أخي الحبيب
كلنا ذوو ذنب ، وكلنا ذوو خطيئة ، وكلنا ذوو معصية ، قال صلى الله عليه وسلم (( كل ابن أدم خطاء وخير الخطائين التوابين ))
والإنسان بطبعه ضعيف الإرادة وقد تغلبه نفسه ويضعف أمام الشهوات والمغريات ويميل إلى المعصية ، فإذا رأيت أخي الحبيب من نفسك شيئا من هذا الضعف ورأيت منها ميلا إلى المعصية فتذكر قبل ارتكاب المعصية أن الله يراك ومطلع عليك فهو العليم الخبير وهو السميع البصير قال تعالى : ( يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)(النحل: من الآية19) ويسمع كلامك ويرى مكانك ويعلم سرك ونجواك ، فهو سبحانه معك بعلمه واطلاعه فأحذر كل الحذر أن تجعل الله أهون الناظرين إليك وأحقر المطلعين عليك 0
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ****** خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ****** ولا أن ما تخفى عليه يغيب
واحذر أيضا أن تكون ممن يراقبون العباد وينسون رب العباد ، يخشون الناس وينسون رب الناس قال تعالى:
( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إ)(النساء: من الآية108) يستعظمون نظر المخلوق على هوانه ويستخفون بنظر الخالق مع علو شأنه 0
فيا من تعصى الله أي أرض تقلك وأي سماء تظلك إلا أرض الله وسماؤه ، وأي مكان يحميك من أن يراك ويطلع عليك وينظر إليك فهو تعالى يراك فاجعل له في قلبك وقارا ، وإذا حدثتك نفسك بالمعصية أيا كانت هذه المعصية فقل لها ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) (العلق:14)
أخي الحبيب :-
قبل أن تعصى الله تذكر من أنت ؟! من أنت أيها المسكين حتى تعصى إله الأولين والآخرين ورب العالمين ؟! من أنت أيها الضعيف الذي لا تملك لنفسك نفعا ولا ضررا ولا حولا ولا طولا حتى تعصى القوى العزيز الذي خضع له كل شي وملأت كل شي عظمته وقهر كل شي ملكة وأحاطت بكل شي قدرته ، تذكر من أنت وهو العظيم الذي تعصيه وأنت فقير محتاج إليه ؟! ويقدر ما يعظم قدر الله في قلبك يعظم مكانك عنده قال تعالى ( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ )(الحج: من الآية30)
أخي الحبيب :-
قبل أن تعصى الله تذكر نعمة الكثيرة عليك ( يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار:6 ، 8) خلقك الله من عدم ، وشفاك من سقم ، وأسبغ عليك وافر النعم ، أطعمك من جوع وكساك من عرى وأرياك من ظمأ قال تعالى ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)(إبراهيم: من الآية34) فكيف يا عبد الله تبدل نعمة الله كفرا ؟! وفضله وجوده عليك جحودا ونكراً ؟ ! كيف تقابل الإحسان بالنكران ؟ ! والعطايا بالخطايا ؟ ! كيف تعصى الله وأنت تتقلب في نعمة ؟ وهل تعصيه إلا بنعمه ؟ فبأي وجه تلقى الله وقد أعطاك ومنحك وأكرمك ووهبك هذه النعم ثم تأتى وتعصيه بها ؟ ! أما تخاف من عقابه ؟ وتجزع من عذابه ؟ وهو القادر على أن يسلبها منك كيفما شاء ومتى شاء ، فكم من نعمة أسبغها الله على صاحبها فبدلها كفرا وأعقبها نكرا فكانت نهاية صاحبها خسرا ( ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (سـبأ:17) 0
أخي الحبيب
يا من تعصى الله تذكر انك تعصى الله في ملكة وفوق أرضه وتحت سمائه فهل ترضى أنت أن تعصى في بيتك وملكك وسلطانك ؟ ! أما تخاف أن يطردك الله من رحمته ويحرمك من مغفرته بعد أن بارزته في ملكة بمخالفة أوامره وارتكاب محارمه ؟ ! هل ضمنت أيها العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى أن الله قد غفر لك ذنبا واحدا من ذنوبك الكثيرة ؟ أما تخاف أن يكون الرب قد غضب عليه عندما تطاولت على حدوده وقدمت مرادك على مراده وقال : اذهب فبعزتي وجلالي لا اغفر لك أبداً0 تأكل وتشرب وتضحك وتفرح وتمرح والله من فوق سمواته وعرشه غاضب منك ساخط عليه؛ فويل لمن كان له الويل وهو لا يشعر !!0
أخي الحبيب
تذكر أن الله شديد العقاب ، وانه عزيز ذو انتقام ، ولا يرد باسه عن القوم المجرمين ، وانه يغار إذا انتهكت محارمه ، وما أهلك الأمم السابقة إلا أنهم تعدوا حدود الله وانتهكوا حرماته وبارزوه بالمعاصي ، وما من مصيبة تلم بالعبد ولا عقوبة تقع عليه إلا بسبب بعض ذنوبه ومعاصيه ولو يؤاخذ الله العبد بكل سيئاته ( مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ )(فاطر: من الآية45) ولكنة أهل التقوى وأهل المغفرة 00 وما أكثر أولئك الذين اعتمدوا على رحمة الله تعالى وعفوه وكرمة وجوده فضعوا أوامره وارتكبوا نواهيه، ونسوا انه أيضا شديد العقاب ، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند ، لان حسن الظن بالله ورجاء العفو والمغفرة تنفع من تاب وندم واقلع عن الذنب وبدل السيئة، أمام من يرجو رحمة الله ولا يطيعه ولا يمتثل أمره فهذا من الخذلان والحمق 0
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ****** أن السفينة لا تجرى على اليبس
وإن من أعظم الاغترار طلب دار المتقين المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل ، ويستحيل في حق الله العادل أن يساوى بين البَرْ والفاجر وبين المحسن والمسيء قال تعالى )أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (الجاثـية:21) قال تعالى : )ِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)(صّ: من الآية28)
أخي الحبيب :
تذكر يوم تشهد عليك الشهود وتفضحك فيه الجوارح فأين يكون مهربك والى أين يكون الملتجأ ؟ والشهود منك والشهادة يا مسكين !! تعصى الله بها ومن أجلها وتذود عنها ، ثم تأتى يوم القيامة تشهد عليك ! وتذكر أيضا المكان الذي عصيت الله فيه يأتي يوم القيامة شاهدا عليك وتذكر أن الزمان عليك ! وتذكر أن الله ارصد لك وبك ملائكة كراما يرونك من حيث لا تراهم ويعلمون ما تقول وما تفعل، ( يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار:12) ويوم القيامة عليك يشهدون عليك فأين المهرب من كل هؤلاء الشهود ؟!0
أخي الحبيب :
تذكر الإحصاء والكتابة عندما يذوب قلبك كمداً وحزناً وينحرق أسفا ولوعه عندما تنشر صحفك المطوية بأعمالك المخزية، أنت نسيتها ولكن الديان لا ينسى قال تعالى: ( أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ )(المجادلة: من الآية6) 0
لم ينسه الملكان حين نسيته ****** بل سجلاه وأنت لاه تلعب
سترى هذه الأعمال حين تأتى ساعة الندم ، حينما تذهب اللذات وتبقى الحسرات !حينما تذهب الشهوات وتبقى التبعات !
فتذكر كتابا يبسط وينشر بين يديك وكل ما فيه لك أو عليك وتذكر أن كل لفظ تقوله وكل فعل تفعله وكل حركة تصدرها مسجلة عليك وستراها يوم القيامة أمام ناظريك ، فاعمل وقل ما يسرك أن تراه يوم تلقى الله يوم القيامة 0
أخي الحبيب :
تذكر الاستدراج من الله وانه سبحانه يمهل ولا يمهل فاحذر أن تكون من أولئك الذين أمدهم الله بالصحة والنعم وهم مقيمون على المعاصي والزلل ويحسبون أن لهم كرامه ومنزلة عنده وهم سقطوا من عينه وهانوا عليه، قال تعالى ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (المؤمنون:55 ،56) فلا يغررك من الله طول حمله عليك وستره إياك ، فربما كان إمهاله لك مكر بك واستدراجا حتى تزداد بالإمهال إثما فيزداد عذابك، واحذر أن يكون الله قد مكر بك في إحسانه لك فتناسيت وأمهلك في غيك فتماديت وسقطت من عينه فما دريت ولا باليت0
تذكر الموت وسكرته، والقبر وظلمته ، والميزان ودقته، والصراط وزلته والحشر وأهواله
تذكر يوم القيامة يوم الحشر والندامة الذي تكون دعوى الأنبياء وهم الأنبياء في ذلك اليوم نفسي نفسي لا أسالك إلا نفسي ، اللهم سلم سلم ، فأي حال يكون حالك أنت ؟ وأي مقال يكون مقالك في تلك اللحظات الرهيبة التي تأتى فيها تحمل وزرك الذي بارزت الله به ليلا ونهارا ، سرا وجهاراً، انه موقف الذل والخزي ، فبأي وجه تلقى الله وأنت قد خالفت أوامره وانتهكت حدوده، فهل أعددت الحجة وجهزت الجواب للسؤال0
أخي الحبيب :
يا من تعصى الله أن الله خلقك لغاية عظمة ومهمة جسيمة ولم يخلقك عبثا ولن يتركك سدى قال تعالى ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون:115) وقال تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56) وقد منحك الله الوقت وأمهلك فيه حتى تتزود فيه من الطاعات فـإذا بك ويا للأسف تنقلب على وجهك وتنكص على عقبيك فتبارزه بالذنوب والمعاصي وكلما طالت أيامك زادت آثامك وعظمت ذنوبك والديان لا ينسى فاحذر أخي من أن تستمر في غيك ولهوك وإعراضك إلى أن ينقضي زمن المهلة ويأتي زمن النقلة ولا تصحوا إلا على صائح الموت يحدو، وهناك في موضع الندم ومكان الحسرة والألم عندما يهجم عليك الموت فينكشف عنك الغطاء وتقبل على الآخرة بما فيها من الأهوال العظيمة ،وتسكب العبرات ترجو الرجوع ولا رجوع قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (المؤمنون:99) فيا قبح الحال ويا بئس المال 0
أخي الحبيب :-
تذكر انك عندما عصيت الله كأنك قد انهزمت في المعركة وخسرت الجولة مع أعدى أعاديك، ذلك العدو الذي لا يألوا جهداً في أن يرديك في الهاوية قال تعالى : ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (صّ:82 ،83) فهل تريد أنت أن تكون عباد الرحمن المخلصين فتنعم ببرد ورضا الرب وتقاد إلى دار الجنان والسعادة والأمان !! أم ترغب في أن تكون من أتباع الشيطان فتعيش في ظلمة المعصية وتساق إلى دار العذاب أم ترغب في أن تكون من أتباع الشيطان فتعيش في ظلمة المعصية وتساق إلى دار العذاب والهوان والنيران ؟!!0
أخي الحبيب :
أن طريق الجنة محفوف بالمكاره، وهو عقبة كؤود ومرتقى صعب لا يتجاوزه الأكل مخفف من الذنوب والسيئات فهل تريد أنت الجنة وما فيها من النعيم وأنت على المعاصي مقيم وهل تريد سعادة الدنيا والآخرة وأنت متنقل من معصية إلى معصية.
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجى ****** درج الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله اخرج ادم ****** منها إلى الدنيا بذنب واحد
أخي الحبيب:
قد أن لك آن تقلع وتتوب من كل الذنوب وان تلتزم بالطاعة التي يعزك الله بها والتي فيها سعادتك في الدنيا والآخرة ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ )(الحديد: من الآية16) ..... بلى والله قد آن...... قد آن… قد آن
وختاما أخي هذه نصيحتي لنفسي ولك وكلنا ذوو خطأ.
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسن فقط.
عسى الله أن ينفعنا بها جميعا وان يجعلنا ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه انه ولي ذلك والقادر عليه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
اسيرالحزن @asyralhzn
عضـو
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
نصر
•
الاخت اسيرالحزن موضوع ممتاز بارك الله فيك..
الصفحة الأخيرة