اذا رايت من يسب الهيئة فاتهمه على الاسلام

الملتقى العام



أطلق السلفُ رحمهم اللهُ عباراتٍ مثلَ هذه بخصوصِ عددٍ من الأئمةِ الأكابرِ كإمامِ أهلِ السنةِ والجماعةِ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلَ رحمهُ اللهُ ، فأحمدُ كان السدَّ المنيع الذي حمى اللهُ بهِ الأمةَ من انتشارِ بدعةِ خلقِ القرآنِ . فمن أبغضهُ بعد هذا فلا يبغضهُ إلا لموقفهِ رحمهُ اللهُ .

وأنا سأقولُ عبارةً قريبةً من هذا ، وهي : ' إذا رأيت من يسبُ هيئةَ الأمرِ بالمعروفِ فاتهمهُ على الإسلامِ .

وإذا كان الإمامُ أحمدُ وقف في وجهِ انتشارِ بدعةِ خلقِ القرآنِ ، فإن الهيئاتِ وقفت في وجهِ انتشارِ الرذيلةِ والفجورِ .

وانتشارُ الرذيلةِ ليست بأقل خطرٍ من انتشارِ البدعةِ . والقولُ أن البدعَ أكبرُ من المعاصي بإطلاقٍ قولٌ غيرُ صحيحٍ ، فلا ريب أن بعضَ المعاصي أشدُّ من بعضِ البدعِ .

والهيئاتُ تقومُ بسدِ ثغرٍ كبيرٍ جداً يحاولُ مرضى القلبِ والخلقِ من الناسِ النفوذَ من خلالهِ لإفسادِ دينِ أبناءِ وبناتِ هذه البلادِ المباركةِ .

ولم أكتبِ المقالَ لذكر مآثر الهيئاتِ ، ويعجزُ قلمي عن ذلك ، فأي مدادٍ يعجزُ عن هذا ، فقد قدموا الكثيرَ لهذهِ البلادِ .

وإني أقولُ بكلِ ثقةٍ : إن من أسبابِ بقاءِ هذه البلادِ بعيدةً عن الهلاكِ العامِ الذي أصاب كثيراً من البلادِ هو وجودُ هؤلاءِ المخلصين وفقهم اللهُ وأسكنهم الجنة ، قال تعالى : ' وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ' ، وقد سألت أم المؤمنين زَيْنَبُ بنت جحش رضي الله عنها رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ فقَالَ : نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ .

فقد كُتِبَ على هذه الأمةِ الهلاكُ إن خلتْ من المصلحين ، ولو بقي فيها صالحون ، وتسميتهم بالصالحين باعتبار صلاتهم وصيامهم ، وإلا أي صلاحٍ ودينٍ مع من ترك الأمرَ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ ؟؟!.

وهناك فرقٌ بين نقدِ بعضِ أعضاءِ الهيئة باعتبارِ خطأٍ وقعوا فيه ، وبين نقدِ كلِ الجهازِ باعتبارِ أنهُ يتدخل في شؤونِ الناسِ الخاصةِ ، أو تزمت القائمين عليه حسب زعمهم .

وخذ مثالاً على ذلك : كذبُ صحيفة خليجية الصِرفْ في اتهامهم رجالَ الهيئةِ بمنعِ رجالِ الدفاعِ المدني من دخولِ المدرسةِ التي تعلق بها قرارُ الدمجِ ، وسُفِكَ على إثره دمُ الرئاسةِ العامةِ لتعليمِ البناتِ رحمها الله ، أقول:هَذَى القائمون على هذه الجريدة هَذْياً باردا سمجا ، والهدفُ قذفُ الهيئاتِ لعلها تتبعُ شقيقتها الرئاسة .

ولا تَذكُرْ أمانةَ الصحافةِ ، وشرفَ المهنةِ ، فأنت أمام صحيفةٍ تستخفُ بعقولِ الناسِ .

وقد تنقلُ بعضُ الصحفِ أن أعضاءِ الهيئةِ قفزوا على منزلِ فلانِ بنِ فلانٍ للتحقيقِ معهُ وزوجته للتأكدِ من كونها زوجته !!.

فيسألونهما عن عددِ فناجينِ القهوةِ ، ووسائدِ المجلسِ للتأكدِ من صحةِ عقدِ النكاحِ !!.

أو أنهم أحاطوا بفلانٍ الذي كان على الكورنيشِ برفقةِ أمهِ أو جدتهِ مثلاً !!.

وذنبُ هذا المسكينِ برهُ بهما !!.

وغيرها من الحكاياتِ التي تصلحُ لإضحاكِ الثكالى .

وهب أنهُ وقع بعضُ ذلك ، أفلا يسعُ هذا الجهازِ ما وسع غيرهُ من الأجهزةِ ؟؟

ولننظر مثلاً لجهازِ المرورِ ، ومن طرائفِ المرورِ أنه قد سُجلت على سائقنا مخالفةٌ في تبوك ، وهو لم يصل هذه المنطقةَ ، إلا إن كان في منامهِ فقط ، ولكن ادفع ثمنَ المخالفةِ بالتي هي أحسن .

ولو تركنا الجهاتِ الحكوميةِ وهذا أسلم ، وانتقلنا لشركةِ الهاتفِ ، وما أدراك ما شركةُ الهاتفِ فهي صاحبةُ السبقِ في الأخطاءِ ، أو شركةُ الكهرباءِ ، وأنا ممن يئنُ من أخطاءِ شركةِ الكهرباءِ التي حملتنا معاشرَ سكانِ إسكانِ الدمامِ أنوار الشوارعِ فضلاً عن المصاعدِ ، وندعو الله ألا تحملنا أسعار الحواري القريبةِ أيضاً .

عموماً الخطأُ من الجميعِ ممكنٌ ، رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا .

ولكن الفرقُ أن أخطاءَ الهيئاتِ - لو وقعت - فهي تحت مجهرٍ يرى ما يشتهي ؛ ولسانٍ سليطٍ سليط ظلوم غشوم لا يرقب في مؤمن إِلاًّ وَلا ذِمَّةً، وأخطاءُ غيرهم مستورة مغفورةٌ بكثرةِ حسناتهم !!.

ويصدقُ في هؤلاءِ قولُ ربنا : . فألسنتهم حداد على الهيئات وحدها!! .

وكان الأجدرُ معاملةَ الجميعِ بالسويةِ ، ولكن وراء الأكمةِ ما وراءها .

ومنِ الناسِ مثلُ الجُعلان لا يحبُ أن يعيشَ في مكانٍ طاهرٍ ، بل لا يحتملُ ذلك ، فهو يجدُ راحتهُ في المزابلِ.

فتجدُ أحدهم يتمعرُ وجهُهُ غضباً للشيطانِ أن منّ اللهُ بإنقاذِ عرضِ صبيةٍ غُرر بها ، أو إفسادِ صفقةِ ترويجِ مخدراتٍ ، أو إتلافِ مسكراتٍ ، أو دُوهِمت بعضُ الاستراحات ؛ وما هي إلا حاناتٌ ومواخير سميت بغيرِ اسمها .

وقد وجدتهم كالطبيبِ يقدمُ الدواءَ أحيانا ، وقد يترجحُ عنده أن يُعْملَ المشرطَ في بعضِ الجسدِ ليسلم الباقي .

وهم دائماً للسترِ أقربُ من الفضحِ ، وتقديمُ البنتِ المغررِ بها لوالدها أحسنُ من تركها لمن يبتزُ شرفها .

وهم يقدمون على أوكار الرذيلة ومصانع الفجور كالأسود الضارية ،وقد علم بعضهم أنه قد يطلق عليه الرصاص أو يقتل كما فُعِلَ ببعض أصحابهم من قبل، وأقول لهم : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ .

وتعجبُ إذا سمعت من وسمهم بالجبنِ والخوفِ ، ولكن إذا علمت أن هناك من يرى النهارَ ليلاً ، والفأرةَ لبؤةً ، علمت أن العيبَ من عينهِ ، أو قلبهِ الذي مُلء بغضاً ، فكأنهُ يسفُ المل كلما ذكر الهيئةَ .

ويصدقُ على مثلِ هذا قولُ الشاعرِ :

إذا عيّر الطائيَ بالبخلِ مادرٌ *** وعيّر قسّاً بالفهاهة باقلُ
وقال الدجى للشمس:أنتِ كسيفةٌ *** وقال السهى للبدر وجهك حائلُ
وطاولت الأرض السماء سفاهة *** ونافست النجم الحصى والجنادلُ
فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ *** ويا نفس جدي إن دهرك هازلُ

ولا ريب أن مَن مسهُ عصا الهيئةِ يبغضها ، لأنهُ ربما ذكرَ أثرَ عصاهم على ظهرهِ ورجلهِ ، وربما أفسدوا عليه أو عليها سهرةً إبليسيةً قد أوغل فكرهُ في لذتها ، فوجدهم بالمرصادِ .

وأنا أجزمُ لو أن هذه السهامَ المسمومةَ التي وجهت لهم ، لو وجه رُبعُها لغيرهم من الأجهزةِ لما بقي منهم واحدٌ ، خاصةً من قلةِ رواتبهم ، ومشقةِ أعمالهم ، وغياب الحوافزِ الدنيوية ، ولكنهم طمعوا بفضلِ الكريمِ الرحمنِ الرحيمِ ، وهو أهلُ الثناءِ والمجدِ ، وهو عند ظنِ عبدهِ بهِ.

وهؤلاء الناقمون الشاتمون الساخرون المبغضون للهيئات يصفهم الشاعر بقوله :

كناطح صخرةً يوماً ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعلُ
فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ *** ويا نفس جدي إن دهرك هازلُ

أو كما قال الآخر:

يا ناطح الجبل العالي ليكلمه أشفق على الرأس لاتشفق على الجبلِ

وأقولُ لأهلِ الحسبةِ ، إن سمعتم القدحَ ، والشتمَ ممن يعاقرُ الفجورَ ، فاعلموا أن طريقكم صحيحٌ ، لأن النهي عن المنكرِ ثقيلٌ على أنفسهم ، ورددوا قول الله : ، وإن سمعتم من أمثالِ هؤلاءِ الثناءَ بالجميلِ ، فاتهموا أنفسكم .

وإن كان يحركُ بعضُ الناسِ رغبةً في دنيا ، فأنتم يحرككم ما عند اللهِ ، وهو خيرٌ وأبقى .

وأذكركم بقولِ الشاعرِ :

فيما يضير البحرُ أمسى زاخراً *** أن رمى فيه غلامٌ بحجر

ولا تشغلوا أنفسكم بهم ، فهم أقل شأناً من ذلك ، ولا يلتفتُ منكم أحدٌ ، وصدق في هؤلاءِ الناقمين قولُ الشاعرِ :

لو أن كل كلبٍ عوى ألقمتهُ حجراً *** لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ

وإذا سمعتم أي شانئ ، بغيضٍ ينهشُ أعراضكم ، نهش الضباعِ الضاريةِ ، فقولوا بأعلى صوتكم : اللهُ مولانا ولا مولى لكم .

وبعد هذا ؛ لا يقلْ ثقيلُ الفهمِ قليلُ الإدراكِ : إنّ مِنْ أعضاءِ الهيئةِ من ظلمني ، أو قد تعسف عليّ فلانٌ منهم ، أو غيرها ، فكلامي على الأعمِ الأغلبِ ، والشاذُ لا حكم لهُ ، وإذا بلغ الماءُ القلتين لم يحملِ الخبثَ .


كتبه عبد الرحمن بن محمد بن علي الهرفي
الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الدمام
16
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

دلوعة خليفة
دلوعة خليفة
جزاك الله خير
الامل الاسيف
الامل الاسيف
جزاك الله خير
جزاك الله خير
أم حبوبي
أم حبوبي
جزاك الله خير يالغالية.. على النقل الموفق ولا حرمك الاجر..

وجزى الله الكاتب خير الجزاء..


أعجبتني هذه الابيات التي أتت في موضعها...

يا نــــاطح الجبل العـالي ليكلمه***** أشفق على الرأس لا على الجـبلِ
.
.
.


لوأن كل كلبٍ عــوى ألقمتهُ حجراً **** لأصـــبح الصخرُ مثقـــالاً بـديـنارِ
فديت التميمية
بارك الله فيكم
عيون اديم
عيون اديم
بارك الله فيكم
بارك الله فيكم
بارك الله فيك اختي التميمية وكثر الله من امثالك


واتمنى مجرد امنية ان يعطى رجال الهيئة صلاحيات اكثر من الموجود حاليا


لكي يستاصلوا الشرررررررررررررر من جذوره


ووفق الله الجميع لما يحب ويرضى