استغاثة مُوحد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن من الأمور والمسائل التي تميز المسلم الصادق عن غيره تعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى فهو يطلب الخير من الله تعالى ويطلب دفع السوء والشر عنه من الله تعالى لأنه على يقين تام بأن الله تعالى بيده مقاليد الأمور قال الله تعالى :﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ وعندما يتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : (( إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله )) يمد يديه إلى الله بضراعة وإلحاح فمن الذي أقبل على الله ورده فهو سبحانه ((يغفر ذنبا ويفرج هما ويكشف كربا ويجبر كسيرا ويغني فقيرا ويعلم جاهلا ويهدي ضالا ويرشد حيراناً ويغيث لهفاناً ويفك عانياً ويشبع جائعاً ويكسو عاريا ويشفي مريضا ويعافي مبتلى ويقبل تائبا ويجزي محسنا وينصر مظلوما ويقصم جبارا ويقيل عثرة ويستر عورة ويؤَمِّن روعة ويرفع أقواما ويضع آخرين... )) ..
(( فسبحان من ذكره قوت القلوب وقرة العيون وسرور النفوس وروح الحياة وحياة الأرواح وتبارك الذي من خشيته تتجافى عن المضاجع الجنوب وبرجاء رحمته تتنفس عن نفوس الخائفين الكروب وبروح محبته تطمئن القلوب وترتاح , ما طاب الدنيا إلا بذكره ومعرفته ولا الآخرة إلا بقربه ورؤيته فلو احتجب عن أهل الجنة لاستغاث أهل الجنة في الجنة كما يستغيث أهل النار في النار وأعلنوا الصياح , كل قلوب تألهت سواه فهي فاسدة ليس لها صلاح وكل صدور خلت من هيبته وتقواه فهي ضيقة ليس لها انشراح وكل نفوس أعرضت عن ذكره فهي مظلمة الأرجاء والنواح ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ ... )) .
فقد وقفت على قصيدة عامية للشاعر محسن بن عثمان الهزاني من شعراء بلدة (( الحريق )) من المملكة العربية السعودية حرسها الله , يرجح الرواة أن فاته كانت في عام 1245هـ تقريبا ... ذكر هذه القصيدة لما أصابهم القحط فخرج بالناس إلى المصلى فوعظهم وصلى بهم صلاة الاستسقاء فذكر هذه الأبيات التي فيها استغاثة بالله سبحانه وتعالى وتعلق به وطلب المدد منه فهو سبحانه الكريم المنان الوهاب الرزاق ...
وسأذكر مقتطفات من هذه القصيدة ...وهي قصيدة طويلة ...
دع لذيذ الكرى وانتبه ثم صل == واستقم بالدجى وابتهل ثم قل
يا مجيب الدعا يا عظيم الجلال == يا لطيف بنا دائم لم يزل
واحد ماجد قابض باسط == حاكم عادل كل ماشاء فعل
ظاهر باطن خافض رافع == سامع عالم ما بحكمه ميل
أول آخر ليس له منتهى == جل ماله شريك ولا له مثل
بعد لطفك بنا ربنا افعل بنا == كل ما أنت له يا إلهي أهل
يا مجيب الدعا يا متم الرجا== أسألك بالذي بالإله نزل
الغنى والرضا والهدى والتقى == والعفو العفو ثم حسن العمل
وأسألك غاديا ماديا كلما == لج فيها الرعد حل فينا الوجل
وادق صادق غادق ضاحك == باكيا كلما هل مزنه هطل
يا مجيب الدعا يا متم الرجا== استجب دعوتي إنني مبتهل
امسح سيئتي واعف عن زلتي== إنني يا إلهي محل الزلل
الذي مد فيك إلهي فلا == خاب من مد فيك إلهي أمل
اهدني يا إلهي فإني أقول == دع لذيذ الكرى وانتبه ثم صل
ثم ختم الصلاة على المصطفى == عد ما أنحى سحاب صدوق وهل
فسقاهم الله عزوجل ...
فانظر إلى استغاثة هذا الموحد وقارنه بحال من يعظم القبور والأضرحة والأولياء ...
قال الشيخ العلامة محمد تقي الدين الهلالي المغربي في كتابه الجميل الماتع:
الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة ,ص:97
(( وفي تلك السنة قلّ المطر وعمّ الجدب , وعادة المغاربة في مثل هذه الحال أن يفزعوا إلى أضرحة الأولياء ويذبحوا لهم الذبائح ويستغيثوا بهم ليأتيهم المطر ويزول عنهم الجدب, فأمر القائد الملالي منادياً ينادي قائلاً بأعلى صوته : لا إله إلا الله محمد رسول الله لا تسمعون إلا خيرا إن شاء الله , إن الأمير يأمركم أن تتبرعوا بالدراهم لشراء الثيران والكباش وتتهيّؤا في اليوم الفلاني للاستسقاء عند أضرحة الأولياء, فلما جاء اليوم المعين خرج الأمير والقاضي وجميع أهل البلد حفاة حاسري الرؤوس , وطافوا على أضرحة الأولياء قائلين بصوت واحد: جئناكم قاصدين لا تردونا خائبين يا أولياء الله الصالحين , وتوجهوا أولاً إلى قطب البلد علي أبي غالب , والثور الأسود أمامهم وهو أكبر الثيران وأسمنها فوصلوا إلى ضريحه خاشعين وذبحوا ذلك الثور وذابحه يقول: الذبيحة على الله وعليك يا سيدي علي أبا غالب ثم طافوا على أضرحة الأولياء الكبار فذبحوا على ضريح كل واحد منهم ثوراً.
وأما الأولياء الصغار فذبحوا على ضريح كل واحد منهم كبشاً ورجعوا , فنشأ غمام في السماء فسألت الله تعالى أن لا يسقيهم ولا قطرة واحدة فاستجاب الله دعائي وانقشع ذلك الغمام وجاء بعده غمام مراراً ثم انقشع ولم يسقوا قطرة واحدة.
وعدد جماعتنا الموحدين ... لا يزيد على الأربعين إلا أن أحدهم معلم صبيان وعنده خمسون صبياً يعلهم القرآن .
جاء بعض أصحابنا إليّ وقالوا لي: إن الأمير والقاضي ومن معهم قد ارتكبوا أمراً شنيعاً مخزياً فنريد أن نغسل هذا العار بصلاة الاستسقاء في مصلي العيد خارج المدينة ونريد أن تكون إمامنا في الصلاة الاستسقاء... فاتفق الجماعة على يوم معين فجاءوني بسيارة وتوجهنا إلى مصلى العيد ورأيت الزرع بدأ ييبس , فرقيت المنبر وخطبتُ خطبةً غلبني فيها البكاء وصليت بهم ركعتين وفي اليوم التالي أذن الله للسماء أن تمطر فأمطرت مطراً غزيراً غدقاً أحيا الله به الأرض بعد موتها واستبشر الناس وفرح أصحابنا بنصر الله لنا على القوم المشركين )).
وأختم بعبارة جميلة للعلامة الشوكاني عليه رحمة الله :
قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في كتابه القيم :
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار:4\102
معلقاً على حديث أبي الهياج الأسدي عن عليٍّ رضي الله عنه قال: ألا أبعثُك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تدعْ تِمثالاً إلا طَمَستَه ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته. ( أخرجه مسلم).
قال رحمه الله : (( ... ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أوّليّاً القبب والمشاهد المعمورة على القبور وأيضاً هو من اتخاذ القبور مساجد, وقد لعن النبيّ صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك كما سيأتي.
وكم قد سرّي عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام ,
منها: اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام , وعَظُم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم , وشدّوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا.
وبالجملة فإنهم لم يدعوا شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالماً ولا متعلماً ولا أميراً ولا وزيراً ولا ملكاً .
وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيراً من هؤلاء المقبورين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجراً , فإذا قيل له بعد ذلك : احلف بشيخك ومعتقدك الوليّ الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق.
وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال : إن الله ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة.
فيا علماء الدين
ويا ملوك المسلمين
أيّ رزء للإسلام أشد من الكفر؟
وأيّ بلاء لهذا الدين أضرّ عليه من عبادة غير الله ؟
وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة ؟
وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجباً؟
لقد أسمعت لو ناديت حياً == ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت == ولكن أنت تنفخ في رماد )).
تنبيه : من أراد سماع قصيدة محسن الهزاني كاملة فليضغط حفظ الهدف باسم على هذا الرابط:
اضغط حفظ الهدف باسم
والله الموفق
أخوكم
بومزنة @bomzn
الداعـي المتميـز
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️