إن لكل إنسان من اسمه نصيب، وكما قال ابن تيمية رحمة الله عليه: (ما من إنسانٍ إلا وله من اسمه نصيب)، وقال ابن القيم: (وأنا وجدت هذا)، ومن هنا كان حرص الشريعة على اختيار الأسماء الحسنة التي تشتمل على أجمل المعاني، وجعلت ذلك من حق المولود، بل كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يبدل الأسماء القبيحة، ويؤسف الإنسان أن يقول إن بعض الناس يتوارى من الناس خجلاً من اسمه، وأفضل الأسماء ما دل على عبودية لله، أو وافق اسم النبي وأزواجه وصحابته، أو كان موافقاً لأسماء الصالحين والصالحات.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون أسماء الرسل التي تحمل الأخبار أسماء حسنة لما يحصل بها من الاستبشار والسرور فقال صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا بعثتم إلي رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم )
قال في فيض القدير: " قال القيصري : والحسن معنى روحاني تنجذب إليه القلوب بالذات حاصل من تناسب الأعضاء ، حسن الاسم للتفاؤل بحسن صورته واسمه
وأهل اليقظة والانتباه يرون أن الأشياء بأسرها من الله فإذا ورد وارد حسن الوجه حسن الاسم تفاءلوا به
هذا فيما يتعلق بالكلمة ، وتأثيرها في نفس الشخص
لكن حديثنا عن اسم الشخص ودلالته على طبيعة حامل هذا الاسم
قال ابن القيم رحمه الله :
( لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها ، اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب ، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها ، فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك ، والواقع يشهد بخلافه ، بل للأسماء تأثير في المسميات ، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة كما قيل :
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
وقال المناوي : ( ومن تأمل معاني السنة وجد معاني الأسماء مرتبطة بمسمياتها حتى كأن معانيها مأخوذة منها وكأن الأسماء مشتقة منها ألا ترى إلى خبر أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وعصية عصت الله )
أقول : إن للأسماء تأثيرا في طبيعة صاحب الاسم وحامله وذلك لكثرة ما يطرق هذا الاسم سمع هذا الشخص ، فلكثرة سماعه وتعايشه مع هذا الاسم ينقدح معنى هذا الاسم في نفس الشخص ، من حسن أوقبح وشدة أولين ولذا قيل بالترابط فيما بين الاسم والشخص ، ولذا صح لأهل الفطنة من الناس أن يتعرفوا على طبائع بعض الناس من خلال أسمائهم أو العكس بأن يتعرفوا على أسماء بعضهم من خلال طبائعهم
قال ابن القيم رحمه الله : ( ولما كان بين الأسماء والمسميات من الارتباط والتناسب والقرابة ما بين قوالب الأشياء وحقائقها ، وما بين الأرواح والأجسام عبر العقل من كل منهما إلى الآخر ، كما كان إياس بن معاوية وغيره يرى الشخص فيقول ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت ، فلا يكاد يخطئ ،
وضد هذا العبور من الاسم إلى مسماه كما سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا عن اسمه
فقال : جمرة
قال : ابن من ؟
قال : ابن شهاب
قال ممن ؟
قال : من الحرقة
قال : أين مسكنك ؟
قال : بحرة النار
قال : فبأيها ؟
قال : بذات اللظى
فقال عمر بن الخطاب : أدرك أهلك فقد احترقوا
قال فكان كما قال عمر رضي الله عنه
قال ابن القيم : فعبر عمر من الألفاظ إلى أرواحها ومعانيها ، وكما عبر النبي صلى الله عليه وسلم من اسم سهيل إلى سهولة أمرهم يوم الحديبية فكان الأمر كذلك )
قال المناوي : قال ابن جني مر بي دهر وأنا أسمي الاسم لا أدري معناه إلا من لفظه ثم أكشفه فإذا هو كذلك
قال ابن تيمية : وأنا يقع لي ذلك كثيرا
قلت حديث سهيل عند البخاري في الصحيح رواه البخاري رحمه الله عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الحديبية في بضع عشرة مئة من أصحابه فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عينا من خزاعة وسار حتى إذا كان بغدير الأشطاط أتاه عينه فقال إن قريشا قد جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك ومانعوك فقال صلى الله عليه وسلم أشيروا أيها الناس علي أترون أن نميل على عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه
فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه
فقال النبي صلى الله عليه وسلم فروحوا إذن
ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم بأقصى الحديبية
فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكان عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت
فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا لم نجئ لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب فأضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس فإن ظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره
قال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال إنا قد جئنا من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لاحاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء وقال ذوو الرأي هات ما سمعته يقول
قال سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود فقال أي قوم ألستم بالوالد قالوا بلى قال أو لست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا لا قال ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته قالوا ائته
فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم له نحوا من قوله لبديل بن ورقاء فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وإن تك الأخرى فاني والله لأرى وجوها وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر رضي الله عنه امصص بظر اللات أنحن نفر وندعه قال من ذا قالوا أبو بكر قال أما والذي نفسي بيده لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك
فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر إليه تعظيما له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوه
ا فقال رجل منهم من بني كنانة دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا فلان وهم من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعث له واستقبله الناس يلبون
فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت
فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم
فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد سهل لكم من أمركم قال سهيل بن عمرو : هات اكتب بيننا وبينك كتابا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بعلي رضي الله عنه وقال اكتب بسم الله الرحمن …. الحديث
فانظر لما أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم سهيلا علم أن طباع هذا الرجل السهولة واللين وذلك من اسم الرجل ، فهذا الاسم أكسب الرجل معناه ، فاستبشر به النبي صلى الله عليه وسلم خيرا فكان كما قال عليه السلام
ومن هذا الباب ما أخرجه مالك في الموطأ من حديث يعيش الغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم تدب جماعة لحلب شاة ، فقام رجل يحلبها ، فقال : ما اسمك ؟ قال مرة ، فقال اجلس ، فقام آخر فقال : ما اسمك ، قال : حرب ، فقال اجلس ، فقام آخر فقال : ما اسمك ؟ فقال : يعيش ، فقال : احلبها
ومن هذا الباب أيضا ما أخرجه البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما اسمك قال حزن قال أنت سهل قال لا أغير اسما سمانيه أبي قال بن المسيب فما زالت الحزونة فينا بعد .
قال الحافظ : في رواية أحمد بن صالح فقال لا السهل يوطأ ويمتهن
قال الحافظ في الفتح في معنى حزن : (ما غلظ من الأرض وهو ضد السهل واستعمل في الخلق يقال في فلان حزونة أي في خلقه غلظة وقساوة )
وقال الداودي : يريد الصعوبة في أخلاقهم إلا أن سعيدا أفضى به ذلك إلى الغضب في الله
وقال غيره : يشير إلى الشدة التي بقيت في أخلاقهم فقد ذكر أهل النسب أن في ولده سوء خلق معروف فيهم لا يكاد يعدم منهم
فانظر كيف أثر اسم حزن في طبائع آل المسيب
ومن ذالك ما ذكره أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد غزو خيبر وصل إلى مفترق طرق كلها يوصل لخيبر فدعا الدليل أن يمسي له هذه الطرق ، فقال ، هذا حزن ، فقال ، خل عنه ، ثم قال ، هذا شاش ، فقال : خل عنه ، ثم قال : هذا حاطب ، فقال : خل عنه ، ثم قال : هذا مرحب : فقال : هذا هو الطريق وقال ابن القيم ( ولما كان الاسم الحسن يقتضي مسماه ويستدعيه من قرب قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض قبائل العرب وهو يدعوهم إلى الله وتوحيده ( يا بني عبد الله ، إن الله قد حسن اسمكم واسم أبيكم ) فانظر كيف دعاهم إلى عبودية الله بحسن اسم أبيهم وبما فيه من المعنى المقتضي للدعوة )
وهذا أمر مجرب وهو أن الشخص يكتسب طباعه من معنى اسمه فالشخص الذي يكون اسمه وحيد مثلا تجده كاسمه غالبا ما يحب العزلة والوحدة والبعد عن الاختلاط مع الناس ، والشخص الذي له اسم في العنفوان والشدة تجد معناه في هذا الشخص
ولذا وردت الشريعة باستحباب الأسماء الحسنة التي يكون معناها حسنا لكي يفضي حسن معنى الاسم إلى حسن النفس كما جاءت بكراهية الأسماء القبيحة أو ذات المعنى العسر حتى لا ينتقل عسرها إلى نفس حاملها
فقد كان النبي صلى اله عليه وسلم يغير الاسم القبيح إلى الاسم الحسن لكي لا ينتقل قبح الاسم إلى قبح النفس فقد مر عليه السلام على قرية يقال لها عفرة فسماها خضرة ، وغير اسم عاصية بنت عمر إلى جميلة ، وغير اسم شهاب إلى هشام ، لما في معنى الشهاب من الحرارة والبأس وجاءته امرأة فقال ما اسمك فقالت : جثامة المزنية ، فقال : بل أنت حسانة
قال ابن القيم : ( ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واسمه يثرب لا تعرف بغير هذا الاسم غيره بطيبة لما زال عنها ما في لفظ يثرب من التثريب بما في معنى طيبة من الطيب ، استحقت هذا الاسم وازدادت به طيبا ، وزادها طيبا إلى طيبها ).
فانظر كيف غير هذه الأسماء ذات المعنى العسر إلى أسماء ذات المعنى الهين اللين الذي يناسب طبع المسلم
فكل له من اسمه نصيب يأخذه من معنى اسمه والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
ماعليك الا تحطي الاسم اللي تبغي تعرفي معناه
http://arablocale.net/name/index.php