياة وينبوعٌ للبهجة والمسرّة واللهو بين الناس. وإلى هذا فهي أمُّ أفرغ الله فيها صبراً وحنواً ورحمة تستطيع بها حمل الأطفال ووضعهم وتنشئتهم دون ملل أو كلل رغم كثير التعب. ولكنّ العوج فيها في طبعها، في أخلاقها وفي طريقة فهمها للأمور. هذا العوج وإن كان طبيعياً قد جعل الله ورسوله له علاجاً. أما العلاج فهو علاج كلّ أمر في الحياة وهو الإيمان. فالإيمان في الإسلام يوجب العمل بحسب ما أمر الله والرسول به، وهو يقتضي التسليم المطلق والتقيد بحكم الله.


ومن أحكام الله الأساسية في الزواج على المرأة طاعتها لزوجها. فطاعة الزوج لزوجها أوجبها الله كما أوجب الجهاد على الرجل. لأنه جعل أجر الاستشهاد أو الانتصار في الجهاد كأجر الزوجة المطيعة لزوجها. إلا أن الجهاد فرض عين حتى تحصل الكفاية في الانتصار أي فرض على من يكفي للقيام بالعمل بينما فرض طاعة الزوج لزوجها فرض عين على كل زوجة مع دوام الزواج.


أما لماذا الإيمان يعالج العِوَج الطبيعي في المرأة، الذي قد يكون عوجاً في فهم الأمور أو عوجاً في أسباب الميل العاطفي، فلأن الإيمان يحتّم على الإنسان ذكراً أو أنثى فهم الأمور بحسب واقعها، وقبولها أو رفضها بقدر موافقتها للحكم الشرعي أو مخالفتها له. كذلك بالنسبة للميول فما وافق الشرع أحبّه المسلم وما خالفه كرهه، وما حسَّنه الشرع يراه حسناً وما قبّحه الشرع يراه قبيحاً. ومع أن الإيمان وحده يجب أن يكون كافياً لتلافي خطر العِوج في المرأة إلا أن النفس البشرية طبعت وفيها إمكانية الانحراف حتى مع وجود الإيمان. قول الرسول صلى الله عليه وسلم "فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوِج"، توصية للرجل أن يداري العِوج في المرأة ويداوره حتّى ينعم بالاستمتاع. والاستمتاع هنا ليس الجماع بل العيش الهنيء الذي يكون الجماع جزءاً منه، فالاستمتاع هو في الصحبة والمعاشرة والمرافقة في كلّ أبعادها ومقتضياتها ليل نهار، في الصحّة والمرض، في الغنى والفقر، في الاستقرار والتشرّد وفي النجاح والفشل. يعني في كلّ حالة تفرضها الحياة يتكيّف معها المؤمن ويعتبرها حالة حياتيّة يمكنه معها أن يستمتع بنعم الله التي لا تحصى ومنها الزوجة التي إذا أمرها أطاعته.


هذا إذا كان العوج ممّا يمكن المناورة للتغلّب عليه، أو مداورته لتفاديه وعدم التصادم معه. ولكن إبليس اللعين والشيطان الرجيم يفتّش عن أصغر العوج الذي يمكن تضخيمه، فينفخ فيه سمومه. وقد ينجح عبر السنين في تحويله مشكلة زوجيّة يمكن التعايش معها كأيّ حالة منغّصة للعيش ولكن لا تؤدّي إلى هدمه، أو مشكلة زوجيّة لا يمكن التعايش معها كالنشوز أي المعصية أو فعل الفحش والتفحش وارتكاب المعصية المبيّنة أي التطاول والبذاءة باللسان وظهور الوقاحة بالقول والفعل من المرأة والعياذ بالله، وهي حالة يكون الشيطان وزبانيته قد أحكموا سيطرتهم التامة والكاملة على تلك المرأة المسكينة، وفي ذلك أفردنا بحثاً منفصلاً.


ومع عوج النساء فقد أمر الله تعالى معاشرتهنَّ بالحسنى والمعروف كما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بحسن معاملتهنَّ والصبر عليهنَّ وجعل في ذلك أجراً كبيراً للرجل. فقال عليه الصلاة والسلام: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيارهم خيارهم لنسائهم". وقال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". وفي حديث: "خيركم خيركم للنساء". وقد أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام الرجال المؤمنين بالنساء في خطبة حجّة الوداع فقال: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنّما هنَّ عوان عندكم، ليس تملكون منهنَّ شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلنَ فاهجروهنَّ في المضاجع، واضربوهنَّ ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلاً، ألا إنّ لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقّاً، فحقّكم عليهنَّ: أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ألا وحقّهنَّ عليكم: أن تحسنوا إليهنَّ في كسوتهنَّ وطعامهنَّ". وعن معاوية بن حيده قال: قلت: يا رسول الله، ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال عليه الصلاة والسلام: "أن تطعمها إذا طُعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".


طاعة الزوج يعدل ثوابها استشهاد الرجل


مع ما أمر الله والرسول به الرجل من حسن معاشرة المرأة كذلك أمر الله ورسوله المرأة بحسن معاشرة زوجها وطاعته وحفظه في غيابه. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله: أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: "زوجها" قلت: فأيّ الناس أعظم حقّاً على الرجل؟ قال: "أمه". وعن حصين بن محصن: أنّ عمة له أتت رسوله الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: "أذات زوج أنت؟" قالت: نعم، قال: "فأين أنت منه؟" قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: "فكيف أنت له؟ فإنه جنتك ونارك" رواه أحمد والنسائي بإسنادين جيدين والحاكم وقال صحيح الإسناد. وعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا وإن قتلوا كانوا أحياءً عند ربهم يرزقون، ونحن معشر النساء نقوم عليهم. فما لنا من ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبلغي من لقيت من النساء: "إن طاعة الزوج، والاعتراف بحقه، يعدل ذلك، وقليل منكن من يفعله".


فقد ساوى الإسلام بين جهاد الرجل في سبيل الله والانتصار في الحرب أو القتل شهيداً وبين طاعة الزوج له ومعرفتها حقوقه عليها. ولا يجوز في هذا المجال البحث في المفارقة والمفاضلة بين هول القتل والقتال وطاعة الزوجة، ولا يجوز التفكير ولو للحظة عن مدى تفضيل النساء على الرجال أو مدى التساهل الإلهي مع النساء والشدة مع الرجال في شروط دخول الجنة. لأن الموضوع ليس مفاضلة وبخساً لحق ولا تسهيلاً ولا تصعيباً لدخول الجنة، بل تكليفاً من قبل رب العالمين لكلٍّ حسب طبيعته وقدرته. وعلى كلٍّ حسب دوره ورسالته في الحياة. فالإنسان ذكرٌ أو أنثى يحيا على هذه الأرض فترة محدّدة من أجل القيام بعمل معين بقدرة محدّدة. فلا الرجل اختار رسالته ولا المرأة اختارت رسالتها بل تقديراً وإلزاماً من الله للمؤمنين الذين قبلوا الإلتزام بأمر الله. أما من اختار لحياته رسالةً ودوراً بما يراه هو ومن وراءه شيطانه فقد أنظره الله إلى يوم البعث حيث الحساب والثواب والعقاب. والله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا}.


وزاد الإسلام في تحصين المرأة بوجه شيطان المعصية لزوجها فرغَّبها بطاعة زوجها وجعل الجنة شرطاً من شروطها فقال عليه الصلاة والسلام: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة". وقال صلى الله عليه وسلم: إذا صلَّت المرأة خمسها وصامت شهرها، وحفظت فرجها وأطاعت زوجها، قيل لها: أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت". وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟" قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "كل ودود ولود، إذا أغضبت أو أسيء إليها أو غضب زوجها، قالت: هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى".


عصيان الزوج من الكبائر في دين الله


مع الترغيب بالجنة والمغفرة من الله وعظيم أجر طاعة الزوج فإن الله والرسول قد بيَّنا عظيم جرم معصية الزوج لزوجها وإن هذه المعصية طريق حتمي إلى جهنم وسبب في غضب الله ولعنته ولعنة الرسول ولعنة الملائكة على الزوجة الناشزة التي تأتي بالفاحشة المبيّنة، التي تعصي زوجها وتتطاول عليه باللسان ووقح الكلام وتفعل ما يكره وتبدد ماله وتبيح سرَّه ولا تحفظه في غيبته، وتفارق فراشه ولا تستجيب له ويغضب أو تغضبه ولا تسترضيه. قال عليه الصلاة والسلام:


"لا ينظر الله تبارك وتعالى إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه". وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلكِ الله، فإنّما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح". وفي حديث آخر للرسول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها". وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه ويضع يده في أيديهم، والمرأة الساخط عليها زوجُها حتى يرضى، والسكران حتى يصحو". رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل. وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرأة لا تؤدي حق الله حتى تؤدي حق زوجها كله، لو سألها وهي على ظهر قتب لم تمنعه نفسها".


وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إثنان لا تُجاوز صلاتُهما رؤوسهما: عبدٌ أَبِقَ من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع". رواه الطبراني بإسناد جيد والحاكم. وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن المرأة إذا خرجت من بيتها، وزوجها كاره، لعنها كل ملك في السماء، وكل شيء مرّت عليه، غير الجن والإنس حتى ترجع". وعن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره". وفي قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت". ساوى عليه الصلاة والسلام بين الصلاة والصوم وعدم الزنى وطاعة الزوج كشرط لدخول المرأة الجنة برحمة ربها ولانفتاح جميع أبواب الجنة لها تدخلها من أي باب شاءت. وهذا الحديث يعني أيضاً أن أي ثلاث من هذه العبادات والطاعات لا تفتح أبواب الجنة. فإن سقط إقامة واحدة منها كعدم تأدية الصلاة في الحياة أو عدم صيام رمضان أو إتيان الزنى أو النشوز بمعصية الزوج أو إتيان الفاحشة بالتطاول باللسان على الزوج فإن ذلك يمنع انفتاح أبواب الجنة لها ويجعل مصيرها مع المصنفين للحساب العسير والعياذ بالله. فكما أن الصلاة والصوم عبادات زمنية موقوتة مفروضة أبد الحياة أي طالما أن في الإنسان عرقاً ينبض أو عيناً ترف، كذلك عدم الزنى وطاعة الزوج طاعات مفروضة طالما في المرأة عرق ينبض أو عين ترف وهي قادرة على القيام بواجب هذه الطاعة. وعليه لا تكون الطاعة مفروضة في حال تبادل الحب فقط بين الاثنين بل طاعة الزوج لزوجها طالما هي زوج دون اعتبار لحالة الزواج من سعادة أو تعاسة. فرض الطاعة أوجبه الله وجعله كعبادة الصلاة والصوم واجباً طالما حالة الزواج قائمة. فليس الفرض موقوفاً بأي شرط طالما العشرة الزوجية وضع قائم بشرع الله وليس للمرأة أن تضع ظروفاً للطاعة وظروفاً تظن أن الطاعة فيها غير واجبة. فكما أن حالة الحياة توجب الصلاة وعدم الزنى تماماً حالة الزواج توجب طاعة الزوج لزوجها. ولتعلم المرأة أنه لولا أن الطاعة، طاعة الزوجة لزوجها، من الفرائض الأساسية التي يرتبط بها مصير المرأة في الآخرة بالجنة وأن المعصية، معصية المرأة لزوجها، من الكبائر العظائم في الإسلام التي يرتبط بها مصير الناشزة أو العاصية أو المتفحّشة في الآخرة بالنار، لما ساوى الرسول عليه الصلاة والسلام بين الجهاد والاستشهاد في سبيل الله وبين طاعة المرأة لزوجها. كما في حديث ابن عباس عن الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال في آخر الحديث: "أبلغي من لقيت من النساء: أن طاعة الزوج، والاعتراف بحقه، يعدل ذلك". أي الجهاد والاستشهاد الذي كان السؤال عنه في أول الحديث. والحديث المتعلّق بعدم قبول الله سبحانه وتعالى لصلاة من تعصي زوجها واضح صريح لا يحتاج إلى شرح أو تفصيل. وحديث زيد بن أرقم عن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول فيه: "المرأة لا تؤدي حق الله حتى تؤدي حق زوجها كله"، يُغني عن أي توضيح ويرفع أي لبس أو إبهام في عظيم أجر الطاعة ومكانتها في الإسلام وكبير إثم معصية الزوج حتى جعلها الله من الكبائر. جاء في القرطبي في تفسير آية: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} النساء 31. قال ابن عباس: الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. انتهى. فلو استعرضنا الأحاديث النبوية المتعلّقة بالمعصية لوجدنا كم مرة هدّد الرسول صلى الله عليه وسلم الزوجة العاصية بسخط الله وناره ولعنة الملائكة. وتكفي مساواة عدم طاعة الزوجة بترك الصلاة وعدم الصوم والزنى حتى يكون فعل معصية الزوج من الكبائر في دين الله.


* حديث شريف *


في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قيل يا رسول الله أيّ النساء خير؟ قال: "التي تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، ولا تُخالفه في نفسها ولا في مالها لما يكره". رواه أصحاب السنن بسند صحيح
تمنيتكـ&
تمنيتكـ&
الإسعاد.. واجب الزوجة

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. الروم 21.

في هذه الآية الكريمة تحديد للقصد من الزواج، وتوضيح لواقع الحياة الزوجية وأنّ الزواج الذي لا ينضح بالسكينة وهي: الطمأنينة والغبطة وأشمل وأعمق من ذلك، لا يتّصف بهذا الوصف الإلهي للزواج، والحياة الزوجيّة التي يرتضيها الله لعباده المؤمنين. وفيه مفهوم أنّ خلق المرأة من ضلع الرجل معجزة، وجعلها زوجة يسكن إليها الرجل معجزة كمعجزة خلقها. فالسكينة أي السعادة والغبطة والطمأنينة والحبور والاستسلام الكلّي لقدر الله، كلّها مجتمعة إهداء من الله، نعمة من الرحمن الرحيم إلى الرجل في قالب أنثوي سمّاه تعالى امرأة، وأباحها للرجل بالزواج.

يُذكّر الله بمعجزاته التي لا تعدُّ ولا تحصى فيأخذ واحدة منها ويلفت الانتباه إلى الإعجاز فيها بكلّ رقّة ورأفة. والآية توضح للرجل والمرأة أنّ "السكنى" أو "السكينة" شرط أساسي في استمرار زواج المسلمين. فلا سعادة لمؤمن في زواج دون سكينة. ولّما كان الإيمان يحتّم السعادة ويمنع الشقاء لا بل يستحيل التقاء الشقاء بالإيمان، يكون السعي من أجل توفير السكينة في الزواج فريضة واجبة على الرجل والمرأة. والويل لمن لا يؤدي قسطه في سبيل ذلك. والآية تبيّن بوضوح أنّ طبيعة الحياة الزوجيّة للمسلمين هي طبيعة هانئة مطمئنّة يسودها الوفاق والالتقاء الروحي. والآية بذلك تحتّم أنّ نظام الله لعلاقات العائلة بالزواج بين الرجل والمرأة وتنظيم استمرار تلك العلاقة هو النظام الوحيد الذي يحقّق وصفه تعالى لطبيعة الزواج هذا. كما أرسى الله سبحانه وتعالى الجبال أوتاداَ للأرض جعل لحياة العائلة المسلمة قواعد أساسيّة لا يجوز أن يحيد الرجل والمرأة عنها. فالعائلة في الإسلام تقوم على حقّ الرعاية المطلق للرجل، وهو فرض واجب على الرجل وليس حقّاً يمكنه التخلّي عنه. وعلى المرأة حقّ الطاعة المطلقة وهو فرضٌ واجبٌ عليها الالتزام به التزاماً حياتيّاً كالتزامها بالصلاة والصدق والأمانة. وطاعة الزوج لزوجها حقٌّ من حقوق شهادة لا إله إلاّ اله وأنّ محمداً رسول الله، فلا سعادة ولا سكينة ولا بركة في زواج لا تطيع فيه الزوج زوجها. وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا تجد المرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدّي حقَّ زوجها". فطاعة المرأة لزوجها أساس لسعادة الزوج والعائلة. وهذا واضح في موضوع الإعجاز الذي تلفت إليه الآية الكريمة: { وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}. فالآية تبيّن أنّ السعادة في الزوجة ومن الزوجة التي يتوافق معها الرجل وترضى روحه بالاطمئنان للقرب منها وتهنأ نفسه بالدخول فيها والسكنى إليها.

وحيث أنّ المرأة هي أساس السعادة في الزواج فقد شرّع الله سبحانه الأحكام التي تحتّم على المرأة طوعاً أو كرهاً أن تقوم بدورها الطبيعي في الحياة وتوفّر السعادة لزوجها. فبيّن سبحانه أحكامه وأوامره ونواهيه المتعلّقة بتنظيم العائلة والعلاقة بين الزوج وزوجه، وجعل الرعاية والقيادة للرجل وعلى المرأة الطاعة في غير معصية الله. وحتّى لا يترك للمرأة حقّ الخيار في التردّد بين القبول وعدم القبول بفرض الله عليها طاعة زوجها أبد الحياة، ربط سبحانه وتعالى طاعتها لزوجها بعبوديّتها له جلَّ جلاله، وأقفل أبواب السماء على صلاة وصوم ودعاء وتسبيح المرأة التي لا تطيع زوجها. فقال عليه الصلاة والسلام: "فإنّي لو أمرت شيئاً أن يسجد لشيء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفسي بيده، لا تؤدّي المرأة حقَّ ربّها حتّى تؤدّي حقَّ زوجها". وفي هذا إعلان واضح من الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنّ الله لا يقبل طاعةً أو عبادةً من الزوجة التي تقصّر بتأيدة حقّ زوجها وأداء واجباتها له. وكأنّه يقول إنّ طرق السماء مؤصدة الإقفال بوجه المرأة التي تعصي زوجها أو حتّى تقصّر في واجبها تجاه زوجها، وتأدية حقّه حتّى يرضى. فقبول الله من المرأة أيّة عبادة أو صدقة أو دعاء منوط بنجاحها وتمام قيامها بواجبها تجاه زوجها وإلاّ فطريق السماء عليها مقطوعة ولا تُقبل منها طاعة ولا عبادة، أي كأّنها لا تصلّي ولو صلّت وحالها كحال مفطر رمضان ولو صامت ولا حساب لأيّ صدقة تقدّمها.

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال في هذا حديث للرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا تُقبل لهم صلاة، ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة: العبد الآبق حتّى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخط عليها زوجها حتّى يرضى، والسكران حتّى يصحو". رواه الطبراني في الأوسط. من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل. وفي حديث آخر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبد أَبِقَ من مواليه حتّى يرجع، وامرأة عصت زوجها حتّى ترجع". رواه الطبراني بإسناد جيد والحاكم.

الشرط الأوّل لسعادة العائلة هو المرأة، وفي عمليّة تطويع المرأة فكريّاً ونفسيّاً لهذا الدور الحياتي يضع سبحانه وتعالى المرأة أمام الخيار الصعب في الحياة: القبول بعبوديّة الله أم الرفض، وما يؤدّي إليه كلّ أمر في كلّ عمل وخاصة في الأمور الرئيسيّة في الحياة، مصداق قوله تعالى: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا}. الملك 2. وربطه سبحانه لقبوله بتوحيده وعبادته من المرأة بطاعة وإرضاء وإسعاد زوجها يجعل معصية المرأة لزوجها أمراً بالغ الخطورة في الإسلام. ومن التمعّن في الدور العام الذي حدّده الله للمرأة في الحياة لا نجد أخطر من المعصية الزوجيّة جريمة إلا جريمة فعل الزنى التي تستوجب جهنّم في الآخرة بحسب نصوص ومدلولات الأحاديث النبويّة المتعلّقة في هذا الأمر والتي أوردناها في غير مكان. فحكم الموت على الزنى غسلٌ للذنب ويمنع جهنّم في الآخرة برحمة الله، أمّا معصية الزوجة لزوجها فليس عليها هذا العقاب وليس لها ذلك الغسل منه إذا لم تتب قبل موتها. والصدقة التي تغسل تحتاج إلى توبة، والتوبة هي العودة إلى الطاعة والارتداد عن المعصية فإذا تمّ القبول بالطاعة والامتناع عن المعصية لا تكون هناك مشكلة وبذلك يتحقّق الشرط الأساسي للسعادة وهو الزوجة المطيعة التي يرضى عنها زوجها وربّها.

إن القبول بحكم الله يعني الجنّة ومعصية حكم الله يعني جهنَّم والخيرة للرجل والمرأة أن يختار كلّ منهما طريقه ويحدّد مصيره. وهذا أمر صعب في البداية سهل إذا أمعن الإنسان نظره وفكره فيه. والله سبحانه الذي فطر العبد على الخوف كذلك فطره على الطمع ولهذا فالإسلام جاء ببيانه للحكم الشرعي يهدّد مُخالِفَهُ بعذاب الله الذي يهزُّ القلوب ويُبكي العيون فرحاً. وكما يهدّد الله المرأة التي تعصي زوجها ويخوِّفها بجهنّم كذلك يطمئنها في طاعتها ويعدها الجنّة. فالرسول عليه الصلاة والسلام يصف المرأة التي تدخل الجنّة بطاعتها لزوجها والعمل لإرضائه والسعي لاسترضائه. عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بنسائكم في الجنّة؟" قلنا: بلى يا رسول الله: قال: "كل ودود ولود، إذا أغضبت أو أسيء إليها، أو غضب زوجها قالت: هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتّى ترضى". رواه الطبراني. إعجاز الله يظهر في كلّ شيء وفي هذا الوصف إعجاز من رحمته وإعجاز من كرمه وإعجاز من تبسيط وتيسير طريق الجنّة على المرأة. سبحان الله ما أعدله وما أرأفه بالمرأة. وفوق هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم للرجال: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم". رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. فهنيئاً للمرأة تطيع زوجها وتسترضيه فتنعم بخير الدنيا وجنّة الآخرة فتسعد قبل الموت وتسعد بعد الموت، وفي الموت يتعهّدها رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.

وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قيل يا رسول الله أيّ النساء خير قال: "التي تُسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره". رواه أصحاب السنن بسندٍ صحيح. فالمرأة بهذه الصفة هي "خير" وفي حديث آخر "خير ما يكنز المرء" دليل واضح على أنّ الزوجة حتّى تدخل الجنّة يجب أن تكون في الدنيا خيرٌ لزوجها. والسعادة جزء من الخير وفي أضيق معاني الخير تكون السعادة ثمرة الخير الوحيدة التي ينعم الله بها على عبده، فالمرأة حتّى توصف بوصف الرسول صلى الله عليه وسلم أنّها "خير" يلزمها أن تكون مصدرَ سعادة لزوجها وإلاّ فكيف تُسرّ الزوج إذا نظر إليها وهي ليست مصدر سعادة له؟

مهما كانت مهمّة الزوجة سهلة أو صعبة للبعض فإنّ الصبر على مشاق الزواج أجره الجنّة كالصبر على أيّ مكرروه في الحياة. ولا يكون الصبر مأجوراً إلاّ إذا أدّى المرء حقّ الصبر بالخلق الحسن ونفسٍ راضية. فسوء الخلق والتصرّف الساخط يُبطل أجر الصبر لأنّه يناقضه.

عدمُ الشكرِ فسقٌ وكُفرٌ بنِعَم الله

عن أبي راشد الحبراني قال: قال عبد الرحمن بن شبل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنّ الفسّاق أهل النّار"، قيل: يا رسول الله ومَن الفسّاق؟ قال: "النساء". قال رجلٌ: يا رسول الله أولسنَ أمّهاتنا وأخواتنا وأزواجنا، قال: "بلى ولكنهنَّ إذا أعطينَ لم يشكرنَ وإذا ابتلينَ لم يصبرنَ". رواه أحمد 3/428. نقول وبالله المتسعان: إنّ النساء وإن كنَّ أمّهات وأخوات وبنات فليست واجبات أو دور الأمومة والأخوة والنبوّة هو الدور الأساسي لهنَّ في الحياة بل الحياة الزوجيّة وقيامها بدور الزوجة هو الدور الحياتي للمرأة ونجاحها فيه هو الذي يقرّر جنّتها أو نارها في الآخرة. إنّ الحديث يتناول "الفسّاق" و"النساء" وليس بعض النساء اللواتي لا يشكرنَ النعمة والعطاء وبعض النساء اللواتي لا يصبرنَ على بلاءٍ من مرض أو عجز، بل "النساء" وليس بدورهنَّ كأخوات وأمّهات وبنات بل بما هو عليه معظمهنَّ أي بما يشترك بهنَّ الأمّهات والأخوات والبنات أي بكونهنَّ أزواجاً فيكون التفسير: إذا أعطينّ لم يشكرنَ لأزواجهنَّ وإذا ابتلينَ لم يصبرنَ على مسؤوليّة وواجبات الزواج. والله أعلم. يؤكّد هذا التفسير حديث عن عبد الله بن عمرو قال: قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه". فشُكر الزوجة الدائم يتمثّل بسلوك حياتي معيّن طالما هي متزوّجة منه. كذلك تقبّل مسؤوليّة الزواج بكافة تقلّباتها وظروفها بنفسٍ راضيةٍ هانئةٍ بقدَرها من الله لا بصبرٍ متململ. تصديق ذلك في الحديث الشريف واضح. عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟" قلنا: بلى يا رسول الله، قال:"كل ودود ولود إذا أغضبت أو أسيء إليها، أو غضب زوجها، قالت: هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتّى ترضى".

مكاره الزواج وثوابه

الصبر مهمّة صعبة جداً في الحياة والصبر ليس تحمّل المصيبة أو تقبّلها بمعنى القبول بها والرضوخ لعبئها بل الصبر أن يرضى المرء بوقوع المصبية ويعتبر واقعها المفروض حالة من حالات الحياة الطبيعيّة التي يلزم التعايش معها وتطويع الإمكانيّات للعيش الهنيء في ظلّ الواقع المستجدّ. وهذا الصبر هو المهمّة الصعبة في الحياة. ولذلك أمر الله المؤمنين وحدهم من دون البشر بالتجمّل بفضيلة الصبر فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. وقال سبحانه: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.

وفي حديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتّى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة". رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. فالصبر على المصائب هو من ميزات المؤمنين الذي هم أهل الجنّة الأصليين أي الذين يدخلون إلى الجنّة دون المرور بجهنّم أي بدون عقوبة مؤقّتة عليهم بل مباشرة برحمة من الله تعالى والله أعلم.

والصبر حتّى على المرض أجره الجنّة، عن أبي هريرة قال: "جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله لي، فقال: إن شئت دعوتُ الله فشفاك، وإن شئت صبرتِ ولا حسابَ عليك! قالت: بل أصبر ولا حساب عليَّ". وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عبّاس: ألا أريك امرأة من أهل الجنّة؟ قلتُ: بلى قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّي أصرع، وإنّى أتكشّف، فادعُ الله لي، قال: إن شئت صبرتِ ولك الجنّة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت: أصبر فادعُ الله لي أن لا أتكشّف فدعا لها".

ومن قراءة الآية أعلاه وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وإمعان النظر في صبر الآية وفي صبر حديث المرأة التي بها لمم والمرأة التي بها صرع وتتكشّف يمكن الاستنتاج أنّ هناك نوعين من الصبر: الأوّل صبر على المصائب التي لا يمكن تفاديها، والثاني صبر على المصائب التي يمكن تفاديها. ومن رحمة ربّي على عباده أن جعل الأجر متساوياً في الحالتين بينما الشيء الذي يظنّه الإنسان العادي أن يكون الأجر متفاوتاً فيكون أكثر على المصيبة التي يمكن تفادي استمرارها كما كان في حال مصيبة مرضى المرأتين في حالتي اللمم والصرع فهما ارتضتا استمرار تحمّل المرض وألمه بعد تخيير الرسول عليه الصلاة والسلام لهما بين الشفاء أو تحمّله بأجر ومغفرة من الله تعالى، وأن يكون أقلّ في المصائب المفروضة والتي لا قِبَل للمرء بمعالجتها من مثل اضطرار الجرّاح إلى قطع الساق، فهذا الأمر لا يخيّر فيه المرء مثلاً فتقبّله العيش والتكيّف مع انعدام الساق أيضاً فيه أجر ومغفرة من الله على صبر المؤمن وهو من النوع الذي ورد معناه في الآية الكريمة أعلاه.

الصبر على المكاره طريق الجنّة

ومن المكاره في الدنيا عدم التوافق الزوجي، واعتبار منغِّصات الزواج من المكاره لأنّ الزواج في طبيعته حالة من حالات الطمأنينة للإنسان ومسكن للمودّة والرحمة وللعيش بإحسان. وزواية من زوايا السعادة الأربع. ومن الطبيعي أن توجد ظروف أو تنشأ حالات تجعل الزواج غير عابق بالسعادة وتشوبه الفظاظة بدل المودّة أو الغلاظة بدل الرحمة، فقد يسوء طبع الزوج أو تسوء طباع الزوجة فيتحوّل العيش الزوجي إلى تعاسة بعد هناء. وبهذا يتحوّل الزواج إلى مكروب قد تقارب حدّ المصيبة إذا تعدّت حدود المكاره كأن تصل إلى نشوز أو تطاول المرأة بلسانها. في جميع حالات صبر الزوج على الزوجة أو صبر الزوجة على الزوج أجر كبير لمن يصبر على المكروه.

ففي صبر المرأة على أمور زواجها إطلاقاً، وتأدية حقّ الطاعة التي فرضها الله عليها لزوجها بغضّ النظر عمّا إذا كانت ترى فيه مساوىء أو لا ترى مساوىء، إمتلاك مفتاح من المفاتيح الأربعة لكافة أبواب الجنّة إذا جاز التعبير. عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئت". رواه أحمد والطبراني. ذلك أنّ الزواج وإنجاحه يتوقّف على المرأة أكثر منه على الرجل، لأنّه يتوقّف إلى حدّ بعيد على قبول المرأة بطاعة الرجل زوجها وخضوعها لقيادته للعائلة. فطاعة إنسان لإنسان أمر صعب جدّاً ولعلّ أصدق برهان على صعوبته هو عظيم الأجر الذي جعله الله تعالى ورسوله فيه ومساواته صلى الله عليه وسلم وأداء فرض الصلاة، وصيام شهر رمضان ومقارنته بحفظ الفرج الذي لا يحلّ لأحد في الدنيا إلاّ لواحد على ميثاق من الله. جعل طاعة الزوج لزوجها بهذا المستوى من العبادة دلالة واضحة على أنّ الطاعة المفروضة أمر صعب جدّاً يحتاج إلى إيمان مطلق بالتسليم لأمر الله وعزيمة لا تتزعزع بعمل دؤوب للقيام بفريضة الطاعة بالوجه الذي يقبله الله تعالى. هذا بالإضافة إلى مساواته أجر طاعة الزوج لزوجها بأجر الشهيد في سبيل الله ومساواته فعل الطاعة بفعل الجهاد. نقول بالوجه الذي يقبله الله تعالى حتّى يكون أداؤه كما أمر به الله، فالعمل عبادة لله أوّلاً وآخراً لا للزوج ولا يمكن للزوج المؤمن إلاّ أن يرضى في ما يرضى به الله.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه ناراً، إنّما هو التمر والماء، إلاّ أن نؤتى باللحيم". وفي رواية رضي الله عنها قالت: " ما أكل آل محمد أكلتين في يوم واحد إلاّ وإحداهما التمر". فهل لامرأة أن تصبر كما صبرت أمّ المؤمنين عائشة صلاة الله عليها وسلامه ورضوانه.

إنّ الصبر على الظروف ومنه المرض والأفعال جعله الله غسلاً للذنوب فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة". فالصبر مطلقاً على كلّ ما ترفضه النفس إن فرضته الظروف أو الأحداث فيه أجرٌ إن شاء الله. وحتى الصبر على المرض فإنّ فيه غسلاً للذنوب فعن جابر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمّ السائب، فقال: "ما لك تزفزفين؟" فقالت: الحمّى لا بارك الله فيها، فقال: "لا تسبّي الحمّى، فإنّها تُذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد". أخرجه مسلم.

ولا يجوز التذمّر من كثرة الجهد والعمل في المنزل حتى مع قدرة الرجل على توفير خادم يساعد زوجه في أعمال المنزل فليس ذلك واجباً عليه بل متروك لاختياره وتقريره وحده. عن أبي ورد بن ثمامة قال: قال علي رضي الله عنه لابن أعبد: ألا أحدّثك عنّى وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت من أحبّ أهله إليه؟ قلتُ: بلى قال: إنّها جرّت بالرُّحى حتى أثرّت في يدها، واستقت بالقربى حتى أثّرت في نحرها، وكنست البيت حتّى اغبرت ثيابها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الخدم، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً، فأتته فوجدت عنده أحداثاً، فرجعت، فأتاها من الغد فقال: " ما كانت حاجتك؟" فسكتت. فقلت: أنا أحدّثك يا رسول الله، إنّها جرّت بالرّحى حتى أثّرت في يدها، وحملت بالقربى حتى أثّرت في نحرها، فلمّا أن جاء الخدم أمرتها أن تأتيك تستخدمك خادماً يقيها حرّ ما هي فيه، فقال: "إتّقي الله يا فاطمة، وأدّي فريضة ربّك، واعملي عمل أهلك، وإذا أخذت مضجعك: فسبّحي ثلاثاً وثلاثين، واحمدي ثلاثاً وثلاثين، وكبّري أربعاً وثلاثين، فذلك مائة، هي خير لك من خادم". قالت: رضيت عن الله وعن رسوله، ولم يخدمها خادم.

والفقر ليس مبرّراً للتذمّر عند المؤمن والمؤمنة بل في معظم الأحيان يكون الصبر على الفقر طريقاً للجنّة وإذا أدرك المؤمن أنّ الرزق من الله يؤتيه من يشاء بقيت حياته في الدنيا نعيماً رغم فقره ونال الجنّة بصبره على مرارة عيشه. وإن لم يصبر تحوّلت حياته إلى جحيم وكان تذمّره طريقاً إلى جهنّم في الآخرة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن سرّك اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب، وإيّاك ومجالسة الأغنياء، ولا تستخلفي ثوباً حتى ترقعيه". أخرجه الترمذي. وزاد رزين فقال: قال عروة: فما كانت تستجدّ ثوباً حتى ترقع ثوبها ولقد جاءها يوماً من عند معاوية ثمانون ألفاً، فما أمسى وعندها درهم. فقالت جاريتها: فهلا اشتريت لنا منها بدرهم لحماً؟ فقالت رضي الله عنها: لو ذكرّتني لفعلت.

فآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم سادة البشر في الدنيا والآخرة إن شاء الله، ونساؤه أفضل آل بيته وعلى رأسه سيّدتنا وأمّ المؤمنين عائشة وابنته سيّدة نساء الجنة فاطمة عليها وعليهم جميعاً صلاة الله وسلامه. فمَن للمرأة المسلمة أن تقتدي به خير من أمّ المؤمنين حتى قيام الساعة. إنّ أعظم أمنية للمرأة المسلمة وأسمى ما يلزمها الطموح إليه بعد الإيمان هو التشبّه والاقتداء بأمّهات المؤمنين وهذه منّة وفرصة لم يمنحها الله لأمّة غير نساء الأمّة الإسلاميّة.

تكفي قصّة السيّدة عائشة برقع ثوبها قبل أن تستحدث ثوباً آخر ليزرع الإيمان في نفوس نسائنا. إنّ الثوب لا يقدّم ولا يؤخّر في قيمة الإنسان من ذكر أو أنثى لا في الدنيا ولا في الآخرة. ويكفي بقصّة السيّدة عائشة وإنفاقها للثمانين ألفاً دون أن تبقي درهماً واحداً أو حتى تتذكر أن تبقي منها لشراء اللحم وبيتها خالٍ منه لزرع الإيمان في نفوسنا. إنّ الرزق من الله يؤتيه من يشاء وإنّ الصدقة طريق للجنّة وإنّ المؤمن والمؤمنة عندما يبذلان في سبيل الله يلزمهما البذل دون حساب خوف أن يدركهما الموت ولم يبذلا قدر ما مكّنهما الله من البذل. ويكفي في قصّة السيّدة عائشة في أنّها كانت تمضي الشهر لا يتوفّر لها أن تأكل غير التمر والماء لتزرع في نفوسنا الإيمان بأنّ العمر لا يمدّه بطرٌ ولا يُنقصه خواء معدة والقناعة بأنّ قلّة الأكل لا تورث مرضاً وكثرة الأكل ليست مانعاً للمرض وإنّ الأكل قدّره الله حاجة في الإنسان لتغذية حياته ووقوداً لحركته وإنّ القدر اليسير منه يفي بغرض الحياة.

ويكفي بقصّة سيّدتنا فاطمة باستغنائها عن الخدم بالتسبيح والحمد والتكبير برهاناً أنّ الله لا يرضى من عبده الكسل والخمول كائناً من كان وإنّ الله خلق الذكر والأنثى للعمل قدر طاقةٍ قدّرها الله في الإنسان، وإنّ على الإنسان وجوب تأدية حقّ هذه القدرة التي أعطاه الله إيّاها لا منعُها وكبتها. وإنّ العمل، مطلق عمل، يقوم به المرء مختاراً أو مكرهاً، استجابة لأمر الله بأن يؤدّي واجبه في الحياة هو عبادة، لأنّ عبادة المؤمن وسرّ هذه العبادة أو فلسفتها دائمة في كلّ عمل، وإدراك الإنسان صلته بالله تعالى وهو يؤدي العمل أيضاً عبادة، أي قيامه بمطلق عمل بالنظام أو الطريقة التي بيّنها الشرع هو عبادة. وهذه هي فلسفة مزج المادّة بالروح في الإسلام وهو أمر تفرّد به الإسلام وحده منذ أن وُجد آدم ولم يعطَ لأمّة قطّ فخر وشرف ونعمة عبادة الله في كلّ أمر من أمور الحياة إلاّ للمسلم وحده.

الصبر مظهر يحتّمه الإيمان بالله ورسوله والوعي على مفاهيم الإسلام ورسالة المسلم التي تحتّم وضوح وتحديد المثل الأعلى في الحياة، وهو ابتغاء مرضاة الله في كلّ عمل يقوم به المسلم وذلك بالتقيّد بالأوامر والنواهي التي تحدّد طريقة القيام بالعمل، إن كان في التجارة أو الدراسة أو في المجابهة بالحرب أو انسحاب المداورة أو الإجارة أو المشاركة أو غيره. فواقع الحياة أنها تحتّم على الإنسان القيام بأعبائها وهذا أيضاً يحتّم مواجهة مصاعب وعقبات ومعوقات ووقوع ما يكره الإنسان. فإذا توطّدت النفس على الاعتقاد أنّ أصل العمل في الحياة هو التقيّد بالحكم الشرعي وأنّ نتائج الأفعال مقدّرة من الله وأنّ قدرة الإنسان محدودة وضعيفة في درء المصائب والمكاره، والصبر عليها وعدم اليأس والقنوط عند وقوع مكروه، وتكييف النفس مع المصيبة، أو المكروه فيه أجرٌ كبير من الله تعالى، يستطيع بهذا الاعتقاد أن يطمئنّ إلى غده في الآخرة سواء وقعت مصيبة أو ألمَّ به مكروه أم لا. وبذلك تهون عنده المصائب ويحيا حياةً مستقرّة هنيئة دونما اعتبار إلى مروره بمصيبة أو مكروه أو معاناة وهذا الفهم هو عامل أساسي للسعادة في الحياة.

عن يعلى بن عتبة أنّ رجلاً كانت له امرأة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة صالحةً وكانت إذا دخل عليها قالت: مرحباً بسيّدها وسيّد أهل بيتها وإن كان هّمك لآخرتك فزادك الله همّاً وإن كان همّك الدنيا فإنّ الله عزّ وجلّ سيرزقك ويحسن إليك. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما تقول فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لها نصف أجر المجاهد في سبيل الله وهي عامل من عمّال الله".

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"أتت النساءُ النبيّ وقلنَ: يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل من الجهاد في سبيل الله ما لنا من عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله قال: "مهنة إحداكنَّ في بيتها تُدرك بها عمل الجاهدين في سبيل الله".

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة، إذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من الله كانت في بيتها". أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع.

عن السائب مولى أمّ سلمه رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير مساجد النساء عقر بيوتهنًّ". أخرجه أحمد في مسنده 6/197، 301. وابن خزيمه في صحيحه 3/92 والمنذري في الترغيب والترهيب 1/188.

عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه علي عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنّة؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "الولود الودود التي إن أغضبته أو غضبت قالت: يدي في يدك لا أكتحل غمضاً حتّى ترضى عنّي".

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: تزوّجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه، قالت: فكنتُ أعلف فرسه وأكفيه مؤونته وأسوسه وأدقّ النوى لفاطمة وأغلفه وأستقي الماء وأفرز قربه وأعجن ولم أكن أحسن الخبز فكانت تخبز لي جارات من الأنصار، وكنَّ نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير – التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي منّى على ثلثي فرسخ قالت: فجئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفرٌ من أصحابه، فدعاني ثمّ قال: آخ، ليحملني خلفه قالت: فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّي قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّي وعلى رأسي النوى ومعه نفرٌ من أصحابه فأناخ لأركب معه، فاستحييت وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى كان أشدّ عليَّ من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس فكأنّما أعتقني. أخرجه البخاري في كتاب النكاح: باب الغيرة. ورواه أحمد في مسنده 6/347. هذا كان صبر أسماء بنت أبي بكر صدّيق الوحي الإلهي في كلّ يوم وفي أيّ أمر، بنت أخلص المؤمنين بالرسول وأصفاهم قلباً. وتلك قصّة فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وزوج أحبّ الناس إلى قلبه الأمين زوج علي أكرم المؤمنين حسباً وسيّد الشجعان والشهداء وجار الرسول في الجنّة، ومن قبل قصّة عائشة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم سيّدة نساء الجنّة وأمّ المؤمنين. كلّ المؤمنات كنَّ يتفانينَ بخدمة أزواجهنَّ وبيوتهم والقيام بحقوق الحياة الزوجية وتربية الأولاد بنفسٍ راضية خاشعة مستسلمة لدورها الطبيعي في الحياة.

عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك ما من امرأة تسمع مقالتي إلى يوم القيامة إلاّ سرّها ذلك، الله ربّ الرجال والنساء، وآدم أبو الرجال والنساء، وحوّاء أمّ الرجال والنساء، وأنت رسول الله إلى الرجال والنساء، كتب الله الجهاد على الرجال فإن استشهدوا كانوا أحياء عند ربّهم يرزقون وإن ماتوا وقع أجرهم على الله وإن رجعوا آجرهم الله ونحن النساء نقوم على المرضى ونداوي الجرحى فما لنا من الآخرة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا وافدة النساء أبلغي من لقيتِ من النساء طاعة الزوج واعترافها بحقّه يعدل ذلك كلّه". الحديث بتمامه أخرجه الديلمي في مسنده رقم 8544.

وافدة النساء أي مبعوثتهنَّ أو سفيرتهنَّ عرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم ما يجول بخاطر النساء كجنسٍ دائم الوجود حتى قيام الساعة ولم تكن تحكي خاطرها فقط ولا خواطر المسلمات في مدينتها أو عصرها. وهي بهذا الطرح جعلتها قضيّة المرأة على الدوام كما قالت: إلى يوم القيامة. وجواب الرسول صلى الله عليه وسلم كان ردّاً على هذا الطرح إلى يوم القيامة: "طاعة الزوج واعترافها بحقّه يعدل ذلك كلّه". الاستشهاد وإحياء الله للشهيد وإرزاقه قبل البعث أو الانتصار والرجوع معافى إلى أهله أو جريحاً مأجورٌ يوم الحساب، أيّ حالة من تلك الحالات التي هي أرفع درجات الإيمان وأسمى مظاهر العبودّية للخالق الجبّار والتي ينال مستحقّها أجزل الثواب في الحياة الآخرة ويحيا في أعلى مراتب الجنّة خالداً في أوفر النعيم الدائم، كلّ ذلك يعدله عند المرأة طاعة الزوج واعترافها العملي بحقّه عليها. ومع هذا الجزاء الوافر للعمل المتيسّر " قليل منكّن مَن يفعل ذلك ".

الفصل الثالث:

الفحش ... المرأة الفاحش

حرَّم الله تعالى نشوز المرأة وإتيان الفاحشة تحريماً قاطعاً وجعل عقاب ذلك جهنَّم وعذاباً شديداً في الآخرة. أمّا النشوز فهو المعصية من الزوجة لزوجها والتباعد والإعراض من الزوج عن زوجة. أمّا الفاحشة فحسب موضعها في الآية، ففي قوله تعالى: { وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}. معناها الزنى. وفي قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}. معناها معصية الزوج وبذاءة اللسان والتطاول والوقاحة على الزوج. لأنّه لو كان معناها هنا الزنى وقد علمه الزوج وليس عنده شهود أربعة فله ملاعنتها لإقامة الحدّ عليها وإذا أصرّت على إنكارها فلا سبيل لإقامة الحدّ عليها ويكون للرجل طلاقها، وليس له أن يمسكها ليضارها حتى تفتدي منه بمالها وقد وجدها تزني وتيقّن منه دون وجود الشهود. فالشهود لإثبات الزنى من أجل إقامة الحدّ وليس لإثبات الزنى فقط. فإن ثبت للزوج الزنى دون شهود فليس له إمساكها حتى تختلع وتفتدي نفسها منه وهذا بإجماع العلماء. ثم إنّ الآية: { وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }. تعني لا تمسكوهنَّ حتى تسترجعوا بعض الأموال التي أعطيتموهنَّ أي أنّ ذلك غير مباح ولا يجوز لكم أن تمسكوهنَّ ضراراً أي لإلحاق الأذى بهنَّ إلاّ في حالة واحدة هي أن تأتين بفاحشة مبيِّنة والفاحشة المبيِّنة هي المعصية الظاهرة. في هذه الحالة لا يكون العَضل ظلماً بسبب إتيانهنَّ الفاحشة المبيِّنة. على أنّ علماء الأمّة ابن مسعود وابن عبّاس والضحاك وقتاده قالوا: الفاحشة المبيِّنة في هذه الآية البغض والنشوز، قالوا: فإذا نشزت حلّ له أن يأخذ مالها؛ وهذا هو مذهب مالك. وقال أبو عمر: إنّ الفاحشة قد تكون البذاءة والأذى ومنه قيل للبذيء: فاحش ومتفحّش والبذيء والبذاء هو التطاول باللسان. فالمتفحّشة أو المرأة الفاحش هي التي تتطاول باللسان وتنطق بقبيح الكلام وسيء اللفظ.

عن عمر بن الأخوص الجشمي: "أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع يقول: بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ. ثم قال: ألا واستوصوا بالنساء خيراً. فإنّما هنَّ عوان عندكم، ليس تملكون منهنَّ شيئاً غير ذلك، إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيِّنة، فإن فعلن فاهجروهنَّ في المضاجع، واضربوهنَّ ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلاً، ألا إنّ لكم على نسائكم حقّاً، ولنسائكم عليكم حقّاً، فحقّكم عليهنَّ: أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون. ألا وحقّهنَّ عليكم: أن تحسنوا إليهنَّ في كسوتهنَّ وطعامعنَّ". رواه ابن ماجه والترمذي. عوان عندكم: بمعنى أسيرات في عهدتكم، بمعنى هنَّ مستسلمات لكم لا يستطعن أن يقدِّمنَ أكثر من استسلام الأسيرات. فهنَّ عاجزات لذلك عاملوهنَّ بالخير. وهم على تلك الحال من وجوب الاستيصاء بهنَّ عاجزات لذلك عاملوهنَّ بالخير. وهم على تلك الحال من وجوب الاستيصاء بهنَّ بالخير ما دمن لا يأتين بالفاحشة المبيَّنة التي هي المعصية وبذاءة اللسان، التطاول بالكلام واستعمال بذيئه. فمن تأتي بالفاحشة أي تتطاول باللسان أو معصية الزوج يكون استيصاؤها بالخير أن تردع بالموعظة فإن فاءت إلى رشدها كان خيراً وإلاّ هجرها زوجها في الفراش. فإن هداها الله كان خيراً وإلاّ فلزوجها أن يضربها ليؤدِّبها ويقوِّم سلوكها ويفرض عليها الامتثال لحكم الله. فالضرب هو العلاج الأخير الواجب لردعها عن النشوز والمعصية والتطاول. فإن ذكرت الله وخافت عذابه ورجعت عن معصيته فلا تطغوا في العقاب وتتمادوا في أيّ شكل من أشكاله مثل دوام الهجر والوصول بالعقاب إلى أكثر ممّا يردع. والضرب لا يكون على الوجه ولا يكون مبرحاً.

والترتيب الذي جاء بالحديث هو نفس الترتيب الذي جاء بالآية الكريمة: { وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. النساء 34. فالنشوز: هو العصيان وقد تكون دلالته بالقول أو بالفعل؛ فإن رفعت صوتها عليه، أو لم تجبه إذا دعاها، ولم تبادر إلى أمره إذا أمرها، أو لا تخضع له إذا خاطبها، أو لا تقوم له إذا دخل عليها غير آبهة به واستعملت قبيح الكلام وتمادت في وقاحتها. وقد جعل الله علاج نشوزها مرتَّباً الأخفّ فالأشدّ ولا يجوز سبق الشديد على الخفيف والقصد من الكلّ ردع النفس المؤمنة، وليس تحطيمها ويتوقّف العقاب بتوقّف السبب. ومن يبتغ من الرجال وراء ذلك فليذكر قدرة الله عليه: { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. أي إنّ الله أقدر عليه منه عليهنَّ فليقف حيث يلزم التوقّف إذا عدنَ إلى الطاعة.

وجاءت الفاحشة بهذا المعنى أي البذاءة في اللسان والاستطالة بها على مَن هو ساكن معها في ذلك البيت مرّة أخرى في الآية الكريمة: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}. الطلاق 1.

قال ابن عبّاس في تفسير { إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} في هذه الآية: فإذا بذأت عليهم بلسانها فقد حلَّ لهم إخراجها لسوء خلقها. ومع أنَّ حكم الله في المطلَّقة أن تحصي عدّتها ملازمة لبيتها لا تخرج منه ولا تُخرج منه حتى انقضاء عدّة الطلاق أمر واجب إلاّ أنّها إذا كانت سيّئة الخلق بمعنى أنّها تتطاول بلسانها على مَن يساكنها في البيت حتى على غير زوجها مطلِّقها فإنّها تُخرَج ولا تُساكَنُ. بذاءة اللسان والوقاحة والتطاول وعلو الصوت عيب كبير في أيّ شخص رجلاً كان أو امرأة بمقاييس كلّ المجتمعات وأجناس الناس. وهو عيب أكبر ونقيصة مهينة إذا وجدت في المرأة في أيّ مجتمع إسلامي أو غير إسلامي. ولكنّه في الإسلام جريمة سمّيت بنفس اسم جريمة الزنى وإن كانت تختلف عن الزنى بفعلها. ولعلّه السبب الوحيد الذي يطلِّق فيه الرجل زوجته طلاقاً غير مكروه فيه للرجل أن يطلِّق. فالطلاق إطلاقاً على عمومه قال فيه عليه الصلاة والسلام: "ما أحلَّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق". أخرجه أبو داود موصولاً عن عبد الله بن عمر ومرسلاً ورواه محارب بن دثار من ثقات التابعين. وعن علي كرَّم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تزوّجوا ولا تطلِّقوا، فإنّ الطلاق يهتزّ منه العرش". فالطلاق شرٌّ كبير وهو الانتصار الأكبر للشيطان ولذلك شرَّع الله أحكاماً لحماية الزواج لا يمكن معها تدميره أو للطلاق أن يقع إلاّ أن يكون أحد الفريقين قد نشز أو أنّ المرأة أتت بالفاحشة المبيِّنة. وهذه الأمور نبَّه الله تعالى والرسول عليه الصلاة والسلام المؤمن أن يكون دائم الحذر من مكائد الشيطان ومحاولاته التي لا تنتهي للإيقاع بكلّ رجل وامرأة في الحياة وفي كافة جوانبها.

نقول – والله أعلم: إنّ نشوز المرأة أو إتيانها الفاحشة المبيِّنة وإصرارها على فعل هذا الحرام رغم الوعظ والهجر والضرب قد يكون السبب الوحيد الذي يكون فيه الطلاق من الرجل غير مكروه فيه أن يطلّق هو بسبب الاستثناء الصريح في الآية والحديث. في الآية { إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} وفي الحديث "فإن أطعنكم فلا تبغوا" مفاده إن لم يطعنكم فابغوا عليهنَّ سبيلاً وهي هنا تعني لا تمعنوا بالعقاب والوصول إلى آخر العقاب الذي هو الطلاق إلاّ إذا لم يطعنكم وعندها لا يكون ذلك بغياً لجوازه شرعاً والشرع لا يمكن أن يجيز البغي. والآية: { لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} استثنى الإخراج من بيت قضاء العدّة وهو أمر ممنوع شرعاً ولكن أذن الله تعالى به في حالة مستثناة هي حالة الإتيان بالفاحشة المبيِّنة. وهذا تكرار للحكم الشرعي الذي يُسقط حقوق المرأة الناشز والمرأة الفاحش أو المتفحِّشة. حتى حقّ النفقة، ووجوب وفرضيّة إنفاق الزوج على الزوجة تسقط إذا نشزت أو فحَّشت، وكذلك يحرمها النشوز والتفحُّش حقوق الكرامة، فتسقط جميع أحكام إجراءات صون كرامتها من قبل الزوج في فترة ما قبل وأثناء وما بعد عملية التطليق بسبب المعصية لزوجها والتطاول عليه باللسان وعلوّ صوتها على صوته بالكلام البذيء وظهور الوقاحة في قولها وفعلها.

إنّ حكم الإسلام في التحادث والتخاطب بين البشر عامة مسلمين وغير مسلمين له قواعد تحتِّم مستوىً راقياً جدّاً من الخلق الكريم والتراحم والتودّد في الألفاظ والتعابير المتداولة. والحدّ الأدنى لرقي المستوى في تعامل المسلم مع غيره من البشر واجب مفروض والترقّي عنه ورفع درجة التراحم والتودّد في الألفاظ والعبارات خلق يزيده الشرع تكريماً بجزيل الثناء والأجر الذي يسبغه الله تعالى على عباده ذوي الخلق الكريم. وفي هذا الموضوع بحث تفصيلي واسع يمكن الرجوع إليه لكلّ مسلم بأيسر الوسائل. ولكنّه من بديهيّات القول أنّ الله سبحانه وتعالى والرسول صلى الله عليه وسلم أمر وحثَّ على مكارم الأخلاق في القول والفعل وجعله أساساً في شخصيّة المسلم. إلاّ أنّ الحكم الشرعي اعتنى عنايةً خاصة بالعلاقة بين الرجل والمرأة بالرغم من كلّ تشريعاته في هذا الأمر للعامة من تجّار وعمّال ورفاق وأقارب وجيران وغيره. فقد حرص الشارع على أن ينفرد بتفصيل تنظيمٍ للعائلة وعلاقة الرجل بزوجه، وذلك بتشريع خاص يشدّد ويمعن في الحرص على توفير مستوى خلقي أعلى بين الزوج والزوجة والأولاد زيادة في تحصين العائلة من احتمالات التفكّك والاختلاف والانحلال.

في الآية الكريمة: { وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}. قاعدة عريضة فيها الحدّ الأقصى والحدّ الأدنى والواجب والمندوب والمكروه من قواعد الخلق والسلوك التي ينبغي للرجل والزوج الحرص عليها وعدم تجاوزها والوقوع في الحرام. فأيّ شطط عن حدود الله وقوع في فخ الشيطان التي ينصبها لكلّ إنسان ويتربصّه بها طوال فترة حياته ينتظره أن يقع في شباكه إذا ما خرج عن حدود الله التي أمر الله ورسوله المسلمين بالبقاء داخلها وعدم تجاوزها.

في هذه الآية تحريم على المرأة التطاول في الكلام وهذا يكون بارتفاع صوتها على صوت زوجها أو استعمال سيّء اللفظ معه. فكلاهما تطاول ووقاحة وفحش وتفحّش والعياذ بالله. وهذا يوجب العقاب الشديد للمرأة في الحياة الدنيا وفي الآخرة. ففي الدنيا يعذر الله الرجل في تطليق الوقحة ويعذر في إمساكها ضراراً حتى تفتدي نفسها منه. فالشرع أجاز معاقبتها بحرمانها من حقّها المالي في مهرها المتأخّر ونفقتها الواجبة. ولا شكّ أنّ هذا العقاب لها وهذه الرخصة للرجل قصدها الشارع أن تكون زاجراً قوّياً وحائلاً أخيراً يردع المرأة عن الاستمرار في فحشها وتفحّشها ووقف وقاحتها وبذاءة لسانها. فقد أمر الله الرجل بكلّ وضوح وصراحة بوجوب معاملة الزوجة بالرحمة والمعروف وجعل مخالفة ذلك جريمة تستوجب تهديده بتذكيره الدائم بقدرة الله عليه وكم قدرة الله أكبر من قدرته على زوجه. فقال تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} حتى لو خرج حبّهنَّ من صدوركم مفروض عليكم أن تحسنوا إليهنَّ وتكرموهنَّ وتعاشروهنَّ بالمعروف. فالكره ليس سبباً في سوء المعاملة إطلاقاً ولذلك يقول تعالى: { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنّما هنَّ عوان عندكم". فالمرأة جعلها الشرع أمانة عند الرجل لا يجوز له التفريط بحقّها إلاّ في حالة واحدة وهي إذا نشزت أي عصت زوجها أو تفحّشت أي تطاولت باللسان بنبرة الصوت أو بذيء اللفظ.

وفي المندوب أن يصبر الرجل على نشوز امرأته طالما يستطيع ذلك ويعتبرها من المصائب والبلاء الذي يصيب الله به عباده ليمتحنهم في الشدائد. والصبر على البلاء في الدنيا جعله الله غسيلاً للذنوب فقال تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}. وقال عليه الصلاة والسلام: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة". رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. فصبر الزوج على زوجه في حال نشوزها وتفحّشها ليس فرضاً ولكن فيه مغفرة وأجر كبير من الله تعالى إن شاء الله. كذلك صبر المرأة على ما تكره من زوجها ومحاولة معالجة إعراضه عنها وابتعاده وكره مجالستها وعلى فرض الله عليها استرضاءه فإن نجحت أرضاها الله في الدنيا ورضي عنها في الآخرة وإن لم تنجح لعيب في الرجل لا لتقصير منها رضي الله عنها كذلك وأجزل لها في ثواب الآخرة.

وللتدليل على أنّ فحش المرأة المتزوّجة وتفحّشها بنطق اللفظ السيّء بنبرة الساخط وعلوّ الصوت فوق مدى أذني الزوج، والفحش والتفحّش والفجور بمعنى واحد، أنّه جريمة الجرائم وأمّ المعاصي للمرأة وليس بعد هذا من ذنب إلاّ الكفر الصريح وأنّ تحريمه في الإسلام هو من تحريم الكبائر، الحديث الشريف: عن كثير بن مره عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ فجور المرأة الفاجرة كفجور ألف فاجر وإنّ برَّ المرأة المؤمنة كعمل سبعين صديقاً".

* حديث شريف *

عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

"إنّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئاً، ثم يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت، فيلتزمه".

رواه مسلم

النشوز... المرأة الناشز

قال الله تعالى في سورة النساء الآية 34: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}.

في هذه الآية بيان حكم الله أنّ الرجل يحكم المرأة ويرعاها. وقوَّام مفرد قوَّامون على وزن فعَّال للمبالغة ومعناه القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بكل جهده. فقيام الرجال على النساء هو على هذا الوجه، حقٌّ وواجب مفروض من الله على الرجل أن يقوم به وعلى المرأة قبوله. وهو أن يقوم الرجل بتدبير أمورها وكفايتها وحمايتها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من الخروج، وأنّ عليها طاعته وقبول أمره في غير معصية الله. وعلّة تفضيل الرجال على النساء في أحكام الإرث بيَّنه الله لما على الرجل من حقّ المهر والنفقة على المرأة. أمّا علّة الرعاية وقيام الرجل على المرأة فهو ما تميّزت به طبيعة الرجل ممّا هيّأه لأعمال لا تستطيع المرأة القيام بها من مثل التبصّر بالأمور وسعة الإدراك والشعور الطبيعي بالمسؤولية العامّة تجاه عائلته ومجتمعه، وشدّة بأسه وقوّة احتماله وقيامه بالقتال للذود عن معتقداته ودينه وبلاده وعرضه، ومباشرته الرعاية العامة للناس وهو العمل السياسي وتحمّله ومشقّة العمل لكسب قوت عياله من زوجةٍ وأطفال. وكثير غير هذه الأعمال ممّا يحتاجه أمر تدبير أمور الحياة وتذليل مشاقها. وقيل لأنّه غلب على طبع الرجل الحرارة واليبوسة فتكون فيه شدّة وبأس، بينما طبع النساء غلبت عليه الرطوبة والبرودة فيكون فيه معنى اللين والضعف بينما الرعاية والتربية والتوجيه والنهوض بأعباء الحياة إنّما يحتاج إلى شدَّةٍ وبأس ولا تنهض الأمم بلين وضعف. وأيضاً بما كان عليهم من واجب الإنفاق الدائم على الزوجة بقول الله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} للمهر ونفقة العيش.

جاء في القرطبي في تفسير الآية: { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}. مقصوده الأمرُ بطاعة الزوج والقيام بحقّه في ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج. قانتات قائمات بما يجب عليهنَّ من حقوق أزواجهنَّ بالطاعة لهم، حافظات للغيب بما استحفظهنَّ الله إيّاه من أداء الأمانات إلى أزواجهنَّ أو بحفظهِنَّ الله أي بحفظهِنَّ أمر الزوج ودينه في غيابه. وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير النساء التي إذا نظرت إليها سرّتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك" قال: وتلا هذه الآية: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} إلى آخر الآية. وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرّته وإذا أمرها أطاعتك وإذا غاب عنها حفظته". أخرجه أبو داود.

{ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} تخافون هنا بمعنى تعلمون وتتيقّنون، كذا قاله ابن عبّاس. فتخافون ليست بمعنى تشكّون في أنّها ستنشز بل التي قامت بفعل النشاز أو التي تتيقّنون أنّها صمّمت على النشوز أي المعصية. النشوز هو العصيان والتعالي عمّا أوجب الله عليهنَّ من طاعة الأزواج. وقال ابن دريد: نشزت المرأة ونشست ونشصت بمعنىً واحد وقال أبو منصور اللغوي: ومعنى نشصت السيّئة للعشرة. حيث أنّ النشوز أي معصية المرأة للرجل إذا استفحل يؤدّي حتماً إلى هدم السعادة الزوجيّة ويؤدّي إلى البغض والكراهية بين الأزواج وتحويل الزواج إلى مأساة لا يكون معها حلٌّ أو علاج إلاّ بالطلاق، لهذا أنعم الله على العباد بعدّة حلول لمعالجة النشوز من المرأة أوّلها أن توعظ فقال: {فَعِظُوهُنَّ} أي بكتاب الله وحكم الله وذكِّروهنَّ بما أوجبه الله عليهنَّ من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج، والاعتراف بالدرجة التي له عليها. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". وقال: "أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تُصبح". وفي رواية "حتى تراجع وتضع يدها في يده". فدون اعتبار لسبب هجرها لفراش زوجها، إذا لم يكن في حرام حرَّمه الله، لا يجوز إطلاقاً أن يستمرّ تفاعل انفعال الزوجة إلى طلوع الصبح، فالفرض والواجب عليها حتى تُعذر يوم القيامة على ابتعادها عن فراش زوجها طوال ليلةٍ أن تبذل جهدها في مصالحته. فإمّا أن يرضى فتُؤجر أو لا يرضى فتُعذر ويسقط إثمها وتؤجر بنعمةٍ من الله.

روى الطبراني في حديث جاء بآخره قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّي رسول النساء إليك، وما منهنَّ امرأة علمت أو لم تعلم، إلاّ وهي تهوى مخرجي إليك. الله ربّ الرجال والنساء وإلههنَّ، وأنت رسول الله إلى الرجال والنساء، كتب الله الجهاد على الرجال، فإن أصابوا أُجروا، وإن استشهدوا كانوا أحياءً عند ربّهم يرزقون، فما يعدل ذلك من أعمالهم من الطاعة؟ قال صلى الله عليه وسلم: "طاعة أزواجهنَّ، والمعرفة بحقوقهم وقليل منكنَّ مَن يفعله".

وعن أَنَس بن مالك، في قصّة سجدة الإبل له صلى الله عليه وسلم، يرفعه: قال صلى الله عليه وسلم: "لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقّه عليها، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد، ثم استقبلته فلحسته ما أدّت حقّه". معنى تنبجس تتفجّر وتنبع.

عن أبي هريرة، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: "أنا فلانة بنت فلان، قال: قد عرفتك، فما حاجتك؟ قالت: حاجتي إلى ابن عمّي فلان العابد، قال: قد عرفته. قالت: يخطبني، فأخبرني ما حقّ الزوج على الزوجة؟ فإن كان شيئاً أطيقه تزوّجته، قال: من حقّه، أن لو سال دماً وقيحاً فلحسته بلسانها ما أدّت حقّه، لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها إذا دخل عليها، لما فضّله الله عليها. قالت: والذي بعثك بالحق، لا أتزوّج ما بقيت الدنيا". هذه المرأة قد يكون من شدّة تقواها خافت أن تتزوّج فلا تؤدّي حقّ زوجها كاملاً فتدخل بتقصيرها جهنّم، أو أنّها استعظمت الأمر فخشيت الوقوع في الحرام وهو معصية الرجل فأبت الزواج.

ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لأبي سعيد الخدري عندما جاء بابنته إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستوضحه بنفس المسألة وأجابها بما يشبه هذا الحديث وردّت بمثل ما ردّت به المرأة في الحديث السابق " لا تنكحوهنَّ إلاّ بإذنهنَّ".

وعن ابن أبي أوفى، قال: لمّا قدم معاذ بن جبل من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا؟ قال: يا رسول الله، قدمت الشام فوجدتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم، فأردت أن أفعل ذلك بك، قال: "فلا تفعل، فإنّي لو أمرت شيئاً أن يسجد لشيء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفسي بيده، لا تؤّدي المرأة حقّ ربّها حتى تؤدّي حقّ زوجها". رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه واللفظ له.

وروى الحاكم المرفوع منه، من حديث معاذ، ولفظه، قال: "لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحد، لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقّه عليها، ولا تجد امرأةٌ حلاوة الإيمان حتى تؤدّي حقّ زوجها، ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لم تمنعه نفسها". قتب للبعير. وعن عائشة رضي الله عنها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها: ولو أنّ رجلاً أمر امرأته أن تنتقل من جبلٍ أحمر إلى جبلٍ أسود، أو من جبلٍ أسود إلى جبلٍ أحمر لكان لها أن تفعل".

وعن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بنسائكم في الجنّة؟" قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "كلّ ودود ولود، إذا أغضبت أو أسيء إليها، أو غضب زوجها، قالت: هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى". رواه الطبراني ورواته محتج بهم في الصحيح.

وعن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تأذن لأحد في بيت زوجها وهو كاره، ولا تخرج وهو كاره، ولا تطيع فيه أحداً، ولا تعزل فراشه، ولا تضرّ به، فإذا كان هو أظلم، فلتأته حتى ترضيه، فإن قبل منها فبها ونعمت، وقبل الله عذرها، وأفلجت حجّتها، ولا إثم عليها. وإن هو لم يرضَ فقد أبلغت عند الله عذرها". رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد. أفلج أظهر حجّتها وقواها.

وعن ابن عبّاس: "أنّ امرأة من خثعم، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أخبرني ما حقّ الزوج على الزوجة؟ فإنّي امرأةٌ أيِّم، فإن استطعت وإلاّ جلست أيِّماً، قال: " فإنّ حقّ الزوج على زوجته: إن سألها نفسها وهي على ظهر قتبٍ أن لا تمنعه نفسها. ومن حقّ الزوج على الزوجة أن لا تصوم تطوّعاً إلاّ بإذنه، فإن فعلت جاعت وعطشت ولا يقبل منها، ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى ترجع "، قالت: لا جرم لا أتزوّج أبداً. رواه الطبراني.

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إثنان لا تجاوز صلاتهم رؤوسهما... الحديث.. وفيه: وامرأة عصت زوجها حتى ترجع ". رواه الطبراني بإسناد جيّد والحاكم.

وعنه أيضاً قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنّ المرأة إذا خرجت من بيتها وزوجها كاره، لعنها كلّ ملك في السماء، وكلّ شيء مرّت عليه غير الإنس والجنّ حتى ترجع" رواه الطبراني في الأوسط.

وعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تقبل لهم صلاة، ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة.. الحديث.. وفيه: والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى". رواه الطبراني في الأوسط.

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وفي رواية للبخاري ومسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه، إلاّ كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها". عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لا ينظر الله تبارك وتعالى إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه".

جميع هذه الأحاديث لا تحتاج إلى توضيح أو مشقّة في فهم ما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه وتعالى من حقوق الزوج على الزوجة وما يعتبر التقصير بها نشوزاً ومعصية من المعاصي الكبيرة في الشرع. فالزوج وحقوقه أعظم حقّاَ على المرأة من أيّ إنسان. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيّ الناس أعظم حقّاً على المرأة؟ قال: زوجها، قلتُ: فأيّ الناس أعظم حقّاً على الرجل؟ قال: أمّه". رواه البزار والحاكم وإسناد البزار حسن.

حتى الخروج إلى المسجد لا تفعله المرأة المؤمنة دون إذن زوجها كما صيام النافلة لا تصومه المرأة المؤمنة دون إذن زوجها. عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذنت أحدَكم امرأتُه إلى المسجد فلا يمنعها" أخرجه الثلاثة وأبو داود، ومفهوم الحديث أنّه يلزمها إذن زوجها للخروج إلى المسجد.

الجهر بالسوء

يطيب للنفس المتألّمة الدعاء بالشّر على مَنْ يُظنّ أو يُعلم أنّه سبب الألم. وفي معظم حالات الطلاق أو خلاف الزوج والزوجة يميل كلّ من الزوجين إلى تقوية موقفه وتثبيت حجّته بالدعاء على نفسه إن كان يقول شططاً ويسبُّ ويشتم المفتري. وقد يُمعن في تماديه فيجهر بذكر مساوىء زوجه ويزيد بالتعريض فيضيف أشياء غير حقيقيّة ويكون في اتهامه كذب عن قصد أو غير مقصود ممّا استوجبه سياق بذل الاتهامات لتقوية موقفه. فيقع في ارتكاب الحرام الذي لم يكن يرغب فيه ولا يقصده ويستحقّ الإثم والعقاب عليه في الآخرة. تحوّطاً ومنعاً لوقوع المسلم في حرام زلل اللسان ومن أجل حصر المشكل في أضيق حدوده أي في حدوده الأساسيّة، شرّع الله سبحانه وتعالى ضبط اللسان والنفس ومنعها عن الدعاء بالشرّ لأيّ سببٍ حتى على السارق يسرق أشياءك. وإن فعل المسروق ماله فإنّ دعاءه يكون تخفيفاً على السارق عن عقوبة السرقة في الآخرة لأنّ الدعاء عقوبة في الدنيا لأنّه محتمل الإجابة من الله تعالى. فإذا وقعت الإجابة أم لم تقع من الله تعالى في الحياة الدنيا يخفّف عن عذاب المدعو عليه في الآخرة.

قال الله تعالى: { لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا، إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} (148/149 النساء). وقد جاء في القرطبي في تفسيرها عن الحسن رضي الله عنه قال: هو الرجل يظلم الرجل فلا يدعو عليه، ولكن ليقل: اللهمّ أعنّي عليه، أللهّم استخرج حقّي، اللهَّم حلْ بيني وبين ما يريد من ظلمي، فهذا دعاء في المدافعة وهو أقلّ منال السوء. انتهى. عليه يكون للمظلوم أن ينتصر من ظالمه ولكن مع اقتصاد، إن كان مؤمناً ولا يقابل القذف، سيء الكلام، بمثله.

وقد روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قال: سُرقَ لها شيء فجعلت تدعو عليه، أي على السارق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبِّخي عنه". أي لا تخفّفي عنه العقوبة بدعائك عليه. وقال عليه الصلاة والسلام:"خذوا على أيدي سفهائكم". والسفيه هو سيّء القول أو من يجهر بسوء القول وهو من يجب على المؤمنين منعه بالنصح.

يقول تعالى: { إن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ} حبَّب إلى العفو ورغَّب. والعفو من صفة الله تعالى مع القدرة على الانتقام. روى ابن المبارك قال: حدّثني مَن سمعِ الحسن يقول: إذا جثت الأمم بين يدي ربّ العالمين يوم القيامة نودي ليقم مَن أجرُه على الله فلا يقوم إلاّ من عفا في الدنيا. يصدّق هذا الفهم قوله تعالى: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}. انتهى. فالمعاشرة تظهر جيّد الطباع وسيّئها وهذه المعاشرة الزوجيّة تستوجب التصرّف بكلّ عفويّة، واطّلاع المعاشر على أسرار ودقائق نفس الآخر أمر طبيعي بحكم المساكنة والمخالطة والممازجة ممّا يجعل جميع ما يعلم العشير من عشيرهِ سرّاً لا يجوز الجهر به لأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "المجالس بالأمانات" فهذه المعلومات أمانة عند العشير. المعنى أنّ الله لا يحبّ الجهر بالسوء أي القول السيّء، لأنّ التمادي على الخلاف والشحناء والمباغضة هي قواعد الشرّ، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام في البغضاء "إنّها الحالقة" يعني حالقة الدين لا حالقة الشعر. وفي هذا تنبيه إلى ما يمكن أن تؤدّي البغضاء إليه من ارتكاب عمل محرّم فيخرج فاعله عن حظيرة الدين ويكون في ذلك هلاكه في الآخرة.

وسوء الخلق شرٌّ مستطير لأنّه بداية طريق جهنَّم القصير لما يتوالى عنه من قول وفعل يوصل إلى التفحُّش وبهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "سوء الخلق شؤم". لأنّه مجلبة للشرّ والفقر والتعاسة وبه تعمّ الشحناء بين الناس وتنتشر العداوة. وفي القرآن الكريم أنّ الشيطان يوقع بين الناس بتوتير العلاقة لإيجاد البغضاء والشحناء بينهم. وكلّما قويت علاقة اثنين والتحمت أمور حياتهما كما في حال حياة الأزواج والشركاء والجيران والأهل ازداد جهد الشيطان لتفكيك هذه الأواصر وإحلال العداوة محلّها. فنشر العداوة والبغضاء بين الناس هو تمهيد لسيطرة الشيطان وهو بمثابة إخصاب الأرض بالماء والسماد للزرع. وأهون السبل لبدء التباعد والمشاحنة هو سيّء الكلام. ولهذا أوصى الله سبحانه وتعالى عباده بحسن اللفظ وأمرهم به مبيِّناً أنّ الشيطان يأمرهم بالعكس. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء 53: { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}. فالقول الحسن هو عكس سيّء القول. ووصف سيّء القول بأنّه شؤم في الحديث الشريف وقول القرآن الكريم بأنّ الشيطان يحاول الإيقاع بين الناس وإيجاد التباغض والشحناء بينهم بتحويلهم من القول الحسن إلى سيّئه يجعل سوء القول حراماً. وكون التباغض والعداوة فعلاً محرّماً وكلّ وسيلة تؤدّي إليه محرّمة وسوء اللفظ والقول أوسع الأبواب لدخول البغضاء والعداوة يكون أيضاً سوء الخلق وسيّء اللفظ فعلاً محرَّماً.

ولإحكام إغلاق هذا الباب بوجه الشيطان يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. (34 فصِّلت).

عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أحبّكم إليَّ وأقربكم منّي في الآخرة محاسنكم أخلاقاً. وإنّ أبغضكم إليَّ وأبعدكم عنّي في الآخرة أسوأكم أخلاقاً الثرثارون المتفيهقون المتشدّقون". رواه أحمد ورواته رواة الصحيح والطبراني وابن حبان في صحيحه.

وعن علي عليه السلام قال: النساء أربع: القرئع والوعوع وغلّ لا ينزع وجامعة تجمع. القرئع: السمحة. الوعوع: الصخَّابة. غلّ لا ينزع: المرأة السوء للرجل منها أولاد لا يدري كيف يتخلّص منها. الجامعة: التي تجمع الشمل وتلمّ الشعث.

* حديث شريف *

عن ابن عمرو بن العاص قال: لّما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة قام خطيباً، فقال: "لا يجوز لامرأة أمرٌ في مالها إذا ملك زوجها عصمتها".

أخرجه أبو داود والنسائي

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة".

الزوج والزوجة والإنفاق

الزواج لا يقوم إلاّ برعاية الزوجة، والزواج لا يستمر إلاّ بالمعاشرة بالمعروف وطاعة الزوجة لزوجها. والمعاشرة بالمعروف من الرجل تكون بتقبّل النقائص التي قد يعلمها في زوجه ويغضُّ النظر عنها إذا لم يصل الأمر بالزوجة إلى المعصية والتطاول، أي إلى النشوز والفاحشة المبيِّنة. وما دون ذلك فإن المعاشرة بالمعروف التي أمره الله بها تكون بإحسان الرفقة والتعامل مع زوجه التي وصفها الرسول بما يفيد أنها في عهدته أسيرة أي لا حول لها ولا قوة. ومن شروط هذه الرعاية والمعاشرة بالمعروف هو إطعامها وكساؤها وإسكانها ووطؤها. وليس له أن يمتنع عن أي شيء من أمور المعاشرة بالمعروف التي أمره الله بها إلا أن تنشز زوجه أو تأتي بالفاحشة المبيّنة وهو التطاول باللسان أو ما هو أكثر منه من فعال وقحة. فله في حال نشوزها أي معصيته بأمر كأن خرجت من بيتها دون إذنه أو استقبلت في بيتها من أوصاها بعدم استقباله حتى ولو من النساء والمحارم أو تصدّقت بغير إذنه من ماله وما شاكل من الأمور التي تجب فيها طاعة الزوج، أو في حال تفحّشها: أن يمتنع عن وطئها بعد أن يعظها لترجع عن معصيتها له أو حتى تخضع له بلين القول. ويستمر في حالات استمرار نشوزها ووقاحتها بإطعامها وكسائها وإسكانها أي بالنفقة عليها حتى يطلّقها وتفي عدتها وبعد أن تنقضي عدتها يخرجها من مسكنه ويتوقّف وجوب النفقة منه عليها.

فالنفقة في الإسلام على الرجل وحده وهي جزء من مفهوم الآية الكريمة { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} التي هي الرعاية والسيادة والحماية. والنفقة هذه قد بيّنها وشَرَطَها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، عن عمرو بن الأخوص الجشمي: "الحديث.. وفيه: "ألا إنّ لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فحقكم عليهنَّ: أن لا يوطئن فرشكم مَن تكرهون. ألا وحقهنَّ عليكم: أن تحسنوا إليهنَّ في كسوتهنَّ وطعامهنَّ". رواه ابن ماجه والترمذي. وبارك الله في الرجال يطيعون النبي في قوله: "أن تحسنوا إليهنَّ في كسوتهنَّ وطعامهنَّ" ولم يقل وعليكم كسوتهنَّ وطعامهنَّ الذي هو الفرض أساساً، وإنما قال أن تحسنوا إليهنَّ في كسوتهنَّ وطعامهنَّ. وكأنه يقول أدّوا حقهنَّ في الكسوة والطعام بكرمٍ وحسن خلق ونفس طيبة راضية بفرض النفقة.

ومع أنّ الإنفاق هو فرض واجب إلا أن الله ورسوله جعل فيه ثواباً كبيراً للرجل حتى يخفّف من ثقيل عبئه عليه. والحديث: "أن تحسنوا إليهنَّ في كسوتهنَّ وطعامهنَّ " يدلُّ على أن القيام بفرض النفقة على الزوجة هو بحدِّ ذاته حسنة أي صدقة تسجِّل لكم بإنفاقه. هي نفقة مفروضة لا مهرب منها وإذا قصَّر بها الرجل تستطيع المرأة أن تختلع منه بها أو تلجأ للسلطان فيجبره عليها. ومع هذا فقد جعل الله في أدائها والقيام بها أجراً كبيراً.

تبدأ نفقة الرجل على الزوجة بالمهر. حديث ميمون عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل تزوج امرأة على ما قلّ من المهر أو كثر، وليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها خدعها، فمات ولم يؤدِ إليها حقها لقي الله يوم القيامة وهو زانٍ... الحديث" رواه الطبراني في الصغير والأوسط.

وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله". وهذا يدلَّ على أن النفقة على أهله أي على زوجته وأطفالها منه، أفضل الحسنات التي يأتيها المرء في حياته. وهو عمل مقدّم على بقية الأعمال في الحياة لأنه يقدّم في الآخرة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدّقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك". رواه مسلم. أي أن الإنفاق على الأهل، الزوج أو الزوج مع الأطفال إذا وجدوا، في وجوبه مقدّم على الإنفاق في سبيل الله أي في الجهاد والمجهود الحربي الذي هو أسمى أعمال المسلم في الحياة وغاية غايات المؤمن في الحياة أن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله. النفقة على الزوج مقدّمة على النفقة في الجهاد بمعنى أن تنفق على الجهاد بعد الإنفاق على أهلك أي بما يفضل عن نفقة الأهل. وما يفضل عن الجهاد يكون أفضل الإنفاق بتحرير رقبة مؤمنة إذا وجدت، وبعدها التصدّق على الفقراء والمساكين.

عن المقدام بن معد يكرب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة" رواه أحمد بإسناد جيد.

عن العرباض بن سارية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أُجِر" رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط.

عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إنك لم تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أُجِرت عليها، حتى ما تجعل في فيّ امرأتك". رواه البخاري ومسلم في حديث طويل.

أمّا حدود النفقة أو مستواها وحدود الصدقة، فقد حدّد الشرع أدنى حدود الإنفاق وأدنى مستواه كما حدّد الصدقة بأقصى حدودها. ففي حدود النفقة تأمين حاجة الزوجة من الطعام وذلك أن يطعمها الرجل مما يطعم به نفسه أي لا يكون بينهما مفاضلة في الطعام. وللمرأة أن تأكل مرة أو أكثر في اليوم ولها أن تشبع أو لا تشبع وعدم الشبع غير الجوع. والرسول عليه الصلاة والسلام جعل الشبع من الأمور المكروهة وحضَّ على عدم الشبع. وليس في طعام الزوجة تحديد للنوع من الأطعمة فقد كانت نساء النبي رضوان الله وصلاته وسلامه عليهنَّ يقتَتنَ على التمر اليوم والشهر دون توفّر غيره من الطعام. عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه ناراً، إنما هو التمر والماء، إلاّ أن نؤتى باللحيم". أخرجه الشيخان والترمذي. وفي رواية "ما أكل آل محمد أكلتين في يوم واحد إلا وإحداهما تمر". وعن أنس قال: مشيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبز وشعير وإهالة سنخة، ولقد سمعته يقول: "ما أمسى عند آل محمد صاع تمر ولا صاع حب"، وإن عنده يومئذ لتسع نسوة. أخرجه البخاري والترمذي والنسائي. الإهالة: ما أذيب من الشحم. والسنخ: المتغيّر الرائحة.

وعن حكيم بن معاوية، عن أبيه قال: قلت يا رسول الله، ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال:"أن تطعمها إذا طُعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلاّ في البيت". أخرجه أبو داود.

[SIZE=
لبوة مسالمة
لبوة مسالمة
مشكووووووووووورة ياعسل جهد تشكرين عليه ..