إلى من أغلق الأبواب
مثل كثير من الشباب بدأ يبحث عن زوجة تناسب طموحه وترضي ذوقه وتنجب أبناءه .
إلا أن صاحبنا اشترط شرطاً لافتاً للنظر .
فقد أصر على أن تكون الزوجة المطلوبة داعية تقيم الدروس ، وتلقي المحاضرات ، وتكتب المقالات ، وتشارك في الأنشطة الدعوية !
اشترط هذا الشرط مع شروط أخرى قل أن يجتمع بعضها في امرأة واحدة .
وكان هذا الشرط المحبب للنفوس والمحرك للقلوب مثار فخر واعتزاز له حتى سارت الركبان إلى الفتيات بشرطه ، وأن فلاناً يريد داعية تخدم الدين وتسعى في رفعته ، وتسعى إلى نشره ، فهفت قلوب الكثيرات له وتطلعت أعناقهن إليه .
حتى قالت إحداهن : وهل مثل هذا يرد . وبعد بحث وعناء وأخذ ورد وسؤال وتحر كان له ما أراد ، ويسر الله أمر زواجه من فتاة صوامة قوامة عرفت بالدعوة والهمة والنشاط مع ما حباها الله عز وجل من علم شرعي يؤهلها لذلك ، لا تنزل منزلاً ولا تقصد مكاناً إلا وتركت فيه أثراً ، وأسهمت فيه بسهم من سهام الخير ، فكان مثلها مثل حبات المطر تنبت وتزهر بإذن ربها ! مع سمو في خلقها ورفعة في نسبها .
دخل الزوج الشاب بهذه الفتاة وجد فيها من صفات العقل والأدب وحسن المظهر ما قرت به عينه ، وآنست وحشته وملكت لبه !
ومرت الأيام الأولى تلتها الشهور وبدت الداعية مكبلة من الزوج لا تستطيع الحراك ، وخشيت أن تثقل عليه بأمر الدعوة فهي ما زالت في بداية الحياة الزوجية !
لكن الأيام تطاولت بها ، والهموم أقضت مضجعها ، فلقد أسفر الصبح عن الشاب الطموح الذي يبحث عن الداعية أنه أول من يحارب الدعوة ويقف في وجهها !
فهو منان بخيل ، إن ذهب بها يوماً بقي أسابيع يذكرها بجميله ، وإن أنفق ريالاً منَّ به وآذاها فيه !
وإن ذكرت له موقفاً دعوياً أطرق برأسه ، بارد الحس ، قليل الشكر ، كثير التذمر .
تعجبت وتساءلت : أين من كان يجدُّ في طلب الفتاة الداعية ؟
وأين من ترك الكثيرات سواي ليجد بغيته ؟!
ماذا دهاه وماذا أصابه ؟!
وتساءلت مرة أخرى : أين من سعى يبحث عن الداعية والمحاضرة والموجهة ، لقد خبت ناره ، وأطفئ سراجه ، وأظلم ليله !
فكان الخيار الأخير لها إما الدعوة إلى الله عز وجل ، وإما الزوج فحسب !
لقد كان شرطه حين الزواج خدعة براقة من شروط الوجاهة ، وسهماً يصيد به قلوب المحبات للخير المتعطشات لري القلوب ممن يحترقن لخدمة هذا الدين ، ويرغبن في الإسهام لرفعته .
فإذا وقعت في حباله وأصابتها سهامه فمكانه آخر الركب ، كثير الحديث ، قليل العمل .
ينسب عمل غيره إليه ويتمنى أن تنسب الأعمال إليه .
لقد أشقاه حب الذات ورغبة الظهور ولو على حساب دينه !
وكانت الطامــــة التي قتلت طموحها وبرأت ساحتها أمام الله عز وجل :
لقد أقسم عليها ألا تلقي محاضرة ولا تذهب لدرس ولا تكتب مقالاً .
اشترط بقاءها حبيسة البيت .
وبرر كل ذلك بأعذار واهية تسقط أمام سير الصحابة والتابعين في نشر الدعوة والقيام بها !
بئس الضجيع من أهلك مثل هذه ، وخاب من خذل الدين وأوصد الأبواب وقتل الفرحة !
ولا يزال ذلك الشاب الآخر : نضر الله وجهه – يذهب بزوجته الداعية إلى كل ما أرادت ، ويحثها على الإعداد والمثابرة وترك الخمول والفتور ، يأتي إليها بجدول المحاضرات ، ويجلب إليها الكتب والمراجع ، ويشتري من أمواله القليلة الجوائز ، ومع هذا يردد بين الحين والآخر هذا يا أم عبد الله طريقنا إلى الجنة .
وكلما اعتذرت له بطول الطريق ومشقة الأمر قال لها : كلما تذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم سار وصحبه من المدينة إلى تبوك في حمرة القيظ وشدته وهي مسافة طويلة تزيد على السبعمائة كيلة متر تضاءل عملي ، وسألت الله الإخلاص . وأدعو الله عز وجل أن يبارك في قليل عملنا ويتقبله !
هنيئاً لأبي عبد الله ولأم عبد الله ، وأحسن الله عزاءكم في ذلك الآخر الذي أغلق القلوب وأوصد الأبواب .. ولكل امرئ ما نوى .
ـــــــــــــــــ
عبد الملك بن محمد القاسم

زهـرة الخليج @zhr_alkhlyg_1
محررة فضية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️