um rowida @um_rowida
عضوة نشيطة
ابى مساعدتكم يا بنات الامارات فى بحث الوالد زايد رحمه الله
السلام عليكم يا اخواتى مطلوب منى اسوى بحث عن مسيرة الوالد زايد رحمه الله وانجازاته بليز ابيكم تعطونى روابط عن هذا الموضوع وابى افكار رئيسية علشان اقدرابدا الموضوع ابى مساعدتكم بليز لاتنسونى
7
1K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
زايد الخير
القائد الذي سيردد اسمه التاريخ عبر الحقب الآتية
إنجازات، وتنمية، وبناء .. كلمات تلخص مسيرة المغفورله بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس وقائد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أقام دولة اتحادية متطورة ومتقدمة بكل المقاييس وجعلها في مصاف الدول الأكثر تقدما في العالم. ولا تكاد تُذكَر الدول ذات الدخل الفردي المرتفع ورفاهية العيش إلا وتكون الإمارات من بينها. كل هذا وأكثر بفضل جهود صاحب السمو الشيخ زايد وإيمانه العميق بأن الإنسان هو الثروة الحقيقية للشعوب وأن لشعبه ولبلاده القدرة على تحقيق المستحيلات.
ولد صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1918 في مدينة العين وقد سمي على اسم جده الشيخ زايد بن خليفة والذي حكم إمارة أبوظبي منذ العام 1855 إلى عام 1909. تعلم مبادئ الحرب والقتال بين البدو. اتصف بالشجاعة وكان يقاتل للشرف لا للمغنم ويبذل دمه رخيصا دفاعا عن أرضه ضد أي اعتداء وكان دائماً على استعداد للتضحية بحياته لحماية من يلجأ إليه. وقد شغف زايد بمعرفة وقائع وتاريخ المنطقة في شبه الجزيرة العربية وأحب الشعر الذي كان أقرب في حكمته ومغزاه إلى ذاته.
انعكست نشأة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مدينة العين ومحيطها الصحراوي القاسي عليه لتشكل منه شخصية مرموقة تتسم بالانشراح وسعة الصدر ونفاذ البصيرة وطول البال، وتطغى عليه الحكمة .. ليصبح حكيم العرب.
عمل زايد بكل جهد فجمع في شخصيته كل صفات القيادة وأدرك قواعد لعبة التوازنات القبلية وأصول حل الخلافات الناشئة بين الأطراف المختلفين فيما بينهم. وأيقن بحكمته المعروفة أن صراع البقاء سيبقى هاجس جميع القبائل وان النزاعات الناجمة عن ذلك لن تنتهي حتى يتغير المحيط والوضع العام. ولمع نجمه إبان المحادثات الخاصة بحل النزاع حول منطقة البريمي الحدودية فنظر إليه الناس باحترام وإعجاب شديدين.
تولى الشيخ زايد حكم العين عام 1946 ولم تكن ندرة الماء والمال وقلة الإمكانيات حجر عثرة أمام تطوير مدينة العين. فوضع خطة دقيقة لاستثمار إمكانات المدينة وعمل بدأب على تحقيق تلك الخطة.
وبفضل تلك التوجهات فقد افتتحت في عام 1959 أول مدرسة بالعين حملت اسم "المدرسة النهيانية" كما تم إنشاء أول سوق تجارية وشبكة طرق ومشفى طبي ليجسد الشيخ زايد ما كان يحلم به إلى حقيقة واقعة. ولعل أبرز ما تحقق في تلك الفترة الصعبة من تاريخ مدينة العين القرار الذي أصدره صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والقاضي بإعادة النظر في ملكية المياه وجعلها على ندرتها متوفرة للجميع بالإضافة إلى تسخيرها لزيادة المساحات الزراعية.
بدأ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان التعرف على العالم الخارجي في أول زيارة له إلى بريطانيا عام 1953 ومنها إلى دول أخرى كأميركا ولبنان والعراق ومصر وسوريا والهند وإيران.
ومضى زايد على طريق الإصلاح فلم يترك ميدانا دون أن يطرقه حتى عرف بأنه "رجل الإصلاح الكبير". وكانت كل تلك الإصلاحات والانجازات تبشر بأن زايد هو الرجل الموعود لحكم إمارة أبوظبي.
في السادس من أغسطس 1966 تولى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم في أبوظبي فوضع برنامجاً ضخماً لعملية الانماء وبدأ بدفع ابناء شعبه للمساهمة بكل طاقاتهم في هذه العملية، كما دعا الكفاءات الأجنبية لدعم هذه المسيرة بالخبرات. ولم تمض أيام على تسلمه الحكم حتى أعلن زايد عن إقامة حكومة رسمية ذات إدارات ودوائر وأسند إليها المهام اللازمة لتسيير الدولة.
وكانت الأولويات إقامة المدارس والمساكن والخدمات الطبية وإنشاء ميناء ومطار وشق الطرقات وبناء جسر يربط بين أبوظبي واليابسة. وانقلبت أبوظبي التي كانت نائمة في أحضان الرمال قبل أن يأتي زايد إلى أكبر ورشة عمل في كل اتجاه. وأصبح هدير الآلات في كل مكان وانتقل الآلاف من الأكواخ إلى البيوت الصحية النظيفة وامتدت الطرق الحديثة فوق رمال الصحراء ودخلت المياه العذبة والكهرباء إلى كل بيت وانتقل التعليم من نظام الكتاتيب إلى المدارس العصرية وانتشرت المدارس على اختلاف مراحلها في كل بقعة من البلاد وفتحت عشرات الفصول الجديدة لمحو أمية من فاتهم قطار التعليم وبدأت العيادات في تقديم خدماتها الطبية للبدو في الصحراء بعد أن حرموا من الرعاية الصحية طويلا ونجحت المسيرة في تعويض قرون من التخلف والجمود. يقول زايد: "إن عملية التنمية والبناء والتطوير لاتعتمد على من هم في مواقع المسؤولية فقط بل تحتاج إلى تضافر كل الجهود لكل مواطن على أرض هذه الدولة"
مع إيمانه بأن كل هذه المشاريع تحتاج إلى تضحيات كبيرة إلا أن زايد كان على يقين بضرورة تطوير المستوى الحياتي والمعيشي للفرد. وغير بعيد عن اهتمامه بتسريع دوران عجلة التنمية فقد أولى صاحب السمو الشيخ زايد اهتماماً خاصاً بالبيئة فأنفق مبالغ طائلة على عملية تشجير مدينة العين وإمارة أبوظبي.
تتابعت العملية بعد قيام الاتحاد الى سائر إمارات البلاد ليصل عدد الأشجار المزروعة في الدولة إلى نحو 41 مليون شجرة خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد حلم زايد منذ القدم بتحويل الصحراء إلى واحة خضراء تقلل من قسوة المناخ فكان له ما أراد بفضل عمله الدؤوب ورؤيته البعيدة. وفي هذا السياق أوجد زايد محمية طبيعية نادرة وفريدة من نوعها في جزيرة بني ياس.
الجدير ذكره أن بناء الموارد البشرية والبنية التحتية والاهتمام بالبيئة لم تكن هي الانجازات الوحيدة التي قام بها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في الستينيات فقد نذر نفسه للتعاون مع جيرانه من القبائل والإمارات لأنه أيقن أن التطور الذي تشهده أبوظبي لن يتوقف عند حدودها وفي هذا الإطار كان لقاؤه مع حاكم دبي حينها المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم لحل نزاع طويل على الحدود بين أبوظبي ودبي وجاء بعد ذلك توقيع اتفاقيات مماثلة مع كل من عمان وقطر.
عندما أعلن البريطانيون رغبتهم في الانسحاب من منطقة الخليج بعد 150 عاماً من السيطرة التامة اغتنم زايد الفرصة ليرسم بحكمته وذكائه المستقبل السياسي للمنطقة فأقنع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي حينها بالانضمام اليه في بناء دولة اتحادية من تسع إمارات هي أبوظبي ودبي وعجمان والفجيرة ورأس الخيمة والشارقة وأم القيوين إضافة الى البحرين وقطر. غير ان البحرين وقطر فضلتا العمل للحصول على استقلال كامل مما دفع زايد الى مضاعفة جهوده لإقامة الاتحاد مع الإمارات المتبقية.
بعد جملة من الاتفاقات تمكن المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من ترجمة حلمه الكبير إلى حقيقة واقعة فأقام دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر 1971، ولم يتوقف زايد يوماً عن اداء دوره الداعم للإمارات الأخرى بل انه بات يعتقد ان واجباته تجاه الدولة تفوق واجبات ومسؤوليات إخوانه حكام الإمارات الست مجتمعين. وأرسى زايد مفهوماً مهماً يقوم على ان استمرارية كل إمارة تعتمد بالدرجة الأولى على استمرار الاتحاد وان أي خلل في بنية الدولة الواحدة سينعكس سلباً على بناء كل إمارة.
كثف صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان جهود البناء بعد قيام الاتحاد ورفع من وتيرة العمل في سائر المشاريع الحيوية والمهمة. وبانت النتائج للعيان فازدادت المساحات الخضراء وكذلك الأراضي الزراعية فباتت المحاصيل الزراعية للدولة تعم الأسواق وتنافس بجودتها المنتجات المستوردة. وتذكر وزارة الزراعة والثروة السمكية على موقعها على شبكة الانترنت أن إجمالي المساحات الخضراء في الدولة وصل في عام 1998 الى نحو 1,2 مليون دونم بينما وصل إجمالي مساحة الأراضي الزراعية الى ما يقارب 617 ألف دونم من بينها 591 ألف دونم مخصصة لزراعة النخيل.
كذلك أولى الشيخ زايد مشاريع المياه والطاقة أهمية بالغة لإيمانه بأن توفيرها يسهم في دفع عجلة النمو الصناعي والزراعي قدما في البلاد. وعليه فقد امتدت شبكات المياه والكهرباء في أنحاء الدولة لتؤمن احتياجات المواطنين من المياه العذبة وتفي بالاحتياجات الزراعية وتشير إحصائيات وزارة المياه والكهرباء الى أن إجمالي استهلاك المياه يوميا وصل الى ما بين 250 مليون جالون يوميا و 300 مليون جالون. والجدير ذكره هنا أن مشروع الربط الكهربائي الموحد بين إمارات الدولة ساهم في سد احتياجات الامارات كافة من الطاقة وأصبح يوجد في دولة الإمارات اليوم واحدة من أكبر الشبكات الكهربائية وأكثرها تطورا في المنطقة.
وعلى الصعيد الصناعي شهدت الدولة تحت قيادة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة رحمه الله نهضة صناعية كبيرة فأقيمت المناطق الصناعية والمؤسسات المشرفة على إدارة الشؤون الصناعية بالدولة واستثمرت مبالغ كبيرة في عملية النهوض بالصناعة الوطنية لتأمين مصادر بديلة للدخل. أما هذه المبالغ فقد وصلت في العام 1995 الى نحو 13,7 مليار درهم. ولا بد من الوقوف هنا عند النهضة التي شهدتها صناعة المشتقات البترولية مستفيدة من ثورة اكتشاف النفط في البلاد. وتوضح وزارة المالية والصناعة من خلال إحصائياتها أن إجمالي عدد المنشآت الصناعية في الدولة بلغ في العام 2003 نحو 2795 شركة ومصنعا. كما شهدت أعمال البنية التحتية نهضة حقيقية شقت خلالها الطرقات وشيدت الجسور لتصل أواصر البلاد ويبلع إجمالي طول شبكة الطرقات في الدولة اليوم الي ما يناهز السبعة آلاف كيلومتر من الطرق السريعة المعبدة.
وإذا كانت باكورة المدارس "المدرسة النهيانية" قد افتتحت في العام 1959 في العين فالكل يعرف أن زايد اهتم بالعلم أكثر من أي شيء آخر وأصر على تسليح أبنائه بالعلم والمعرفة بالدرجة الأولى وفي هذا السياق أثمرت جهوده إيجابا في رفع عدد المدارس والجامعات بالدولة فوصل عدد المدارس الى نحو ألف مدرسة تضم ما لا يقل عن نصف مليون طالب في مختلف المراحل التعليمية، ووصل عدد المدرسين الى نحو 42 ألف مدرس أي ما نسبته مدرس لكل 12 طالبا. في حين بلغ عدد الطلاب في المراحل الجامعية والمعاهد العليا ما يقارب 20 ألف طالب.
وعلى الصعيد الطبي تبرز الإنجازات التي تحققت في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من خلال ارتفاع عدد المؤسسات الطبية العاملة بالدولة من مستشفيات حكومية وخاصة ومراكز صحية حكومية وصيدليات تؤمن الرعاية الصحية للموطنين والمقيمين على أرض الإمارات. وقد بلغ عدد المستشفيات الحكومية نحو 40 تتسع لما يزيد على 4500 سرير. "إن الحاضر الذي نعيشه الآن على هذه الأرض الطيبة هو انتصار على الماضي وقسوة ظروفه" تلك مقولة اختصر بها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة مسيرة العمل في سبيل رفع شأن دولة الإمارات وشعبها.
وباستغلال الفرصة التي أوجدتها عائدات الثروة النفطية؛ لم يدخر زايد أية فرصة لمضاعفة مسيرة الإنماء والتنمية لبناء الدولة. وفي أقل من ثلاثة عقود تمكن من تحقيق حلم البناء الكبير، بناء دولة التقدم والتطور والرفاهية والأحلام الطموحة التي رسمها بأفكاره الفريدة وأنجزها بتسخير جميع الإمكانيات اللازمة. إن زايد الإنسان بأفكاره وانجازاته سيبقى رمزاً لأجيال مقبلة فهو سبب النهضة الثقافية والحضارية والإنسانية والعمرانية التي عرفتها دولة الإمارات بشكل عام وإمارة أبوظبي بشكل خاص.
وفي ما يتعلق بمواقفه السياسية والوطنية فإن الشعوب أنفسها في مختلف الأقطار العربية والإسلامية تشهد لزايد بأن اهتمامه بتأمين الرفاهية لشعبه لم يشغله أبداً عن أمته العربية والاهتمام بأمورها وقضاياها فكان من أكثر الداعمين للقضية الفلسطينية ولحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره. وفي مايو من 1981 ترأس صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان أول قمة عربية لتعلن عن ميلاد مجلس التعاون الخليجي من دول الخليج العربية الست. كما اهتم بمساعدة دول مثل لبنان من خلال مبادرته بنزع الألغام التي خلفها الاحتلال الإسرائيلي للجنوب وعلى نفقته الخاصة وكذلك اهتم بأن تقوم الإمارات بدور فاعل في عملية إعادة بناء لبنان بعد الحرب فقدمت الدولة المساعدات المالية والهبات والقروض للمشاريع الحيوية والتنموية. وكما في لبنان كان الأمر في اليمن والبوسنة حيث شاركت القوات المسلحة في إطار القوات المتعددة الجنسيات. ولا ينسى أحد المبادرة الخاصة التي قام بها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في إعادة بناء مخيم جنين الذي دمرته قوات الاحتلال الإسرائيلي على نفقته الخاصة أيضا.
إن رؤية المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كانت تقوم على أساس التعاون والابتعاد عن الفردية وقد تجلت هذه الرؤية في إنجازاته التي لا تحصى في منطقة الخليج العربية لاسيما في إطار المساهمة في قيام مجلس التعاون الخليجي وفي الهيئات والمنظمات الاقتصادية والانسانية والاجتماعية العربية والاسلامية. وعلى المستوى العالمي كسب رئيس الدولة احترام قادة العالم ولم يتوقف يوماً عن دعوتهم لإقرار السلام والعدل ورفعهما فوق المصالح الضيقة.
تسلم المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في عام 1985 الوثيقة الذهبية التي منحتها لسموه المنظمة الدولية للأجانب ومقرها جنيف، تقديرا منها على جهوده في المجالات الإنسانية المختلفة، ورعاية الجاليات الاجنبية العاملة في الدولة. وفي عام 1988 اختارت إحدى الهيئات الدولية التي تتخذ من باريس مقراً لها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كأبرز شخصية سياسية لذلك العام وكذلك لدور سموه في وقف الحرب العراقية الإيرانية، وإعادة العلاقات بين الدول العربية.
وفي الاستطلاع الذي أجراه مركز الشرق الاوسط للبحوث والدراسات الاعلامية في جدة في عام 1995، فاز صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بلقب الشخصية الانمائية على مستوى العالم وقد شارك في ذلك الاستطلاع أكثر من نصف مليون عربي من مختلف الجاليات العربية حول العالم.
لاشك أن صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وعلى امتداد مسيرته الحافلة قد أدخل تغييرات جذرية وإيجابية على مستوى حياة الملايين سواء في بلاده أو خارجها. أما فيما يتعلق بدولة الإمارات العربية المتحدة فإن مقارنة بصرية بسيطة لصور ما كانت عليه قبل قيام الإتحاد وما أصبحت عليه اليوم تؤكد أنها ما كانت ستحظى بما حظيت به لولا وجود هذه الرؤية الثاقبة له كحاكم وقائد وسياسي محنك. لقد استطاع المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أن يضع بلاده على الخريطتين العالمية والاقليمية وأن يكرس اسمه كقائد عربي فريد تمتع باحترام العالم أجمع.
حكم أبوظبي
تولّى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في السادس من أغسطس عام 1966 بعد أن كان ممثلاً للحاكم في مدينة العين والمنطقة الشرقية منذ العام 1946. وفي الثاني من ديسمبر 1971 انتُخب رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد انطلقت قيادة زايد لمسيرة التقدم والبناء من إيمان راسخ بأن القيادة صدْق في القول وإخلاص في العمل وتفانٍ لخدمة الناس، وتوظيف الإمكانات من أجل رفعة الوطن وإعلاء شأنه بين الأُمم، وتوفير الحياة الكريمة للرعيّة، مؤكداً.. "إن الحاكم أي حاكم ما وُجد إلا ليخدم شعبه ويوفّر له سُبل العيش والرفاهية والتقدّم". وقال سموه.. "إذا كان الله عزّ وجلّ قد منّ علينا بالثروة، فإن أول ما نلتزم به لرضاء الله وشكره هو أن نُوجِّه هذه الثروة لإصلاح البلاد ولسوْق الخير إلى شعبها". ويضيف سموه.. "إذا كان الله تعالى قد وهبنا الثروة، فإن واجبنا الأول في الإقرار بنعمته، هو توجيه هذه الثروة لبناء الوطن وتحقيق الرفاهية للمواطن".
وقد حدّدت هذه الرؤية الإستراتيجية الواضحة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، وتعهّده المبكّر للأمّة بتوظيف ثروات الوطن لبناء تقدّمه وازدهاره، المنطلقات والأهداف السياسية لنهج القيادة ومسؤوليات الراعي تجاه الرعية.
وكانت مدينة أبوظبي، عندما تولّى زايد مقاليد الحكم في السادس من أغسطس 1966 كما هو الحال بالنسبة لمناطق إمارة أبوظبي الأخرى، جزيرةً رمليةً قاحلةً تُحيط بها مياه الخليج من كل الجوانب، ولم يكن يوجد بها سوى مجموعة من البيوت المتناثرة التي تفتقر إلى أبسط الخدمات من طُرق أو مياه أو كهرباء أو مدارس أو مستشفيات وغيرها من الخدمات الضرورية للسكان. وكانت احتياجات الناس من السّلع الغذائية والبضائع تأتي إلى أبوظبي بواسطة (الدوابي) وهي سفن صغيرة تقوم بنقل هذه السّلع من السفن الكبيرة التي كانت ترسو في عُرض البحر قبالة كورنيش أبوظبي الحالي، نظراً لعدم وجود أي موانئ أو حتى أي نوع من خدمات البُنية الأساسية.
وانطلقت مع تولّي صاحب السمو الشيخ زايد مقاليد الحُكم في إمارة أبوظبي في 6 أغسطس 1966، سنوات حافلة بالعمل الدؤوب لانتشال الإمارة من حالة التردّي الاقتصادي والاجتماعي التي كانت عليها. وبدأ تسخير عائدات الاستثمارات البترولية للإنفاق على إقامة مشاريع التطوير والخدمات والبُنية الأساسية. كما بدأ العمل في تنفيذ برامج طموحة للتنمية الشاملة التي استهدفت شتّى نواحي الحياة بالتغيير والتبديل، فلا فائدة في المال، كما يقول زايد.. "إذا لم يُسخَّر في خدمة الشعب".
وشهدت إمارة أبوظبي خلال سنواتٍ قلائل، تحوّلات جذرية في زمنٍ قياسيٍ، حيث تمّ تنفيذ المئات من مشاريع البناء والتحديث والتطوير والخدمات التي شملت إقامة المساكن وإنشاء التجمعات السكنية الحديثة، وبناء المستشفيات والعيادات والمدارس والجامعات والمعاهد والكليات، والهياكل الأساسية للبُنية التحتية من طرق وجسور وكهرباء وماء وخدمات الاتصال والمواصلات، وغيرها من مرافق الخدمات الأساسية، لبناء دولة عصرية وتوفير مقومات الحياة الكريمة للمواطنين.
وقد بلغ حجم الإنفاق على مشاريع التنمية والخدمات والتطوير في إمارة أبوظبي خلال الفترة من العام 1968 وحتى نهاية العام 2002 أكثر من 162 مليار درهم من جملة حجم الاعتمادات المرصودة للتنمية خلال هذه الفترة، والتي بلغت نحو 195 مليار درهم، مما يدل على التزامٍ قلّ نظيره في توظيف موارد البلاد وعائداتها النفطية لبناء وازدهار الوطن وتحقيق سعادة المواطنين.
وقد نذر صاحب السمو الشيخ زايد نفسه لإسعاد أبناء شعبه، وأخذ يجوب البلاد طولاً وعرضاً، يتابع عمليات التشييد والبناء، ويتنقّل بين الحضر والقرى والصحاري والوديان، يتفقد بنفسه مشاريع الإنماء والإعمار، ويقف على معدلات الإنجاز فيها، وهو يقود تحدياً غير مسبوق للحاق بركب الحضارة والتحديث، حتى تحقّقت خلال 37 عاماً من قيادته لمسيرة الخير المباركة، منجزات عملاقة وتحولات جذرية في جميع مجالات التقدم العمراني والصناعي والزراعي والتعليمي والصحي والثقافي والاجتماعي. وتم إنجاز قاعدة متينة وحديثة لهياكل البُنية الأساسية.
زايد.. وبناء الاتحاد
ولم يقتصر عطاء زايد على إمارة أبوظبي وحدها، فقد كان سموه منذ أن تولّى مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، يتطلّع إلى جمْع شمل الإمارات الأخرى. وبادر، بعد أقل من عامين من تولّيه الحكم في إمارة أبوظبي، بالدعوة إلى الاتحاد بين الإمارات، مؤكدا..ً "إن الاتحاد هو طريق القوة وطريق العزّة والمنعة والخير المشترك، وأن الفُرقة لا ينجم عنها إلا الضَّعف، وأن الكيانات الهزيلة لا مكان لها في عالم اليوم.. فتلك عِبَـر التاريخ على امتداد عصوره".
ولاقت هذه الدعوة الحكيمة والمخلصة استجابة واسعة، تجسّدت في الاجتماع الذي تم بين صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي في منطقة السمحة في 18 فبراير 1968، في أعقاب إعلان حكومة العمال البريطانية في ذلك العام عن جلاء جيوشها من الإمارات المتصالحة في الخليج قبل العام 1971.
وتركز البحث في هذا اللقاء على إقامة اتحاد بين الإمارتين يقوم بالإشراف على الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والخدمات الصحية والتعليمية، واتفقا على دعوة حكام الإمارات الأخرى للاجتماع في دبي لمناقشة قيام اتحاد الإمارات العربية المتحدة بين الإمارات التسع، والذي كان مقترحاً أن يتشكل من إمارات أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، بالإضافة إلى البحرين وقطر. وارتفع بعد هذا اللقاء شعار الاتحاد الذي نادى به زايد وراشد، وتجاوب حكام الإمارات الأخرى مع هذه الدعوة المخلصة وعقدوا اجتماعا آخر خلال الفترة من 25 إلى 27 فبراير 1968 في دبي، انبثقت عنه اتفاقية قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتواصلت بعدها الاجتماعات واللقاءات والمشاورات بين الحكام حتى عقدوا اجتماعات حاسمة خلال الفترة من 11 إلى 15 أكتوبر 1969 تم فيها الاتفاق على تنفيذ اتفاقية دبي والإعلان بشكل رسمي عن قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وانتخاب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيسا لدولة الاتحاد لمدة سنتين والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائباً للرئيس.
وفي 18 يوليو 1971 عقد مجلس حكام الإمارات اجتماعاً مهماً في دبي، أقروا فيه مشروع الدولة الاتحادية، وذلك استجابة لرغبة شعوب المنطقة في إقامة دولة اتحادية يُطلق عليها اسم دولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح نواة لاتحاد شامل في المنطقة.
كما أقر مجلس الحكام في هذا الاجتماع الدستور المؤقت لتنظيم شؤون الدولة، إلا أن إمارة رأس الخيمة لم تعلن انضمامها إلى الاتحاد في هذا الاجتماع، فولد مشروع الدولة مكوناً من ست إمارات هي أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة.
وفي الثاني من ديسمبر 1971 عقد حكام الإمارات الست اجتماعا تاريخياً أعلنوا على إثره سريان العمل بأحكام الدستور المؤقت وأصدروا البيان التاريخي التالي.. "في هذا اليوم 2 ديسمبر كانون الأول 1971 عقد حكام إمارات أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة الموقّعون على الدستور المؤقت للإمارات العربية المتحدة، اجتماعاً لهم في جو سادته مشاعر الأخوة والثقة والحرص العميق على تحقيق إرادة شعب الإمارات، وأصدروا إعلان سريان مفعول أحكام الدستور المذكور اعتباراً من هذا العام".
ثم تابع الحكام اجتماعهم كمجلس أعلى للاتحاد، وتم في هذا الاجتماع انتخاب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة لمدة خمس سنوات، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائباً للرئيس للمدة نفسها.
وزفّ المجلس الأعلى للاتحاد في هذا اليوم التاريخي البشرى إلى شعب دولة الإمارات وإلى كل الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة والعالم أجمع (إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة مستقلة ذات سيادة، وجزءاً من الوطن العربي الكبير، تستهدف الحفاظ على استقلالها وسيادتها وأمنها واستقرارها ودفع كل عدوان على كيانها أو كيان الإمارات الأعضاء فيها، وحماية حقوق وحريات شعبها، وتحقيق التعاون الوثيق بين إماراتها لصالحها المشترك، من أجل هذه الأغراض، ومن أجل ازدهارها وتقدمها في كل المجالات، ومن أجل توفير الحياة الأفضل لجميع المواطنين ونصرة القضايا والمصالح العربية وميثاق الأمم المتحدة والأخلاق الدولية).
إعلان اتحاد الإمارات
وهكذا شهد التاريخ في ذلك اليوم ميلاد دولة حديثة أصبحت يوم إعلانها الدولة الثامنة عشرة في جامعة الدول العربية، بعد أن استكملت وثائق انضمامها إليها في السادس من ديسمبر 1971 والعضو الثاني والثلاثين بعد المائة في الأمم المتحدة اعتباراً من التاسع من ديسمبر 1971 أي بعد أسبوع واحد من إعلان قيام الدولة الاتحادية. وانضمت إمارة رأس الخيمة إلى الاتحاد في 10 فبراير 1972. وأمر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة فور الإعلان عن قيام الاتحاد بوضع جميع الإمكانيات المادية والخبرات الإدارية والفنية لحكومة أبوظبي في خدمة الدولة الاتحادية، مؤكدا.. "إن الاتحاد أمنيتي وأسمى أهدافي لشعب الإمارات". كما أكد سموه أن هدف الاتحاد هو إسعاد المواطنين وبناء الدولة العصرية قائلاً.. "لقد أدركنا منذ البداية أن الاتحاد هو السبيل لقوتنا وتقدمنا، وهو الوسيلة لإسعاد المواطنين وتوفير الحياة الكريمة لهم وللأجيال القادمة بمشيئة الله، كما أدركنا أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا في ظل دولة اتحادية وطيدة الأركان ثابتة الدعائم تعي الماضي بكل عبره وتعيش الحاضر بكل مكتسباته وإشراقاته، وتنطلق نحو مستقبل يواكب ركب الحضارة الإنسانية، وتتخذ من الإسلام منهجاً لسياستها الداخلية والخارجية لبناء الدولة وترسيخ دعائمها والوصول إلى الحياة التي ننشدها ونتطلع إليها".
وانطلقت منذ اللحظات الأولى لتأسيس الدولة الاتحادية، عجلة العمل بواحدة من أضخم عمليات التنمية التي شهدتها المنطقة. وأعلن صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، منذ الأيام الأولى لتوليه مقاليد الحكم، تسخير الثروات من أجل تقدم الوطن ورفع مستوى المواطنين قائلا: "إننا سخّرنا كل ما نملك من ثروة وبترول من أجل رفع مستوى كل فرد من أبناء شعب دولة الإمارات العربية المتحدة، إيماناً منا بأن هذا الشعب صاحب الحق في ثروته وأنه يجب أن يعوض ما فاته ليلحق بركب الحضارة والتقدم". مؤكدا سموه أنه.. "إذا كان الله عز وجل قد منّ علينا بالثروة، فإن أول ما نلتزم به لرضاء الله وشكره هو أن نوجه هذه الثروة لإصلاح البلاد ولسوْق الخير إلى شعبها".
وتحولت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال سنوات قلائل من قيام اتحادها إلى دولة عصرية مزدهرة ينعم مواطنوها بالرفاه والرخاء، كما يؤكد ذلك سموه بقوله: "لقد تحقّقت الأماني بفضل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أسهم كثيراً في تغيير صورة الحياة في هذه الأرض وإنجاز العشرات من المشاريع في شتى المجالات وتحقيق التقدم والازدهار في كل ناحية من النواحي". كما يؤكد سموه قائلاً: "إننا لم نكن نحلم بكل هذه الإنجازات التي تفوق كل تصوّر، وبهذه السرعة التي تفوق كل معدلات التنمية المعروفة".
وأكد صاحب السمو رئيس الدولة في الاجتماع الذي عقده المجلس الأعلى للاتحاد في الثاني من ديسمبر 2001، حرصه الكامل وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى حُكام الإمارات على السعي بإرادة مخلصة وعزم أكيد نحو دعم وتعزيز المسيرة الاتحادية، وصولاً إلى تحقيق المزيد من الآمال والطموحات التي يتطلع إليها المواطنون، وقال: "إن سعادة ورخاء المواطن هي في مقدّمة الأولويات التي نحرص عليها".
وقد كان لنهج زايد في قيادة مسيرة الاتحاد، الأثر الواضح في ترسيخه في وجدان الأمة وتمسّك المواطنين به. وعبّر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة في العديد من أحاديثه عن ارتياحه لما حقّقته المسيرة الاتحادية من منجزات وما وصلت إليه من ثبات بقوله: "إننا والحمد لله نشعر بالارتياح والسرور أن الاتحاد يسير في طريقه الصحيح وتنتقل دولة الإمارات معه من مرحلة إلى أخرى حتى أصبحت مدعاة فخر للجميع بالمنجزات التي تحققت على أرض هذا الوطن". كما يقول سموه: "إن كل ما سهرت عليه مع إخواني حكام الإمارات بحرص وصبر قد تحقق، ولقد وصلنا بعون الله وتوفيقه إلى مرحلة رسّخنا فيها أقدامنا على طريق بناء الوطن وحققنا أهدافاً كانت تبدو بعيدة المنال".
القائد الذي سيردد اسمه التاريخ عبر الحقب الآتية
إنجازات، وتنمية، وبناء .. كلمات تلخص مسيرة المغفورله بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس وقائد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أقام دولة اتحادية متطورة ومتقدمة بكل المقاييس وجعلها في مصاف الدول الأكثر تقدما في العالم. ولا تكاد تُذكَر الدول ذات الدخل الفردي المرتفع ورفاهية العيش إلا وتكون الإمارات من بينها. كل هذا وأكثر بفضل جهود صاحب السمو الشيخ زايد وإيمانه العميق بأن الإنسان هو الثروة الحقيقية للشعوب وأن لشعبه ولبلاده القدرة على تحقيق المستحيلات.
ولد صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1918 في مدينة العين وقد سمي على اسم جده الشيخ زايد بن خليفة والذي حكم إمارة أبوظبي منذ العام 1855 إلى عام 1909. تعلم مبادئ الحرب والقتال بين البدو. اتصف بالشجاعة وكان يقاتل للشرف لا للمغنم ويبذل دمه رخيصا دفاعا عن أرضه ضد أي اعتداء وكان دائماً على استعداد للتضحية بحياته لحماية من يلجأ إليه. وقد شغف زايد بمعرفة وقائع وتاريخ المنطقة في شبه الجزيرة العربية وأحب الشعر الذي كان أقرب في حكمته ومغزاه إلى ذاته.
انعكست نشأة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مدينة العين ومحيطها الصحراوي القاسي عليه لتشكل منه شخصية مرموقة تتسم بالانشراح وسعة الصدر ونفاذ البصيرة وطول البال، وتطغى عليه الحكمة .. ليصبح حكيم العرب.
عمل زايد بكل جهد فجمع في شخصيته كل صفات القيادة وأدرك قواعد لعبة التوازنات القبلية وأصول حل الخلافات الناشئة بين الأطراف المختلفين فيما بينهم. وأيقن بحكمته المعروفة أن صراع البقاء سيبقى هاجس جميع القبائل وان النزاعات الناجمة عن ذلك لن تنتهي حتى يتغير المحيط والوضع العام. ولمع نجمه إبان المحادثات الخاصة بحل النزاع حول منطقة البريمي الحدودية فنظر إليه الناس باحترام وإعجاب شديدين.
تولى الشيخ زايد حكم العين عام 1946 ولم تكن ندرة الماء والمال وقلة الإمكانيات حجر عثرة أمام تطوير مدينة العين. فوضع خطة دقيقة لاستثمار إمكانات المدينة وعمل بدأب على تحقيق تلك الخطة.
وبفضل تلك التوجهات فقد افتتحت في عام 1959 أول مدرسة بالعين حملت اسم "المدرسة النهيانية" كما تم إنشاء أول سوق تجارية وشبكة طرق ومشفى طبي ليجسد الشيخ زايد ما كان يحلم به إلى حقيقة واقعة. ولعل أبرز ما تحقق في تلك الفترة الصعبة من تاريخ مدينة العين القرار الذي أصدره صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والقاضي بإعادة النظر في ملكية المياه وجعلها على ندرتها متوفرة للجميع بالإضافة إلى تسخيرها لزيادة المساحات الزراعية.
بدأ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان التعرف على العالم الخارجي في أول زيارة له إلى بريطانيا عام 1953 ومنها إلى دول أخرى كأميركا ولبنان والعراق ومصر وسوريا والهند وإيران.
ومضى زايد على طريق الإصلاح فلم يترك ميدانا دون أن يطرقه حتى عرف بأنه "رجل الإصلاح الكبير". وكانت كل تلك الإصلاحات والانجازات تبشر بأن زايد هو الرجل الموعود لحكم إمارة أبوظبي.
في السادس من أغسطس 1966 تولى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم في أبوظبي فوضع برنامجاً ضخماً لعملية الانماء وبدأ بدفع ابناء شعبه للمساهمة بكل طاقاتهم في هذه العملية، كما دعا الكفاءات الأجنبية لدعم هذه المسيرة بالخبرات. ولم تمض أيام على تسلمه الحكم حتى أعلن زايد عن إقامة حكومة رسمية ذات إدارات ودوائر وأسند إليها المهام اللازمة لتسيير الدولة.
وكانت الأولويات إقامة المدارس والمساكن والخدمات الطبية وإنشاء ميناء ومطار وشق الطرقات وبناء جسر يربط بين أبوظبي واليابسة. وانقلبت أبوظبي التي كانت نائمة في أحضان الرمال قبل أن يأتي زايد إلى أكبر ورشة عمل في كل اتجاه. وأصبح هدير الآلات في كل مكان وانتقل الآلاف من الأكواخ إلى البيوت الصحية النظيفة وامتدت الطرق الحديثة فوق رمال الصحراء ودخلت المياه العذبة والكهرباء إلى كل بيت وانتقل التعليم من نظام الكتاتيب إلى المدارس العصرية وانتشرت المدارس على اختلاف مراحلها في كل بقعة من البلاد وفتحت عشرات الفصول الجديدة لمحو أمية من فاتهم قطار التعليم وبدأت العيادات في تقديم خدماتها الطبية للبدو في الصحراء بعد أن حرموا من الرعاية الصحية طويلا ونجحت المسيرة في تعويض قرون من التخلف والجمود. يقول زايد: "إن عملية التنمية والبناء والتطوير لاتعتمد على من هم في مواقع المسؤولية فقط بل تحتاج إلى تضافر كل الجهود لكل مواطن على أرض هذه الدولة"
مع إيمانه بأن كل هذه المشاريع تحتاج إلى تضحيات كبيرة إلا أن زايد كان على يقين بضرورة تطوير المستوى الحياتي والمعيشي للفرد. وغير بعيد عن اهتمامه بتسريع دوران عجلة التنمية فقد أولى صاحب السمو الشيخ زايد اهتماماً خاصاً بالبيئة فأنفق مبالغ طائلة على عملية تشجير مدينة العين وإمارة أبوظبي.
تتابعت العملية بعد قيام الاتحاد الى سائر إمارات البلاد ليصل عدد الأشجار المزروعة في الدولة إلى نحو 41 مليون شجرة خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد حلم زايد منذ القدم بتحويل الصحراء إلى واحة خضراء تقلل من قسوة المناخ فكان له ما أراد بفضل عمله الدؤوب ورؤيته البعيدة. وفي هذا السياق أوجد زايد محمية طبيعية نادرة وفريدة من نوعها في جزيرة بني ياس.
الجدير ذكره أن بناء الموارد البشرية والبنية التحتية والاهتمام بالبيئة لم تكن هي الانجازات الوحيدة التي قام بها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في الستينيات فقد نذر نفسه للتعاون مع جيرانه من القبائل والإمارات لأنه أيقن أن التطور الذي تشهده أبوظبي لن يتوقف عند حدودها وفي هذا الإطار كان لقاؤه مع حاكم دبي حينها المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم لحل نزاع طويل على الحدود بين أبوظبي ودبي وجاء بعد ذلك توقيع اتفاقيات مماثلة مع كل من عمان وقطر.
عندما أعلن البريطانيون رغبتهم في الانسحاب من منطقة الخليج بعد 150 عاماً من السيطرة التامة اغتنم زايد الفرصة ليرسم بحكمته وذكائه المستقبل السياسي للمنطقة فأقنع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي حينها بالانضمام اليه في بناء دولة اتحادية من تسع إمارات هي أبوظبي ودبي وعجمان والفجيرة ورأس الخيمة والشارقة وأم القيوين إضافة الى البحرين وقطر. غير ان البحرين وقطر فضلتا العمل للحصول على استقلال كامل مما دفع زايد الى مضاعفة جهوده لإقامة الاتحاد مع الإمارات المتبقية.
بعد جملة من الاتفاقات تمكن المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من ترجمة حلمه الكبير إلى حقيقة واقعة فأقام دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر 1971، ولم يتوقف زايد يوماً عن اداء دوره الداعم للإمارات الأخرى بل انه بات يعتقد ان واجباته تجاه الدولة تفوق واجبات ومسؤوليات إخوانه حكام الإمارات الست مجتمعين. وأرسى زايد مفهوماً مهماً يقوم على ان استمرارية كل إمارة تعتمد بالدرجة الأولى على استمرار الاتحاد وان أي خلل في بنية الدولة الواحدة سينعكس سلباً على بناء كل إمارة.
كثف صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان جهود البناء بعد قيام الاتحاد ورفع من وتيرة العمل في سائر المشاريع الحيوية والمهمة. وبانت النتائج للعيان فازدادت المساحات الخضراء وكذلك الأراضي الزراعية فباتت المحاصيل الزراعية للدولة تعم الأسواق وتنافس بجودتها المنتجات المستوردة. وتذكر وزارة الزراعة والثروة السمكية على موقعها على شبكة الانترنت أن إجمالي المساحات الخضراء في الدولة وصل في عام 1998 الى نحو 1,2 مليون دونم بينما وصل إجمالي مساحة الأراضي الزراعية الى ما يقارب 617 ألف دونم من بينها 591 ألف دونم مخصصة لزراعة النخيل.
كذلك أولى الشيخ زايد مشاريع المياه والطاقة أهمية بالغة لإيمانه بأن توفيرها يسهم في دفع عجلة النمو الصناعي والزراعي قدما في البلاد. وعليه فقد امتدت شبكات المياه والكهرباء في أنحاء الدولة لتؤمن احتياجات المواطنين من المياه العذبة وتفي بالاحتياجات الزراعية وتشير إحصائيات وزارة المياه والكهرباء الى أن إجمالي استهلاك المياه يوميا وصل الى ما بين 250 مليون جالون يوميا و 300 مليون جالون. والجدير ذكره هنا أن مشروع الربط الكهربائي الموحد بين إمارات الدولة ساهم في سد احتياجات الامارات كافة من الطاقة وأصبح يوجد في دولة الإمارات اليوم واحدة من أكبر الشبكات الكهربائية وأكثرها تطورا في المنطقة.
وعلى الصعيد الصناعي شهدت الدولة تحت قيادة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة رحمه الله نهضة صناعية كبيرة فأقيمت المناطق الصناعية والمؤسسات المشرفة على إدارة الشؤون الصناعية بالدولة واستثمرت مبالغ كبيرة في عملية النهوض بالصناعة الوطنية لتأمين مصادر بديلة للدخل. أما هذه المبالغ فقد وصلت في العام 1995 الى نحو 13,7 مليار درهم. ولا بد من الوقوف هنا عند النهضة التي شهدتها صناعة المشتقات البترولية مستفيدة من ثورة اكتشاف النفط في البلاد. وتوضح وزارة المالية والصناعة من خلال إحصائياتها أن إجمالي عدد المنشآت الصناعية في الدولة بلغ في العام 2003 نحو 2795 شركة ومصنعا. كما شهدت أعمال البنية التحتية نهضة حقيقية شقت خلالها الطرقات وشيدت الجسور لتصل أواصر البلاد ويبلع إجمالي طول شبكة الطرقات في الدولة اليوم الي ما يناهز السبعة آلاف كيلومتر من الطرق السريعة المعبدة.
وإذا كانت باكورة المدارس "المدرسة النهيانية" قد افتتحت في العام 1959 في العين فالكل يعرف أن زايد اهتم بالعلم أكثر من أي شيء آخر وأصر على تسليح أبنائه بالعلم والمعرفة بالدرجة الأولى وفي هذا السياق أثمرت جهوده إيجابا في رفع عدد المدارس والجامعات بالدولة فوصل عدد المدارس الى نحو ألف مدرسة تضم ما لا يقل عن نصف مليون طالب في مختلف المراحل التعليمية، ووصل عدد المدرسين الى نحو 42 ألف مدرس أي ما نسبته مدرس لكل 12 طالبا. في حين بلغ عدد الطلاب في المراحل الجامعية والمعاهد العليا ما يقارب 20 ألف طالب.
وعلى الصعيد الطبي تبرز الإنجازات التي تحققت في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من خلال ارتفاع عدد المؤسسات الطبية العاملة بالدولة من مستشفيات حكومية وخاصة ومراكز صحية حكومية وصيدليات تؤمن الرعاية الصحية للموطنين والمقيمين على أرض الإمارات. وقد بلغ عدد المستشفيات الحكومية نحو 40 تتسع لما يزيد على 4500 سرير. "إن الحاضر الذي نعيشه الآن على هذه الأرض الطيبة هو انتصار على الماضي وقسوة ظروفه" تلك مقولة اختصر بها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة مسيرة العمل في سبيل رفع شأن دولة الإمارات وشعبها.
وباستغلال الفرصة التي أوجدتها عائدات الثروة النفطية؛ لم يدخر زايد أية فرصة لمضاعفة مسيرة الإنماء والتنمية لبناء الدولة. وفي أقل من ثلاثة عقود تمكن من تحقيق حلم البناء الكبير، بناء دولة التقدم والتطور والرفاهية والأحلام الطموحة التي رسمها بأفكاره الفريدة وأنجزها بتسخير جميع الإمكانيات اللازمة. إن زايد الإنسان بأفكاره وانجازاته سيبقى رمزاً لأجيال مقبلة فهو سبب النهضة الثقافية والحضارية والإنسانية والعمرانية التي عرفتها دولة الإمارات بشكل عام وإمارة أبوظبي بشكل خاص.
وفي ما يتعلق بمواقفه السياسية والوطنية فإن الشعوب أنفسها في مختلف الأقطار العربية والإسلامية تشهد لزايد بأن اهتمامه بتأمين الرفاهية لشعبه لم يشغله أبداً عن أمته العربية والاهتمام بأمورها وقضاياها فكان من أكثر الداعمين للقضية الفلسطينية ولحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره. وفي مايو من 1981 ترأس صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان أول قمة عربية لتعلن عن ميلاد مجلس التعاون الخليجي من دول الخليج العربية الست. كما اهتم بمساعدة دول مثل لبنان من خلال مبادرته بنزع الألغام التي خلفها الاحتلال الإسرائيلي للجنوب وعلى نفقته الخاصة وكذلك اهتم بأن تقوم الإمارات بدور فاعل في عملية إعادة بناء لبنان بعد الحرب فقدمت الدولة المساعدات المالية والهبات والقروض للمشاريع الحيوية والتنموية. وكما في لبنان كان الأمر في اليمن والبوسنة حيث شاركت القوات المسلحة في إطار القوات المتعددة الجنسيات. ولا ينسى أحد المبادرة الخاصة التي قام بها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في إعادة بناء مخيم جنين الذي دمرته قوات الاحتلال الإسرائيلي على نفقته الخاصة أيضا.
إن رؤية المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كانت تقوم على أساس التعاون والابتعاد عن الفردية وقد تجلت هذه الرؤية في إنجازاته التي لا تحصى في منطقة الخليج العربية لاسيما في إطار المساهمة في قيام مجلس التعاون الخليجي وفي الهيئات والمنظمات الاقتصادية والانسانية والاجتماعية العربية والاسلامية. وعلى المستوى العالمي كسب رئيس الدولة احترام قادة العالم ولم يتوقف يوماً عن دعوتهم لإقرار السلام والعدل ورفعهما فوق المصالح الضيقة.
تسلم المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في عام 1985 الوثيقة الذهبية التي منحتها لسموه المنظمة الدولية للأجانب ومقرها جنيف، تقديرا منها على جهوده في المجالات الإنسانية المختلفة، ورعاية الجاليات الاجنبية العاملة في الدولة. وفي عام 1988 اختارت إحدى الهيئات الدولية التي تتخذ من باريس مقراً لها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كأبرز شخصية سياسية لذلك العام وكذلك لدور سموه في وقف الحرب العراقية الإيرانية، وإعادة العلاقات بين الدول العربية.
وفي الاستطلاع الذي أجراه مركز الشرق الاوسط للبحوث والدراسات الاعلامية في جدة في عام 1995، فاز صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بلقب الشخصية الانمائية على مستوى العالم وقد شارك في ذلك الاستطلاع أكثر من نصف مليون عربي من مختلف الجاليات العربية حول العالم.
لاشك أن صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وعلى امتداد مسيرته الحافلة قد أدخل تغييرات جذرية وإيجابية على مستوى حياة الملايين سواء في بلاده أو خارجها. أما فيما يتعلق بدولة الإمارات العربية المتحدة فإن مقارنة بصرية بسيطة لصور ما كانت عليه قبل قيام الإتحاد وما أصبحت عليه اليوم تؤكد أنها ما كانت ستحظى بما حظيت به لولا وجود هذه الرؤية الثاقبة له كحاكم وقائد وسياسي محنك. لقد استطاع المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أن يضع بلاده على الخريطتين العالمية والاقليمية وأن يكرس اسمه كقائد عربي فريد تمتع باحترام العالم أجمع.
حكم أبوظبي
تولّى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في السادس من أغسطس عام 1966 بعد أن كان ممثلاً للحاكم في مدينة العين والمنطقة الشرقية منذ العام 1946. وفي الثاني من ديسمبر 1971 انتُخب رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد انطلقت قيادة زايد لمسيرة التقدم والبناء من إيمان راسخ بأن القيادة صدْق في القول وإخلاص في العمل وتفانٍ لخدمة الناس، وتوظيف الإمكانات من أجل رفعة الوطن وإعلاء شأنه بين الأُمم، وتوفير الحياة الكريمة للرعيّة، مؤكداً.. "إن الحاكم أي حاكم ما وُجد إلا ليخدم شعبه ويوفّر له سُبل العيش والرفاهية والتقدّم". وقال سموه.. "إذا كان الله عزّ وجلّ قد منّ علينا بالثروة، فإن أول ما نلتزم به لرضاء الله وشكره هو أن نُوجِّه هذه الثروة لإصلاح البلاد ولسوْق الخير إلى شعبها". ويضيف سموه.. "إذا كان الله تعالى قد وهبنا الثروة، فإن واجبنا الأول في الإقرار بنعمته، هو توجيه هذه الثروة لبناء الوطن وتحقيق الرفاهية للمواطن".
وقد حدّدت هذه الرؤية الإستراتيجية الواضحة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، وتعهّده المبكّر للأمّة بتوظيف ثروات الوطن لبناء تقدّمه وازدهاره، المنطلقات والأهداف السياسية لنهج القيادة ومسؤوليات الراعي تجاه الرعية.
وكانت مدينة أبوظبي، عندما تولّى زايد مقاليد الحكم في السادس من أغسطس 1966 كما هو الحال بالنسبة لمناطق إمارة أبوظبي الأخرى، جزيرةً رمليةً قاحلةً تُحيط بها مياه الخليج من كل الجوانب، ولم يكن يوجد بها سوى مجموعة من البيوت المتناثرة التي تفتقر إلى أبسط الخدمات من طُرق أو مياه أو كهرباء أو مدارس أو مستشفيات وغيرها من الخدمات الضرورية للسكان. وكانت احتياجات الناس من السّلع الغذائية والبضائع تأتي إلى أبوظبي بواسطة (الدوابي) وهي سفن صغيرة تقوم بنقل هذه السّلع من السفن الكبيرة التي كانت ترسو في عُرض البحر قبالة كورنيش أبوظبي الحالي، نظراً لعدم وجود أي موانئ أو حتى أي نوع من خدمات البُنية الأساسية.
وانطلقت مع تولّي صاحب السمو الشيخ زايد مقاليد الحُكم في إمارة أبوظبي في 6 أغسطس 1966، سنوات حافلة بالعمل الدؤوب لانتشال الإمارة من حالة التردّي الاقتصادي والاجتماعي التي كانت عليها. وبدأ تسخير عائدات الاستثمارات البترولية للإنفاق على إقامة مشاريع التطوير والخدمات والبُنية الأساسية. كما بدأ العمل في تنفيذ برامج طموحة للتنمية الشاملة التي استهدفت شتّى نواحي الحياة بالتغيير والتبديل، فلا فائدة في المال، كما يقول زايد.. "إذا لم يُسخَّر في خدمة الشعب".
وشهدت إمارة أبوظبي خلال سنواتٍ قلائل، تحوّلات جذرية في زمنٍ قياسيٍ، حيث تمّ تنفيذ المئات من مشاريع البناء والتحديث والتطوير والخدمات التي شملت إقامة المساكن وإنشاء التجمعات السكنية الحديثة، وبناء المستشفيات والعيادات والمدارس والجامعات والمعاهد والكليات، والهياكل الأساسية للبُنية التحتية من طرق وجسور وكهرباء وماء وخدمات الاتصال والمواصلات، وغيرها من مرافق الخدمات الأساسية، لبناء دولة عصرية وتوفير مقومات الحياة الكريمة للمواطنين.
وقد بلغ حجم الإنفاق على مشاريع التنمية والخدمات والتطوير في إمارة أبوظبي خلال الفترة من العام 1968 وحتى نهاية العام 2002 أكثر من 162 مليار درهم من جملة حجم الاعتمادات المرصودة للتنمية خلال هذه الفترة، والتي بلغت نحو 195 مليار درهم، مما يدل على التزامٍ قلّ نظيره في توظيف موارد البلاد وعائداتها النفطية لبناء وازدهار الوطن وتحقيق سعادة المواطنين.
وقد نذر صاحب السمو الشيخ زايد نفسه لإسعاد أبناء شعبه، وأخذ يجوب البلاد طولاً وعرضاً، يتابع عمليات التشييد والبناء، ويتنقّل بين الحضر والقرى والصحاري والوديان، يتفقد بنفسه مشاريع الإنماء والإعمار، ويقف على معدلات الإنجاز فيها، وهو يقود تحدياً غير مسبوق للحاق بركب الحضارة والتحديث، حتى تحقّقت خلال 37 عاماً من قيادته لمسيرة الخير المباركة، منجزات عملاقة وتحولات جذرية في جميع مجالات التقدم العمراني والصناعي والزراعي والتعليمي والصحي والثقافي والاجتماعي. وتم إنجاز قاعدة متينة وحديثة لهياكل البُنية الأساسية.
زايد.. وبناء الاتحاد
ولم يقتصر عطاء زايد على إمارة أبوظبي وحدها، فقد كان سموه منذ أن تولّى مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، يتطلّع إلى جمْع شمل الإمارات الأخرى. وبادر، بعد أقل من عامين من تولّيه الحكم في إمارة أبوظبي، بالدعوة إلى الاتحاد بين الإمارات، مؤكدا..ً "إن الاتحاد هو طريق القوة وطريق العزّة والمنعة والخير المشترك، وأن الفُرقة لا ينجم عنها إلا الضَّعف، وأن الكيانات الهزيلة لا مكان لها في عالم اليوم.. فتلك عِبَـر التاريخ على امتداد عصوره".
ولاقت هذه الدعوة الحكيمة والمخلصة استجابة واسعة، تجسّدت في الاجتماع الذي تم بين صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي في منطقة السمحة في 18 فبراير 1968، في أعقاب إعلان حكومة العمال البريطانية في ذلك العام عن جلاء جيوشها من الإمارات المتصالحة في الخليج قبل العام 1971.
وتركز البحث في هذا اللقاء على إقامة اتحاد بين الإمارتين يقوم بالإشراف على الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والخدمات الصحية والتعليمية، واتفقا على دعوة حكام الإمارات الأخرى للاجتماع في دبي لمناقشة قيام اتحاد الإمارات العربية المتحدة بين الإمارات التسع، والذي كان مقترحاً أن يتشكل من إمارات أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، بالإضافة إلى البحرين وقطر. وارتفع بعد هذا اللقاء شعار الاتحاد الذي نادى به زايد وراشد، وتجاوب حكام الإمارات الأخرى مع هذه الدعوة المخلصة وعقدوا اجتماعا آخر خلال الفترة من 25 إلى 27 فبراير 1968 في دبي، انبثقت عنه اتفاقية قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتواصلت بعدها الاجتماعات واللقاءات والمشاورات بين الحكام حتى عقدوا اجتماعات حاسمة خلال الفترة من 11 إلى 15 أكتوبر 1969 تم فيها الاتفاق على تنفيذ اتفاقية دبي والإعلان بشكل رسمي عن قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وانتخاب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيسا لدولة الاتحاد لمدة سنتين والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائباً للرئيس.
وفي 18 يوليو 1971 عقد مجلس حكام الإمارات اجتماعاً مهماً في دبي، أقروا فيه مشروع الدولة الاتحادية، وذلك استجابة لرغبة شعوب المنطقة في إقامة دولة اتحادية يُطلق عليها اسم دولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح نواة لاتحاد شامل في المنطقة.
كما أقر مجلس الحكام في هذا الاجتماع الدستور المؤقت لتنظيم شؤون الدولة، إلا أن إمارة رأس الخيمة لم تعلن انضمامها إلى الاتحاد في هذا الاجتماع، فولد مشروع الدولة مكوناً من ست إمارات هي أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة.
وفي الثاني من ديسمبر 1971 عقد حكام الإمارات الست اجتماعا تاريخياً أعلنوا على إثره سريان العمل بأحكام الدستور المؤقت وأصدروا البيان التاريخي التالي.. "في هذا اليوم 2 ديسمبر كانون الأول 1971 عقد حكام إمارات أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة الموقّعون على الدستور المؤقت للإمارات العربية المتحدة، اجتماعاً لهم في جو سادته مشاعر الأخوة والثقة والحرص العميق على تحقيق إرادة شعب الإمارات، وأصدروا إعلان سريان مفعول أحكام الدستور المذكور اعتباراً من هذا العام".
ثم تابع الحكام اجتماعهم كمجلس أعلى للاتحاد، وتم في هذا الاجتماع انتخاب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة لمدة خمس سنوات، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائباً للرئيس للمدة نفسها.
وزفّ المجلس الأعلى للاتحاد في هذا اليوم التاريخي البشرى إلى شعب دولة الإمارات وإلى كل الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة والعالم أجمع (إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة مستقلة ذات سيادة، وجزءاً من الوطن العربي الكبير، تستهدف الحفاظ على استقلالها وسيادتها وأمنها واستقرارها ودفع كل عدوان على كيانها أو كيان الإمارات الأعضاء فيها، وحماية حقوق وحريات شعبها، وتحقيق التعاون الوثيق بين إماراتها لصالحها المشترك، من أجل هذه الأغراض، ومن أجل ازدهارها وتقدمها في كل المجالات، ومن أجل توفير الحياة الأفضل لجميع المواطنين ونصرة القضايا والمصالح العربية وميثاق الأمم المتحدة والأخلاق الدولية).
إعلان اتحاد الإمارات
وهكذا شهد التاريخ في ذلك اليوم ميلاد دولة حديثة أصبحت يوم إعلانها الدولة الثامنة عشرة في جامعة الدول العربية، بعد أن استكملت وثائق انضمامها إليها في السادس من ديسمبر 1971 والعضو الثاني والثلاثين بعد المائة في الأمم المتحدة اعتباراً من التاسع من ديسمبر 1971 أي بعد أسبوع واحد من إعلان قيام الدولة الاتحادية. وانضمت إمارة رأس الخيمة إلى الاتحاد في 10 فبراير 1972. وأمر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة فور الإعلان عن قيام الاتحاد بوضع جميع الإمكانيات المادية والخبرات الإدارية والفنية لحكومة أبوظبي في خدمة الدولة الاتحادية، مؤكدا.. "إن الاتحاد أمنيتي وأسمى أهدافي لشعب الإمارات". كما أكد سموه أن هدف الاتحاد هو إسعاد المواطنين وبناء الدولة العصرية قائلاً.. "لقد أدركنا منذ البداية أن الاتحاد هو السبيل لقوتنا وتقدمنا، وهو الوسيلة لإسعاد المواطنين وتوفير الحياة الكريمة لهم وللأجيال القادمة بمشيئة الله، كما أدركنا أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا في ظل دولة اتحادية وطيدة الأركان ثابتة الدعائم تعي الماضي بكل عبره وتعيش الحاضر بكل مكتسباته وإشراقاته، وتنطلق نحو مستقبل يواكب ركب الحضارة الإنسانية، وتتخذ من الإسلام منهجاً لسياستها الداخلية والخارجية لبناء الدولة وترسيخ دعائمها والوصول إلى الحياة التي ننشدها ونتطلع إليها".
وانطلقت منذ اللحظات الأولى لتأسيس الدولة الاتحادية، عجلة العمل بواحدة من أضخم عمليات التنمية التي شهدتها المنطقة. وأعلن صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، منذ الأيام الأولى لتوليه مقاليد الحكم، تسخير الثروات من أجل تقدم الوطن ورفع مستوى المواطنين قائلا: "إننا سخّرنا كل ما نملك من ثروة وبترول من أجل رفع مستوى كل فرد من أبناء شعب دولة الإمارات العربية المتحدة، إيماناً منا بأن هذا الشعب صاحب الحق في ثروته وأنه يجب أن يعوض ما فاته ليلحق بركب الحضارة والتقدم". مؤكدا سموه أنه.. "إذا كان الله عز وجل قد منّ علينا بالثروة، فإن أول ما نلتزم به لرضاء الله وشكره هو أن نوجه هذه الثروة لإصلاح البلاد ولسوْق الخير إلى شعبها".
وتحولت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال سنوات قلائل من قيام اتحادها إلى دولة عصرية مزدهرة ينعم مواطنوها بالرفاه والرخاء، كما يؤكد ذلك سموه بقوله: "لقد تحقّقت الأماني بفضل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أسهم كثيراً في تغيير صورة الحياة في هذه الأرض وإنجاز العشرات من المشاريع في شتى المجالات وتحقيق التقدم والازدهار في كل ناحية من النواحي". كما يؤكد سموه قائلاً: "إننا لم نكن نحلم بكل هذه الإنجازات التي تفوق كل تصوّر، وبهذه السرعة التي تفوق كل معدلات التنمية المعروفة".
وأكد صاحب السمو رئيس الدولة في الاجتماع الذي عقده المجلس الأعلى للاتحاد في الثاني من ديسمبر 2001، حرصه الكامل وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى حُكام الإمارات على السعي بإرادة مخلصة وعزم أكيد نحو دعم وتعزيز المسيرة الاتحادية، وصولاً إلى تحقيق المزيد من الآمال والطموحات التي يتطلع إليها المواطنون، وقال: "إن سعادة ورخاء المواطن هي في مقدّمة الأولويات التي نحرص عليها".
وقد كان لنهج زايد في قيادة مسيرة الاتحاد، الأثر الواضح في ترسيخه في وجدان الأمة وتمسّك المواطنين به. وعبّر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة في العديد من أحاديثه عن ارتياحه لما حقّقته المسيرة الاتحادية من منجزات وما وصلت إليه من ثبات بقوله: "إننا والحمد لله نشعر بالارتياح والسرور أن الاتحاد يسير في طريقه الصحيح وتنتقل دولة الإمارات معه من مرحلة إلى أخرى حتى أصبحت مدعاة فخر للجميع بالمنجزات التي تحققت على أرض هذا الوطن". كما يقول سموه: "إن كل ما سهرت عليه مع إخواني حكام الإمارات بحرص وصبر قد تحقق، ولقد وصلنا بعون الله وتوفيقه إلى مرحلة رسّخنا فيها أقدامنا على طريق بناء الوطن وحققنا أهدافاً كانت تبدو بعيدة المنال".
نهج الشورى
ويؤمن صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة بالشورى منهجاً له في قيادته للعمل الوطني، ويقول: "إن حكم الشورى من عندالله.. ومن لم يطع الله فهو خاسر". كما ينبع من فلسفته في الحياة التي ترتكز على الإيمان بالله وبالاعتماد عليه سبحانه وتعالى في كل خطواته، كما يقول سموه: "فلسفتي في الحياة هي أنني مؤمن بأن الأمور كلها بيد الله سبحانه وتعالى، وان على الإنسان أن يعمل من وحي إيمانه بالله في جد واجتهاد، فإذا وُفقت في السعي حمدت الله على توفيقه، وإذا أخطأت الاجتهاد عُدت عن الخطأ إلى الصواب. إن كل شئ في هذه الحياة هو بإرادة الله سبحانه وتعالى، يُسيّرها ويُدبّرها، وعلى العبد أن يسعى في مرضاة الله وأن يفعل ويتوكل، وعلى الله التوفيق، ومتى كان إيمان الإنسان بربه قوياً فإن الله يهبه راحة الضمير، وتلك هي السعادة القصوى".
وقد وطّد نهج الشورى الذي اتّبعه صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، والذي يتمثل في حرصه البالغ على اللقاءات المفتوحة المباشرة مع المواطنين في مواقع عملهم وبواديهم وأماكن إقامتهم، من خلال جولاته الميدانية المنتظمة لأرجاء الوطن، من عُمق التلاحم الصادق بين القيادة والشعب، حيث يؤكد سموه على هذا النهج الذي يرتكز على سياسة الأبواب المفتوحة بين الحاكم والرعيّة بقوله: "إن بابنا مفتوح وسيظل دائماً كذلك".
كما يؤكد سموه.. "إن الحاكم يجب أن يلتقي بأبناء شعبه باستمرار، ويجب أن لا تكون بينه وبينهم حواجز مهما كانت الظروف". ويضيف سموه إلى ذلك.. "إن الحاكم أي حاكم ما وُجد إلا ليخدم شعبه ويوفر له سبل الرفاهية والتقدم، ومن أجل هذا الهدف يجب أن يعيش بين شعبه ليتحسّس رغباته ويعرف مشاكله.. ولن يتحقّق له ذلك إذا عزل نفسه عنهم".
وقام صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في إطار جولاته الميدانية السنوية لمختلف أرجاء البلاد خلال شهر ديسمبر 2003 بجولة شاملة في المنطقة الشرقية للاطلاع على مشاريع التنمية والتطوير الحضارية والعمرانية والزراعية والسياحية، وذلك في إطار حرص سموه على متابعة تنفيذ المشاريع التي أمر بإنجازها لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين.
وقد شملت الجولة مناطق مدينة العين والوجن والظاهرة وبوكرة والعراد والعقير ومنتزه مبذرة الخضراء وزعبة، اطلع خلالها على المساكن الشعبية والمزارع وشبكة الطرق ومرافق الخدمات ومدى توفر المياه الجوفية اللازمة للزراعة طوال العام.
وكان سموه قد تفقد خلال شهري سبتمبر وأكتوبر 2002 المنطقتين الشرقية والغربية في إمارة أبوظبي، التقى خلالها بالمواطنين للاطمئنان على راحتهم وتوفير الحياة الكريمة لهم. وأكد سموه.. "إن حواراته ولقاءاته مع المواطنين تحمل كل الانطباعات السارة وتترك أثراً بالغاً في النفس".
وتنفذ الدائرة الخاصة لصاحب السمو رئيس الدولة منذ العام 2001 بتوجيهات صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، وعلى نفقته الخاصة، مشروعات 10 آلاف وحدة سكنية في مختلف أرجاء الدولة بتكلفة 10 مليارات درهم، حيث أنجزت الدائرة نحو 50 في المائة منها، ويجري العمل في بقية الوحدات بكامل خدماتها من مساجد وأسواق وكهرباء ومياه ومدارس ومرافق صحية وطرق.
كما نفّذت الدائرة الخاصة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بتوجيهات صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، وفي إطار حرص سموه على توفير المياه وزيادة مصادرها لتغذية المخزون الجوفي والتوسع في الزراعة، مشاريع 67 سداً وحاجزاً للمياه في الإمارات الشمالية على نفقة سموه الخاصة، بتكلفة 700 مليون درهم.
وحرص صاحب السمو الشيخ زايد على إتاحة الفرص الواسعة أمام أبنائه المواطنين للمشاركة في مسؤوليات العمل الوطني، مؤكداً.. "إن الحاكم حين يكون مطمئناً وواثقاً يوكل إلى أبنائه وإخوانه المسئولين مساعدته للوصول إلى ما هو أفضل للوطن". ويضيف سموه إلى ذلك.. "إن هدفنا في الحياة هو تحقيق العدالة والحق ومناصرة الضعيف على القويّ، وليس هناك ما نتحرّزه من مشاركة أبنائنا مسئولية الحكم طالما أن أهدافنا هي هذه، ونحن نرى أن واجبنا توزيع المسئوليات على أبناء الوطن. وقد عملنا هذا بالفعل، والإسلام ينادي بالديمقراطية الحقّة والعدالة".
وقد جعل صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من نفسه القدوة والمثل الأعلى للمسئولين وذلك في نطاق حرصه على المتابعة الميدانية لمواقع العمل والإنتاج، والتلاحم المستمر مع المواطنين لتحسّس رغباتهم واحتياجاتهم، بعيداً عن المكاتب والدواوين الحكومية والتقارير الرسمية، حيث يقول سموه في هذا الخصوص.. "أريد أن يراني المسئولون بأعينهم على رأس العمل وفي أي وقت وبدون تحضير لذلك حتى يقتدي كل مسئول بهذا الأسلوب في العمل، وصولاً إلى الكفاءة والاقتدار في كل إنجازات الدولة".
وحرص صاحب السمو رئيس الدولة، في أكثر من مناسبة، على حث مجلس الوزراء والمسئولين في الدولة على التفاني والعطاء وبذل كل الجهود من أجل الارتقاء بنهضة الوطن وتقدمه وتحقيق المزيد من الازدهار والرخاء لمواطنيه، وحرص سموه على دعوتهم إلى عدم الاعتماد على الأساليب الروتينية والتقارير المكتبية وضرورة متابعة سير الأعمال الموكولة إليهم عن قرب وعلى الطبيعة وبشكل مباشر والتأكد من جدية إنجازها بالكفاءة المطلوبة.
بناء الإنسان
ويُمثّل حرص صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على بناء الإنسان بصورة موازية لبناء الوطن، الإنجاز الأهم لدولة الإمارات، وذلك انطلاقا من قناعة سموه أن الإنسان هو محور كل تقدم حقيقي، وأن الإنسان المتعلم هو الدعامة الأساسية التي تعتمد عليها دولة الاتحاد.. كما يؤكد سموه ذلك بقوله: "إننا أيقنا من البداية أن الإنسان هو أساس كل عملية حضارية وهو محور كل تقدم حقيقي".
وقد عملت الدولة على توفير البُنية التحتية بكل معطياتها، بما فيها المستشفيات والمدارس ومؤسسات التعليم العالي والمعاهد والمراكز الثقافية والمهنية والمؤسسات العسكرية والأكاديمية والفنية لتحقيق هذه الغاية النبيلة، وتهيئة كل الظروف الملائمة التي تمكن أبناء الوطن من تحمل مسؤولياتهم الوطنية، حيث يحدد صاحب السمو رئيس الدولة أهداف هذا التوجه بقوله: "إن الثروة ليست ثروة المال بل هي ثروة الرجال، فهم القوة الحقيقية التي نعتزّ بها وهم الزرع الذي نستفئ بظلاله، والقناعة الراسخة بهذه الحقيقة هي التي مكّنتنا من توجيه كل الجهود لبناء الإنسان وتسخير الثروات التي منَّ الله بها علينا لخدمة أبناء هذا الوطن، حتى ينهضوا بالمسئوليات الجسام التي تقع على عاتقهم ويكونوا عوناً لنا ولأشقائنا".
ويضيف سموه قائلاً: "لقد كنت أردّد دائماً عن قناعة قوية أن الإنسان هو أساس الحضارة وأن اهتمامنا به ضروري لأنه محور كل تقدّم، فمهما أقمنا من منشآت ومدارس ومستشفيات وجسور وغير ذلك، فإن كل هذا يبقى كياناً مادياً لا روح فيه، لأن روح كل هذا هو الإنسان القادر بفكره وجهده وإيمانه على تحقيق التقدم المنشود".
كما يؤكد سموه.. "إن التقدّم والنهضة لا تقاس ببنايات من الإسمنت والحديد وإنما ببناء الإنسان وكل ما يسعد المواطن ويوفر له الحياة الكريمة". ويُعبّر صاحب السمو رئيس الدولة عن ارتياحه بأن تكللت الجهود المتواصلة في بناء الإنسان بالنجاح التام، وأصبح أبناء الإمارات يتحمّلون اليوم عبء المسئولية في كل مواقع العمل على امتداد أرجاء الوطن. كما يقول سموه: "لقد حصدنا الكثير وحصدنا ما لم يتصوّره المواطن أو الصديق أو الشقيق، وأن خير ما حصدناه في هذا الوطن هو بناء الإنسان الذي نعطي له الأولوية في الاهتمام والرعاية".
رعاية الشباب
وأولى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة اهتماماً كبيراً لرعاية الشباب وحرص على دعوتهم باستمرار إلى التسلّح بالعلم حتى يسهموا بدورهم في خدمة الوطن، وأن يُلِمّوا بالماضي وظروفه الصعبة والمشاق التي عاش في كنفها آباؤهم وأجدادهم، لكي يحافظوا على ما تحقّق من إنجازات ومكاسب. كما حثّ الشباب على العمل والإنتاج والالتحاق بمختلف ميادين العمل باعتبار أن العمل شرف وواجب، مؤكداً.. "أهمية العمل وقيمته في بناء الإنسان، وأن نهضة الأمم تقوم على سواعد أبنائها".
وتوجّه صاحب السمو رئيس الدولة في كلمته في الأول من ديسمبر 2003 بمناسبة العيد الوطني الثاني والثلاثين بصورة خاصة بالحديث إلى الشباب قائلاً: "إن ما تحقق من خير وفير لن يدوم دون مزيد من الجهد والبذل والتضحيات.. إن علينا أن نكدّ من أجل حماية مكتسباتنا الوطنية وتعزيز مسيرة اتحادنا وتحقيق المزيد من العزة للوطن والرخاء للمواطن، وهذا لن يتأتى دون مشاركة بناءة وفاعلة من الجميع. لقد أصبحنا في نعمة ما كنا نحلم بها، ولذلك أناشدكم ذكوراً وإناثاً أن تبذلوا كل جهد من أجل صيانتها ورعايتها حتى تحصدوا أنتم وأبناؤكم ثمارها على الدوام إن شاء الله.. عليكم ألا تدخروا جهدا من أجل العمل بكل ما أوتيتم من طاقات وإمكانيات.. إياكم والكسل والتقاعس والتهاون، فإن النعم لا تدوم إلا بالجهد والنشاط والعمل الجاد وشكر الله وحمده.. كونوا حسبما نتوقعه منكم رجالاً ونساءً تعملون من أجل بلدكم بكل جد وتفان وإخلاص.. إنكم اليوم والحمد لله في ذروة العز والازدهار تنعمون بالخير والاحترام، فثابروا واستمروا وتفاعلوا مع العالم الذي من حولكم وخذوا منه ما يفيدكم وينفع بلدكم واطرحوا جانباً ما يضركم ويسئ إلى مجتمعكم وقيمكم وتراثكم العريق".
وقال سموه: "إن العمل الوطني لا يتوقف عند حد، والمسؤولية تقع الآن عليكم يا شباب الإمارات وشاباتها لتحوّلوا الفرص التي أتيحت لكم إلى نقاط انطلاق لمزيد من العطاء لوطنكم وشعبكم. إننا ننظر إلى مفهوم المواطنة بمعني الولاء للوطن والالتزام بالعمل من أجله. المواطنة تستدعي من كل منا أن يكون العطاء للوطن له نبراساً وهادياً، فالوطن كل متكامل وبناؤه يستوجب تضافر جهود الجميع وتكاتفهم واستعدادهم لخدمته وحمايته". وأضاف سموه.. "إن ما ترونه من حقائق مادية على أرض وطنكم لم يأت من فراغ بل كان نتيجة العمل الشاق الدؤوب والالتزام القوي والمثابرة. أن ما حدث ليس مقطوع الجذور ولا يعود فقط للعقود الثلاثة أو الأربعة الماضية بل هو نتاج موروث ثقافي واجتماعي تأصّل فينا ووصل إلينا من الأباء والأجداد الذين واجهوا الصعاب الجمّة التي تفوق كل تصور وخيال.. إننا مدينون لهم في كل ما نتمتع به من قدرة على البناء وجدّية في العمل وتصميم على النجاح.. لذلك، فإننا نقول دوماً بأن الشعب الذي لا يفهم ماضيه ويستوعب منه العبر والدروس لن يكون قادراً على التعامل مع تحديات الحاضر واستحقاقات المستقبل".
وأكد صاحب السمو رئيس الدولة على أهمية المشاركة الشعبية الواسعة في التنمية الشاملة حين قال: "إننا سنواصل العمل بكل ما أوتينا من قوة وإمكانية وعلى مختلف المستويات الرسمية وغير الرسمية من أجل المحافظة على مكاسبنا وتحقيق المزيد من الإنجازات لخير شعبنا وبلادنا ولكننا نتطلع إلى مشاركة حقيقية منكم جميعاً يا أبناء وبنات الإمارات، مشاركة فاعلة في عملية التنمية الشاملة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن المستقبل لكم يا شباب الإمارات. أنتم الذين ستحددون معطياته وملامحه. فاستفيدوا من الفرص التي تتوفر لكم الآن واستخدموها بشكل رشيد وبما يعود بالخير عليكم وعلى أسركم ووطنكم على حدٍ سواء".
ودعا سموه المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية إلى أن تولي اهتماماً أكبر بالشباب وقال: "إننا وفي هذه المناسبة التاريخية، ونحن نستشرف المستقبل المأمول لبلادنا العزيزة، ندعو جميع المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية إلى أن تولي أهمية أكبر لإعداد وتطبيق برامج متعددة ومتطورة للعناية بالشباب وتأهيلهم بصورة أفضل للمستقبل وعلى مختلف المستويات مستفيدين في ذلك من مختلف التجارب الإنسانية الناجحة ومهتدين بما حققناه من إنجازات ورسخّنا من مفاهيم وما ورثناه من قيم ومبادئ. وعلى الرغم من أننا قطعنا شوطاً يعتد به في تدريب وتأهيل شبابنا وفتياتنا، فما زالت الحاجة كبيرة إلى مواصلة هذا التدريب والتأهيل وتكثيفه لأننا نرى أن إدخال شبابنا وفتياتنا إلى ميدان العمل المثمر هو الهدف الذي يجب أن نوليه كل طاقاتنا، وعلينا أن نهيئ له من الأسباب بما يكفل تحقيقه على الوجه الأكمل. وهذا يستدعي منا المضي في تحديث مناهجنا التعليمية، ومتابعة احدث مستجدات العلوم والتقنية وتطبيقاتها، على أن يكون التدريب المتخصص مواكباً لهذه المناهج ورديفاً لها".
الاهتمام بنهضة المرأة ودورها في بناء المجتمع
وأعطى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة اهتماماً خاصا للنهوض بالمرأة انطلاقاً من رؤية ثاقبة حددها منذ قيام اتحاد دولة الإمارات بقوله: "إن المرأة نصف المجتمع وهي ربة البيت ولا ينبغي لدولة تبني نفسها أن تبقى المرأة غارقة في ظلام الجهل أسيرة لأغلال القهر". وأصبحت المرأة تنهض اليوم، بمساندة ودعم سموه، بمسئولياتها كاملة إلى جانب الرجل في مختلف مجالات العمل، من خلال إسهامها النشط في التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على قاعدة المساواة والتكافؤ في الحقوق والواجبات، وفي إطار من الالتزام بتعاليم الدِّين الإسلامي الحنيف والشريعة الإسلامية السمحاء، والعادات والتقاليد المتوارثة.
وأعرب صاحب السمو رئيس الدولة في كلمته في الأول من ديسمبر 2003 بمناسبة العيد الوطني الثاني والثلاثين عن فخره واعتزازه بإنجازات المرأة في دولة الإمارات، وقال: " يحق لنا أن نذكر بكثير من الاعتزاز ما حققته المرأة في بلادنا من إنجازات كبيرة ومن تعزيز دورها الاجتماعي والاقتصادي في القطاعين العام والخاص. إننا مازلنا عند عهدنا حريصون على توفير كل الدعم والتأييد للمرأة في كل ما من شأنه تعزيز دورها في المجتمع وتوسيع نطاق مشاركتها في عملية التنمية الشاملة. ويسعدنا أن نلحظ هنا أن المرأة في الإمارات أظهرت تصميماً فريداً في هذا الاتجاه حيث نراها الآن تقبل على مختلف أنواع التخصصات العلمية باندفاع كبير أصبح مضرب الأمثال، كما نراها تعمل بكفاءة ونشاط في القطاعين العام والخاص بينما هي ملتزمة بدورها الأساسي في المحافظة على الأسرة باعتبارها نواة المجتمع التي تستحق منا جميعاً كل رعاية واهتمام ومتمسكة بدورها في تربية أطفالها وتنشئتهم التنشئة الصالحة المرتكزة إلى قيمنا الروحية والدينية وإلى تراثنا العريق".
وأكد صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.. "إن جميع مجالات العمل مُتاحة للمرأة في الإمارات مثلها مثل الرجل". مشيراً سموه إلى أن المرأة قد خطت خطوات كبيرة على طريق المشاركة المتميّزة في مجالات العمل الوطني.. وان الاتحاد النسائي العام يسعى، برعاية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، إلى تفعيل دور المرأة في المجتمع وزيادة مساهمتها في التنمية وتمثيلها أحسن تمثيل في المحافل العربية والدولية".
وساند صاحب السمو رئيس الدولة حقوق المرأة في شغْل أعلى الدرجات الوظيفية، ومواقع اتخاذ القرار، ومعترك العمل السياسي، حين أكد تشجيعه للمرأة على المشاركة الكاملة في خدمة وطنها، بما في ذلك العمل السياسي الذي يُشكّل جزءاً من هذه المشاركة، وقال: "أنا نصير المرأة أقولها دائماً للتأكيد على حقّها في العمل والمشاركة الكاملة في بناء وطنها".
كما أولى صاحب السمو رئيس الدولة اهتماماً لكل الشرائح والفئات وخاصة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وحرص على توفير كل الإمكانات التي تمكنهم من الإسهام في فعاليات المجتمع والاندماج في أنشطته. وقد تسلمت وزارة العمل والشئون الاجتماعية في العام 2002 أحدث مركز لرعاية وتأهيل المعاقين بالدولة أُقيم بمنطقة المفرق بأبوظبي، الذي تم إنشاؤه وتجهيزه بتوجيهات صاحب السمو رئيس الدولة بتكلفة 80 مليون درهم، ويحتوى على وحدة لتصنيع الأطراف الصناعية التعويضية، وورش للتدريب المهني، وأقسام حديثة للعلاج الطبيعي، والعلاج بالعمل واللعب.
التضامن العربي والإسلامي
وكرّس صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، على مدى أكثر من ثلاثة عقود ولا يزال، كل جهوده من أجل تحقيق الوفاق بين الأشقاء وحلّ الخلافات العربية بالتفاهم والتسامح. ودأب سموه على التنبيه بصورة مستمرة إلى خطورة استمرار حالة التمزق والتردي التي تمر بها الأمة العربية، حيث يعبّر سموه عن هذا الوضع بقوله: "إنني منذ بداية خلافات العالم العربي وحتى يومنا هذا لم أبت ليلة واحدة مسروراً لأي خلاف بين شقيق وشقيقه ولا بين صديق وصديقه". كما بذل سموه جهوداً مكثفةً ومشهودةً من أجل تنقية الأجواء العربية وتناسي الخلافات وتوحيد الصف العربي والإسلامي وإعلاء شأن الأمة العربية والإسلامية وتأكيد دورها ومكانتها في العالم.
وحرص سموه على دعوة إخوانه الملوك والرؤساء العرب باستمرار إلى مراجعة شاملة للموقف العربي واتخاذ القرارات تجاه كل ما يحدث في الوطن العربي والعدول عن طريق الخسارة، بالعقل والتحرك الواعي وتعويض ما مرّ على العرب من خسارة لدعم المصالح المصيرية المشتركة، ويؤكد سموه في هذا الخصوص.. "إن الأمة العربية كبيرة في حجمها وثرواتها وخيرها ولله الحمد، ويجب علينا الالتزام بتحمل المسئولية وأن نعدل عن طريق الخسارة والضعف الذي نسير فيه حالياً، وأن نسعى بكل جهد ممكن ودون إبطاء لتعويض ما مرّ بنا من خسارة ونسير في الطريق الصواب".
ويؤكد صاحب السمو رئيس الدولة دوماً على دعم دولة الإمارات العربية المتحدة لكل ما من شأنه تعزيز الصف العربي لمواجهة مستجدات الوضع الراهن بعمل جاد وفعال وبروح أخوية صادقة وبأسلوب التسامح والمصالحة، خاصةً بعد الدروس والعِبر والخسارة التي ألمّت بالأمة العربية.
وبحث صاحب السمو رئيس الدولة مع جلالة الملك محمد السادس عاهل المملكة المغربية في أبوظبي في 20 يناير 2004، بحضور صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، التطورات والمستجدات الراهنة في العراق وفلسطين، والوضع العربي وسبل تطوير العمل العربي المشترك في المرحلة المقبلة بما يدعم القدرة العربية على مواجهة التحديات الراهنة.
وتتحلّى مواقف صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة بنظرة صائبة في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، وتتّسم بالحكمة والصراحة والشجاعة والوقوف بصلابة إلى جانب الحق والعدل والتسامح من أجل إرساء القيم الإنسانية في العلاقات الدولية وكل ما يحقق خير البشرية جمعاء.
ويؤكد صاحب السمو رئيس الدولة دوماً على دعم وتضامن ومساندة دولة الإمارات لمسيرة الكفاح العادلة التي يخوضها الشعب الفلسطيني لنيل حريته واستقلاله وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. ويعبر عن بالغ قلقه إزاء استمرار عجز المجتمع الدولي عن إلزام إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والعمل على إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، ووقف الجرائم التي تقترفها يومياً ضد أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق وممتلكاته وأرضه ومؤسساته.
زايد والتراث الشعبي
لم يقتصر اهتمام صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة بالتراث الشعبي على الصعيد الوطني فقط، بل امتد حرصه واهتمامه بالتراث الإنساني إلى العالم، بتخصيص جائزة تحمل اسم سموه لروائع التراث المعنوي والإنساني العالمي.
وقد أشاد السيد كوشيرو ماتسورا مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في كلمته أمام المؤتمر الثالث لوزراء الثقافة بالمنظمة، والذي انعقد في إسطنبول في 16 سبتمبر 2002 بمبادرة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بتخصيص جائزة قدرها 150 ألف دولار كلّ عامين لتشجيع الإبداعات الإنسانية في المجالات كافة، وحماية وتشجيع الحفاظ على التراث ومختلف أشكال وروائع التعبير التراثية الشعبية والتقليدية، وكذلك حماية الأعمال التراثية غير المادية المُهدَّدة بالاندثار.
وقال: إننا ننظر لهذه الجائزة على أنها تقدير عظيم للأعمال الرائعة التي تُعبّر عن التراث الإنساني غير المادي. وأضاف أن حماية التراث المعنوي العالمي تجئ في مقدمة اهتماماتي منذ أن تولّيت مهامّ منصبي، ولذلك أنا سعيد بقرار حكومة الإمارات وسعيد أيضا بأن تكون باكورة التعاون الدولي بين اليونسكو والمجتمع الدولي في هذا المجال مع دولة الإمارات.
وقد ارتبط صاحب السمو الشيخ زايد منذ صباه الباكر بحياة البادية والمكونات البيئية والتراثية فيها، حيث شكلت هذه المكونات ارتباطه الوثيق بالتراث، كما يؤكد سموه.. "لقد ترك لنا الأسلاف من أجدادنا الكثير من التراث الشعبي الذي يحقّ لنا أن نفخر به ونحافظ عليه ونطوره ليكون ذخراً لهذا الوطن والأجيال القادمة".
ويركز صاحب السمو رئيس الدولة في لقاءاته مع أبنائه الشباب والمواطنين على ضرورة التعرّف على تراثهم الحضاري حتى لا ينسوه وعلى التمسك والإقتداء به قائلاً: "يجب على الشباب أن يتتبعوا ويسألوا عن التاريخ ويراجعوه سواء أكان التاريخ القريب أم المتوسط أم البعيد، حتى يعلموا ماذا مرّ بهذا الوطن وكيف عاصرته الأجيال التي مضت.. لأنني أؤمن بأن من لا يعرف ماضيه فهو حتماً لا يعرف حاضره. أما إذا عرف المرء ماضيه فلا بد أن يعرف حاضره ويعرف ما يجب عليه أن يحسبه من حساب المستقبل". ويضيف سموه إلى ذلك مؤكداً.. "أن أي أمة ليس لها تراث، ليس لها أول أو آخر".
وقد زار صاحب السمو رئيس الدولة، في إطار اهتمامه وتشجيعه لكل الجهود التي ترمي للحفاظ على التراث، في 2 فبراير 2003 متحف قصر العين الذي أُنشئ قبل 80 عاماً بعد إعادة تأهيله وترميمه وجعْله متحفاً يجسّد تراث الماضي العريق. كما زار سموه في 11 مارس 2003 قرية زايد للتراث التابعة لجمعية إحياء التراث الشعبي بمدينة أبوظبي.
وقد انتشرت، نتيجة هذا الاهتمام بالتراث الشعبي، وضرورة الحفاظ عليه وجَمْعه وتوثيقه في مختلف مدن الدولة، العديد من المراكز والجمعيات والأندية التي اهتمّت بمختلف روائع التراث الشعبي.
كما أولى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات كل الدعم للرياضات التراثية والمتمثلة في سباقات الهجن العربية الأصيلة والسباقات البحرية التراثية والفروسية ورياضة الصيد بالصقور.
الصيد بالصقور
ويحرص صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على الحفاظ على رياضة الصيد بالصقور باعتبارها من أهم الرياضات التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد في منطقة الخليج والجزيرة العربية، حيث برع أهل الإمارات منذ زمن بعيد في معرفة أنواع الصقور وأفضل أساليب تربيتها وترويضها وتدريبها وحسن معاملتها، وكيفية تأنيس هذا الطير الجارح الذي يعتبر رمز قوة ودليلاً على عزة النفس.
وتحدث سموه عن هذه الرياضة التي يعتبر العرب أول من عرفوها، ثم انتقلت إلى البلدان الأخرى، وقال: "إننا نحرص على الاحتفاظ بالتقاليد الأصيلة والتراث مهما خطونا إلى ميادين الحضارة، وأن الصيد بالصقور رياضة مُهمّة ووسيلة تعلّم الصّبر والجَلَد والقوة، وهي مفيدة نفسياً وجسدياً ورياضة اجتماعية تجمع بين رفاق الرحلة وتسودها روح الجماعة، كما أن لهذه الرياضة تقاليدها وآدابها وأنواعها، من حيث سرعة الصقور وقدرتها على الطيران أو المناورة أو الصيد أو الانقضاض على الطعام".
وتأسس في شهر سبتمبر 2001 (نادي صقّاري الامارات) برئاسة سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة للشئون الخارجية، الذي أكد أن رياضة الصيد بالصقور تُعتبر من أهمّ الرياضات العربية التي مارسها الأجداد منذ آلاف السنين، وأن النادي يهدف إلى نشر الوعي والارتقاء بمستوى رياضة الصقور في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج العربي، والمحافظة عليها كتراث هام في المنطقة، بالإضافة إلى نشر أخلاقيات رياضة الصيد بالصقور، والتعريف بصفات الصقور وعاداتها وأطوار حياتها وأنواعها ومواطنها الأصلية وهجراتها، ونقل إرث الأجداد في هذا الصدد إلى الأجيال القادمة، تحقيقاً لاستمرارية هذه الهواية على نحو سليم يحول دون تعرض الصقور والحبارى إلى الانقراض.
وزار صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، معرض الصيد العربي 2003 الذي نظمه نادي صقّاري الإمارات بالتعاون مع هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنيتها بمركز أبوظبي الدولي للمعارض، بمشاركة عدد كبير من العارضين والمهتمين بالصقور محلياً وعالمياً من مصنعي أدوات الصيد وأنظمة الاتصالات بعيدة المدى ومعدات تربية الصقور وطرق تعقبها، ومعدات رحلات السفارى وتجهيزاتها من الرماية والصيد من 14 دولة، بالإضافة إلى المركز الوطني لبحوث الطيور للهية، ومستشفى أبوظبي للصقور.
ويؤمن صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة بالشورى منهجاً له في قيادته للعمل الوطني، ويقول: "إن حكم الشورى من عندالله.. ومن لم يطع الله فهو خاسر". كما ينبع من فلسفته في الحياة التي ترتكز على الإيمان بالله وبالاعتماد عليه سبحانه وتعالى في كل خطواته، كما يقول سموه: "فلسفتي في الحياة هي أنني مؤمن بأن الأمور كلها بيد الله سبحانه وتعالى، وان على الإنسان أن يعمل من وحي إيمانه بالله في جد واجتهاد، فإذا وُفقت في السعي حمدت الله على توفيقه، وإذا أخطأت الاجتهاد عُدت عن الخطأ إلى الصواب. إن كل شئ في هذه الحياة هو بإرادة الله سبحانه وتعالى، يُسيّرها ويُدبّرها، وعلى العبد أن يسعى في مرضاة الله وأن يفعل ويتوكل، وعلى الله التوفيق، ومتى كان إيمان الإنسان بربه قوياً فإن الله يهبه راحة الضمير، وتلك هي السعادة القصوى".
وقد وطّد نهج الشورى الذي اتّبعه صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، والذي يتمثل في حرصه البالغ على اللقاءات المفتوحة المباشرة مع المواطنين في مواقع عملهم وبواديهم وأماكن إقامتهم، من خلال جولاته الميدانية المنتظمة لأرجاء الوطن، من عُمق التلاحم الصادق بين القيادة والشعب، حيث يؤكد سموه على هذا النهج الذي يرتكز على سياسة الأبواب المفتوحة بين الحاكم والرعيّة بقوله: "إن بابنا مفتوح وسيظل دائماً كذلك".
كما يؤكد سموه.. "إن الحاكم يجب أن يلتقي بأبناء شعبه باستمرار، ويجب أن لا تكون بينه وبينهم حواجز مهما كانت الظروف". ويضيف سموه إلى ذلك.. "إن الحاكم أي حاكم ما وُجد إلا ليخدم شعبه ويوفر له سبل الرفاهية والتقدم، ومن أجل هذا الهدف يجب أن يعيش بين شعبه ليتحسّس رغباته ويعرف مشاكله.. ولن يتحقّق له ذلك إذا عزل نفسه عنهم".
وقام صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في إطار جولاته الميدانية السنوية لمختلف أرجاء البلاد خلال شهر ديسمبر 2003 بجولة شاملة في المنطقة الشرقية للاطلاع على مشاريع التنمية والتطوير الحضارية والعمرانية والزراعية والسياحية، وذلك في إطار حرص سموه على متابعة تنفيذ المشاريع التي أمر بإنجازها لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين.
وقد شملت الجولة مناطق مدينة العين والوجن والظاهرة وبوكرة والعراد والعقير ومنتزه مبذرة الخضراء وزعبة، اطلع خلالها على المساكن الشعبية والمزارع وشبكة الطرق ومرافق الخدمات ومدى توفر المياه الجوفية اللازمة للزراعة طوال العام.
وكان سموه قد تفقد خلال شهري سبتمبر وأكتوبر 2002 المنطقتين الشرقية والغربية في إمارة أبوظبي، التقى خلالها بالمواطنين للاطمئنان على راحتهم وتوفير الحياة الكريمة لهم. وأكد سموه.. "إن حواراته ولقاءاته مع المواطنين تحمل كل الانطباعات السارة وتترك أثراً بالغاً في النفس".
وتنفذ الدائرة الخاصة لصاحب السمو رئيس الدولة منذ العام 2001 بتوجيهات صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، وعلى نفقته الخاصة، مشروعات 10 آلاف وحدة سكنية في مختلف أرجاء الدولة بتكلفة 10 مليارات درهم، حيث أنجزت الدائرة نحو 50 في المائة منها، ويجري العمل في بقية الوحدات بكامل خدماتها من مساجد وأسواق وكهرباء ومياه ومدارس ومرافق صحية وطرق.
كما نفّذت الدائرة الخاصة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بتوجيهات صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، وفي إطار حرص سموه على توفير المياه وزيادة مصادرها لتغذية المخزون الجوفي والتوسع في الزراعة، مشاريع 67 سداً وحاجزاً للمياه في الإمارات الشمالية على نفقة سموه الخاصة، بتكلفة 700 مليون درهم.
وحرص صاحب السمو الشيخ زايد على إتاحة الفرص الواسعة أمام أبنائه المواطنين للمشاركة في مسؤوليات العمل الوطني، مؤكداً.. "إن الحاكم حين يكون مطمئناً وواثقاً يوكل إلى أبنائه وإخوانه المسئولين مساعدته للوصول إلى ما هو أفضل للوطن". ويضيف سموه إلى ذلك.. "إن هدفنا في الحياة هو تحقيق العدالة والحق ومناصرة الضعيف على القويّ، وليس هناك ما نتحرّزه من مشاركة أبنائنا مسئولية الحكم طالما أن أهدافنا هي هذه، ونحن نرى أن واجبنا توزيع المسئوليات على أبناء الوطن. وقد عملنا هذا بالفعل، والإسلام ينادي بالديمقراطية الحقّة والعدالة".
وقد جعل صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من نفسه القدوة والمثل الأعلى للمسئولين وذلك في نطاق حرصه على المتابعة الميدانية لمواقع العمل والإنتاج، والتلاحم المستمر مع المواطنين لتحسّس رغباتهم واحتياجاتهم، بعيداً عن المكاتب والدواوين الحكومية والتقارير الرسمية، حيث يقول سموه في هذا الخصوص.. "أريد أن يراني المسئولون بأعينهم على رأس العمل وفي أي وقت وبدون تحضير لذلك حتى يقتدي كل مسئول بهذا الأسلوب في العمل، وصولاً إلى الكفاءة والاقتدار في كل إنجازات الدولة".
وحرص صاحب السمو رئيس الدولة، في أكثر من مناسبة، على حث مجلس الوزراء والمسئولين في الدولة على التفاني والعطاء وبذل كل الجهود من أجل الارتقاء بنهضة الوطن وتقدمه وتحقيق المزيد من الازدهار والرخاء لمواطنيه، وحرص سموه على دعوتهم إلى عدم الاعتماد على الأساليب الروتينية والتقارير المكتبية وضرورة متابعة سير الأعمال الموكولة إليهم عن قرب وعلى الطبيعة وبشكل مباشر والتأكد من جدية إنجازها بالكفاءة المطلوبة.
بناء الإنسان
ويُمثّل حرص صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على بناء الإنسان بصورة موازية لبناء الوطن، الإنجاز الأهم لدولة الإمارات، وذلك انطلاقا من قناعة سموه أن الإنسان هو محور كل تقدم حقيقي، وأن الإنسان المتعلم هو الدعامة الأساسية التي تعتمد عليها دولة الاتحاد.. كما يؤكد سموه ذلك بقوله: "إننا أيقنا من البداية أن الإنسان هو أساس كل عملية حضارية وهو محور كل تقدم حقيقي".
وقد عملت الدولة على توفير البُنية التحتية بكل معطياتها، بما فيها المستشفيات والمدارس ومؤسسات التعليم العالي والمعاهد والمراكز الثقافية والمهنية والمؤسسات العسكرية والأكاديمية والفنية لتحقيق هذه الغاية النبيلة، وتهيئة كل الظروف الملائمة التي تمكن أبناء الوطن من تحمل مسؤولياتهم الوطنية، حيث يحدد صاحب السمو رئيس الدولة أهداف هذا التوجه بقوله: "إن الثروة ليست ثروة المال بل هي ثروة الرجال، فهم القوة الحقيقية التي نعتزّ بها وهم الزرع الذي نستفئ بظلاله، والقناعة الراسخة بهذه الحقيقة هي التي مكّنتنا من توجيه كل الجهود لبناء الإنسان وتسخير الثروات التي منَّ الله بها علينا لخدمة أبناء هذا الوطن، حتى ينهضوا بالمسئوليات الجسام التي تقع على عاتقهم ويكونوا عوناً لنا ولأشقائنا".
ويضيف سموه قائلاً: "لقد كنت أردّد دائماً عن قناعة قوية أن الإنسان هو أساس الحضارة وأن اهتمامنا به ضروري لأنه محور كل تقدّم، فمهما أقمنا من منشآت ومدارس ومستشفيات وجسور وغير ذلك، فإن كل هذا يبقى كياناً مادياً لا روح فيه، لأن روح كل هذا هو الإنسان القادر بفكره وجهده وإيمانه على تحقيق التقدم المنشود".
كما يؤكد سموه.. "إن التقدّم والنهضة لا تقاس ببنايات من الإسمنت والحديد وإنما ببناء الإنسان وكل ما يسعد المواطن ويوفر له الحياة الكريمة". ويُعبّر صاحب السمو رئيس الدولة عن ارتياحه بأن تكللت الجهود المتواصلة في بناء الإنسان بالنجاح التام، وأصبح أبناء الإمارات يتحمّلون اليوم عبء المسئولية في كل مواقع العمل على امتداد أرجاء الوطن. كما يقول سموه: "لقد حصدنا الكثير وحصدنا ما لم يتصوّره المواطن أو الصديق أو الشقيق، وأن خير ما حصدناه في هذا الوطن هو بناء الإنسان الذي نعطي له الأولوية في الاهتمام والرعاية".
رعاية الشباب
وأولى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة اهتماماً كبيراً لرعاية الشباب وحرص على دعوتهم باستمرار إلى التسلّح بالعلم حتى يسهموا بدورهم في خدمة الوطن، وأن يُلِمّوا بالماضي وظروفه الصعبة والمشاق التي عاش في كنفها آباؤهم وأجدادهم، لكي يحافظوا على ما تحقّق من إنجازات ومكاسب. كما حثّ الشباب على العمل والإنتاج والالتحاق بمختلف ميادين العمل باعتبار أن العمل شرف وواجب، مؤكداً.. "أهمية العمل وقيمته في بناء الإنسان، وأن نهضة الأمم تقوم على سواعد أبنائها".
وتوجّه صاحب السمو رئيس الدولة في كلمته في الأول من ديسمبر 2003 بمناسبة العيد الوطني الثاني والثلاثين بصورة خاصة بالحديث إلى الشباب قائلاً: "إن ما تحقق من خير وفير لن يدوم دون مزيد من الجهد والبذل والتضحيات.. إن علينا أن نكدّ من أجل حماية مكتسباتنا الوطنية وتعزيز مسيرة اتحادنا وتحقيق المزيد من العزة للوطن والرخاء للمواطن، وهذا لن يتأتى دون مشاركة بناءة وفاعلة من الجميع. لقد أصبحنا في نعمة ما كنا نحلم بها، ولذلك أناشدكم ذكوراً وإناثاً أن تبذلوا كل جهد من أجل صيانتها ورعايتها حتى تحصدوا أنتم وأبناؤكم ثمارها على الدوام إن شاء الله.. عليكم ألا تدخروا جهدا من أجل العمل بكل ما أوتيتم من طاقات وإمكانيات.. إياكم والكسل والتقاعس والتهاون، فإن النعم لا تدوم إلا بالجهد والنشاط والعمل الجاد وشكر الله وحمده.. كونوا حسبما نتوقعه منكم رجالاً ونساءً تعملون من أجل بلدكم بكل جد وتفان وإخلاص.. إنكم اليوم والحمد لله في ذروة العز والازدهار تنعمون بالخير والاحترام، فثابروا واستمروا وتفاعلوا مع العالم الذي من حولكم وخذوا منه ما يفيدكم وينفع بلدكم واطرحوا جانباً ما يضركم ويسئ إلى مجتمعكم وقيمكم وتراثكم العريق".
وقال سموه: "إن العمل الوطني لا يتوقف عند حد، والمسؤولية تقع الآن عليكم يا شباب الإمارات وشاباتها لتحوّلوا الفرص التي أتيحت لكم إلى نقاط انطلاق لمزيد من العطاء لوطنكم وشعبكم. إننا ننظر إلى مفهوم المواطنة بمعني الولاء للوطن والالتزام بالعمل من أجله. المواطنة تستدعي من كل منا أن يكون العطاء للوطن له نبراساً وهادياً، فالوطن كل متكامل وبناؤه يستوجب تضافر جهود الجميع وتكاتفهم واستعدادهم لخدمته وحمايته". وأضاف سموه.. "إن ما ترونه من حقائق مادية على أرض وطنكم لم يأت من فراغ بل كان نتيجة العمل الشاق الدؤوب والالتزام القوي والمثابرة. أن ما حدث ليس مقطوع الجذور ولا يعود فقط للعقود الثلاثة أو الأربعة الماضية بل هو نتاج موروث ثقافي واجتماعي تأصّل فينا ووصل إلينا من الأباء والأجداد الذين واجهوا الصعاب الجمّة التي تفوق كل تصور وخيال.. إننا مدينون لهم في كل ما نتمتع به من قدرة على البناء وجدّية في العمل وتصميم على النجاح.. لذلك، فإننا نقول دوماً بأن الشعب الذي لا يفهم ماضيه ويستوعب منه العبر والدروس لن يكون قادراً على التعامل مع تحديات الحاضر واستحقاقات المستقبل".
وأكد صاحب السمو رئيس الدولة على أهمية المشاركة الشعبية الواسعة في التنمية الشاملة حين قال: "إننا سنواصل العمل بكل ما أوتينا من قوة وإمكانية وعلى مختلف المستويات الرسمية وغير الرسمية من أجل المحافظة على مكاسبنا وتحقيق المزيد من الإنجازات لخير شعبنا وبلادنا ولكننا نتطلع إلى مشاركة حقيقية منكم جميعاً يا أبناء وبنات الإمارات، مشاركة فاعلة في عملية التنمية الشاملة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن المستقبل لكم يا شباب الإمارات. أنتم الذين ستحددون معطياته وملامحه. فاستفيدوا من الفرص التي تتوفر لكم الآن واستخدموها بشكل رشيد وبما يعود بالخير عليكم وعلى أسركم ووطنكم على حدٍ سواء".
ودعا سموه المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية إلى أن تولي اهتماماً أكبر بالشباب وقال: "إننا وفي هذه المناسبة التاريخية، ونحن نستشرف المستقبل المأمول لبلادنا العزيزة، ندعو جميع المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية إلى أن تولي أهمية أكبر لإعداد وتطبيق برامج متعددة ومتطورة للعناية بالشباب وتأهيلهم بصورة أفضل للمستقبل وعلى مختلف المستويات مستفيدين في ذلك من مختلف التجارب الإنسانية الناجحة ومهتدين بما حققناه من إنجازات ورسخّنا من مفاهيم وما ورثناه من قيم ومبادئ. وعلى الرغم من أننا قطعنا شوطاً يعتد به في تدريب وتأهيل شبابنا وفتياتنا، فما زالت الحاجة كبيرة إلى مواصلة هذا التدريب والتأهيل وتكثيفه لأننا نرى أن إدخال شبابنا وفتياتنا إلى ميدان العمل المثمر هو الهدف الذي يجب أن نوليه كل طاقاتنا، وعلينا أن نهيئ له من الأسباب بما يكفل تحقيقه على الوجه الأكمل. وهذا يستدعي منا المضي في تحديث مناهجنا التعليمية، ومتابعة احدث مستجدات العلوم والتقنية وتطبيقاتها، على أن يكون التدريب المتخصص مواكباً لهذه المناهج ورديفاً لها".
الاهتمام بنهضة المرأة ودورها في بناء المجتمع
وأعطى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة اهتماماً خاصا للنهوض بالمرأة انطلاقاً من رؤية ثاقبة حددها منذ قيام اتحاد دولة الإمارات بقوله: "إن المرأة نصف المجتمع وهي ربة البيت ولا ينبغي لدولة تبني نفسها أن تبقى المرأة غارقة في ظلام الجهل أسيرة لأغلال القهر". وأصبحت المرأة تنهض اليوم، بمساندة ودعم سموه، بمسئولياتها كاملة إلى جانب الرجل في مختلف مجالات العمل، من خلال إسهامها النشط في التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على قاعدة المساواة والتكافؤ في الحقوق والواجبات، وفي إطار من الالتزام بتعاليم الدِّين الإسلامي الحنيف والشريعة الإسلامية السمحاء، والعادات والتقاليد المتوارثة.
وأعرب صاحب السمو رئيس الدولة في كلمته في الأول من ديسمبر 2003 بمناسبة العيد الوطني الثاني والثلاثين عن فخره واعتزازه بإنجازات المرأة في دولة الإمارات، وقال: " يحق لنا أن نذكر بكثير من الاعتزاز ما حققته المرأة في بلادنا من إنجازات كبيرة ومن تعزيز دورها الاجتماعي والاقتصادي في القطاعين العام والخاص. إننا مازلنا عند عهدنا حريصون على توفير كل الدعم والتأييد للمرأة في كل ما من شأنه تعزيز دورها في المجتمع وتوسيع نطاق مشاركتها في عملية التنمية الشاملة. ويسعدنا أن نلحظ هنا أن المرأة في الإمارات أظهرت تصميماً فريداً في هذا الاتجاه حيث نراها الآن تقبل على مختلف أنواع التخصصات العلمية باندفاع كبير أصبح مضرب الأمثال، كما نراها تعمل بكفاءة ونشاط في القطاعين العام والخاص بينما هي ملتزمة بدورها الأساسي في المحافظة على الأسرة باعتبارها نواة المجتمع التي تستحق منا جميعاً كل رعاية واهتمام ومتمسكة بدورها في تربية أطفالها وتنشئتهم التنشئة الصالحة المرتكزة إلى قيمنا الروحية والدينية وإلى تراثنا العريق".
وأكد صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.. "إن جميع مجالات العمل مُتاحة للمرأة في الإمارات مثلها مثل الرجل". مشيراً سموه إلى أن المرأة قد خطت خطوات كبيرة على طريق المشاركة المتميّزة في مجالات العمل الوطني.. وان الاتحاد النسائي العام يسعى، برعاية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، إلى تفعيل دور المرأة في المجتمع وزيادة مساهمتها في التنمية وتمثيلها أحسن تمثيل في المحافل العربية والدولية".
وساند صاحب السمو رئيس الدولة حقوق المرأة في شغْل أعلى الدرجات الوظيفية، ومواقع اتخاذ القرار، ومعترك العمل السياسي، حين أكد تشجيعه للمرأة على المشاركة الكاملة في خدمة وطنها، بما في ذلك العمل السياسي الذي يُشكّل جزءاً من هذه المشاركة، وقال: "أنا نصير المرأة أقولها دائماً للتأكيد على حقّها في العمل والمشاركة الكاملة في بناء وطنها".
كما أولى صاحب السمو رئيس الدولة اهتماماً لكل الشرائح والفئات وخاصة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وحرص على توفير كل الإمكانات التي تمكنهم من الإسهام في فعاليات المجتمع والاندماج في أنشطته. وقد تسلمت وزارة العمل والشئون الاجتماعية في العام 2002 أحدث مركز لرعاية وتأهيل المعاقين بالدولة أُقيم بمنطقة المفرق بأبوظبي، الذي تم إنشاؤه وتجهيزه بتوجيهات صاحب السمو رئيس الدولة بتكلفة 80 مليون درهم، ويحتوى على وحدة لتصنيع الأطراف الصناعية التعويضية، وورش للتدريب المهني، وأقسام حديثة للعلاج الطبيعي، والعلاج بالعمل واللعب.
التضامن العربي والإسلامي
وكرّس صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، على مدى أكثر من ثلاثة عقود ولا يزال، كل جهوده من أجل تحقيق الوفاق بين الأشقاء وحلّ الخلافات العربية بالتفاهم والتسامح. ودأب سموه على التنبيه بصورة مستمرة إلى خطورة استمرار حالة التمزق والتردي التي تمر بها الأمة العربية، حيث يعبّر سموه عن هذا الوضع بقوله: "إنني منذ بداية خلافات العالم العربي وحتى يومنا هذا لم أبت ليلة واحدة مسروراً لأي خلاف بين شقيق وشقيقه ولا بين صديق وصديقه". كما بذل سموه جهوداً مكثفةً ومشهودةً من أجل تنقية الأجواء العربية وتناسي الخلافات وتوحيد الصف العربي والإسلامي وإعلاء شأن الأمة العربية والإسلامية وتأكيد دورها ومكانتها في العالم.
وحرص سموه على دعوة إخوانه الملوك والرؤساء العرب باستمرار إلى مراجعة شاملة للموقف العربي واتخاذ القرارات تجاه كل ما يحدث في الوطن العربي والعدول عن طريق الخسارة، بالعقل والتحرك الواعي وتعويض ما مرّ على العرب من خسارة لدعم المصالح المصيرية المشتركة، ويؤكد سموه في هذا الخصوص.. "إن الأمة العربية كبيرة في حجمها وثرواتها وخيرها ولله الحمد، ويجب علينا الالتزام بتحمل المسئولية وأن نعدل عن طريق الخسارة والضعف الذي نسير فيه حالياً، وأن نسعى بكل جهد ممكن ودون إبطاء لتعويض ما مرّ بنا من خسارة ونسير في الطريق الصواب".
ويؤكد صاحب السمو رئيس الدولة دوماً على دعم دولة الإمارات العربية المتحدة لكل ما من شأنه تعزيز الصف العربي لمواجهة مستجدات الوضع الراهن بعمل جاد وفعال وبروح أخوية صادقة وبأسلوب التسامح والمصالحة، خاصةً بعد الدروس والعِبر والخسارة التي ألمّت بالأمة العربية.
وبحث صاحب السمو رئيس الدولة مع جلالة الملك محمد السادس عاهل المملكة المغربية في أبوظبي في 20 يناير 2004، بحضور صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، التطورات والمستجدات الراهنة في العراق وفلسطين، والوضع العربي وسبل تطوير العمل العربي المشترك في المرحلة المقبلة بما يدعم القدرة العربية على مواجهة التحديات الراهنة.
وتتحلّى مواقف صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة بنظرة صائبة في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، وتتّسم بالحكمة والصراحة والشجاعة والوقوف بصلابة إلى جانب الحق والعدل والتسامح من أجل إرساء القيم الإنسانية في العلاقات الدولية وكل ما يحقق خير البشرية جمعاء.
ويؤكد صاحب السمو رئيس الدولة دوماً على دعم وتضامن ومساندة دولة الإمارات لمسيرة الكفاح العادلة التي يخوضها الشعب الفلسطيني لنيل حريته واستقلاله وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. ويعبر عن بالغ قلقه إزاء استمرار عجز المجتمع الدولي عن إلزام إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والعمل على إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، ووقف الجرائم التي تقترفها يومياً ضد أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق وممتلكاته وأرضه ومؤسساته.
زايد والتراث الشعبي
لم يقتصر اهتمام صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة بالتراث الشعبي على الصعيد الوطني فقط، بل امتد حرصه واهتمامه بالتراث الإنساني إلى العالم، بتخصيص جائزة تحمل اسم سموه لروائع التراث المعنوي والإنساني العالمي.
وقد أشاد السيد كوشيرو ماتسورا مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في كلمته أمام المؤتمر الثالث لوزراء الثقافة بالمنظمة، والذي انعقد في إسطنبول في 16 سبتمبر 2002 بمبادرة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بتخصيص جائزة قدرها 150 ألف دولار كلّ عامين لتشجيع الإبداعات الإنسانية في المجالات كافة، وحماية وتشجيع الحفاظ على التراث ومختلف أشكال وروائع التعبير التراثية الشعبية والتقليدية، وكذلك حماية الأعمال التراثية غير المادية المُهدَّدة بالاندثار.
وقال: إننا ننظر لهذه الجائزة على أنها تقدير عظيم للأعمال الرائعة التي تُعبّر عن التراث الإنساني غير المادي. وأضاف أن حماية التراث المعنوي العالمي تجئ في مقدمة اهتماماتي منذ أن تولّيت مهامّ منصبي، ولذلك أنا سعيد بقرار حكومة الإمارات وسعيد أيضا بأن تكون باكورة التعاون الدولي بين اليونسكو والمجتمع الدولي في هذا المجال مع دولة الإمارات.
وقد ارتبط صاحب السمو الشيخ زايد منذ صباه الباكر بحياة البادية والمكونات البيئية والتراثية فيها، حيث شكلت هذه المكونات ارتباطه الوثيق بالتراث، كما يؤكد سموه.. "لقد ترك لنا الأسلاف من أجدادنا الكثير من التراث الشعبي الذي يحقّ لنا أن نفخر به ونحافظ عليه ونطوره ليكون ذخراً لهذا الوطن والأجيال القادمة".
ويركز صاحب السمو رئيس الدولة في لقاءاته مع أبنائه الشباب والمواطنين على ضرورة التعرّف على تراثهم الحضاري حتى لا ينسوه وعلى التمسك والإقتداء به قائلاً: "يجب على الشباب أن يتتبعوا ويسألوا عن التاريخ ويراجعوه سواء أكان التاريخ القريب أم المتوسط أم البعيد، حتى يعلموا ماذا مرّ بهذا الوطن وكيف عاصرته الأجيال التي مضت.. لأنني أؤمن بأن من لا يعرف ماضيه فهو حتماً لا يعرف حاضره. أما إذا عرف المرء ماضيه فلا بد أن يعرف حاضره ويعرف ما يجب عليه أن يحسبه من حساب المستقبل". ويضيف سموه إلى ذلك مؤكداً.. "أن أي أمة ليس لها تراث، ليس لها أول أو آخر".
وقد زار صاحب السمو رئيس الدولة، في إطار اهتمامه وتشجيعه لكل الجهود التي ترمي للحفاظ على التراث، في 2 فبراير 2003 متحف قصر العين الذي أُنشئ قبل 80 عاماً بعد إعادة تأهيله وترميمه وجعْله متحفاً يجسّد تراث الماضي العريق. كما زار سموه في 11 مارس 2003 قرية زايد للتراث التابعة لجمعية إحياء التراث الشعبي بمدينة أبوظبي.
وقد انتشرت، نتيجة هذا الاهتمام بالتراث الشعبي، وضرورة الحفاظ عليه وجَمْعه وتوثيقه في مختلف مدن الدولة، العديد من المراكز والجمعيات والأندية التي اهتمّت بمختلف روائع التراث الشعبي.
كما أولى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات كل الدعم للرياضات التراثية والمتمثلة في سباقات الهجن العربية الأصيلة والسباقات البحرية التراثية والفروسية ورياضة الصيد بالصقور.
الصيد بالصقور
ويحرص صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على الحفاظ على رياضة الصيد بالصقور باعتبارها من أهم الرياضات التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد في منطقة الخليج والجزيرة العربية، حيث برع أهل الإمارات منذ زمن بعيد في معرفة أنواع الصقور وأفضل أساليب تربيتها وترويضها وتدريبها وحسن معاملتها، وكيفية تأنيس هذا الطير الجارح الذي يعتبر رمز قوة ودليلاً على عزة النفس.
وتحدث سموه عن هذه الرياضة التي يعتبر العرب أول من عرفوها، ثم انتقلت إلى البلدان الأخرى، وقال: "إننا نحرص على الاحتفاظ بالتقاليد الأصيلة والتراث مهما خطونا إلى ميادين الحضارة، وأن الصيد بالصقور رياضة مُهمّة ووسيلة تعلّم الصّبر والجَلَد والقوة، وهي مفيدة نفسياً وجسدياً ورياضة اجتماعية تجمع بين رفاق الرحلة وتسودها روح الجماعة، كما أن لهذه الرياضة تقاليدها وآدابها وأنواعها، من حيث سرعة الصقور وقدرتها على الطيران أو المناورة أو الصيد أو الانقضاض على الطعام".
وتأسس في شهر سبتمبر 2001 (نادي صقّاري الامارات) برئاسة سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة للشئون الخارجية، الذي أكد أن رياضة الصيد بالصقور تُعتبر من أهمّ الرياضات العربية التي مارسها الأجداد منذ آلاف السنين، وأن النادي يهدف إلى نشر الوعي والارتقاء بمستوى رياضة الصقور في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج العربي، والمحافظة عليها كتراث هام في المنطقة، بالإضافة إلى نشر أخلاقيات رياضة الصيد بالصقور، والتعريف بصفات الصقور وعاداتها وأطوار حياتها وأنواعها ومواطنها الأصلية وهجراتها، ونقل إرث الأجداد في هذا الصدد إلى الأجيال القادمة، تحقيقاً لاستمرارية هذه الهواية على نحو سليم يحول دون تعرض الصقور والحبارى إلى الانقراض.
وزار صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، معرض الصيد العربي 2003 الذي نظمه نادي صقّاري الإمارات بالتعاون مع هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنيتها بمركز أبوظبي الدولي للمعارض، بمشاركة عدد كبير من العارضين والمهتمين بالصقور محلياً وعالمياً من مصنعي أدوات الصيد وأنظمة الاتصالات بعيدة المدى ومعدات تربية الصقور وطرق تعقبها، ومعدات رحلات السفارى وتجهيزاتها من الرماية والصيد من 14 دولة، بالإضافة إلى المركز الوطني لبحوث الطيور للهية، ومستشفى أبوظبي للصقور.
تاريـــــخ الأُســـر الحـــاكمـة
لقد قدر لأبوظبي أن يكون لها شأن كبير, وأن تنجب رجالا عظماء يصونون هذا الجزء الغالي من الوطن العربي الكبير, ويصدون الشر عنه من كل جانب.
إذ انه على امتداد مائتي سنة خلت استطاع حكام آل نهيان أن يقودوا السفينة إلى بر الأمان, وان يحافظوا على هذا البلد.
لقد أعطى حكام آل نهيان بلادهم وشعبهم أقصى ما يستطيعون من طاقات العطاء, حبا ووفاء, لا منة ولاتكرما.
وكتبوا في سجل الحكم والحكام أياما خالدة, وأقاموا شراكة خيرة بين المواطن والحاكم في جنى الثمار.
كان بينهم الحاكم الصالح العادل.
وكان من بينهم الحاكم المسئول بأروع ما تكون المسئولية.
وكان منهم الحاكم المخلص على أسمى الصور.
هكذا كانوا.. حاكما بعد حاكم.
شخبوط بن ذياب
تولى زعامة آل بوفلاح خلال الفترة من “1793 - 1816” وكان من طراز الزعماء ذوى الأفق الواسع, وفى عهده تأكدت زعامة آل بوفلاح على بنى ياس. واستطاع بمواقفه الصلبة, المشاركة في صد الغزوات الأجنبية التي تعرضت لها عمان من القوى الخارجية, وتحالف مع آل بوسعيد حكام مسقط, وأرسى بذلك بداية عهد من الألفة والمودة بين حكام آل نهيان, وحكام آل بوسعيد. ووسط خضم الأحداث التاريخية التي كانت تسود المنطقة , في هذه الحقبة قام الشيخ شخبوط بن ذياب بخطوة جريئة ذات أثر سياسي واقتصاد يبالغ في حياة إمارة أبوظبي ,إذ نقل مقر حكمه من ليوا في الداخل, إلى المدينة التي بدأت تتشكل في جزيرة أبوظبي , كما فتح أمام شعبه نشاط البحر بخيراته الواسعة, سواء في مجال التجارة أو الملاحة, أو الغوص, والصيد. وقد عاصر الشيخ شخبوط في أواخر أيام حياته “1833” خروج قبيلة آل بوفلاسة تحت زعامة آل مكتوم إلى دبي, واستقرارهم هناك, واستطاع بحكمته أن يوقف الصدام بين ابنه خليفة “1833 – 1845م” وبين آل بوفلاسة في دبي.
طحنون بن شخبوط
كان شخصية نشطة, محبة للعمل, وصارت أبوظبي في عهده “1818 – 1833 م” من القوى المهمة في ساحل عمان. وكان موضع تأييد بنى ياس . وعند وفاته في إبريل 1833 كانت أبوظبي كإمارة قوة سياسية وحربية كبيرة في جنوب شرق الجزيرة العربية.
عيسى بن نهيان
في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي استطاع الشيخ عيسى بن نهيان أن يجمع بنى ياس تحت لوائه وهو بذلك يعتبر أول حكام آل نهيان.
خليفة بن شخبوط
تولى حكم أبوظبى بعد أخيه طحنون, ودام حكمه “من 1833 إلى 1845 “ وقبل توليه مرت على أبوظبى فترة مضطربة من الصراع بينه وبين أخيه سلطان, الذي قاسمه الحكم في فترة من الزمن ثم استطاع خليفة أن ينفرد بالحكم وحده ومن خلال الصراع انفصل آل بوفلاسة عن بنى ياس, وذهبوا إلى دبي لينفردوا بالسلطة فيها.
ذياب بن عيسى
يعتبر الشيخ ذياب مؤسس المستعمرة الساحلية في جزيرة أبوظبي . وكان عادلا في تصريف الأمور, واتخذ مقر إقامته في سهل الحمرة الذي يقع إلى الشمال من ارض الظفرة, ولم يدم حكمه طويلا, وتوفى في وقت كان فيه آل بوفلاح في حاجة إلى الهدوء والاستقرار.
سعيد بن طحنون
تولى حكم البلاد خلال الفترة ما بين “1845 – 1855 “ وطوال هذه السنوات تواترت على ابوظبي سنوات قاسية في مواجهة الأخطار الأجنبية لكنه استطاع الدفاع عن حقوق بلاده وصيانة أراضيها.. تماما كما كان آباؤه من آل نهيان, واستطاع بحكمته أن يستميل إلى جانبه قبائل الظواهر والنعيم وغيرها بين مواطنيه, طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية, وانسجاما مع تعاليم الدين.
زايد الأول
لقد قدر لهذا الحاكم أن يدير شئون إمارة أبوظبي مدة طويلة ما بين “1855 – 1909 م “ كما قدر له أن يقوم بدور كبير في حياة إمارة ابوظبي , وفى تاريخ ساحل عمان, حتى لقبه الجميع إجلالا وتقديرا “بزايد الكبير” بعد أن اصبح بلا منازع أقوى شيوخ الإمارات المتصالحة, وتقدمت البلاد في عهده إلى مصاف القوى الكبرى, بفضل إدراكه للمتغيرات السياسية في المنطقة.
وفى يونيو سنة 1855 , اختارت عائلة آل نهيان الشيخ زايد بن خليفة, وكان لا يزال شابا في العشرين من عمره لحكم الإمارة خلفا لابن عمه سعيد بن طحنون,إذ اجتمعت له وهو في هذه السن المبكرة.. الشجاعة والرأي وحسن التصرف , وقد حالفه توفيق كبير من الاستقرار والهدوء والتلاحم بين القبائل.
وصاهر الشيخ زايد بن خليفة كثيرا من قبائل ساحل عمان, والظاهرة, وألف بين قلوب القبائل في الإمارة , فاجتمعت كلها حوله, تسانده وتؤازره, وأنجب مجموعة من الأبناء الذين أدوا أدوارا كبيرة في حياة والدهم, وهم: خليفة وطحنون وسعيد وحمدان وهزاع وسلطان وصقر ومحمد.
واستقطب زايد الكبير حوله مجموعة من أبناء البلاد الذين اشتهروا بالرأي والإخلاص من أمثال “احمد بن هلال الظاهرى, محمد بن شيبان الياسى, سالم بن فارس الياسى, محمد بن سالمين المنصورى, سلطان بن محمد بن سرور الظاهرى, محمد بن حم العامرى” وغيرهم.
على أن عصر زايد الكبير لم يخل من أحداث جسام أثرت في تاريخ إمارة أبوظبي فحين اختارته الأسرة الحاكمة خلفا للشيخ سعيد بن طحنون لم يجد الطريق ممهدا , ولكنه استطاع بحنكته ودرايته أن يذلل العقبات, ويتخطى الصعاب, بإقامة علاقات الصداقة بين بنى ياس والقواسم, وبدأ عهدا من السلام والتعاون معهم, كذلك تعاون زايد الكبير مع آل مكتوم في دبي, ثم اتجه ببصره نحو البريمى ووطد نفوذه فيها واستطاع بأفقه الواسع أن ينهى هجرة قبيلة القبيسات خارج ابوظبي إذ سمح لأفرادها أن يرجعوا وأعاد إليهم كل ممتلكاتهم.
وتوطدت في عهده العلاقات التقليدية بين ابوظبي ومسقط وعمان, وتبودلت الزيارات بين الحكام, ويحكى السيد برسي كوكس المقيم السياسي في مسقط في ذلك الوقت انه قام برحلة عام 1901 برفقة السلطان فيصل بن تركى حاكم مسقط وعمان “1888 - 1913م” متوجهين إلى إمارة ابوظبي في زيارة رسمية, ثم يروى المقيم السياسي كيف تابع رحلته بعد ذلك منفردا من ابوظبي إلى واحة البريمى ثم إلى مدينة ابوظبي إلى البريمى ثم إلى مدينة مسقط عن طريق وادي “سمايل” ويذكر انه طوال هذه الرحلة من مدينة ابوظبي وحتى مدينة “عبري “ كان في حماية ورعاية الشيخ خليفة بن زايد الكبير, وذكر السيد برسى كوكس في اكثر من موضع بمذكراته الصلاحيات الواسعة للشيخ زايد الكبير بقوله: “لقد ظل زايد بن خليفة حتى اليوم الأخير من حياته في عام 1909 يحتفظ بصلاحيات مطلقة لم تتعرض للتحدي في السنوات الثلاثين الاخيرة من حكمه, ولم يسبق لأي من حكام آل بوفلاح أو غيرهم من شيوخ الساحل أن مارس نفس السلطان الذي وصل إليه زايد في شرق الجزيرة العربية.
إصلاحات اجتماعية واقتصادية
وعلى الصعيد الاقتصادي فقد شهد مجتمع أبوظبي خلال عهده الطويل الذي أستمر أكثر من نصف قرن من الزمان , تطورا ملحوظا في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فقد انتعشت التجارة وشهدت الزراعة توسعا ملموسا , وراجت مواسم الغوص , على الرغم من أن السنوات الاخيرة من القرن الماضي قد تميزت بكساد اقتصادي نتيجة تضخم الروبية الهندية وارتفاع سعر الريال النمساوي “ماريا تريزا” . وقد استطاع الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان التغلب على تلك الأزمات الاقتصادية ولعل الإصلاحات الاجتماعية التي قام بها كانت أكثر أهمية من إصلاحاته الاقتصادية , حيث قام بعدة محاولات رائدة للتغلب على الفكر السياسي والاجتماعي الذي كان سائدا في مجتمع الإمارات من فرقة بين الهناوية والغافرية , وإعادة الوحدة والتماسك إلى المجتمع , وقد حقق نجاحا في ذلك بفضل مجموعة من التحالفات والمصاهرات السياسية التي أرتبط بها مع شيوخ الإمارات ومع القوى المجاورة , وكان حريصا على اجتذاب الشيوخ في مجالس أشبه ما تكون بالمؤتمرات والمنابر السياسية , كلما وقع أمر يؤثر على أوضاع المنطقة , وحرص الشيوخ من جانبهم على الاستجابة للمشاركة في تلك الاجتماعات لتسوية الأمور فيما بينهم والاتفاق على رأي موحد , وقد يكون من المناسب أن نشير بصدد ذلك إلى الاجتماع الذي دعا إليه في منطقة الخوانيج على مقربة من دبي في عام 1906 , وفيه وضح عدم تحمس الشيوخ للأعلام البريطانية , مما دفع المقيم البريطاني إلى أن يطلب من وكلائه تذكير الشيوخ بالاتفاقيات المبرمة بينهم وبين الحكومة البريطانية وإعادة توزيع نسخ من تلك الاتفاقيات عليهم .
الحياة الفكرية والثقافية
ولم تكن جهود الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان قاصرة على ما حدث في المجتمع من تطورات سياسية أو اقتصادية , ولكنها أحدثت - كذلك - تطورا كبيرا في النواحي الفكرية والثقافية , ويتضح لنا ذلك في تراث كثير من العلماء والأدباء الذين ظهروا في مجتمع الإمارات خلال سنوات حكمه , نذكر من بينهم عبدالله بن صالح المطوع , صاحب كتاب الجواهر واللآلئ , والشيخ مانع بن مكتوم , الذي تنسب إليه خارطة قيمة لبحر الخليج وجزره , وما في مياهه من مغاصات وهيرات للؤلؤ , ومن علماء الدين الشيخ أحمد بن الشيخ حسن الخزرجى وعبدالعزيز المبارك وسليمان الجزيرى , ومن الشعراء والأدباء محمد بن قطامى وخلفان بن عبدالله وسالم على العويس وسعيد الهاملى وغيرهم كثيرون . ولا يرجع السبب في هذا إلى شخصية الشيخ زايد وكفاءته وحدهما ولا إلى الظروف المواكبة لفترة حكمه , وانما يرجع إلى أن ابوظبي كانت دائما القوة الإقليمية القيادية بين مشيخات الساحل. وليس هناك أبلغ من الوصف الذي أضفاه الرحالة والمؤرخ “كلارنس مان” وهو أحد الذين عاصروا زايد الكبير حين قال : “أن الشيخ الحالي لأبوظبي زايد بن خليفة يحكم إمارة مترامية الإطراف .. وهو أقوى شخصية في إمارات الساحل المتصالح, ويمتد سلطانه إلى البريمي”. ونتيجة للاستقرار الذي شهدته إمارة ابوظبي في عهد الشيخ زايد الكبير انتعشت الحياة الاقتصادية, وخاصة بالنسبة لتجارة اللؤلؤ الذي كانت له سوق رائجة ورابحة في عواصم أوروبا والهند. وتم توجيه اهتمام خاص إلى جزيرة دلما, إحدى جزر الإمارة حيث كان يلجأ إليها صيادو اللؤلؤ, عندما تشتد الرياح, لوقوعها قرب مغاصات اللؤلؤ, واصبح لأبوظبي من المراكب والصيادين على سواحل اللؤلؤ في الخليج اكثر مما تملكه أية إمارة اخرى, وكانت نسبة صغيرة فقط من الصيادين تتألف من المحترفين, اما الغالبية فكانوا من البدو, من الظفرة, والأراضي الداخلية التابعة لأبوظبي . وتمشيا مع تقاليد آل نهيان في رعاية شئون الزراعة والري في منطقة العين, أعاد الشيخ زايد بن خليفة حفر فلج “الجاهلى” المندثر , وقد استمر العمل في إصلاحه ستة عشر شهرا. كذلك أنشأ ابنه الأكبر خليفة بن زايد مزرعة غرب قرية هيلى, وهى المزرعة التي عرفت باسم مزرعة “المسعودى” وحفر لها فلجأ هو فلج “المسعودى”. وبنى الشيخ زايد الكبير قلعة “الجاهلى” المهيبة عام 1898م وهى تعتبر تحفة أثرية عظيمة مازالت قائمة حتى الآن. وتوفى زايد الكبير في عام 1909 م وترك شئون إمارة ابوظبي وهى مثال للأمن والنظام, أمانة في أيدي أبنائه وأحفاده من بعده.
خليفة بن زايد
حين وفاة الشيخ زايد بن خليفة اتفق في مجلس عائلة آل نهيان على أن يخلفه ابنه الأكبر الشيخ خليفة الذي كان يمتاز برجاحة عقله, واتساع افقه, وشخصيته القوية مثل أبيه, كما انه ينتمي من ناحية أمه إلى المناصير في ليوا, لكن الشيخ خليفة لم يقبل أن يخلف والده, فاستقر الرأي على اختيار الشيخ طحنون الابن الثاني للشيخ زايد الأول لتولى حكم الإمارة .
طحنون بن زايد
لم يستمر حكم الشيخ طحنون بن زايد سوى ثلاث سنوات “1909 - 1912” وقد سعدت إمارة ابوظبي في عهده برخاء اقتصادي لامثيل له,إذ شارك أهل ابوظبي مشاركة كبيرة في أعمال الغوص بالخليج بحثا عن اللؤلؤ, وكان لهم حينئذ من المراكب العاملة في هذا النشاط الحيوي اكثر من 410 مراكب , ويقدر عدد العاملين عليها من أهل ابوظبي في ذلك الوقت ما يعادل 20% من عدد الغواصين في الخليج كله, كما أصبحت جزيرة دلما التابعة لإمارة ابوظبي مأهولة بالسكان بصورة مكثفة.
حمدان بن زايد
عند وفاة الشيخ طحنون بن زايد عرض حكم إمارة ابوظبي على الشيخ خليفة بن زايد للمرة الثانية, ولكنه رفض مثلما رفض في المرة الأولى, فتولى السلطة أخوه حمدان “1912 - 1922م” واستطاعت ابوظبي خلال تلك السنوات العشر أن تعيش فترة كاملة من الهدوء والاستقرار والتقدم, بفضل تجارة اللؤلؤ المزدهرة. واشتهر الشيخ حمدان بن زايد بالسماحة والحلم, والكرم, وقد أحبته لذلك قبائل ابوظبي حبا جما, ومازال أهالي ابوظبي يذكرونه حتى الآن بكل خير , فقد كان ومازال حمدان بسيرته العطرة كشخصية والده زايد الكبير.
سلطان بن زايد
حكم الشيخ سلطان بن زايد البلاد خمس سنين, بين عام 1922 وعام 1926 م استمر خلالها في علاقات طيبة مع جيرانه من أمراء ساحل عمان, وقد ظهرت شجاعته وحكمته أثناء نزاع نشب بين بعض سكان عمان من ناحية وبعض قبائل إمارة ابوظبي من ناحية أخرى, وانتهى الأمر بفضل حكمته ومقدرته إلى استتباب النظام, وعودة الصفاء إلى النفوس. وقد ابتنى الشيخ سلطان له قصرا شرقي العين بعد وفاة والده زايد الكبير, ومازال هذا القصر قائما حتى الآن, وقد سجل على بابه تاريخ البناء وهو 3 شعبان عام 1328هـ أي منتصف عام 1910م. وقد أبدى الشيخ سلطان بن زايد اهتماما واسعا بأمور الزراعة والري وأمر بحفر فلج المويجعى , واستغرق ذلك عامين كاملين. مما أدى إلى ازدهار قرية “المويجعى”.
صقر بن زايد
وقد خلف الشيخ سلطان بن زايد بعد وفاته في 4 أغسطس عام 1926م, شقيقه الشيخ صقر بن زايد, وكانت فترة حكمه قصيرة, إلى درجة لم تمهله لإنجاز الكثير من الأعمال.
شخبوط بن سلطان
يعتبر الشيخ شخبوط أول من تولى حكم إمارة ابوظبي من أحفاد الشيخ زايد الكبير, وقد طالت فترة حكمه مدة ثمانية وثلاثين عاما “1928 - 1966م” وهو اكبر أبناء الشيخ سلطان بن زايد سنا, وقد تسلم السلطة وهو شاب في الثانية والعشرين, وتميز حكمه بالهدوء والسكينة, بفضل القسم الذي أخذه أفراد أسرة آل نهيان على أنفسهم, والذي استطاعت أن تحملهم عليه الشيخة المصونة “سلامة” والدة الشيخ شخبوط بعد فترة الاضطراب التي سادت الإمارة . ومما يؤثر عن الشيخ شخبوط عنايته الكبيرة بقضية مياه الشرب في ابوظبي , فقد تم في عهده مشروع مد أول خط لأنابيب مياه الشرب من منطقة الساد قرب مدينة العين إلى مدينة ابوظبي . وتنازل سموه عن الحكم لشقيقه الشيخ زايد بن سلطان في السادس من أغسطس 1966م, ذلك اليوم الذي كان موعد ابوظبي مع القدر.
سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
لم يولد الشيخ زايد بن سلطان وفى فمه ملعقة من الذهب.
لقد فتح زايد عينيه على قومه, وقد نالت منهم سنوات الحرمان والقهر.. وبدأت شخصيته كزعيم تتكون وسط هذا المجتمع الذي حرم من كل شئ إلا الكرامة والإباء.
وكان تمسك الآباء والأجداد بكرامتهم هو النبع الذي ارتوى منه الأبناء, ليشبوا وكلهم حرص على هذه الكرامة, وكان هذا الحرص هو السياج الذي حمى التقاليد العربية والأصالة المتوارثة, رغم كل الظروف, حتى جاء الجيل الذي برز من بين فتيانه زايد بن سلطان.. والأمم تتواعد مع زعمائها , كما يتواعد زعماؤها مع القدر.
وفى السنوات المبكرة من حياته.. كان زايد يمرح ويركض في رحاب قصر الحصن في أبوظبي حيث ولد.
وكان زايد رابع أربعة أبناء رزق بهم والده الشيخ سلطان بن زايد الذي حكم إليها أبوظبي بين عامي 1922 و 1926 وكان ترتيبه الرابع عشر في سلسلة حكام آل نهيان .
وقد عرف عن المرحوم الشيخ سلطان بن زايد شجاعته وحكمته وقدرته على بسط السلام والنظام وولعه بالشعر والنشيد واهتمامه بأمور الزراعة والري والبناء ووسط البيئة القاسية التي عرفها سكان إليها أبوظبي في تلك المرحلة من تاريخها تفتحت عينا زايد على الحياة وبدأ يتعرف على أهمية التمسك بالتقاليد العربية الكريمة وكان في مجلس والده بقصر الحصن ينصت لما يدور فيه من حديث ويتعلم أولا بأول دروس تصريف شئون وتسيير أمور الإمارة .
وخلال السنوات الأولى من عمره بدأ الشيخ زايد في الاطلاع على أصول الدين وحفظ آيات القرآن الكريم ونسج من معانيه وهديه نمط حياته وبدأ يعي أن كتاب الله جل جلاله ليس فقط كتاب دين وإنما هو السجل المنظم الشامل لجميع جوانب الحياة.
وبدأت المرحلة الثانية من حياة زايد عندما انتقل من أبوظبي الوطني العين وراح يظهر شغفه المتزايد بالمكونات التي يتصف بها العالمي الأصيل مثل الصيد بالصقور وركوب الخيل والهجن الأصيلة واستخدام البندقية وظل سموه شغوفا بمتابعة هذه الهوايات والاهتمامات منذ تلك الفترة, ولا يزال يشجع الجميع على ممارستها ويرصد الجوائز القيمة للسباقات السنوية التي يأمر بتنظيمها ويرعاها.
وفى مدينة العين وضواحيها أمضى زايد السنوات الأولى من فجر شبابه وترعرع بين تلالها وجبالها واستمد الكثير من صفائها ورحابتها.
جبل حفيت
ويقول أحد من عرفوه جيدا في تلك الفترة كان زايد يصعد الوطني جبل حفيت على الحدود بين أبوظبي وعمان يقنص الغزلان بإصرار يثير الدهشة وكان أشجع صبى عرفته فلم يكن يهتم للطقس سواء كانت حرارته لا تحتمل أم كان باردا شديد البرودة, وكانت قدما الصبي تنطلقان بسرعة سعيا وراء أي هدف ولم يكن هناك ما يمنعه من ذلك”. وعندما أصبح زايد شابا يافعا كان قد أتقن فنون القتال والصول والجول وفى تلك المرحلة بدأت ثقافته تكتسب بعدا جديدا حيث ظهر اهتمامه بالأدب ومعرفة وقائع العرب وأيامهم وكان من أمتع أوقاته الجلوس الوطني كبار السن ليحدثوه عما يعرفونه من سير الأجداد وبطولاتهم.
حاكم على العين
عرفت مدينة العين والمناطق التابعة لها منذ أقدم العصور غير أن صناعة تاريخها الحديث لم تكتمل كما لم تبرز أهميتها إلا بعد أن تولى الشيخ زايد إدارة شئونها سنة 1946 وأحس على الفور بالحاجة لإدخال كل الإصلاحات الممكنة عليها استجابة لطموح مواطنيه ودعوتهم الدائمة لتحسين أحوالهم المعيشية. غير أن شح الإمكانات المالية وقف حجر عثرة دون تحقيق ما يصبو إلى المواطنون فلجأ الوطني تنمية الزراعة وحفر الافلاج وكان يشارك الرجال النزول الوطني جوف الأرض ويرفع التراب بيديه وبدأت في تلك الفترة عملية إصلاح زراعي وحل الاهتمام محل الإهمال الذي عانت منه العين بسبب الحروب والافتقار الوطني القائد المناسب وأثبت الشيخ زايد من وقتها أنه رجل الإصلاح الذي يعلى حقوق مواطنيه فوق كل الحقوق الأخرى.
انطباعات رحاله
وسجل الرحالة الإنجليزي المعروف “ولفرد ثيسيجر” في كتابه “الرمال العربية” انطباعاته عن أول لقاء له بالشيخ زايد في مجلس بقرية المويجعى من أعمال العين سنة 1948. يقول الرحالة “إن زايد رجل قوى البنية لحيته بنية اللون ووجهه ينم عن ذكاء حاد وعيناه ثاقبتان قويتا الملاحظة وهو يتميز بسلوك هادئ وشخصية قوية وكان بسيطا في لباسه يرتدى ثوبا من النسيج لعماني رمادي اللون وصدرية وكان يتميز عن مرافقيه بعقاله الأسود وبالطريقة التي يرتدى بها الكوفية فقد كان ينشر طرفيها على كتفيه بدلا من لفها حول الرأس كما مواطني الطريقة المعروفة هنا وكان يضع خنجرا وجنادا للرصاص الوطني وسطه والى جانبه على الرمال بندقيته”. “لقد كنت متشوقا للقاء زايد فله شهرة واسعة في أوساط البدو الذين أحبوه لسلاسة أسلوبه غير الرسمي في معاملته لهم ولعلاقاته الودية معهم واحترموا فيه نفاذ شخصيته وذكاءه وقوته البدنية وكانوا يعبرون عن إعجابهم به فيقولون : زايد بدوي مثلنا فهو يعرف الكثير عن الهجن ويركبها مثلنا وهو ماهر في الرماية ويجيد القتال”. ووصف الرحالة أسلوب زايد في إدارة دفة الحكم فقال : “زايد رب أسرة كبيرة يجلس دائما للإنصات لمشاكل الناس ويحلها فيخرج المتخاصمون من عنده بهدوء وكلهم رضا من أحكامه التي تتميز بالذكاء والحكمة والعدل”. وأورد النقيب البريطاني انطوني شبرد في كتابه “مغامرة في الجزيرة العربية” ما خرج به من انطباعات بعد لقاء سموه. فيقول شبرد : “كان زايد رجلا يحظى بإعجاب وولاء البدو الذين يعيشون في الصحراء المحيطة بواحة البريمى وكان بلا شك أقوى شخصية في الإمارات المتصالحة وكنت أذهب لزيارته أسبوعيا في حصنه وكان يعرض على عادة وضع السياسة المحلية بأسلوب ممتاز وإذا دخلت عليه باحترام خرجت باحترام أكبر لقد كان واحدا من العظماء القلة الذين التقيتهم وإذا لم نكن نتفق دوما فالسبب هو جهلي”.
شجاعة زايد
وكان العقيد بوستيد الممثل السياسي البريطاني أحد المعجبين بكرم الشيخ زايد وأسلوبه في التغلب على المصاعب التي تعترضه فقد كتب بعد زيارة الوطني العين: “لقد دهشت دائما من الجموع التي تحتشد دوما حوله في البريمى وتحيطه باحترام واهتمام “. “كان لطيف الكلام دائما مع الجميع وكان سخيا جدا بماله ودهشت على الفور من كل ما عمله في بلدته العين وفى المنطقة لمنفعة الشعب فقد شق الترع لزيادة المياه لري البساتين وحفر الآبار وعمر المباني الإسمنتية في الأفلاج , إن كل من يزور البريمى يلاحظ سعادة أهل المنطقة”. وفى عام 1953 بدأ الشيخ زايد يتلمس طريقه الوطني العالم الخارجي بحذر فكانت رحلته الأولى الوطني بريطانيا قبل أن يزور بعدها الولايات المتحدة الأمريكية ولبنان والعراق ومصر وسوريا والهند وإيران وسويسرا وفرنسا وغيرها من الدول فزادت مشاهداته من قناعته بمدى حاجة البلاد الوطني الإصلاح والانفتاح والتطور وعبر عن تشوقه ليحقق كل هذا بالكلمات المؤثرة التالية “كانت أحلامي كثيرة وكنت أحلم بأرضنا تواكب حضارة العالم الحديث ولكنى لم أكن أستطيع أن أفعل شيئا كبيرا ولم يكن بين يدي ما يحقق الأحلام ولكنني كنت واثقا أن الأحلام سوف تتحقق في يوم من الأيام”.
حاكم لابوظبي
يعتبر يوم السادس من أغسطس سنة 1966 - بحق - صفحة مشرقة في تاريخ الإمارات الحديث لأنه اليوم الذي تبوأ فيه صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي ونقطة الانطلاق باتجاه النهضة الشاملة”. ولقد أخذ سموه على عاتقه النهوض بمسئوليات بناء القواعد الصلبة الأصيلة التي ارتفع فوقها صرح الإمارة أولا والوطن الأكبر ثانيا فسعى لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين فيها وإعلاء شأن الإمارة التي حققت بعد سنتين من ذلك التاريخ أهم الأدوار في قيام دولة الإمارات العربية المتحدة والعمل لاحقا على تنميتها وبث القوة في أطرافها.
في موقع المسئولية
ومنذ يومه الأول في موقع المسئولية حدد سموه نظرته الوطني الدخل المتحقق من البترول باعتباره وسيلة لبناء المجتمع والأمة لا غاية في حد ذاته ولخص بكلمات قليلة عميقة الدلالة وظيفة المال عندما رفع شعار “لافائدة للمال إذا لم يسخر لصالح الشعب”.
سباق مع الزمن
وخلال الفترة اللاحقة تحول صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لترجمة الشعار الوطني واقع ملموس حين قاد سباقا مع الزمن للحاق بركب التحديث وبدأت أبوظبي تخطو خطواتها الأولى في عالم البناء المنظم المدروس في كل نواحيه فأرسى سموه قواعد الإدارة الحكومية وفق الأسس العصرية. وأمر سموه بتنفيذ مئات المشاريع التي حولت أبوظبي الوطني ورشة عمل جبارة وأنشئت عشرات الآلاف من المنازل الصحية النظيفة وشقت آلاف الأميال من الطرق المعبدة الحديثة فوق رمال الصحراء ودخلت المياه العذبة والكهرباء الوطني كل بيت وتحول التعليم من نظام الكتاتيب البدائي إلى المدارس المجهزة بكل ما يلزم لبناء الجيل الجديد وقدمت المستشفيات والعيادات خدماتها الطبية لبدو الصحراء وحضر المدن وتمكنت مسيرة البناء من تعويض قرون طويلة من التخلف والجمود. وخلال سنوات قليلة قطعت إمارة أبوظبي تحت قيادة سموه شوطا هائلا في كل مجالات التقدم العمراني والصناعي والزراعي والاجتماعي وتغيرت ملامح الطبيعة على هذه الأرض الخيرة في اتجاه التطوير والتحديث. والآن ماذا بقى أمام زايد بعد خروج أبوظبي الوطني النور, ومن العدم الوطني الوجود النابض المشع? ماذا بعد أن وجدت الجوهرة المطمورة, من يزيح عنها الركام ويجلو بريقها? لقد تولى زايد مقاليد الحكم في أبوظبي , وقد‹ر لموارد البلاد خلال عهده أن تسجل معدلات قياسية في النمو. فماذا يريد حاكم في الدنيا أكثر من ذلك?.. الحكم والثروة, ولكن زايد لم يكن رجلا عاديا ولاحاكما عاديا, لم يكن من ذلك الطراز من الحكام الذين يقنعون بواقعهم, ولكنه يضم جوانحه على نفس كريمة متطلعة الوطني آفاق لاحدود لها, نفس جوادة, جبلت على البذل والعطاء, وقلب كبير تتجاوز نبضاته حدود “أبوظبي “ وتحتضن خفقاته المنطقة كلها.
أغسطس نقطة تحول
وكما توقعت أسرة آل نهيان يوم سلمته الراية وحملته الأمانة واختارته للموعد المرتقب مع القدر, فإن يوم السادس من أغسطس لم يكن في الحقيقة نقطة انطلاق نحو خلق مستقبل جديد لهذا البلد فحسب , بل كان بداية تحول في تاريخ المنطقة بأسرها, فقد امتدت يد زايد الحانية الوطني إخوانه في الإمارات, وأعطى المنطقة كلها مشاعره, وعاش معها أفراحها وأحزانها, وساهم بكل أحاسيسه وجوارحه في قضاياها, وألزم نفسه بالمشاركة الإيجابية في تطويرها, متحملا هذه المسئولية بروح وعزيمة الرواد الأفذاذ, الذين يؤثرون إنكار الذات.
دولة الاتحاد حقيقة واقعة
وكان الرجل الذي نذر حياته من اجل هذه اللحظة التاريخية هو أول الموقعين على وثيقة قيام الجديدة, وكانت مشاعر زايد تفيض في تلك اللحظة تأثرا, فإن الغرس الذي حنا عليه ورعاه سنوات طويلة, وبذل من أجله الجهد والعرق, وأعطى له نبض قلبه قد أتى أخيرا بالثمرة المرجوة, وأصبح حقيقة ماثلة أمام كل العيون. وعندما بدأت مسيرة هذه الدولة وضع لها قائدها أسسا صلبة وقواعد متينة ورسم لها الخطوط العريضة التي لابد أن تسير على هديها كل القيادات والقطاعات في الدولة اذا مواطني أرادت أن تصل الوطني ما تريد فكان البناء الداخلي أصعب ما يواجه القائد لأنه الأساس الذي تبنى عليه الأسس الأخرى. ولقد نجح زايد في هذه المهمة لأنه كما يقول: جد في عمله وساعده ربه على ذلك فكان العمل الذي قام به هو “بمثابة العشق .. العشق للنجاح . العشق للإبراز”. إن أعظم مسئوليات الراعي أن ينظر دائما الوطني أحوال رعيته ولذا حرص سموه دائما على الالتقاء بأبنائه المواطنين في المدن والقرى والبوادي باستمرار ومهما بعدت الشقة وطالت المسافات. هذه مواطني مهمة القائد الأساسية أن يرعى الراعي رعيته ويلتقي بأفرادها ليذلل كل عقبة في طريق تقدمها ونهضتها من ناحية وليكون مطلعا على نتائج جهده من تعمير الأرض وتخضير الصحراء من ناحية أخرى لينطلق نحو المزيد من البناء والتعمير. هكذا تمضى مسيرة زايد الخير.. الذي سخر نفسه منذ البداية ليكون خصبا قادرا على العطاء, الذي يثرى الحياة ويطورها , جوادا يمنح من ذاته , فحياته ليست ملكه, وإنما مواطني ملك لمن يحيطون به, ملك لهمومهم وآلامهم وهبة منه, وملك لمسراتهم وأحلامهم وتطلعاتهم. إن زايد بن سلطان آل نهيان واحد من هؤلاء العظماء الذين أنبتتهم البادية, والذين ولدوا وقدرهم مسطور في كتاب التاريخ, ليحمل أمانة ويؤدى رسالة, ويقود مسيرة, ويعيد الوطني سجل الكفاح العالمي صفحات مشرقة من الماضي البعيد الحافل بالأمجاد والبطولات, ويرفع على طريق النضال مشاعل هادية من المبادئ والقيم, ويشارك بدور فعال ومؤثر في قيادة المسيرة العربية.
لقد قدر لأبوظبي أن يكون لها شأن كبير, وأن تنجب رجالا عظماء يصونون هذا الجزء الغالي من الوطن العربي الكبير, ويصدون الشر عنه من كل جانب.
إذ انه على امتداد مائتي سنة خلت استطاع حكام آل نهيان أن يقودوا السفينة إلى بر الأمان, وان يحافظوا على هذا البلد.
لقد أعطى حكام آل نهيان بلادهم وشعبهم أقصى ما يستطيعون من طاقات العطاء, حبا ووفاء, لا منة ولاتكرما.
وكتبوا في سجل الحكم والحكام أياما خالدة, وأقاموا شراكة خيرة بين المواطن والحاكم في جنى الثمار.
كان بينهم الحاكم الصالح العادل.
وكان من بينهم الحاكم المسئول بأروع ما تكون المسئولية.
وكان منهم الحاكم المخلص على أسمى الصور.
هكذا كانوا.. حاكما بعد حاكم.
شخبوط بن ذياب
تولى زعامة آل بوفلاح خلال الفترة من “1793 - 1816” وكان من طراز الزعماء ذوى الأفق الواسع, وفى عهده تأكدت زعامة آل بوفلاح على بنى ياس. واستطاع بمواقفه الصلبة, المشاركة في صد الغزوات الأجنبية التي تعرضت لها عمان من القوى الخارجية, وتحالف مع آل بوسعيد حكام مسقط, وأرسى بذلك بداية عهد من الألفة والمودة بين حكام آل نهيان, وحكام آل بوسعيد. ووسط خضم الأحداث التاريخية التي كانت تسود المنطقة , في هذه الحقبة قام الشيخ شخبوط بن ذياب بخطوة جريئة ذات أثر سياسي واقتصاد يبالغ في حياة إمارة أبوظبي ,إذ نقل مقر حكمه من ليوا في الداخل, إلى المدينة التي بدأت تتشكل في جزيرة أبوظبي , كما فتح أمام شعبه نشاط البحر بخيراته الواسعة, سواء في مجال التجارة أو الملاحة, أو الغوص, والصيد. وقد عاصر الشيخ شخبوط في أواخر أيام حياته “1833” خروج قبيلة آل بوفلاسة تحت زعامة آل مكتوم إلى دبي, واستقرارهم هناك, واستطاع بحكمته أن يوقف الصدام بين ابنه خليفة “1833 – 1845م” وبين آل بوفلاسة في دبي.
طحنون بن شخبوط
كان شخصية نشطة, محبة للعمل, وصارت أبوظبي في عهده “1818 – 1833 م” من القوى المهمة في ساحل عمان. وكان موضع تأييد بنى ياس . وعند وفاته في إبريل 1833 كانت أبوظبي كإمارة قوة سياسية وحربية كبيرة في جنوب شرق الجزيرة العربية.
عيسى بن نهيان
في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي استطاع الشيخ عيسى بن نهيان أن يجمع بنى ياس تحت لوائه وهو بذلك يعتبر أول حكام آل نهيان.
خليفة بن شخبوط
تولى حكم أبوظبى بعد أخيه طحنون, ودام حكمه “من 1833 إلى 1845 “ وقبل توليه مرت على أبوظبى فترة مضطربة من الصراع بينه وبين أخيه سلطان, الذي قاسمه الحكم في فترة من الزمن ثم استطاع خليفة أن ينفرد بالحكم وحده ومن خلال الصراع انفصل آل بوفلاسة عن بنى ياس, وذهبوا إلى دبي لينفردوا بالسلطة فيها.
ذياب بن عيسى
يعتبر الشيخ ذياب مؤسس المستعمرة الساحلية في جزيرة أبوظبي . وكان عادلا في تصريف الأمور, واتخذ مقر إقامته في سهل الحمرة الذي يقع إلى الشمال من ارض الظفرة, ولم يدم حكمه طويلا, وتوفى في وقت كان فيه آل بوفلاح في حاجة إلى الهدوء والاستقرار.
سعيد بن طحنون
تولى حكم البلاد خلال الفترة ما بين “1845 – 1855 “ وطوال هذه السنوات تواترت على ابوظبي سنوات قاسية في مواجهة الأخطار الأجنبية لكنه استطاع الدفاع عن حقوق بلاده وصيانة أراضيها.. تماما كما كان آباؤه من آل نهيان, واستطاع بحكمته أن يستميل إلى جانبه قبائل الظواهر والنعيم وغيرها بين مواطنيه, طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية, وانسجاما مع تعاليم الدين.
زايد الأول
لقد قدر لهذا الحاكم أن يدير شئون إمارة أبوظبي مدة طويلة ما بين “1855 – 1909 م “ كما قدر له أن يقوم بدور كبير في حياة إمارة ابوظبي , وفى تاريخ ساحل عمان, حتى لقبه الجميع إجلالا وتقديرا “بزايد الكبير” بعد أن اصبح بلا منازع أقوى شيوخ الإمارات المتصالحة, وتقدمت البلاد في عهده إلى مصاف القوى الكبرى, بفضل إدراكه للمتغيرات السياسية في المنطقة.
وفى يونيو سنة 1855 , اختارت عائلة آل نهيان الشيخ زايد بن خليفة, وكان لا يزال شابا في العشرين من عمره لحكم الإمارة خلفا لابن عمه سعيد بن طحنون,إذ اجتمعت له وهو في هذه السن المبكرة.. الشجاعة والرأي وحسن التصرف , وقد حالفه توفيق كبير من الاستقرار والهدوء والتلاحم بين القبائل.
وصاهر الشيخ زايد بن خليفة كثيرا من قبائل ساحل عمان, والظاهرة, وألف بين قلوب القبائل في الإمارة , فاجتمعت كلها حوله, تسانده وتؤازره, وأنجب مجموعة من الأبناء الذين أدوا أدوارا كبيرة في حياة والدهم, وهم: خليفة وطحنون وسعيد وحمدان وهزاع وسلطان وصقر ومحمد.
واستقطب زايد الكبير حوله مجموعة من أبناء البلاد الذين اشتهروا بالرأي والإخلاص من أمثال “احمد بن هلال الظاهرى, محمد بن شيبان الياسى, سالم بن فارس الياسى, محمد بن سالمين المنصورى, سلطان بن محمد بن سرور الظاهرى, محمد بن حم العامرى” وغيرهم.
على أن عصر زايد الكبير لم يخل من أحداث جسام أثرت في تاريخ إمارة أبوظبي فحين اختارته الأسرة الحاكمة خلفا للشيخ سعيد بن طحنون لم يجد الطريق ممهدا , ولكنه استطاع بحنكته ودرايته أن يذلل العقبات, ويتخطى الصعاب, بإقامة علاقات الصداقة بين بنى ياس والقواسم, وبدأ عهدا من السلام والتعاون معهم, كذلك تعاون زايد الكبير مع آل مكتوم في دبي, ثم اتجه ببصره نحو البريمى ووطد نفوذه فيها واستطاع بأفقه الواسع أن ينهى هجرة قبيلة القبيسات خارج ابوظبي إذ سمح لأفرادها أن يرجعوا وأعاد إليهم كل ممتلكاتهم.
وتوطدت في عهده العلاقات التقليدية بين ابوظبي ومسقط وعمان, وتبودلت الزيارات بين الحكام, ويحكى السيد برسي كوكس المقيم السياسي في مسقط في ذلك الوقت انه قام برحلة عام 1901 برفقة السلطان فيصل بن تركى حاكم مسقط وعمان “1888 - 1913م” متوجهين إلى إمارة ابوظبي في زيارة رسمية, ثم يروى المقيم السياسي كيف تابع رحلته بعد ذلك منفردا من ابوظبي إلى واحة البريمى ثم إلى مدينة ابوظبي إلى البريمى ثم إلى مدينة مسقط عن طريق وادي “سمايل” ويذكر انه طوال هذه الرحلة من مدينة ابوظبي وحتى مدينة “عبري “ كان في حماية ورعاية الشيخ خليفة بن زايد الكبير, وذكر السيد برسى كوكس في اكثر من موضع بمذكراته الصلاحيات الواسعة للشيخ زايد الكبير بقوله: “لقد ظل زايد بن خليفة حتى اليوم الأخير من حياته في عام 1909 يحتفظ بصلاحيات مطلقة لم تتعرض للتحدي في السنوات الثلاثين الاخيرة من حكمه, ولم يسبق لأي من حكام آل بوفلاح أو غيرهم من شيوخ الساحل أن مارس نفس السلطان الذي وصل إليه زايد في شرق الجزيرة العربية.
إصلاحات اجتماعية واقتصادية
وعلى الصعيد الاقتصادي فقد شهد مجتمع أبوظبي خلال عهده الطويل الذي أستمر أكثر من نصف قرن من الزمان , تطورا ملحوظا في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فقد انتعشت التجارة وشهدت الزراعة توسعا ملموسا , وراجت مواسم الغوص , على الرغم من أن السنوات الاخيرة من القرن الماضي قد تميزت بكساد اقتصادي نتيجة تضخم الروبية الهندية وارتفاع سعر الريال النمساوي “ماريا تريزا” . وقد استطاع الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان التغلب على تلك الأزمات الاقتصادية ولعل الإصلاحات الاجتماعية التي قام بها كانت أكثر أهمية من إصلاحاته الاقتصادية , حيث قام بعدة محاولات رائدة للتغلب على الفكر السياسي والاجتماعي الذي كان سائدا في مجتمع الإمارات من فرقة بين الهناوية والغافرية , وإعادة الوحدة والتماسك إلى المجتمع , وقد حقق نجاحا في ذلك بفضل مجموعة من التحالفات والمصاهرات السياسية التي أرتبط بها مع شيوخ الإمارات ومع القوى المجاورة , وكان حريصا على اجتذاب الشيوخ في مجالس أشبه ما تكون بالمؤتمرات والمنابر السياسية , كلما وقع أمر يؤثر على أوضاع المنطقة , وحرص الشيوخ من جانبهم على الاستجابة للمشاركة في تلك الاجتماعات لتسوية الأمور فيما بينهم والاتفاق على رأي موحد , وقد يكون من المناسب أن نشير بصدد ذلك إلى الاجتماع الذي دعا إليه في منطقة الخوانيج على مقربة من دبي في عام 1906 , وفيه وضح عدم تحمس الشيوخ للأعلام البريطانية , مما دفع المقيم البريطاني إلى أن يطلب من وكلائه تذكير الشيوخ بالاتفاقيات المبرمة بينهم وبين الحكومة البريطانية وإعادة توزيع نسخ من تلك الاتفاقيات عليهم .
الحياة الفكرية والثقافية
ولم تكن جهود الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان قاصرة على ما حدث في المجتمع من تطورات سياسية أو اقتصادية , ولكنها أحدثت - كذلك - تطورا كبيرا في النواحي الفكرية والثقافية , ويتضح لنا ذلك في تراث كثير من العلماء والأدباء الذين ظهروا في مجتمع الإمارات خلال سنوات حكمه , نذكر من بينهم عبدالله بن صالح المطوع , صاحب كتاب الجواهر واللآلئ , والشيخ مانع بن مكتوم , الذي تنسب إليه خارطة قيمة لبحر الخليج وجزره , وما في مياهه من مغاصات وهيرات للؤلؤ , ومن علماء الدين الشيخ أحمد بن الشيخ حسن الخزرجى وعبدالعزيز المبارك وسليمان الجزيرى , ومن الشعراء والأدباء محمد بن قطامى وخلفان بن عبدالله وسالم على العويس وسعيد الهاملى وغيرهم كثيرون . ولا يرجع السبب في هذا إلى شخصية الشيخ زايد وكفاءته وحدهما ولا إلى الظروف المواكبة لفترة حكمه , وانما يرجع إلى أن ابوظبي كانت دائما القوة الإقليمية القيادية بين مشيخات الساحل. وليس هناك أبلغ من الوصف الذي أضفاه الرحالة والمؤرخ “كلارنس مان” وهو أحد الذين عاصروا زايد الكبير حين قال : “أن الشيخ الحالي لأبوظبي زايد بن خليفة يحكم إمارة مترامية الإطراف .. وهو أقوى شخصية في إمارات الساحل المتصالح, ويمتد سلطانه إلى البريمي”. ونتيجة للاستقرار الذي شهدته إمارة ابوظبي في عهد الشيخ زايد الكبير انتعشت الحياة الاقتصادية, وخاصة بالنسبة لتجارة اللؤلؤ الذي كانت له سوق رائجة ورابحة في عواصم أوروبا والهند. وتم توجيه اهتمام خاص إلى جزيرة دلما, إحدى جزر الإمارة حيث كان يلجأ إليها صيادو اللؤلؤ, عندما تشتد الرياح, لوقوعها قرب مغاصات اللؤلؤ, واصبح لأبوظبي من المراكب والصيادين على سواحل اللؤلؤ في الخليج اكثر مما تملكه أية إمارة اخرى, وكانت نسبة صغيرة فقط من الصيادين تتألف من المحترفين, اما الغالبية فكانوا من البدو, من الظفرة, والأراضي الداخلية التابعة لأبوظبي . وتمشيا مع تقاليد آل نهيان في رعاية شئون الزراعة والري في منطقة العين, أعاد الشيخ زايد بن خليفة حفر فلج “الجاهلى” المندثر , وقد استمر العمل في إصلاحه ستة عشر شهرا. كذلك أنشأ ابنه الأكبر خليفة بن زايد مزرعة غرب قرية هيلى, وهى المزرعة التي عرفت باسم مزرعة “المسعودى” وحفر لها فلجأ هو فلج “المسعودى”. وبنى الشيخ زايد الكبير قلعة “الجاهلى” المهيبة عام 1898م وهى تعتبر تحفة أثرية عظيمة مازالت قائمة حتى الآن. وتوفى زايد الكبير في عام 1909 م وترك شئون إمارة ابوظبي وهى مثال للأمن والنظام, أمانة في أيدي أبنائه وأحفاده من بعده.
خليفة بن زايد
حين وفاة الشيخ زايد بن خليفة اتفق في مجلس عائلة آل نهيان على أن يخلفه ابنه الأكبر الشيخ خليفة الذي كان يمتاز برجاحة عقله, واتساع افقه, وشخصيته القوية مثل أبيه, كما انه ينتمي من ناحية أمه إلى المناصير في ليوا, لكن الشيخ خليفة لم يقبل أن يخلف والده, فاستقر الرأي على اختيار الشيخ طحنون الابن الثاني للشيخ زايد الأول لتولى حكم الإمارة .
طحنون بن زايد
لم يستمر حكم الشيخ طحنون بن زايد سوى ثلاث سنوات “1909 - 1912” وقد سعدت إمارة ابوظبي في عهده برخاء اقتصادي لامثيل له,إذ شارك أهل ابوظبي مشاركة كبيرة في أعمال الغوص بالخليج بحثا عن اللؤلؤ, وكان لهم حينئذ من المراكب العاملة في هذا النشاط الحيوي اكثر من 410 مراكب , ويقدر عدد العاملين عليها من أهل ابوظبي في ذلك الوقت ما يعادل 20% من عدد الغواصين في الخليج كله, كما أصبحت جزيرة دلما التابعة لإمارة ابوظبي مأهولة بالسكان بصورة مكثفة.
حمدان بن زايد
عند وفاة الشيخ طحنون بن زايد عرض حكم إمارة ابوظبي على الشيخ خليفة بن زايد للمرة الثانية, ولكنه رفض مثلما رفض في المرة الأولى, فتولى السلطة أخوه حمدان “1912 - 1922م” واستطاعت ابوظبي خلال تلك السنوات العشر أن تعيش فترة كاملة من الهدوء والاستقرار والتقدم, بفضل تجارة اللؤلؤ المزدهرة. واشتهر الشيخ حمدان بن زايد بالسماحة والحلم, والكرم, وقد أحبته لذلك قبائل ابوظبي حبا جما, ومازال أهالي ابوظبي يذكرونه حتى الآن بكل خير , فقد كان ومازال حمدان بسيرته العطرة كشخصية والده زايد الكبير.
سلطان بن زايد
حكم الشيخ سلطان بن زايد البلاد خمس سنين, بين عام 1922 وعام 1926 م استمر خلالها في علاقات طيبة مع جيرانه من أمراء ساحل عمان, وقد ظهرت شجاعته وحكمته أثناء نزاع نشب بين بعض سكان عمان من ناحية وبعض قبائل إمارة ابوظبي من ناحية أخرى, وانتهى الأمر بفضل حكمته ومقدرته إلى استتباب النظام, وعودة الصفاء إلى النفوس. وقد ابتنى الشيخ سلطان له قصرا شرقي العين بعد وفاة والده زايد الكبير, ومازال هذا القصر قائما حتى الآن, وقد سجل على بابه تاريخ البناء وهو 3 شعبان عام 1328هـ أي منتصف عام 1910م. وقد أبدى الشيخ سلطان بن زايد اهتماما واسعا بأمور الزراعة والري وأمر بحفر فلج المويجعى , واستغرق ذلك عامين كاملين. مما أدى إلى ازدهار قرية “المويجعى”.
صقر بن زايد
وقد خلف الشيخ سلطان بن زايد بعد وفاته في 4 أغسطس عام 1926م, شقيقه الشيخ صقر بن زايد, وكانت فترة حكمه قصيرة, إلى درجة لم تمهله لإنجاز الكثير من الأعمال.
شخبوط بن سلطان
يعتبر الشيخ شخبوط أول من تولى حكم إمارة ابوظبي من أحفاد الشيخ زايد الكبير, وقد طالت فترة حكمه مدة ثمانية وثلاثين عاما “1928 - 1966م” وهو اكبر أبناء الشيخ سلطان بن زايد سنا, وقد تسلم السلطة وهو شاب في الثانية والعشرين, وتميز حكمه بالهدوء والسكينة, بفضل القسم الذي أخذه أفراد أسرة آل نهيان على أنفسهم, والذي استطاعت أن تحملهم عليه الشيخة المصونة “سلامة” والدة الشيخ شخبوط بعد فترة الاضطراب التي سادت الإمارة . ومما يؤثر عن الشيخ شخبوط عنايته الكبيرة بقضية مياه الشرب في ابوظبي , فقد تم في عهده مشروع مد أول خط لأنابيب مياه الشرب من منطقة الساد قرب مدينة العين إلى مدينة ابوظبي . وتنازل سموه عن الحكم لشقيقه الشيخ زايد بن سلطان في السادس من أغسطس 1966م, ذلك اليوم الذي كان موعد ابوظبي مع القدر.
سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
لم يولد الشيخ زايد بن سلطان وفى فمه ملعقة من الذهب.
لقد فتح زايد عينيه على قومه, وقد نالت منهم سنوات الحرمان والقهر.. وبدأت شخصيته كزعيم تتكون وسط هذا المجتمع الذي حرم من كل شئ إلا الكرامة والإباء.
وكان تمسك الآباء والأجداد بكرامتهم هو النبع الذي ارتوى منه الأبناء, ليشبوا وكلهم حرص على هذه الكرامة, وكان هذا الحرص هو السياج الذي حمى التقاليد العربية والأصالة المتوارثة, رغم كل الظروف, حتى جاء الجيل الذي برز من بين فتيانه زايد بن سلطان.. والأمم تتواعد مع زعمائها , كما يتواعد زعماؤها مع القدر.
وفى السنوات المبكرة من حياته.. كان زايد يمرح ويركض في رحاب قصر الحصن في أبوظبي حيث ولد.
وكان زايد رابع أربعة أبناء رزق بهم والده الشيخ سلطان بن زايد الذي حكم إليها أبوظبي بين عامي 1922 و 1926 وكان ترتيبه الرابع عشر في سلسلة حكام آل نهيان .
وقد عرف عن المرحوم الشيخ سلطان بن زايد شجاعته وحكمته وقدرته على بسط السلام والنظام وولعه بالشعر والنشيد واهتمامه بأمور الزراعة والري والبناء ووسط البيئة القاسية التي عرفها سكان إليها أبوظبي في تلك المرحلة من تاريخها تفتحت عينا زايد على الحياة وبدأ يتعرف على أهمية التمسك بالتقاليد العربية الكريمة وكان في مجلس والده بقصر الحصن ينصت لما يدور فيه من حديث ويتعلم أولا بأول دروس تصريف شئون وتسيير أمور الإمارة .
وخلال السنوات الأولى من عمره بدأ الشيخ زايد في الاطلاع على أصول الدين وحفظ آيات القرآن الكريم ونسج من معانيه وهديه نمط حياته وبدأ يعي أن كتاب الله جل جلاله ليس فقط كتاب دين وإنما هو السجل المنظم الشامل لجميع جوانب الحياة.
وبدأت المرحلة الثانية من حياة زايد عندما انتقل من أبوظبي الوطني العين وراح يظهر شغفه المتزايد بالمكونات التي يتصف بها العالمي الأصيل مثل الصيد بالصقور وركوب الخيل والهجن الأصيلة واستخدام البندقية وظل سموه شغوفا بمتابعة هذه الهوايات والاهتمامات منذ تلك الفترة, ولا يزال يشجع الجميع على ممارستها ويرصد الجوائز القيمة للسباقات السنوية التي يأمر بتنظيمها ويرعاها.
وفى مدينة العين وضواحيها أمضى زايد السنوات الأولى من فجر شبابه وترعرع بين تلالها وجبالها واستمد الكثير من صفائها ورحابتها.
جبل حفيت
ويقول أحد من عرفوه جيدا في تلك الفترة كان زايد يصعد الوطني جبل حفيت على الحدود بين أبوظبي وعمان يقنص الغزلان بإصرار يثير الدهشة وكان أشجع صبى عرفته فلم يكن يهتم للطقس سواء كانت حرارته لا تحتمل أم كان باردا شديد البرودة, وكانت قدما الصبي تنطلقان بسرعة سعيا وراء أي هدف ولم يكن هناك ما يمنعه من ذلك”. وعندما أصبح زايد شابا يافعا كان قد أتقن فنون القتال والصول والجول وفى تلك المرحلة بدأت ثقافته تكتسب بعدا جديدا حيث ظهر اهتمامه بالأدب ومعرفة وقائع العرب وأيامهم وكان من أمتع أوقاته الجلوس الوطني كبار السن ليحدثوه عما يعرفونه من سير الأجداد وبطولاتهم.
حاكم على العين
عرفت مدينة العين والمناطق التابعة لها منذ أقدم العصور غير أن صناعة تاريخها الحديث لم تكتمل كما لم تبرز أهميتها إلا بعد أن تولى الشيخ زايد إدارة شئونها سنة 1946 وأحس على الفور بالحاجة لإدخال كل الإصلاحات الممكنة عليها استجابة لطموح مواطنيه ودعوتهم الدائمة لتحسين أحوالهم المعيشية. غير أن شح الإمكانات المالية وقف حجر عثرة دون تحقيق ما يصبو إلى المواطنون فلجأ الوطني تنمية الزراعة وحفر الافلاج وكان يشارك الرجال النزول الوطني جوف الأرض ويرفع التراب بيديه وبدأت في تلك الفترة عملية إصلاح زراعي وحل الاهتمام محل الإهمال الذي عانت منه العين بسبب الحروب والافتقار الوطني القائد المناسب وأثبت الشيخ زايد من وقتها أنه رجل الإصلاح الذي يعلى حقوق مواطنيه فوق كل الحقوق الأخرى.
انطباعات رحاله
وسجل الرحالة الإنجليزي المعروف “ولفرد ثيسيجر” في كتابه “الرمال العربية” انطباعاته عن أول لقاء له بالشيخ زايد في مجلس بقرية المويجعى من أعمال العين سنة 1948. يقول الرحالة “إن زايد رجل قوى البنية لحيته بنية اللون ووجهه ينم عن ذكاء حاد وعيناه ثاقبتان قويتا الملاحظة وهو يتميز بسلوك هادئ وشخصية قوية وكان بسيطا في لباسه يرتدى ثوبا من النسيج لعماني رمادي اللون وصدرية وكان يتميز عن مرافقيه بعقاله الأسود وبالطريقة التي يرتدى بها الكوفية فقد كان ينشر طرفيها على كتفيه بدلا من لفها حول الرأس كما مواطني الطريقة المعروفة هنا وكان يضع خنجرا وجنادا للرصاص الوطني وسطه والى جانبه على الرمال بندقيته”. “لقد كنت متشوقا للقاء زايد فله شهرة واسعة في أوساط البدو الذين أحبوه لسلاسة أسلوبه غير الرسمي في معاملته لهم ولعلاقاته الودية معهم واحترموا فيه نفاذ شخصيته وذكاءه وقوته البدنية وكانوا يعبرون عن إعجابهم به فيقولون : زايد بدوي مثلنا فهو يعرف الكثير عن الهجن ويركبها مثلنا وهو ماهر في الرماية ويجيد القتال”. ووصف الرحالة أسلوب زايد في إدارة دفة الحكم فقال : “زايد رب أسرة كبيرة يجلس دائما للإنصات لمشاكل الناس ويحلها فيخرج المتخاصمون من عنده بهدوء وكلهم رضا من أحكامه التي تتميز بالذكاء والحكمة والعدل”. وأورد النقيب البريطاني انطوني شبرد في كتابه “مغامرة في الجزيرة العربية” ما خرج به من انطباعات بعد لقاء سموه. فيقول شبرد : “كان زايد رجلا يحظى بإعجاب وولاء البدو الذين يعيشون في الصحراء المحيطة بواحة البريمى وكان بلا شك أقوى شخصية في الإمارات المتصالحة وكنت أذهب لزيارته أسبوعيا في حصنه وكان يعرض على عادة وضع السياسة المحلية بأسلوب ممتاز وإذا دخلت عليه باحترام خرجت باحترام أكبر لقد كان واحدا من العظماء القلة الذين التقيتهم وإذا لم نكن نتفق دوما فالسبب هو جهلي”.
شجاعة زايد
وكان العقيد بوستيد الممثل السياسي البريطاني أحد المعجبين بكرم الشيخ زايد وأسلوبه في التغلب على المصاعب التي تعترضه فقد كتب بعد زيارة الوطني العين: “لقد دهشت دائما من الجموع التي تحتشد دوما حوله في البريمى وتحيطه باحترام واهتمام “. “كان لطيف الكلام دائما مع الجميع وكان سخيا جدا بماله ودهشت على الفور من كل ما عمله في بلدته العين وفى المنطقة لمنفعة الشعب فقد شق الترع لزيادة المياه لري البساتين وحفر الآبار وعمر المباني الإسمنتية في الأفلاج , إن كل من يزور البريمى يلاحظ سعادة أهل المنطقة”. وفى عام 1953 بدأ الشيخ زايد يتلمس طريقه الوطني العالم الخارجي بحذر فكانت رحلته الأولى الوطني بريطانيا قبل أن يزور بعدها الولايات المتحدة الأمريكية ولبنان والعراق ومصر وسوريا والهند وإيران وسويسرا وفرنسا وغيرها من الدول فزادت مشاهداته من قناعته بمدى حاجة البلاد الوطني الإصلاح والانفتاح والتطور وعبر عن تشوقه ليحقق كل هذا بالكلمات المؤثرة التالية “كانت أحلامي كثيرة وكنت أحلم بأرضنا تواكب حضارة العالم الحديث ولكنى لم أكن أستطيع أن أفعل شيئا كبيرا ولم يكن بين يدي ما يحقق الأحلام ولكنني كنت واثقا أن الأحلام سوف تتحقق في يوم من الأيام”.
حاكم لابوظبي
يعتبر يوم السادس من أغسطس سنة 1966 - بحق - صفحة مشرقة في تاريخ الإمارات الحديث لأنه اليوم الذي تبوأ فيه صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي ونقطة الانطلاق باتجاه النهضة الشاملة”. ولقد أخذ سموه على عاتقه النهوض بمسئوليات بناء القواعد الصلبة الأصيلة التي ارتفع فوقها صرح الإمارة أولا والوطن الأكبر ثانيا فسعى لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين فيها وإعلاء شأن الإمارة التي حققت بعد سنتين من ذلك التاريخ أهم الأدوار في قيام دولة الإمارات العربية المتحدة والعمل لاحقا على تنميتها وبث القوة في أطرافها.
في موقع المسئولية
ومنذ يومه الأول في موقع المسئولية حدد سموه نظرته الوطني الدخل المتحقق من البترول باعتباره وسيلة لبناء المجتمع والأمة لا غاية في حد ذاته ولخص بكلمات قليلة عميقة الدلالة وظيفة المال عندما رفع شعار “لافائدة للمال إذا لم يسخر لصالح الشعب”.
سباق مع الزمن
وخلال الفترة اللاحقة تحول صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لترجمة الشعار الوطني واقع ملموس حين قاد سباقا مع الزمن للحاق بركب التحديث وبدأت أبوظبي تخطو خطواتها الأولى في عالم البناء المنظم المدروس في كل نواحيه فأرسى سموه قواعد الإدارة الحكومية وفق الأسس العصرية. وأمر سموه بتنفيذ مئات المشاريع التي حولت أبوظبي الوطني ورشة عمل جبارة وأنشئت عشرات الآلاف من المنازل الصحية النظيفة وشقت آلاف الأميال من الطرق المعبدة الحديثة فوق رمال الصحراء ودخلت المياه العذبة والكهرباء الوطني كل بيت وتحول التعليم من نظام الكتاتيب البدائي إلى المدارس المجهزة بكل ما يلزم لبناء الجيل الجديد وقدمت المستشفيات والعيادات خدماتها الطبية لبدو الصحراء وحضر المدن وتمكنت مسيرة البناء من تعويض قرون طويلة من التخلف والجمود. وخلال سنوات قليلة قطعت إمارة أبوظبي تحت قيادة سموه شوطا هائلا في كل مجالات التقدم العمراني والصناعي والزراعي والاجتماعي وتغيرت ملامح الطبيعة على هذه الأرض الخيرة في اتجاه التطوير والتحديث. والآن ماذا بقى أمام زايد بعد خروج أبوظبي الوطني النور, ومن العدم الوطني الوجود النابض المشع? ماذا بعد أن وجدت الجوهرة المطمورة, من يزيح عنها الركام ويجلو بريقها? لقد تولى زايد مقاليد الحكم في أبوظبي , وقد‹ر لموارد البلاد خلال عهده أن تسجل معدلات قياسية في النمو. فماذا يريد حاكم في الدنيا أكثر من ذلك?.. الحكم والثروة, ولكن زايد لم يكن رجلا عاديا ولاحاكما عاديا, لم يكن من ذلك الطراز من الحكام الذين يقنعون بواقعهم, ولكنه يضم جوانحه على نفس كريمة متطلعة الوطني آفاق لاحدود لها, نفس جوادة, جبلت على البذل والعطاء, وقلب كبير تتجاوز نبضاته حدود “أبوظبي “ وتحتضن خفقاته المنطقة كلها.
أغسطس نقطة تحول
وكما توقعت أسرة آل نهيان يوم سلمته الراية وحملته الأمانة واختارته للموعد المرتقب مع القدر, فإن يوم السادس من أغسطس لم يكن في الحقيقة نقطة انطلاق نحو خلق مستقبل جديد لهذا البلد فحسب , بل كان بداية تحول في تاريخ المنطقة بأسرها, فقد امتدت يد زايد الحانية الوطني إخوانه في الإمارات, وأعطى المنطقة كلها مشاعره, وعاش معها أفراحها وأحزانها, وساهم بكل أحاسيسه وجوارحه في قضاياها, وألزم نفسه بالمشاركة الإيجابية في تطويرها, متحملا هذه المسئولية بروح وعزيمة الرواد الأفذاذ, الذين يؤثرون إنكار الذات.
دولة الاتحاد حقيقة واقعة
وكان الرجل الذي نذر حياته من اجل هذه اللحظة التاريخية هو أول الموقعين على وثيقة قيام الجديدة, وكانت مشاعر زايد تفيض في تلك اللحظة تأثرا, فإن الغرس الذي حنا عليه ورعاه سنوات طويلة, وبذل من أجله الجهد والعرق, وأعطى له نبض قلبه قد أتى أخيرا بالثمرة المرجوة, وأصبح حقيقة ماثلة أمام كل العيون. وعندما بدأت مسيرة هذه الدولة وضع لها قائدها أسسا صلبة وقواعد متينة ورسم لها الخطوط العريضة التي لابد أن تسير على هديها كل القيادات والقطاعات في الدولة اذا مواطني أرادت أن تصل الوطني ما تريد فكان البناء الداخلي أصعب ما يواجه القائد لأنه الأساس الذي تبنى عليه الأسس الأخرى. ولقد نجح زايد في هذه المهمة لأنه كما يقول: جد في عمله وساعده ربه على ذلك فكان العمل الذي قام به هو “بمثابة العشق .. العشق للنجاح . العشق للإبراز”. إن أعظم مسئوليات الراعي أن ينظر دائما الوطني أحوال رعيته ولذا حرص سموه دائما على الالتقاء بأبنائه المواطنين في المدن والقرى والبوادي باستمرار ومهما بعدت الشقة وطالت المسافات. هذه مواطني مهمة القائد الأساسية أن يرعى الراعي رعيته ويلتقي بأفرادها ليذلل كل عقبة في طريق تقدمها ونهضتها من ناحية وليكون مطلعا على نتائج جهده من تعمير الأرض وتخضير الصحراء من ناحية أخرى لينطلق نحو المزيد من البناء والتعمير. هكذا تمضى مسيرة زايد الخير.. الذي سخر نفسه منذ البداية ليكون خصبا قادرا على العطاء, الذي يثرى الحياة ويطورها , جوادا يمنح من ذاته , فحياته ليست ملكه, وإنما مواطني ملك لمن يحيطون به, ملك لهمومهم وآلامهم وهبة منه, وملك لمسراتهم وأحلامهم وتطلعاتهم. إن زايد بن سلطان آل نهيان واحد من هؤلاء العظماء الذين أنبتتهم البادية, والذين ولدوا وقدرهم مسطور في كتاب التاريخ, ليحمل أمانة ويؤدى رسالة, ويقود مسيرة, ويعيد الوطني سجل الكفاح العالمي صفحات مشرقة من الماضي البعيد الحافل بالأمجاد والبطولات, ويرفع على طريق النضال مشاعل هادية من المبادئ والقيم, ويشارك بدور فعال ومؤثر في قيادة المسيرة العربية.
الصفحة الأخيرة
http://sultan.org/b/
هذا رابط بحث يساعدكِ كثير موفقة يارب..