بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين ، أما بعد :
اليك أخي الحبيب واختي الحبيبة نصيحة خالصة لوجهه الكريم ، فأنت ممن نحبهم في الله ، فإن حرصك على الصلاة علامة خير وطريق استقامة ، وهي استجابة لنداء خالقك وبارئك الذي ترجو رحمته وتخاف عذابه ، فاحمد الله عز وجل أنك لم تكن ممن ضيعها وفرط فيها فورد المهالك ، قال صلى الله عليه وسلم "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" رواه أحمد وأبو داود . بل أبشر يا أخي بحديث يسر قلبك ويؤنس خطوتك قال صلى الله عليه وسلم " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " وذكر منهم رجل قلبه معلق في المساجد " متفق عليه
وأبشر– أخي المصلي – وأنت تسير في ظلام الليل الدامس بنور تام يوم القيامة كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة " رواه أبو داود والترمذي . إننا نفرح حينما نرى تلك الوجوه النيرة تتسابق إلى بيوت الله ، فيهم كبير السن الذي أثقلته السنون ، والشاب الذي ولى وجهه عن الملهيات والفتن ، وفيهم أمل الأمة : طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره يسابق الجميع إلى الصف الأول ، فالحمد لله على هذا الفضل العظيم.
مظاهر تسئ إلى الصلاة :
------------------------
1 – عدم الطمأنينة وتأدية الصلاة بسرعة وعجلة ونقرها كنقر الغراب .
2 – العبث بالسجادة أو الحصى وتقليب العين في النقوش والزخارف .
3 – الالتفاف في الصلاة ورفع البصر إلى السماء .
4 – السهو في الصلاة وعدم التركيز فلا يدري على كم ينصرف من الركعات .
5 – كثرة الهواجس والخواطر وذكر أمور الدنيا في الصلاة .
6 – العبث بالساعة والنظر إليها أو إصلاح أطراف الثوب وتحريك العباءة ورفع الشماغ أو الحجاب وإصلاحة مرات ومرات .
7 – مسابقة الإمام في الركوع والسجود.
وهناك مظاهر أخرى توحي بعدم الطمأنينة والخشوع في الصلاة يلحظها كل مصلى قد ذمها الله عز وجل في كتابه الكريم ، وعلى لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
أخي المصلي ، ما أتيت إلى هذا المسجد إلا طاعة لله عز وجل وامتثالا لأمره ، فما بالك تضيع ذلك بكثرة الحركة والغفلة في الصلاة ، ألم تعلم أن الخشوع هو روح الصلاة ومادة حياتها وإنسان عينها ، وهو ثمرة الإيمان وطمأنينة النفس ، وإنك ربما تنصرف ولم يكتب لك من صلاتك إلا الشئ اليسير ؟
قال صلى الله عليه وسلم : إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها " رواه أبو داود والنسائي . " ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب ، وافتراش السبع ، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير " رواه أحمد وأبو داود وغيرهم .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته ، قالوا يا رسول الله: وكيف يسرق من صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها " رواه أحمد . وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا ينظر الله إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده" وقال صلى الله عليه وسلم : تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا . رواه مسلم .
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فيه ، فصلى الرجل ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فرد عليه السلام ثم قال له : ارجع فصل فإنك لم تصل . فرجع فصلى كما صلى ، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام ثم قال : ارجع فصل فإنك لم تصل ، ثلاث مرات ، فقال في الثالثة : والذي بعثك بالحق يا رسول الله ما أحسن غيره فعلمني . فقال صلى الله عليه وسلم :
" إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم اجلس حتى تطمئن ساجدا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، وافعل ذلك في صلاتك كلها " .
وروى البخاري عن حذيفة بين اليمان رضي الله تعالى عنه أنه رأي رجلا يصلي ولا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها فقال له حذيفة : ما صليت ، ولو مت وأنت تصلى هذه الصلاة ، مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم .
وروى الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود " رواه أبو داود والترمذي ، وفي رواية أخرى : حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود" .
وهذا نص عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن من صلى ولم يقم ظهره بعد الركوع والسجود كما كان ، فصلاته باطلة ، وهذا في صلاة الفرض ، وكذا الطمأنينة أن يستقر كل عضو في موضعه .
وقال صلى الله عليه وسلم " خمس صلوات كتبهن الله على العباد ، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن ، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة " رواه أبو داود والنسائي .
•قال تعالى : قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون . المؤمنون (1-2 )
أي خائفون ساكنون ، والخشوع هو السكون والطمأنينة واالتؤدة والوقار والتواضع ، والحامل عليه هو الخوف من الله ومراقبته ، والخشوع أيضا هو قيام القلب بين يدي الله بالخضوع والذل. ويروى عن مجاهد أنه قال : (وقوموا لله قانتين ) البقرة 138 . فمن القنوت : الركوع وطول الركود – يعني طول القيام – والخشوع وغض البصر وخفض الجناح من رهبة الله عز وجل.
والخشوع في الصلاة : إنما يحصل لم فرغ قلبه واشتغل بها عما عداها وآثرها على غيرها ، وقد ذكر الله عز وجل الخاشعين والخاشعات في صفات عباده الأخيار ، وأنه أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما .
من أحوال الخاشعين في الصلاة :
-------------------------------
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر : إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة ، قيل : وكيف ذلك ؟ قال : لا يتم خشوعها ولتواضعها وإقباله على الله عز وجل .
هذا قول عمر بن الخطاب في صدر الاسلام ، ماذا عن واقعنا نحن اليوم ، والكثير – إلا من رحم ربي – تذهب به أحوال الدنيا كل مذهب ، فهو يصلي ببدنه ولكنه يذهب بفكره إلى الدنيا وأسواقها ، يبيع ويشتري ويزيد وينقص، وما ذاك إلا من الغفلة .
قال الحسن : سمعهم عامر بن عبد قيس وما يذكرون من ذكر الضيعه في الصلاة ، قال : تجدونه؟ قالوا : نعم، قال: والله لئن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلي أن يكون هذا في صلاتي .
أخي الحبيب ، اختي الحبيبة : أين نحن من هؤلاء ؟ هذا عبد الله بن الزبير يركع فيكاد الرخم أن يقع على ظهره ويسجد فكأنه ثوب مطروح . إننا نستغرب من ذلك الخشوع وتلك الطمأنينة وما ذاك إلا لأننا لا نرى هذا في واقع حياتنا ، وإلا فإن العنبس بن عقبة كان يسجد حتى تقع العصافير على ظهره فكأنه جذم حائط .
ونسير مع الصالحين فهذا أبو بكر بن عياش يقول : رأيت حبيب بن أبي ثابت ساجدا ، فلو رأيته قلت ميت ، يعني من طول السجود . أما ابن وهب فقد قال : رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب، صلى ثم سجد سجدة ، فلم يرفع حتى نودي بالعشاء . فلم يكن يشغلهم عن الصلاة شاغل ، ولم يكن بينهم وبين الله حائل ، فالإنتباه مقتصر على الصلاة والخشوع لله والتذلل بين يديه .
فقد صلى أبو عبد الله النباجي يوما بأهل طرسوس ، فصيح بالنفير ، فلم يخفف للصلاة ، فلما فرغوا قالوا : أنت جاسوس ، قال : ولم ؟ قالوا : صيح بالنفير وأنت في الصلاة فلم تخفف . قال ما حسبت أن أحدا يكون في الصلاة فيقع في سمعه غير ما يخاطب به الله عز وجل . وكان الإمام البخاري يصلي ذات ليلة ، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة ، فلما قضى الصلاة ، قال : انظروا ماذا آذاني .
وعن ميمون بن حيان قال : ما رأيت مسلم بني يسار متلفتا في صلاته قط خفيفة ولا طويله ، ولقد انهدمت ناحية المسجد ففزع أهل السوق لهدته وإنه في المسجد في صلاته فما التفت.
وعندما سئل خلف ابن أيوب : ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها ؟ قال : لا أعود نفسي شيئا يفسد علي صلاتي ، قيل له : وكيف تصبر على ذلك ؟ قال : بلغني أن الفساق يصبرون تحت أسواط السلطان ، فيقال : فلان صبور ويفتخرون بذلك ، فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابه؟
وهذا أبو طلحة رضي الله عنه صلى في حائط وفيه شجر فأعجبه دبسي – وهو طائر صغير – طار في الشجر يلتمس مخرجا ، فأتبعه بصره ساعة ، ثم لم يدر كم صلى ؟ فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابه من الفتنه ، ثم قال يا رسول الله هو صدقة فضعه حيث شئت .
قال أبو القاسم بن محمد : غدوت يوما ، وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة – رضي الله عنها – أسلم عليها ، فغدوت يوما إليها فإذا هي تصلي الضحى وهي تقرأ ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) الطور 27 . وتبكي وتدعو وتردد الآية فقمت حتى مللت وهي كما هي ، فلما رأيت ذلك ذهبت إلى السوق فقلت : أفرغ من حاجتي ثم أرجع ، ففرغت من حاجتي ثم رجعت وهي كما هي تردد الآية وتبكي وتدعو .
وعن حاتم الأصم – رحمه الله – أنه سئل عن صلاته فقال : إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي ، ثم أقوم إلى صلاتي ، وأجعل الكعبة بين حاجبي ، والصراط تحت قدمي ، والجنة عن يميني والنار عن شمالي ، وملك الموت ورائي ، أظنها آخر صلاتي ، ثم أقوم بين الرجاء والخوف ، وأكبر تكبيرا بتحقيق ، وأقرأ قراءة بترتيل ، وأركع ركوعا بتواضع ، وأسجد سجوادا بتخضع ، وأقعد على الورك الأيسر ، وأفرش ظهر قدمها ، وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص ، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا ؟ .
وهذه وصية بكر المزني تنادي بالحرص على الصلاة واتمامها على وجهها الصحيح إذ قال: إذا أردت أن تنفعك صلاتك ، فقل : لا أصلي غيرها .
ورغم تلك العناية بالصلاة وشدة المحافظة عليها فإن عثمان بن أبي دهرش قال : ما صليت صلاة قط إلا استغفرت الله تعالى من تقصيري فيها .
إخواني .. لله أقوام امتثلوا ما أمروا ، وزجروا عن الزلل فانزجروا ، جن عليهم الليل فسهروا ، وطالعوا صحف الذنوب فانكسروا ، وطرقوا باب المحبوب واعتذروا (إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزين ) المؤمنون 111 .
ولكن كيف السبيل إلى الخشوع في الصلاة ؟ وما هي الوسائل التي تعين على ذلك ؟ هناك أخواني المصلين أسباب يرجى لمن فعلها أن يرزق الخشوع في الصلاة وهي على قسمين :
أولا : أسباب لا تتعلق بالصلاة وهي :
-----------------------------------
1 – توحيد الله عز وجل في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته .
2 – تعظيم الله عز وجل والإخلاص له ومراقبته في السر والعلانية .
3 – تجريد الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم .
4 – تقوى الله بفعل المأمورات وترك المحظورات .
5 – أكل الحلال الطيب والبعد عن الحرام وتجنب الشبهات .
6 – الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل بأن يرزقنا الخشوع .
7 – صحبة الخاشعين ومسايرتهم .
ثانيا : أسباب تتعلق بالصلاة منها :
--------------------------------
1 – اجمع نفسك واحضر قلبك قبل الدخول في الصلاة .
2 – استشعار عظمة من ستقف أمامه وهو الله عز وجل .
3 – الرجاء في الحصول على ثواب الصلاة كاملا .
4 – احسان الوضوء ، وعدم ترك الأعقاب وعدم الاسراف .
5 – تهيأ قبل الدخول في الصلاة "فلا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان" رواه مسلم
6 – الحذر من التهاون في أداء الصلاة مع الجماعة والسعي لها من الأذان .
7 – لا تدع النوافل وبخاصة الرواتب كالوتر وسنة الفجر وعليك بقيام الليل .
8 – تفكر في معاني الآيات والأذكار التي تقرأها وترددها .
9 – لا تتعجل في صلاتك ، ولا تكن الصلاة أهون شئ عندك تؤديها كيفما شاء .
10- التأدب في الصلاة بعدم الحركة أو الالتفاف أو العبث المنهي عنه .
11- التزم بأحكام الصلاة وآدابها ، واجعل نظرك في موضع سجودك . قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي . رواه البخاري
12 – تابع الإمام فإنما جعل الإمام ليؤتم به .
13 – فرغ قلبك من شواغل الدنيا فهي كلها بما فيها من فتن وشواغل لا تساوي عند الله جناح بعوضه .
14 – تجنب الصلاة في الأماكن التي فيها آلات اللهو أو التصاوير أو تشويش أو أصوات ولغط.
15 – صل صلاة مودع فكل من نعرفهم رحلوا ، وأنت لا بد منهم .
أخي المسلم – أختي المسلمة
قال صلى الله عليه وسلم : ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة ، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها ، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة . وذلك الدهر كله . رواه مسلم .
جعل الله لنا من العمل أصوبه وأخلصه ومن الأجر أتمه وأكمله . اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعاء لا يستجاب له ، اللهم تجاوز عن سيئاتنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات وصل الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة .
من مطبوعات دار القاسم
عبد الملك القاسم
ارجع فصل فإنك لم تصل
إلى الفردوس الأعلى @al_alfrdos_alaaal
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
غلوو تــــن
•
الله يسلم الآدين اللى أكتبت ويعطيج العافيه
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
قمر 14
غلاية
دموع الاسلام
جزاكن الله تعالى خيرا أخواتي الغاليات على الردود وبارك الله تعالى فيكن وغفر لي ولكن ما تقدم من ذنبنا وما تأخر
:26:
قمر 14
غلاية
دموع الاسلام
جزاكن الله تعالى خيرا أخواتي الغاليات على الردود وبارك الله تعالى فيكن وغفر لي ولكن ما تقدم من ذنبنا وما تأخر
:26:
الصفحة الأخيرة