من ترك شيئاً لله.. عوضه الله خيراً منه
قال شجاع الدين الشرزي (أمير القاهرة في وقته): بينما أنا عند رجل بالصعيد..وهو شيخ كبير شديد السمرة.. إذ حضر أولاد له بيض حسان..فسألناه عنهم فقال: هؤلاء أمهم إفرنجية..ولي معها قصة فسألناه عنها.. فقال: ذهبت إلى الشام وأنا شاب أثناء احتلال الصليبيين له.. واستأجرت دكاناً أبيع فيه الكتان.. فبينما أنا في دكاني إذ أتتني امرأة إفرنجية زوجة أحد قادة الصليبيين.. فرأيت من جمالها ما سحرني.. فبعتها وسامحتها في السعر.. ثم انصرفت.. وعادت بعد أيام فبعتها وسامحتها.. فأخذت تتردد علي.. وأنا أتبسط معها.. فعلمت أني عشقتها.. فلما بلغ الأمر من مبلغه.. قلت للعجوز التي معها: قد تعلقت نفسي بهذه المرأة فكيف السبيل إليها؟.. فقالت: هذه زوجة فلان القائد.. ولو علم بنا.. قتلنا نحن الثلاثة.. فما زلت بها.. حتى طلبت مني خمسين ديناراً.. وتجئ بها إلي في بيتي.. فاجتهدت حتى جمعت خمسين ديناراً.. وأعطيتهاإياها.. الليلة الأولى..؟؟! وانتظرتها تلك الليلة في الدار..فلما جاءت إلي أكلنا وشربنا.. فلما مضى بعض الليل.. قلت في نفسي: أما تستحي من الله!! وأنت غريب.. وبين يدي الله.. وتعصي الله مع نصرانية!!.. فرفعت بصري إلى السماء وقلت: اللهم إني أشهدك أني عففت عن هذه النصرانية.. حياءً منك وخوفاً من عقابك.. ثم تنحيت عن موضعها إلى فراش آخر.. فلما رأت ذلك قامت وهي غضبى ومضت.. وفي الصباح.. مضيت إلى دكاني.. فلما كان الضحى.. مرت علي المرأة وهي غضبى.. ووالله لكأن وجهها القمر..فلما رأيتها.. قلت في نفسي: ومن أنت حتى تعف عن هذا الجمال؟.. أأنت أبو بكر.. أو عمر.. أم أنت الجنيد العابد.. أو الحسن الزاهد.. وبقيت أتحسر عليها.. فلما جاوزتني.. لحقت بالعجوز.. وقلت لها: ارجعي بها.. الليلة.. فقالت: وحق المسيح.. ما تأتيك إلا بمائة دينار.. قلت: نعم. فاجتهدت حتى جمعتها.. وأعطيتها إياها.. الليلة الثانية..؟؟! فلما كان الليل.. وانتظرتها في الدار.. جاءت.. فكأنها القمر أقبل علي.. فلما جلست.... حضرني الخوف من الله.. وكيف أعصيه مع نصرانية كافرة.. فتركتها خوفاً من الله.. وفي الصباح.. مضيت إلى دكاني.. وقلبي مشغول بها.. فلما كان الضحى.. مرت علي المرأة وهي غضبى.. فلما رأيتها.. لمت نفسي على تركها.. وبقيت أتحسر عليها.. فسألت العجوز.. فقالت: ما تفرح بها.. إلا بخمسمائةدينار.. أو تموت كمداً.. قلت: نعم.. وعزمت على بيع دكاني.. وبضاعتي.. وأعطيهاالخمسمائة دينار.. فبينما أنا كذلك.. إذ منادي النصارى ينادي في السوق.. يقول: يامعاشر المسلمين إن الهدنة التي بيننا وبينكم.. قد انقضت.. وقد أمهلنا من هنا من التجار المسلمين أسبوعاً.. فجمعت ما بقي من متاعي وخرجت من الشام وفي قلبي الحسرةما فيه.. ثم أخذت أتاجر ببيع الجواري.. عسى أن يذهب ما بقلبي من حب تلك ما فيه.. فمضى لي على ذلك ثلاث سنين.. ثم جرت وقعة حطين.. واستعاد المسلمون بلاد الساحل.. وطُلب مني جارية للملك الناصر.. وكان عندي جارية حسناء.. فاشتروها مني بمائةدينار.. فسلموني تسعين ديناراً.. وبقيت لي عشرة دنانير.. فقال الملك: امضوا به إلى البيت الذي فيه المسبيات من نساء الإفرنج.. فليختر منهن واحدة بالعشرة دنانير التي بقيت له.. الجائزة.. فلما فتحوا ليالدار.. رأيت صاحبتي الإفرنجية.. فأخذتها.. فلما مضيت إلى بيتي. قلت لها: تعرفيني؟!.. قالت:لا.. قلت: أنا صاحبك التاجر.. الذي أخذت مني مائة وخمسين ديناراً.. وقلت لي: لا تفرح بي إلا بخمسمائة دينار.. ها أنا أخذتك ملكاً بعشردنانير.. فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. فأسلمت وحسن إسلامها.. فتزوجتها.. فلم تلبث أن أرسلت أمها إليها بصندوق.. فلما فتحناه.. فإذافيه الصرتان التي أعطيتها.. في الأولى الخمسون ديناراً.. وفي الأخرى المائة دينار.. ولبسها الذي كنت أراها فيه.. وهي أم هؤلاء الأولاد.. وهي التي طبخت لكم العشاء.. نعم.. ومن ترك شيئاً لله.. عوضه الله خيراً منه.. والعبد قد يختفي من الناس..ولكن أنى له أن يختفي من الله.
يامن تفكر في ترك شيء واستصعب عليك تذكر ان من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه
ع ــذبـة @aa_thb
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
شوق عطرى
•
رفع
الصفحة الأخيرة