إيمانيات

ملتقى الإيمان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إيمانيات



سورة النور سورة عظيمة ذات أسرار ودلالات كثيرة، ولا أستطيع في الحقيقة أن أخفي حباً خاصاً لهذه السورة في قلبي، مع أنه لم يرد نص خاص فيها إلا أنها من سور القرآن الكريم العظيم الذي أُمرنا بحبه وتعظيمه وإجلاله، لأنه تنـزيل من حكيم حميد، يحب عباده، ويدعوهم إلى دار السلام وإلى كل خير وفضيلة، ومن أعظم السور التي وجه الله فيها عباده بأعظم أسلوب وبانتقالات عجيبة من موضوع إلى آخر هي سورة النور.
افتتح الله هذه السورة بآية قصيرة هي خلاصة ما ذكرته في المقدمة حيث قال تعالى:
{ سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون}، وفي ثناياها وبعد عرض أحكام عظيمة فيها يذكر الله تعالى : { يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}، وهذه الآية الكونية العظيمة بحد ذاتها جديرة أن نقف معها حتى نعرف ما العبر فيها بما ييسره الله ويلهمه:
- إن القلب مضغة تحمل الحب والكره، والعظة والعبرة، ومن أعظم ما ينبغي أن يمتلئ به القلب هو التوحيد وإخلاص النية لله تعالى، ومجاهدة النفس على ذلك، ولن يجاهد الإنسان نفسه ليخلص لربه ويحبه إلا بعد مرور الزمان، وبعد أن يتعاقب الملوان؛ فالإخلاص لا يأتي في لحظات، وليس هو شهادة تنال من جامعة، إنما يبقى همه يلازم العبد طيلة أيامه ولياليه.
- بقدر الإخلاص وعظمه تعظم الخشية، ويزداد العبد توفيقاً في مستقبل حياته، فما ارتفع شيء إلى السماء أعظم من الإخلاص، وما نزل شيء من عند الله أعظم من التوفيق في جميع الأمور، وفي كل الأوقات، وفي كل الطاعات.
- من علامات التوفيق والسداد والنجاح في الحياة أمر عظيم جداً، على الإنسان أن يشغل نفسه به ولو أخفق فيه مراراً، ألا وهو الترتيب والحزم والانضباط اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي في برامجه شتى، وذلك طبعاً هو المحرك لليل والنهار، وهو الذي يُشعِر الإنسان بلذة عيشه، ومن أسباب الجزع والعجز وكراهية الحياة واتهامها بالروتين كما يقال هو الكسل والتفلت والتبلد وعدم العيش لهدف واضح، بل بسطحية وبلادة حس. قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: " الليل والنهار يعملان فيك؛ فاعمل فيهما"، أي أنهما بتعاقبهما تصاب بالهم، ويكبر عمرك، وتمضي حياتك، وهذه كلها أقدار من الله ولا شك، ولكنها تُرَدَ بأقدار، كما قال ابن القيم رحمه الله:" يرد القدر بالقدر وهذا فعل أصحاب العزائم"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه:" إني أكره أن أرى الرجل فارغاً، لا في عمل دين ولا في عمل دنيا". وهذا والله ما يُرى في شبابنا وفتياتنا، الفراغ المولد (للطفش) فلا يدرون ماذا يفعلون إلا التوجه نحو التلفاز للمباريات والمسلسلات والبرامج التافهة والهابطة.
- في تقلب الليل والنهار عبرة مهمة، ألا وهي تأمل الوضع العام للإنسان، من أمن في أهله، ووجود قوت يومه، ومعافاة في بدنه، وإعادة نظر في شؤونه التعليمية والفكرية، وكم أعجبتني كلمة قرأتها لمدرب غربي اسمه (باتريك سنو) ومع أنها مختصرة إلا أنها ذات عبر عجيبة؛ حيث يقول: " لدينا كنز يومي في حياتنا، ألا وهو أن عندنا فرصة البدء من جديد في كل يوم جديد"، فتعديل الأوضاع من أعظم الفرص المتاحة عند الإنسان، فبإمكانه أن يتوب، ويجد في الطاعات، ويجتهد في الدراسة، ويحسن أخلاقه، ويقرأ كثيراً ويرفع الجهل عن نفسه، فقط لو غير طريقة تفكيره واستهدى الله تعالى؛ فإذا كان شخص كافر يحمل هذا التفكير الجيد فمن العار على مؤمن بالله واليوم الآخر أن يكون متخاذلاً كسولاً مثبطاً، لا هم له إلا التسويف والتعييب والضجر والقنوط.
- وفي مقابلها لا بد أن يدرك الإنسان أنه سيصيبه شيء من الخوف والجوع والمرض ونقص من الثمرات، وها نحن نعيش أيام غلاء أسعار وأزمات مالية في السنوات الأخيرة، وقبل فترة من الزمن كانت الأمور طبيعية ولم تكن بهذا الوضع المضطرب، وقبل أزمنة وعقود كذلك مر الناس بشظف عيش، وهكذا، وكما قال الشاعر:
وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شان فالتفاؤل مطلب ولو ساءت الأحوال والظروف.
- يحمل الليل والنهار في طياتهما الفرج بعد الشدة، وبالتالي تسكن النفس وتهدأ، وتعلم أنه سيأتي ليل ونهار يزيلان كربة ليل ونهار سابقين، ومما يعين على الفرج وحصوله الدعاء بخير الأيام القادمة، وبرد القضاء من مرض أو ديون أو مكروه أو غير ذلك من مصائب الحياة، ومن ذلك الدعاء في ليلة القدر بأفضل الأرزاق والقسم والعافية؛ فقد ذكر الله تعالى عنها: { فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا} الدخان 4 ، وتتغير أقدار السنة فيها، ولنا حديث تفصيلي بإذن الله عن ليلة القدر.
- التعلم من أعظم عبر الليل والنهار، بالتكيف مع الوسائل والآليات يوماً بعد يوم؛ فالمهارة بلا وعي كما يذكر المدربون في دوراتهم، والبعد عن التكلف تكون بالخبرة والتجربة؛ فمرور الأيام يعلم المراس، ويقوي الإحساس، ويبعد عن الاندفاع والحماس، ويزيد العلم والمعرفة بأحوال الدنيا والناس، ويزيد الإيمان ويعين على حسن تقدير الأوقات، ومن الملاحظ أننا ننبهر عندما نشاهد الإتقان عند البعض في العلم أو الإلقاء أو الإمامة أو الحساب أو غيرها، ولكن إذا تأملنا أنه مارس وتعب وسهر، وأدركنا كسلنا وهممنا الدنية وصغر أعمارنا، عرفنا كيف وصل أولئك إلى ما هم فيه، ويكفينا قول الشاعر:
أأبيت سهران الدجى وتبيته نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي؟
- في الزمان يكبر الإنسان، ويعيد دفة الحياة بالزواج وإنجاب الأولاد من جديد، ليضاف إلى الدنيا أنفاس وقلوب وعقول جديدة، وكل عصر يربي العصور التالية؛ من حيث التوارث والانتماء الذي يشعر به الإنسان أو لا يشعر لقبيلته وعاداته وتقاليده، والتربية الفكرية هي أعظم ما ينبغي على المرء تعلمه، وما الذي يغذي به عقول أبنائه وأسرته، وبالتالي المجتمع كله، وقد قال مالك بن أنس رحمه الله رغم قربه من عصر النبوة:" لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم:" لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه"، وذلك رغم وجود الصالحين، ولكن الذي يفسد الزمان هو كثرة الخبث من ناس يأتون فتضعف عندهم خشية الله وينجرفون مع متع الدنيا، ومع ذلك يظنون أنهم على خير، وهذا الذي ابتلينا به نسأل الله السلامة والعافية، وتتكالب الأمم بالتالي على الأجيال المسلمة التي لم تترب جيداً على حب دينها ونصرته، بل أحبت الوهن والدنيا وكرهت الموت. والأمم الإسلامية كثيرة، ولكنها غثاء كغثاء السيل.
- ومع ذلك فليست هذه نظرة تشاؤمية بقدر ما هي واقعية، ولكن الأيام والليالي تحمل أيضاً عودة المسلمين وانتصارهم، ونهاية الفسقة والظالمين والمفسدين؛ لأن الله لا يصلح عمل المفسدين مهما تقلبوا وظهروا، وستفتح رومية كما فتحت القسطنطينية، وسوف ترد القدس برمتها لحوزة المسلمين، وسوف يتبع المنافقون المؤمنين صاغرين، ولكن لا ندري هل جيلنا سيشهد هذه الانتصارات أم أنها في أجيال لاحقة؟ { وإن يوماًَ عند ربك كألف سنة مما تعدون }، وذلك كله موجود أيضاً في ثنايا هذه السورة العجيبة، والقراءة في علم السنن الكونية من أعظم ما يجلي ذلك، ومن أعظم ما يعتبر المرء به والأمم كذلك.
- يحمل الليل والنهار في طياتهما وتقلبهما التوبة والهداية والرجوع إلى الحق وتحريه، فالمؤمن يدعو الله بالثبات على ما هو عليه من خير، وأن يرده الله إليه رداً جميلاً، لا خزي فيه ولا عار، ومن ألطف وأجمل الأدعية في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أسألك عيشة هنية، ونفساً تقية، وميتة سوية، ومرداً غير مخز ولا فاضح"، والإنسان الضال لا بد أن يدعو الله بالهداية وأن يحسن عواقبه، ويصلح أحواله، وليس بالضرورة الفاسق الفاجر فقط، بل حتى المؤمن العالم قد يضل ويزيغ في أمر أو مسألة؛ فمن لوازم ذلك أن يسٍأل الله تعالى أن تكون هي الحق وأن يريه الحق ويرزقه اتباعه، وأن يحاول أن يفتش عن كل دخيلة أو دسيسة في قلبه إن كان لا يريد إلا الإغواء والإضلال لعباد الله تعالى، والمواقف قد تخون الإنسان كثيراً، والتوفيق من الله كما أسلفنا، فعلى الإنسان أن يهدأ ويعيد النظر ويراجع حساباته الدنيوية والأخروية، فالحكيم يزل، والمتقون يمسهم طائف من الشيطان، ولكنهم يتذكرون فإذا هم مبصرون بعد ذلك، ولاحظ أن الله قال ( الذين اتقوا) كما في آية الأعراف.
- الموت هو أعظم منتظر للناس في هذه الدنيا، فكل إنسان سيأتيه ليل أو نهار يموت فيه، فليستعد له، والدنيا كلها سيأتيها الفناء، حتى نحشر عند الله تعالى، ويبقى وجهه ذو الجلال والإكرام.
والحمد لله رب العالمين.


9
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الامــيــرة01
الامــيــرة01
جزااااك الله عنا خير الجزاء
وجعلنا الله وإياكن ممن يناديهم المنادي يوم القيامه:
لكم النعيم سرمدا ... تحيون ولا تموتون أبدا ... تصحون ولا تمرضون أبدا
تنعمون ولا تبتئسون أبدا

يحل عليكم رضوان ربكم ولا يسخط عليكم أبدا
اللهم آآآآآآآآآآمين يارب العالمين ...
ام طيف المطيري
جزااااك الله عنا خير الجزاء وجعلنا الله وإياكن ممن يناديهم المنادي يوم القيامه: لكم النعيم سرمدا ... تحيون ولا تموتون أبدا ... تصحون ولا تمرضون أبدا تنعمون ولا تبتئسون أبدا يحل عليكم رضوان ربكم ولا يسخط عليكم أبدا اللهم آآآآآآآآآآمين يارب العالمين ...
جزااااك الله عنا خير الجزاء وجعلنا الله وإياكن ممن يناديهم المنادي يوم القيامه: لكم النعيم سرمدا...
شموخ سبيع
شموخ سبيع
جزااك الله كل خير وجعلها الله في ميزان حسناتك وجعلك الله من عباده الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون
هيا العبد الله
بااااااااااااااااااارك الله فيك
ام طيف المطيري
بااااااااااااااااااارك الله فيك
بااااااااااااااااااارك الله فيك
اللهم آمين ولك بالمثل غاليتى


ربي يجزاك خير على مرورك العطر