أحكام زكاة الفطر ..
وهل يجوز إخراجها قيمة ؟ ...
ندا أبو أحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
إن الحمد لله ،نحمده و نستعينه ، و نستهديه ونستغفره، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده اللهُ فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا "
ثم أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، و أحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
قال تعالي " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "
وقال تعالي " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "
فكان من جملة ما آتانا النبي صلي الله عليه وسلم ومن جملة ما أمرنا به إخراج زكاه الفطر تطهيراً للصائم من رفثه ولهوه وقت صيامه ، وهذه الفريضة وإن كانت موسمية إلا أن كثيراً من الناس يجهلون فقهها وأحكامها ، ومنهم من يستهين في أدائها ، ومنهم من يؤديها علي خلاف السنة استناداً لقول مرجوح لا يعضده دليل صحيح أو حتى ضعيف .
فهيا لنتعرف عن أحكام زكاة الفطر وكيفية أدائها على الوجه المسنون راجيا من الله أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال .
تعريف زكاة الفطر
- هي صدقه تجب بالفطر من رمضان .
ويقال زكاة الفطر ، وصدقه الفطر .
ويقال للمُخْرَج : فِطره .. وكأنها من الفطرة أي الخلقة أي زكاة الخلقة .
الحكمة من مشروعية زكاة الفطر :
قال صاحب المغني : والحكمة من مشروعية زكاة الفطر :
الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد ، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدوم العيد عليهم ، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث .
فقد أخرج أبو داود وابن ماجه بسند حسن عن ابن عباس – رضي الله عنه-
قال : فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر طهره للصائم من اللهو والرفث وطعمه للمساكين ، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات .
متى فرضت وشرعت :
شرعت في شعبان من السنة الثانية من الهجرة لتكون طهره للصائم مما عسي أن يكون وقع فيه من اللغو والرفث ولتكون طهره للصائم.
حُكم زكاة الفطر
زكاة الفطر واجبة علي كل مسلم ودليل ذلك :
1- ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما –
قال : " أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلي الصلاة".
2- وعند البخاري ومسلم أيضا عن حديث ابن عمر – رضي الله عنهما –
قال :" فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير علي العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة " .
3- وأخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح عن ابن عباس – رضي الله عنه قال : " زكاة الفطر علي كل عبد أو حر ، صغير أو كبير" .
4 – وأخرج أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال : " فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاه الفطر طهره وللصائم من العفو والرفث وطعمه للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " .
5- وأخرج عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح عن جابر رضي الله عنه قال:" صدقة الفطر علي كل مسلم صغير وكبير عبد أو حر " .
· قال النووي في المجموع : أجمع العلماء علي وجوب صدقة الفطر.
· وكذا نقل الإجماع ابن المنذر فقال " أجمع كل من نحفظ عنه العلم على أن صدقة الفطر فرض . ( الإجماع لابن المنذر )
· وقال سعيد بن المسيب وعمر ابن عبد العزيز في قوله تعالى:
" قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى" هي زكاة الفطر .
تنبيه :
أحرص علي أن تكون الزكاة من الجيد الطيب لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا فلا يجوز إخراجها من شر الأصناف أو مما اغتصب أو نهب أو ترك لحقارته أو لفساده .
فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة :
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله ألا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمره فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيلة " .
الفلو : المهر .
الفصيل: ولد الناقة إذا فصل من إرضاع أمه .
تنبيه :
(وفي الحديث دلاله في ثبوت صفة الكف لله )
وأخرج كذلك الإمام مسلم من حديث ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم : " لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول " .
علي من تجب زكاة الفطر
تجب زكاة الفطر علي من توفرت فيه الشروط الآتية :
1- الإسلام :
لأن زكاة الفطر قربة من القرب وطهره للصائم من الرفث واللغو – كما تقدم – وليس الكافر من أهلها وإنما يعاقب علي تركها في الآخرة.
ومر معنا في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر أنه قال : فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير علي العبد والحر والذكر والانثي الصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدي قبل خروج الناس إلي الصلاة .
والإسلام شرط عن جمهور العلماء .
(خلافا للشافعية فالأصح عندهم أنه يجب على الكافر أن يؤديها عن أقاربه المسلمين )
2- القدرة على إخراج زكاة الفطر :
وحد هذه القدرة أن يكون عنده فضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة العيد ويوميه عند جمهور العلماء (المالكية والشافعية والحنابلة) ...
لأن من كان هذه حالة يكون غنيا
فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم كما عند أبي داود بسند حسن : من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار ، فقالوا يا رسول الله وما يغنيه ؟ ، قال : أن يكون له شبع يوم وليلة .
وعند الترمذي : من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه .
- وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن زكاة الفطر متي تجب علي الرجل ؟
قال: :إذا كان عنده فضل قوت يوم أطعم (مسائل إسحاق النيسابوري)
وقال ابن قدامه في الكافي :
فصل: ولا تجب إلا بشرطين : أحدهما أن يفضل عن نفقته ونفقة عياله يوم العيد وليلته صاع لأن النفقة أهم فتجب البداءه بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ابدأ بنفسك وبمن تعول" .
وخالف الحنفية وأصحاب الرأي فقالوا : لا تجب إلا علي من يملك نصاباً من النقد أو ما قيمته فاضلا عن مسكنه.
واستدلوا بقوله صلي الله عليه وسلم كما عند البخاري :
" لا صدقة إلا عن ظهر غني " .
قالوا: والفقير لا غني له فلا تجب عليه ولأن الصدقة تحل له فلا تجب عليه كمن لا يقدر عليها .
والراجح قول الجمهور وذلك لأمور :
1-أن فرض زكاة الفطر ورد مطلقا علي الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد ولم يقيدها بغني أو فقر كما قيد زكاة المال ،
لقوله : تؤخذ من أغنيائهم فترد علي فقرائهم " .
2- أن زكاة الفطر لا تزيد بزيادة المال فلا يعتبر وجوب النصاب فيها كالكفارة .
3- أن الاستدلال بحديث لا صدقه إلا عن ظهر غني لا يسلم للحنفية الاستدلال به فأننا نقول معهم : إن العاجز عنها لا تجب عليه بل سبق معنا الحديث بأن الإنسان يغنيه شبع يوم وليلة .
فوائد ومسائل :
1- تجب زكاة الفطر علي المسلم القادر علي أدائها حتى وإن كان عبداً مملوكا كما ذهب إليه الحنابلة – خلافا لجمهور الفقهاء فقد اشترطوا لإيجاب الزكاة الحرية وقالوا : لا تجب علي العبد لأن العبد لا يملك ..
والصواب :
أنه يجب علي السيد المسلم أن يخرج زكاة الفطر عن عبده ، لحديث ابن عمر الذي أخرجه البخاري ومسلم : فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعاً من شعير علي كل عبد أو حر صغيراً أو كبيراً"
2- هل تجب زكاة الفطر عن الخدم؟
فيه تفصيل :
إن كان الخادم ممن تجب نفقته علي المؤدي أدى عنه كأن يكون أجيراً عنده لمده طويلة أو لمدة محددة يجب عليه فيه النفقة عليه .
وأما إذا كان أجيراً لعمل معين ولا يلزمه النفقة عليه لم يلزمه أداء زكاة الفطر عنه .
قال الإمام مالك في الموطأ :
ليس علي الرجل في عبيد عبيده ولا في أجيره ولا في رقيق امرأته زكاة إلا من كان منهم يخدمه ولابد له منه فتجب عليه .
وأما إن كان الخادم كافراً أو من أهل الكتاب فلا يخرج عنه زكاة الفطر .
3- أن زكاة الفطر تجب علي كل حر مسلم – يملك قوته وقوت عياله يوماً أو ليلة- عن نفسه وعمن تلزمه نفقته كزوجته وأبنائه وخدمه المسلمين .
فقد أخرج الدارقطني عن ابن عمر قال : " أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم بصدقه الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون"
وذهب ابن حزم والجمهور(وبه قال الشافعي ، وأبو حنفية ، ومالك) إلي أن زكاة الفطر لا تجب علي شخص عن غيره لا عن أبيه ولا عن أمة ولا عن زوجته ولا عن أحد ممن تلزمه نفقته إلا عن نفسه .
وأنه يجب على كل من هؤلاء إخراجها عن نفسه من ماله لظاهر حديث ابن عمر المتفق عليه . (أى في حالة أن كان لهم مال)
قال ابن رشد :
أما عمن تجب فأنهم اتفقوا علي أنها تجب على المرء لمن تلزمه نفقاتهم إذا لم يكن لهم مال .وكذلك في عبيده إذا لم يكن لهم مال .
4- قال الخطابي في معالم السنن :
وهي واجبة علي كل صائم غني ذي جده يجدها عن قوته إذا كان وجوبها لعله التطهير وكل الصائمون محتاجون إليها (التطهير) ، فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب .
وأجاب الحافظ – رحمه الله - :
إن ذكرالتطهير خرج مخرج الغالب كما أنها تجب عمن لا يذنب كمتحقق الصلاح أو من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة .
5- وذهب بعضهم إلي وجوبها علي الجنين :
ودليلهم ما أخرجه ابن أبي شيبه وعبد الرزاق من طريق أيوب عن أبي قلابة قال : كانوا يعطون صدقة الفطر حتى يعطون عن الحبل . وسنده صحيح
وقال عبد الله بن أحمد في المسائل سمعت أبي يقول : يعطي زكاة الفطر عن الحمل إذا تبين .
وفي مسائل إسحاق بن إبراهيم بن هانيء قال سألت أبا عبد الله عن صدقة الفطر قال: صاع صاع من كل شيء علي الحر والعبد والذكر والأنثى ويروى عن عثمان بن عفان أنه أعطي عن الحامل .
فكأنما ذهب الإمام أحمد هذا المذهب احتياطا لما روي ذلك عن عثمان ولكن أثر عثمان ضعيف أخرجه ابن أبي شبيه وفيه : أن عثمان كان يعطي صدقة الفطر عن الحمل .
فالخلاصة :
أن هذا الأثر لا يصح فليس هناك دليل مرفوع صحيح يدل علي ذلك .
6- إذا لم يكن للطفل مال ففطرته علي أبيه بالإجماع ( نقله المنذر وغيره ) وإن كان للطفل مال ففطرته فيه-- وبه قال أبو حنيفة الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور .
واليتيم الذي له مال فتجب فطرته فيه عند الجمهور وبه قال مالك والأوزاعي الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف وابن المنذر .
- وقال محمد بن الحسن لا تجب .
7- الجد عليه فطره ولد ولده الذي تلزمه نفقته .
- وبه قال الشافعي وأبو ثور .
- وقال أبو حنيفة لا تلزمه .
8- لا يلزم الرجل إخراج زكاة الفطر عن زوجته التي لم يدخل بها لأنه لا تلزمه نفقتها.
9- إذا نشزت المرأة في وقت زكاة الفطر ففطرتها علي نفسها لا علي زوجها
10- إذا كانت الزوجة كتابية فلا يخرج عنها زكاة الفطر .
11- ولا يعتبر في زكاة الفطر ملك النصاب بل تجب علي من ملك صاعاً فاضلاً عن قوته يوم العيد وليلة وهو قول الجمهور .
وإذا كان عليه دين وصاحبه لا يطالبه به أدي صدقه الفطر وقت وجوبها عليه كما يطعم عياله يوم العيد وهو مذهب أحمد .
12- قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
لا ينبغي أن يعطي الزكاة لمن لا يستعين بها علي طاعة الله فإن الله فرضها معونة علي طاعته لمن يحتاج من المؤمنين كالفقراء أو الغارمين أو كمن يعاود المؤمنين ، فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يعطي شيئا حتى يتوب ويلتزم أداء الصلاة .
13- من السنة فى زكاة الفطر أن يكون لها من تجمع عنده فقد وكل النبي صلي الله عليه وسلم أبا هريرة بذلك .
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " أخبرني رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أحفظ زكاة رمضان" .
وكان ابن عمر – رضي الله عنه – يعطيها للذين يقبلونها وهم العمال الذين ينصبهم الإمام لجمعها وذلك قبل الفطر بيوم أو يومين.
أخرج ابن خزيمة من طريق عبد الوارث عن أيوب قلت : متى كان ابن عمر يعطي الصاع؟
قال :إذا قعد العامل (أي لأخذ الزكاة)
قلت : متى كان يقعد العامل؟
قال: قبل الفطر بيوم أو يومين .
14- هل تدفع الزكاة إلي الكافر أو ذمي ؟
قال ابن المنذر: أجمعت الأمة أنه لا يجزي دفع زكاة المال إلي ذمي واختلفوا في زكاة الفطر
فذهب الجمهور : مالك والليث وأحمد وأبو ثور والشافعي إلي أنه لا يجوز دفعها إلي الكافر أو الذمي
وعن عمرو بن ميمون وعمرو بن شرحبيل- ومره الهمداني أنهم كانوا يعطون منها الرهبان .
وجوز أبو حنيفة دفع الفطر إلي الكافر .
مقدار زكاة الفطر
ومقدار زكاة الفطر كما ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال: كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعا من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب .
الأقط: هو اللبن المتجمد مثل الجبن
الطعام: بينها أبو سعيد في حديث أخر أخرجه البخاري قال أبو سعيد :
كنا نخرج في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام قال أبو سعيد وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر .
تقدير الصاع :
والصاع المعتبر هو صاع أهل المدينة ، لحديث ابن عمر وهو في السلسلة الصحيحة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة .
- قال بعض العلماء: الصاع سدس كيله مصرية أي قدح وثلث مصري وهو يساوى بالجرامات 2176 وذلك حسب وزن القمح .
- وقال الإمام أحمد : الصاع خمسة أرطال وثلث – برطل العراق
- والصاع : أربعة أمداد
- والمد: ما يملأ كفي الرجل المعتدل الكفين
قال ابن الأثير : وقيل إن أصل المد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعاماً :" ومن لم يكن عنده مكيال ولا ميزان فليخرج أربعة أمداد ومن تطوع خيراً فهو خير له" .
· الصاع النبوي يبلغ وزنه أربعمائة وثمانية مثقالا من البد الجيد أى ألفى جرام 40 جرام و2 كيلو فإذا أراد أن يعرف الصاع النبوي عليه أن يزيد 2040 براً ثم يضعها في إناء بقدرها فيعلمه ثم يكيل له .
و هاهنا جدولا توضيحيا للصاع من الأصناف المختلفة وما يقاربه بالكيلو تقريبا :
م
الصنف
وزن الصاع بالكيلو تقريبا
1
صاع الأرز
3
2
صاع اللوبيا
3
3
صاع الفاصوليا
3
4
صاع التمر المتوسط
3.50
5
صاع العدس الأصفر
3.50
6
صاع العدس بجبه
3.25
7
صاع الفول
3.50
- وكذلك يجوز إخراجها من الحنطة – أي الدقيق
ولكن اختلف في تعيين مقدارها من الحنطة :
1- قال البعض تخرج صاع من حنطة وهو قول الإمام أحمد ومالك والشافعي وممن قال بذلك أيضا الحسن البصري وأبو العالية وإسحاق وغيرهم .
- قال عبد الله بن الإمام أحمد في المسائل :
سمعت أبي يقول يعطي الرجل من التمر والشعير والحنطة والأقط علي حديث أبي سعيد .
وقال عبد الله: كم صدقة الفطر في الدقيق؟
قال: خمسة أرطال وثلث دقيق .
أي صاع من دقيق ، وهو بذلك تابع أبا سعيد الخدري ، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال : " كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله صلي الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعا من أقط فلم نزل مخرجه حتى قدم معاوية المدينة فتكلم فكان مما كلم الناس إني لأري مدين من سمراء الشام – يعني القمح أي نصف صاع من الحنطة – تعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك" .
قال أبو سعيد : أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه .
وعند البخاري ومسلم عن ابن عمر : " أن النبي صلي الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعاً من تمر وصاعا من شعير فعدل الناس إلي نصف صاع من بر" .
- قال النووي في شرح مسلم : وحديث أبي سعيد الخدري هو الذي يعتمده أبو حنيفة وغيره في جواز نصف صاع حنطة .
والجمهور يجيبون عنه بأنه قول صحابي يقصدون معاوية- رضي الله عنه - وقد خالفه أبو سعيد وغيره فوجب اعتماد الصاع من الحنطة .
لكن إن كان هذا رأيا من معاوية – رضي الله عنه – فهو لم ينفرد به بل تابعه عليه جماعة من الصحابة .
فقد أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنه – قال صدقة الفطر علي كل مسلم صغير وكبير عبد أو حر مدان من قمح أو صاع من تمر أو شعير.
- وأخرج ابن أبي شيبه بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها
قالت : أني أحب إذا وسع الله علي الناس أن يتموا صاعا من قمح عن كل إنسان .
وهذا لا يقتضي وجوبا وإنما استحباباً وفيه دلالة علي جواز المدين عندها وإلا لذكرت ما يدل علي كراهة ذلك
- وأخرج ابن أبي شيبه عن أسماء – رضي الله عنها : أنها كانت تعطي زكاة الفطر عمن يموت ومن أهلها الشاهد والغائب نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير .
وقد روي هذا الخبر مرفوعا ولا يصح فهو موقوف .
بل هناك حديث ضعفه البعض ولكن صححه الشيخ الألباني في سلسلة الصحيحة وفي صحيح الجامع وهو عند الدارقطني وعند الإمام أحمد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " أدوا صاعاً من بر أو قمح بين اثنين أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير عن كل حر وعبد وصغير وكبير"
وهناك حديث أخر ولكنه ضعيف أخرجه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث مناديا في فجاج مكة ألا أن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى أو عبد صغير أو كبير مدان من قمح أو سواهما صاعا من طعام " .
قال الحافظ في الفتح : قال ابن المنذر :
لا تعلم في القمح خبرا ثابتا عن النبي صلي الله عليه وسلم يعتمد عليه ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت ألا الشيء اليسير منه فلما كثر زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير ، وهم الأئمة فغير جائر أن يعدل عن قولهم إلا إلي قول مثلهم ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا في زكاة الفطر نصف صاع من قمح – أ هـ
وهذا ما ذهب إلي أبو حنيفة ، لكن حديث أبي سعيد دال علي أنه لم يوافق علي ذلك ، وكذلك ابن عمر فلا إجماع في المسألة .
والراجح :
جواز إخراج مدين من القمح أو الحنطة وأن من فعل ذلك فقد أجزأ لما تقدم من الأخبار ومن زاد فأخرجه صاعاً فقد احتاط لنفسه ولدينه .
ملحوظة : قال أبو حنيفة يجزي نصف صاع زبيب كنصف صاع بر .
الأنواع التي تخرج في زكاة الفطر
يجوز إخراج زكاة الفطر من الطعام الذي يعد قوتا للناس أي ما يقتاته المسلمون ولا تقتصر علي ما نص عليه ( الشعير والتمر والزبيب ) بل نخرج من الأرز والذرة والعدس وغيرهم مما يعتبر قوتا .
1- وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - : كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب .
قال أبو سعيد : وكان طعامنا من الشعير والزبيب والأقط والتمر .
2- وعند البيهقي وأبو نعيم في الحلية وهو مخرج في السلسلة الصحيحة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " أدوا صاعا من طعام " .
فتفسير الطعام هنا ببعض أنواعه لا يعني قصره علي هذه الأنواع فالرسول لمّا فرض هذه الأنواع فلأنها كانت قوت أهل المدينة ولو كان هذا ليس قوتهم بل يقتاتون غيره لم يكلفهم أن يخرجوا مما لا يقتاتون ويدل علي أن الأمر فيه سعه وأنه غير مقتصر علي هذه الأنواع ما أخرجه ابن خزيمة باسناد صحيح وترجم له باب إخراج جميع الأطعمة في صدقة الفطر: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن تؤدي زكاة رمضان صاعا من طعام عن الصغير والكبير والحر والمملوك من أدي سلتا قبل منه وأحسبه قال : من أدي دقيقا قبل منه ومن أدي سويقا قبل منه السلت : نوع من الشعير لا قشر له
وعلي هذا يجوز إخراجها من كل ما يعد قوتا لأهل بلده من أرز وفول أو عدس أو القمح أو الدقيق أو التمر أو الفاصوليا أو اللوبيا أو المكرونة أو غير ذلك مما يعد قوتا في بلده ، وهذا أصح أقوال العلماء وهو مذهب الشافعية والمالكية وأختاره شيخ الإسلام ابن تيمية .
حيث قال شيخ الإسلام في الاختيارات الفقهية :
ويجزئه في الفطر من قوت بلده مثل الأرز وغيره ولو قدر علي الأصناف المذكورة في الحديث وهو رواية عن أحمد وقول أكثر العلماء .
ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة وهو من يأخذ لحاجته لا فى الرقاب والمؤلفة قلوبهم وغير ذلك ويجوز دفعها إلي الفقير وهو مذهب أحمد .
لكن ذهب البعض إلي أنه ينبغي الاقتصار علي الأنواع التى ذكرت في الحديث فقط وهي الشعير أو التمر أو الأقط أو الزبيب أو السلت .
وهذا ما ذهب إليه الحنابلة فقالوا لا يجزي إلا التمر والشعير والبر .
وانكر ابن حزم علي الإمام مالك رحمه الله إجازه ذلك فقال في المحلي ( 4/249 ) :
العجب كل العجب من إجازة مالك إخراج الذرة والدقيق والأرز لمن كان ذلك قوته وليس شيء من ذلك مذكورا في شيء من الأخبار أصلا .
وقال الموفق المقدسي في الكافي (10/323) :
ومن قدر علي هذه الأصناف الأربعة لم يجزه غيرها لأنه المنصوص عليها فأيها أخرج أجزاه سواء كان قوته أو لم تكن لظاهر الخبر.
والذي تطمئن إليه النفس أنه عام يشمل كل ما كيل عن الطعام ..
فالنبي أمر بهذه الأصناف لأنها هي التي كانت موجودة وغير موجود غيرها لذا أمر بها .
وقت خروج زكاة الفطر
يجب إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد :
- وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلي الصلاة " .
- و أخرج الترمذي وأبو داود بسند صحيح عن ابن عمر :
" أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يأمر بإخراج الزكاة قبل الغدو للصلاة يوم الفطر".
ومن لم يستطيع إخراجها قبل الصلاة فعليه قضاؤها بعد الصلاة لا علي أنها زكاة ولكن علي أنها صدقة من الصدقات .
حيث قال الجمهور: إن أخرها عن الصلاة أثم ولزمه إخراجها وتكون قضاء وبه قال مالك وأبو حنيفة والليث وأحمد .
فقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه:
قال :" فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر طهره للصائم من اللغو والرفث وطعمه للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" .
وقالوا : أن زكاة الفطر لا تسقط إذا خرج وقتها لأنها وجبت في ذمته لمستحقيها فهي دين لهم لا يسقط إلا ما لأداء لأنها حق للعبد ، أما حق الله في التأخير عن وقتها فلا يكون إلا مع الاستغفار والندم .
· بينما ذهب ابن القيم وغيره إلى أنها تسقط بعد الصلاة .
فقال ابن القيم :
مقتضي هذين الحديثين – أي السابقين - أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد وأنها تفوت بالفراغ من الصلاة وهو الصواب ، فأنه لا معارض لهذين الحديثين ولا ناسخ ولا إجماع يدفع القول بهما وكان شيخنا يقول ذلك وينصره .
- وممن قال بهذا – من لم يؤدها قبل الصلاة سقطت – كلا من داود والحسن بن زياد .
بداية وقت الوجوب :
- غروب شمس أخر يوم من رمضان ( الشافعية ، الحنابلة ، وقول عن المالكية)
- طلوع فجر يوم العيد ( الحنفية ، وقول عند المالكية ) .
فائدة الخلاف في بداية وقت الوجوب :
يظهر فيمن مات بعد غروب الشمس آخر يوم من رمضان :
- فعلي القول الأول تخرج عنه زكاة الفطر (لأنه كان موجوداً وقت وجوبها ) .
- وعلى الثاني : لا يخرج عنه .
وكذلك من ولد بعد غروب الشمس أخر يوم من رمضان :
- فعلي الأول: لا تخرج عنه ( حيث أنه لم يكن موجود وقت وجوبها)
- وعلى الثاني : تخرج عنه
هل يجوز إخراج زكاة الفطر قبل وقت وجوبها ؟
نعم ، يجوز تعجيل زكاة الفطر قبل الفطر بيوم أو يومين ، لما اخرجه البخاري ومسلم عن نافع قال : كان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين .
الفطر : عيد الفطر .
وجوز الشافعي تقديمها في جميع رمضان .
الراجح :
هو إخراجها يوم الفطر قبل صلاة العيد ، ويجوز تعجيلها بيوم أو يومين لفعل ابن عمر.
ملحوظة :
تخرج أخر يوم من رمضان أي ليلة العيد لأن النبي قال طهره للصائم إلي بعد ما ينتهي من صيامه كاملا يخرج هذه الزكاة حتى تكون طهره له .
مصرف زكاة الفطر (لمن تدفع زكاة الفطر)
اختلف العلماء في مصرف زكاة الفطر علي قولين :
الأول: أن مصرفها هو مصارف الزكاة الثمانية ، وهو مذهب جمهور العلماء خلافا للمالكية .
وذلك لقوله تعالي: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم "
فقالوا سماها النبي زكاة وهي فريضة واجبة فتصرف في مصارف الفريضة قال النووي في المجموع : والمشهور في مذهبنا أنه يجب صرف الفطره إلي الأصناف الذين يصرف إليهم زكاة المال .
وجوزها مالك وأبو حنيفة وأحمد وابن المنذر إلي واحد فقط قالوا ويجوز صرف فطره جماعة إلي مسكين واحد .
القول الثاني : أنها تصرف للمحتاجين (الفقراء والمساكين فقط)
وذلك للحديث الذي أخرجه أبو داود وابن ماجه بسند حسن عن ابن عباس : " فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر طهره للصائم عن العفو والرفث وطعمه للمساكين" .
وقد علق الشوكاني على حديث ابن عباس فقال : وفيه دليل علي أن الفطره تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة .
· وهذا مذهب المالكية واختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم حيث قال في زاد الميعاد :
وكان من هدية صلي الله عليه وسلم تخصيص المساكين بهذه الصدقة ولم يكن يقسمها علي الأصناف الثمانية قبضة قبضه ولا أمر بذلك ولا فعله أحد من أصحابه ولا من بعدهم بل أحد القولين عندنا أنه لا يجوز إخراجها إلا علي المساكين خاصة وهذا القول أرجح عن القول بوجوب قسمتها علي الأصناف الثمانية ( وهذا هو الراجح)
مسألة : هل يجوز نقل الزكاة من بلد إلي بلد ؟
بوب البخاري باب " أخذ الصدقة من الأغنياء وترد علي الفقراء حيث كانوا ثم ساق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه قال :" قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حيث بعثه إلي اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فأدعهم إلي أن يشهدوا أن لا أله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد علي فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوه المظلوم فأنه ليس بينه وبين الله حجاب " .
قال الحافظ :
قوله باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد علي الفقراء حيث كانوا قال الإسماعيلي : ظاهر حديث الباب أن الصدقة ترد علي فقراء من أخذت من أغنيائهم .
وقال ابن المنذر: اختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله فترد علي فقرائهم لأن الضمير يعود علي المسلمين فأي فقير منهم ردت فيه الصدقة في أي جهة كان فقد وافق عموم الحديث .
هذا وقد اختلف العلماء في هذه المسألة :
فأجاز النقل:- الليث وأبو حنيفة وأصحابهما ونقله ابن المنذر عن الشافعي واختاره ، والأصح عند الشافعية والمالية والجمهور ترك النقل .
فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية علي الأصح
ولم يجزئ عند الشافعية علي الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها ولا يبعد أنه اختيار البخاري لأن قوله حيث كانوا يشعر بأنه لا ينقلها عن بلد وفيه من هو متصف بصفة الاستحقاق ( الفتح 3/257،259 )
الراجح :
قول من قال إن الأولي تقديم فقراء البلد علي غيرهم ، فإن فضل شيء عن حاجتهم نقل إلي غيرهم ممن هو أحوج إليه منهم وكذلك إذا كانت له أقارب أو ذوي رحم فقراء في بلد غير البلد الذي يسكنه فالأولي دفع صدقته إليهم .
وذلك لما أخرجه الترمذي وابن ماجه عن أبي طلحة مرفوعا :
" الصدقة علي المسكين صدقة وهي علي ذى الرحم ثنتان صدقة وصلة" . وفيه ضعف
لكن يشهد له ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث زينب وفيه:
" أتجزي الصدقة عنهما علي أزواجهما وعلي أيتام في حجورهما ؟ فقال صلي الله عليه وسلم نعم وله أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ".
وقال صلي الله عليه وسلم لأبي طلحة كما عن البخاري ومسلم:
" لما جاءه أبو طلحة بصدقته إليه قال: وأني أرى أن تجعلها في الأقربين".
حكم إخراج زكاة الفطر مال (قيمة)
اختلف أهل العلم علي قولين :
الأول : من أجاز إخراج القيمة في الزكاة ( وهو قول مرجوح ولا دليل عليه) .
- وبه قال الثوري وأبو حنيفة
- وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن
- وعن الحسن قال: لا بأسي أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر
- وعن أبي إسحاق قال أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام
- وعن عطاء أنه كان يعطي في صدقة الفطر ورقا (دراهم فضية)
- قال النووي في المجموع قال إسحاق وأبو ثور لا تجوز إلا عند الضرورة
الثاني : من منع إخراج القيمة في الزكاة (وقال تخرج طعام)
- ذكر ابن قدامة في المغني عن الخرقي أنه قال: ومن أعطي القيمة لم تجزئه .
- وقال ابن قدامه – رحمه الله – قال أبو داود : قيل لأحمد – وأنا أسمع أعطي دراهم – يعني في صدقة الفطر- قال : أخاف ألا يجزئه خلاف سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم "مسائل عبد الله بن الإمام أحمد "
- وذكر ابن قدامه أيضا عن أبو طالب قال : قال لي أحمد لا يعطي قيمته قيل له : قوم يقولون عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة ، قال: يدعون قول رسول الله صلي الله عليه وسلم ويقولون قال فلان قال ابن عمر: فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا – شعير : وقال الله تعالي : "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول " ، ثم قال: قوم يردون السنة ويقولون قال فلان وقال فلان ،
وظاهر مذهبه أنه لا يجزئه إخراج القيمة وبه قال مالك والشافعي وقال مالك ( كما في المدونة لسحنون) " لا يجزئ الرجل أن يعطي مكان زكاة الفطر عرضاً من العروض قال : وليس كذلك أمر النبي صلي الله عليه وسلم .
- وقال مالك أيضا كما في الدين الخاص : يجب عن زكاة الفطر صاع من غالب قوت البلد في السنة .
- وكذلك قال الشافعي (نفس المرجع) : يجب في زكاة الفطر صاع من غالبا قوت البلد في السنة .
- وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى : أوجبها الله تعالي طعاما كما أوجب الكفارة طعاما .
- قال الحافظ ابن كثير كما في فتح الباري :
وكأن الأشياء التى ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل علي أن المعتبر والمراد إخراج هذا المقدر من أى جنس .
- قال صاحب كفاية الأخيار (كما في المغني) : وشرط المجزئ من زكاة الفطر أن يكون حبا فلا يجزي القيمة بلا خلاف .
- قال النووي كما في شرح مسلم: " بعدما ذكر أشياء قيمتها مختلفة وأوجب في كل نوع منها صاعا فدل علي أن المعتبر صاع ولا نظرة إلي القيمة وقال : ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة "
- وقال النووي كما في المجموع : لا تجزئة القيمة في الفطرة عندنا وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر .
- وقال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي : ولا يجوز أخذ القيمة في شيء من الزكاة لأن الحق لله وقد علقه علي ما نص عليه فلا يجوز نقل ذلك إلي غيره كالأضحية لما علقها علي الأنعام لم يجز نقلها إلي غيرها ( المجموع ) .
- وقد ذهب إلي منع دفع القيمة كذلك ابن حزم في المحلي فقال: ولا تجوز قيمته أصلا ولا يجوز إخراج بعض الصاع شعير وبعضه تمرا ولا تجزا قيمته أصلا لأن كل ذلك غير ما فرضت رسول الله .
· وذهب الشوكاني في السيل الجرار أنها لا تجزي بالقيمة إلا إذا تعذر إخراجها طعاماً ،وهو ظاهر كلامه في الدراري المضية حيث قدرها بصاع من القوت المعتاد عن كل فرد .
· ومن المعاصرين الذين يوجبون إخراجها طعاما : عامة علماء الحجاز ومنهم :ابن باز ، وابن عثيمين ، والشيخ أبوبكر الجزائري حيث قال في زكاة الفطر لا تخرج من غير الطعام ولا يعدل عنه إلي النقود إلا لضرورة إذا لم يثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم أخرج بدلها نقودا بل لم ينقل عن الصحابة إخراجها نقودا ( منهاج المسلم) .
أدلة المانعية علي عدم خروج زكاة الفطر قيمة (مال)
وهم جمهور أهل العلم
1- زكاة الفطر قربه وعبادة مفروضة من جنس متعين فلا يجزي إخراجها من غير الجنس المعين كما لا يجزي إخراجها في غير الوقت المعين .
قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني – رحمة الله – كما في المغني : الشائع المعتمد في الدليل لأصحابنا أن الزكاة قربة لله تعالي وكل ما كان كذلك فسبيله أن يتبع فيه أمر الله تعالي ولو قال إنسان لوكيله اشتر ثوبا وعلم الوكيل أن غرضه التجارة ووجد سلعة هي أنفع لموكله لم يكن له مخالفته وإن رآه أنفع فما يجب لله تعالي بأمره أولي بالإتباع.
كما لا يجوز في الصلاة إقامة السجود علي الخد والذقن مقام السجود علي الجبهة والأنف والتعليل فيه بمعني الخضوع لأن ذلك مخالفة للنص وخروج علي معني التعبد .
كذلك لا يجوز في الزكاة إخراج قيمة الشاة أو البعير أو الحب أو الثمر المنصوص علي وجوبه لأن ذلك خروج على النص وعلى معني التعبد والزكاة أخت الصلاة .
وبيان ذلك أن الله سبحانه أمر بإيتاء الزكاة في كتابه أمراً مجملاً بمثل قوله تعالي "وآتوا الزكاة" وجاءت السنة ففصلت ما أجمله القرآن وبينت المقادير المطلوبة بمثل قوله صلي الله عليه وسلم في كل أربعين شاة شاة وقوله في كل خمسة من الإبل شاه الخ فصار كأن الله تعالي قال وآتوا الزكاة " من كل أربعين شاةً شاةٌُ " فتكون الزكاة حقا للفقير بهذا النص فلا يجوز الاشتغال بالتعليل الإبطال حقه من العين .
2- إخراج القيمة خلاف ما أمر به رسول الله صلي الله عليه وسلم وفرضه فقد روي أبو داود وابن ماجه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلي اليمن : " خذ الحب من الحب والشاه من الغنم والبعير من الإبل والبقر من البقر "
وهو نص يجب الوقوف عنده فلا يجوز تجاوزه إلي أخذ القيمة لأن في هذه الحال سيأخذ من الحب شيئاً غير الحب ومن الغنم شيئا غير الشاه الخ وهذا خلاف ما أمر به الحديث .
وقد ثبت عن النبي كما في صحيح مسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "
وفي رواية " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد أي مردود "
1- قال ابن قدامه في الحديث"خذ الحب من الحب "
لأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص فلم يجزئه كما لو أخرج الردئ مكان الجيد ( المغني 3/66 ) .
2- وقال الشوكاني في نيل الأوطار ( 4/71) :
وقد استدل بهذا الحديث من قال أنها تجب الزكاة من العين لا يعول عنها إلي القيمة إلا عند عدمها وعدم الجنس .
خيال الابداع @khyal_alabdaaa
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
Oo أم لينــدا oO
•
جزاك الله خير
Oo أم لينــدا oO :جزاك الله خيرجزاك الله خير
واياك اختى الغالية ومنورررة وكل عام وانت بخير ...
الصفحة الأخيرة