ينطلق صوت مقدمة البرنامج من خلال المايكروفون الذي تضعه في مكان ما من صدرها لتقول: «آلو.. آلو.. مين معي؟» ويأتي الصوت: «أهلين معاك فلان» وترد «أهلين فلان إيش لونك..» وهنا يقاطعها المتحدث بقوله: «ممكن أكلم فلانة». ويشتد ضجيج الجسد حتى ترتج شاشات التلفزيون.
هذا الضجيج الذي تعج به الفضائيات العربية احال حياة المشاهدين الى استعراضات بهلوانية مفرطة في تشهيها اعادت تشكيل رؤية الانسان العربي للجسد، وبات هذا الحضور الطاغي يمهد لتحولات متنوعة فيها الثقافي والاقتصادي والأخلاقي.. والرغبة في استثمار الجسد كانت وراء «أنثنة» الفضائيات العربية وتحول نساء الاعلانات الى مذيعات كل مؤهلاتهن نصيب وافر من الجمال والغنج، بل ان عدداً من الفضائيات شهد تحول عارضات أزياء وملكات جمال الى مذيعات، الأمر الذي أدى الى غياب مضمون الرسالة الإعلامية ليصبح الهدف هو استقطاب وجذب المشاهد الذي يجد نفسه امام مفاهيم مسطحة حولت برامج عروض الأزياء والرياضة النسائية الى أهم البرامج في العديد من الفضائيات وحولت بعض المذيعات الى عارضات رائعات للجسد ونموذجاً للجنس.
ولعل النساء اللبنانيات هن أكثر من تعرضن للاستغلال وشكلن احدى السمات البارزة في الفضائيات العربية نتيجة لما يمكن ان نطلق عليه «الاضطرار التأريخي» إذ هن يعلمن بالفطرة ان جمالهن هو ربما ما تبقى لهن ولغيرهن من اللبنانيات من ثروة بلادهن، يدافعن عن اقتصاده باللحم الحي والكشف عن مفاتنهن لاستدراج العقود، فهذا الاضطرار حول لأجساد اللبنانيات الى ركن قوي من أركان ازدهار لبنان، وربما استمراره (1).
هذه التحولات لا تنفك عن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وسيادة النموذج الاستهلاكي الرأسمالي، والعلاقة تكون معقدة حيث تشتبك القيم بالاقتصاد والثقافة، ما ينشأ عنه تحولات على مستوى المفاهيم العامة، مثل مفهوم نجمة الإغراء، حيث كان الإعلام العربي يطلق على هند رستم «مارلين مونرو العرب» ما يعكس حالة التبعية للغرب ومحاكاته، اذ تحولت الاثارة الى قيمة في حد ذاتها تطمح اليها النجمات، بعد ان كانت الاثارة السبب في وجود مفاهيم نبيلة مثل الستر والعفة والعيب.
كانت هذه التحولات ابرز سمات الرأسمالية التي ارست قيم الاستهلاك وحولت الانسان الى «شيء» وجسد المرأة الى صناعة عالمية تستغل البؤر بالغة الحساسية في الطبيعة الانسانية لاستثمارها اقتصادياً، فالثقافة الاستهلاكية تحتفي بالجسد بوصفه حاملاً للذة يشتهي ويُشتهى بحيث تتحول العلاقة بين الجسد والآخر الى علاقة قائمة على الحاجة والاشباع، ويكون العرض والطلب والانتاج والاستهلاك ادواتها الفاعلة في عملية التسويق، ومن هنا نجد ان المتعة نفسها فقدت بعدها التواصلي الانساني الى نوع من الشغف الاستعراضي المثير بهدف اثارة مجموعة من التوهمات بين الرجل والمرأة.
إن دور المذيعة محوري في العملية الاعلامية وأحد عناصر تقدمها والجميع يحلمون بمشاهدة عمل تلفزيوني رفيع المستوى يكون التقديم واجهته المشرقة التي تجعلهم يتابعون هذا البرنامج دون الآخر، وهذا هو بالتحديد ما يهمله القائمون على الفضائيات العربية ويهملونه جهلاً أو تجاهلاً بدافع الكسب المادي على حساب الفئة العريضة في المجتمع.
وتقدم هذه الفضائيات مذيعات هن للقبح أقرب منهن للجمال، يضعن من مستحضرات التجميل الكثير ويرتدين من الملابس القصير أو الضيق الذي يبرز مفاتن الجسد، ويتميزن بزوائد لحمية ويعانين من ثقل اللسان وضحالة الثقافة الذي يغطينه بالغنج والدلال والضحكات غير المبررة والتشدق بكلمات من اللغات الانجليزية والفرنسية وغيرها، ويتم فرضهن على المشاهدين لتقوم بعدها بعض الفتيات بتقليدهن واتخاذهن قدوة في الملبس والتصرفات.
إعلانات بالإضافة للمذيعات اللائي لا يملكن من موهبة اداء هذا الدور الا اجسادهن، فقد تلاحظ طغيان اعلانات التلفزيون التي تركز على الدور الأنثوي للمرأة، وخاصة خلال شهر رمضان الكريم، حيث تطل علينا وجوه الشابات الجميلات وهن يروجن للمعسل، أو أجهزة التكييف أو صابون الغسيل بل وحتى ما تحتاجه المرأة خلال عملية الطمث، ويتم كل ذلك بنوع فريد من الغنج والدلال والخطوات المتقافزة.
وأكدت دراسة اعدتها الدكتورة عزة مصطفى الكحكي، استاذ الاذاعة والتلفزيون في جامعة المنصورة المصرية ان 76% من إعلانات التلفزيون تركز على المرأة، حيث اشارت الدراسة الى ان 84,3% من هذه الاعلانات تصور المرأة من قبيل الاثارة سواء من خلال التركيز على أجزاء من جسدها أو الايحاءات الحركية واللفظية بشكل يخاطب غرائز المشاهد، كما كشفت الدراسة التي تناولت صورة المرأة المصرية كما تعسكها الاعلانات ان 54% من الاعلانات التي تقدمها شخصيات نسائية استخدمت المرأة فقط كأداة لترويج السلع كنوع من التشجيع على الاستهلاك.
ويقول الدكتور محمود عبدالعاطي المدرس بقسم الصحافة والاعلام بجامعة الازهر ان الدراسة التحليلية التي اجراها على عينة من الاعلانات التلفزيونية انتهت الى ان الشركات المعلنة ركزت على اسلوب الاثارة الجسدية كوسيلة لجذب المستهلك حيث احتل هذا الاسلوب الصدارة بنسبة 7,19%، كما احتلت قيمة الفساد الخلقي في عينة البحث مركزاً متقدماً بلغ 7,7% من مجمل القيمة الاعلانية واحتل الرقص المرتبة الأولى بنسبة 8,20% ثم ارتداء الملابس المثيرة 7,16%، والألفاظ المثيرة 5,12% وكانت حركة العينين وحركة اللسان والشفاه 3,8%.
وبطبيعة الحال كان للإعلانات تأثير سلبي على المشاهدين، خاصة الفتيات، حيث اشارت دراسة على عينة من 500 طالبة مصرية ممن يشاهدن القنوات الفضائية بشكل منتظم الى اصابة هؤلاء الفتيات بأمراض في الجهاز التناسلي والمجرى البولي وحدوث تطورات كثيرة طرأت على سلوكهن حيث انحصر تفكيرهن معظم الوقت في الجنس واجتاحهن مرض «دش سيندروم» الذي اصبح معترفاً به من قبل الجمعيات الطبية العالمية وتم تسجيله بكتب الطب، ويؤدي ايضاً الى تغيير عادات وسلوك المصابين به، كما انه يعمل على زعزعة الاخلاقيات.
ومن النتائج الخطيرة لهذا المرض حدوث زعزعة أخلاقية لنحو 53% من الفتيات بعد ان تعرضن للتشويش الفكري من جراء ما شاهدنه في التلفزيون، وضعف الالتزام الدراسي بنسبة 32% من العينة تم تغيبهن عن المحاضرات، وزيادة نسبة المعاناة من الامراض النسائية بشكل عام بنسبة وصلت الى 8% من النسبة العادية، كما ادى المرض الى حدوث تحولات وتغيرات جذرية في الفكر العاطفي لدى الفتيات، فتحولن من الرومانسية الى الواقعية وتنازلن عن فكرة ان الحب والتكافؤ هما اساس الارتباط الناجح (3).
وكشفت دراسة اجرتها باحثتان في قسم الخدمة الاجتماعية في مستشفى الملك فهد بجدة للكشف عن اثر القنوات الفضائية العربية عن ان 5,61% من المشاهدين يعتقدون ان هذه القنوات تعتمد على العنصر النسائي في جذب المشاهد.
ويرون ان العنصر النسائي يستخدم كعامل جذب لزيادة نسبة المشاهدين، وأن كثيراً من القنوات الفضائية تقدم برامج تتعارض مع القيم والتقاليد (4).
ولا تتورع بعض الفضائيات العربية عن الاستعانة بصبايا صغيرات في السن لتقديم ما تسميه «برامج الأطفال» فهؤلاء المذيعات الصغيرات لا يجدن امامهن الا تقليد المذيعات في الملبس وطريقة التقديم واللغة المستخدمة، حتى أصبحن مسوخاً مشوهة لمذيعات مشوهات في الاصل. ولا تكمن خطورة هذه العملية في تقليد المذيعات في الملبس وأسلوب تقديم البرنامج فحسب، بل تتعداه الى محاكاة المذيعات في كل ما يفعلن داخل الاستديوهات من توزيع للضحكات والابتسامات ومحاولات الغمز واللمز بينهن.
وكادت احدى القنوات الفضائية المشهورة ان تتحول الى خاطبة. فمن منا ينسى صاحبة برنامج الاغنيات الغربية النحيلة الجسد والتي لا تمتلك من مقومات المذيعة الا مفاتن جسدها ودلال صوتها والتي ردت على أحد المشاهدين بصوت فيه الكثير من الايحاءات الجنسية (أهلين محمد .. Wher are you).
ويرد محمد «أنا هون موجود ومتابع للبرنامج.. بس يا (اسم المذيعة) انا بحبك وأريد أتجوزك» وهنا تنطلق الضحكة الماجنة لتقول المذيعة: «شو خجلتني.. ما عندي مانع لو وافقت مامي ودادي».
هذه هي حال المرأة في الفضائيات العربية التي حولتها تارة الى سلعة، وأخرى الى عنصر للإثارة، وأخرى الى أداة لاستقطاب أكبر عدد من المشاهدين والمشاهدات الذين تظل عيونهم مسمرة على الشاشة الفضية وهم يتابعون الجسد الأنثوي يتموج أمامهم ويرسل إيحاءاته الجنسية المبتذلة.
منقول لتعم الفائدة
وســــــــــــــــــــــــــــــــــــا م

wisam @wisam_1
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

كاس و غانيه تفعلان في امه محمد.....مالايفعله الف مدفع......
وهذا نحن نرى نتاااائج حربهم علينا من انحدار و تدهور في اخلاقياتت اولاادنا
مانتقول الا حسبنا الله ونعم الوكيل
وهذا نحن نرى نتاااائج حربهم علينا من انحدار و تدهور في اخلاقياتت اولاادنا
مانتقول الا حسبنا الله ونعم الوكيل

الصفحة الأخيرة
استطاعوا الدخول على المسلمين من هذا الباب ..غزو بالنساء والاطفال ..وكان ضعاف الناس من امة محمد ضيحة سهلة لليهود والنصار وانصارهم من العلمانيه ...
ونسال الله السلامه ..وان يصلح شباب امتنا وان يهديهم سبل السلام
جزاك الله خيرا أختي وسام على هذا النقل المؤلم