أحبك وتحبني والليل طويل
آسية بنت سعود آل رشود
كنت قد قرأت في أحد المنتديات مقالاً لأحد الكتّاب المغمورين عنونه باسم أغنية (آه وربع) بناء على نصيحة من صاحب يتقن فن الكتابة المرتكسة، التي أصبحت مطلوبة في هذا العالم الذي انتكس فيه كل شيء حتى وصفات الطعام منها ما يسمى بالمقلوبة، ولم يمر يومان حتى قرأها معظم رواد ذلك المنتدى الذين يبلغون رقماً صعباً في عددهم، فانتهت خطته بنهاية سعيدة، وكتب لموضوعه فاعل الصدى، وقلد ذهبي الأوسمة، والخمسة أنجم، بل وأضحى في يومين هاموراً للقراء يلتقط أعينهم من كل حدب وصوب، ليكون من بيننا الأذكى، حيث ضرب ضربته في الصميم تماماً كمن اشترى زمن الكساد، فلقد طرح ما لديه من بضاعة مزجاة بثمن بخس بل مسروق من إحدى الأغنيات في فن أسميته سوق النخاسة عناوينه مكررة ومضامينه مسروقة، ليس فيه من الجديد ولا الفريد المميز المفيد.. إلا أنه وعلى الرغم من رداءة عنوانه مقارنة بجودة الموضوع شكلاً ومعنى، كان العنوان الساقط هو السبب الرئيس في نجاح موضوعه!!.
وبما أنني في مجتمع يحذو القذة بالقذة، ويعتنق مبدأ مع الخيل يا شقراء، طفقت أبحث عن عنوان مثل عنوان أخينا الفاضل صاحب المقال سالف الذكر أجتر به تلابيب القراء لقراءة مقالي وألصق أعينهم بورقات عزيزتي المصون ( الجزيرة )، إلا أنني بعد تفكير مضن وشاق وطويل، أبحرت فيه في قوافي قيس وطفت على أطلال ليلى، مسافرة إلى مغارة العشاق، حيث يحلو لهم منادمة الليالي، معرجة بذلك على جبل التوباد، محاولة أن أسترجع بيتاً، اسماً، أغنية, أي شيء، إلا أنني لم أتذكر سوى جملة (I love you) التي ترددت في أحد المشاهد الملتصقة بجدار ذاكرتي كأعنف ما يكون الالتصاق، يؤكده أنني كلما بحثت عن معلومة في تلك الأشياء المسماة بقايا ذاكرة، تصدَّر ذلك المشهد بكل تفاصيله وألوانه منصب الأولوية ليس لغلاوة بطلة ذلك المشهد فحسب التي تجسد دورها ابنة أخي ذات السنتين بل لأن تفاصيله كانت شاهداً على حقائق شتى متفرقة كتفرق الغيوم في أجوائنا، فلقد دأبت ابنة أخي الصغيرة في أحد اجتماعاتنا العائلية الخميسية على ممارسة قوى الضغط بكلتا يديها الاثنتين على أزرار لعبة جوال اشتراها لها أخي، وكلما ضغطت على أزرار تلك اللعبة ردد ذلك الجهاز الوردي الصغير بكل يأس (I love you) فتضحك بأعلى صوتها طرباً، ثم تعاود الكرة ولكن هذه المرة بقدمها (ياللأنوثة !!) وما علمت صغيرتنا أنها ببراءتها تلك كانت تذكرني ببعض من أسرار الطوفان الحمراء التي غطت الأراضي والشعاب ليصفر منها العود الأخضر من أعواد أبنائنا الفتيات منهم والشباب، تلك الأسرار التي داوم المعلنين على ترقيعها بأقمشة من حرير ملقين بالتهمة إلى شوكلاته من نوع (أفركيه ورشيه) وعطر من وكر كان قد بني في مدينة الأحلام التي تسمي إحدى سراياها باسمٍ يشبه الفعل الناسخ الناقص (كان)، الأمر الذي يثبت لي أن جرعات الحب وكؤوس الغرام التي حقن بها الشباب في الآونة الأخيرة ما كانت إلا بالإكراه مع سبق من الإصرار والترصد، فتماماً كما كانت ابنة أخي تضرب بعنف على لعبتها لتسمع (I love you) ثم ترفع رأسها ضاحكة وساخرة، كان بعضاً من القوم يشترون إحدى ناقات العرب ثم يدخلونها مصنعاً يشاع عنه أنه يعدل الجينات وراثياً مخرجاً طابوراً من الفاتنات مع لكنة عربية أعجمية وذيل حصان ورقبة زرافة وحنجرة بلبل ورقصة ثعبانية ليكملوا بهن نصب الفخ وشد الحبال تأهباً لصيد فريسة مثقلة (بالكرش) والنقود تمتهن التوزيع ووهب العطايا، وأنىَّ لهذا الصيد الرقيق الحساس الكريم أن يصمد طويلا أمام حسناء تستجدي ؟، بل وأنى لذلك (الكرش العربي) أن يصمد أمام شوكلاتة (إفركيه ورشيه) ؟، وحتى لو صمد فلن يستمر صموده حتى صفارة النهاية فغريمه هو مروج الحب وأنى لمثله أن ييأس وينقلب إلى أهله راجعاً لاسيما أنه يعلم أن مثلنا سيرحب به ولو بعد حين باسم الشهامة وعدم الرغبة في كسر الخواطر، حاشا لله فجزاء من يفعل ذلك في قاموسنا كجزاء الضرب بالحوافر !! وكما نطقت اللعبة ب(I love you)جراء محاولات ابنة أخي المتكررة, نطق ذلك الضحية بالعبارة ذاتها في جميع القنوات لمن يستحقها وغيرهم ممن ليسو أهلاً لها ليضحي مؤلفاً مطرباً وراقصاً وهائماً في سماوات حمراء زاعماً أنه بذلك يتعلم الصبر من ويل عذاباتها ليضفى الروحانية على عالمه!!
أما وقد أصبحت هذه الكلمة معقلاً للثقافة العربية الحديثة وقفصاً حديدياً يحيط بعقول الأكثرية من هذا السواد تثبته مضامين رسائل ال sms في أسفل جميع القنوات وتؤكده طباعتها كملصق ترويجي على المنتجات على غرار جملة (حقيقي أمك بتحبك؟) أو (لأسنان ناصعة البياض) على كرت مهتريء تارة أو في بطن درع خشبي أو سيراميكي تارة أخرى أو علبة زجاجية مع عطر تقليد أو حتى على شمعة سرعان ما تذوب وترمى بقاياها في حاوية النفايات!!.
أما وقد أصبحت هذه الكلمة مهوى الأفئدة في كل منتدى تطل منه وفي كل مقال يفوح بها فإني سأجعل لأحرفها المشوهة شرف الصدارة في عنوان مقالي لهذه الصبيحة وسأضع بجانبها تلك التفاصيل التي أراها متسربلة بها أينما حلت وارتحلت : صورة لقلب معاق ووردة حمراء اصطناعية تذكرني رائحتها برائحة رواق محل أبو ريالين!!.
هناك صعقة قد صعقتني بها ذاكرتي للتو وهي حقيقة أن هذا التوظيف الفرنجي للكلمة لم تقبله الصحف العربية حتى الآن، ومن هنا كان على عاتقي مهمة الترجمة، لكن: هل تفي أحبك (النسخة العربية) بالغرض؟؟.
لا أظن ذلك، فقد يعتقدون حين يرونها ملتصقة باسمي عنواناً لمقالي أنني سوف أتكلم عن حبي لماما وبابا (رحمه الله) وأخي الكبير وأختي الكبيرة ومعلمتي في المرحلة الابتدائية ثم يقلبون الصفحة الأخرى لقراءة مقالات من نمط آخر يستعذب استجداء الليل ويستمطر ويلات النهار!!.
الأمر الذي جعلني أقرر بأن أعنون مقالي بما يتشدق به المحبون عادة من عذابات ذلك الليل الطويل مستبطئين خيوط الفجر التي لم تتأخر يوماً عن الإشراق بعد الساعة الخامسة والنصف!! (أحبك وتحبني والليل طويل ما طاع يخلص).
* لكن السؤال الذي يطرح نفسه:
أتراني فعلاً قد أسطر أحرفي مقالاً لهذا العنوان؟
أيعقل أننا وصلنا إلى هذه الدرجة من الإغماء
بله التجمد الفكري,
أترى سماؤنا قد تغطت بالمخمل الأحمر، وسفرتنا غرقت في حليب (إفركيه وارشيه)؟
ألم يعد للنجمة البيضاء في صدر السماء سعة؟
والياسمين الأبيض، أتراه قد نفي من وجه البسيطة؟
والفارس والجواد والخيمة السوداء أتراهم أضحوا كما الحياء مفردة نتشدق بها حينما نسأل عن ذواتنا، وماض تحتضنه رفوف المكتبات القديمة حيث يوارى الثرى واقفاً على قدميه!!.
أم تراهم أضحوا كما الغول والعنقاء وأخوهم الخل الوفي مفردات خرافية نرمز بها للمجهول وغير المعقول وجوده؟؟.
لا، لا أعتقد ذلك,
لهذا لن أكتب مقالاً هنا، كل ما سأفعله هو أني سأدعوكم إلى قراءة مقالي القادم حيث يكون للصفعة فيه طعم مضحك، وللحرب مذاق يضحك أكثر، ففي كلا الحالين سوف أقوم برسم الحقيقة جسداً على أرض الواقع يحاول إشعال وهج، قبس، وسن أو حتى عود ثقاب لينير للبشرية ويهديها إلى سبيل الصواب، وسأرسم معه أناسا أشرار يتقنون أساليب الحديث وفنون الخطابة وقبلها أسرار الإغماء وأصول اللباقة فيؤثرون في المجتمع الذي يفتح فاه قبل أذناه محاولاً أن يحسن فن الإصغاء، ثم يحاول أن يكون منفذاً جيداً للنصائح فيبحث عن جسد الحقيقة ليقتله قبل أن يكمل نموه فيموت وتموت حقيقته معه، ويرفعون أياديهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ويعودون إلى متاهات الضياع!.
فأضحك وتضحكون معي، وأبكي وتبكون معي، ثم نضحك، ثم نعود فنبكي وهكذا دواليك، نفعل كما يفعل الذي يعيش في عالم من المساخر ثائراً!!.
أعترف..
لحروفي وخز كما وخز الإبر..
إلا أنها، ولله الحمد، على الأقل واقعية وبالمجان في زمن يباع فيه الوهم!!.
إشارة
وفي النفس حاجات وفيك فطانة
سكوتي بيان عندها وخطاب
منقووول للكاتبه اعلاه

night whisper @night_whisper
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

*دوري*
•
رائع جدااا ,شدتني لأحرفها من أول سطر .. حقيقة نفخر بوجود عقول نيرة و أقلام رائعة و أسلوب فذ ...مثل هذه الأخت ..ما شاء الله عليها ..فلكلماتها وقع عظيم و لحقيقتنا قد لامست حروفها..

اهلا بك *دوري* ........ فعلا انت محقه ... فكتاباتها جدا رائعه ,,,,,,,,, والف شكر على مرورك
الصفحة الأخيرة