(الإتيكيت) في حياة النبي
عندما نسمع كلمة إتيكيت يتبادر إلى ذهن الكثير منا التفوه بالكلمات الإنجليزية والفرنسية، والأكل باليد اليسرى، وترقيق الصوت ...إلخ ويظن الكثير أيضا أن الدول الأوربية وتحديدا فرنسا هي من اخترعت الإتيكيت ووضعت له أصوله.. إلا أن الواقع والدلالات تؤكد أن النبي صلوات الله وسلامه عليه، سبق فيه فرنسا وأوروبا بقرون.
معنى الإتيكيت
وتفسر كلمة إتيكيت في مفهومها العام لدى الناس بعدة معان، تكاد تتقارب مع بعضها البعض ومنها: الذوق العام.. قواعد السلوك وآدابه.. قواعد التشريفات وآداب الرسميات..الأصول واللياقة.. فن المجاملة.. الخصال الحميدة.. فن التصرف في المواقف المحرجة... وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (الآداب الذوقية) وهو ما يعرف بـ( الإتيكيت) الإسلامي في السيرة المطهرة، معبرا عن ذلك في جملة من الأحاديث والمواقف المأثورة.. فأمر أتباعه منذ البداية بانتهاج سلوك بالغ التهذيب باحترام الذات واحترام الآخرين، وحسن التعامل معهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم 'الدين المعاملة'
قواعد الإتيكيت في السلام
وحرص النبي على ترطيب اللقاء ببدئه بالسلام بقوله : (إذا التقيتم فابدؤوا السلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام فلا تجيبوه) وكذلك المصافحة لقوله: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا (وذلك لأن هناك ثلاثة أشياء محاور تتناسب طرديا بين أي شخصين وهي : الحب والاحترام والثقة، فتصرفات الشخص هي التي تجبر الشخص الآخر على هذا الشعور وهي ما تجعل الآخرون يتعرفون على شخصيته. وليس هذا فحسب بل نظم النبي صلى الله عليه وسلم، قواعد للسلام ومن يبدأ الآخر وذلك بالإضافة إلى إتيكيت قواعد السلام فيروى عن النبي أنه قال: (يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير ويسلم الصغير على الكبير( والأمر الذي ربما لا يعلمه الكثيرون، أنه لا تعارض مطلقا بين اتفاقية ' فيينا ' للبروتوكول وآداب الإتيكيت في الإسلام، فقد نصت الاتفاقية صراحة أن ما ورد فيها ، أو في اتفاقيات تكميلية، وجاء مخالفا لدين أو قيمة أو عادة أو تقاليد لدولة معينة أو مجتمع ما فعليها ألا تأخذ به، فمثلا هناك قاعدة في الإتيكيت الدولي: تقول إنه يجب عليك أن تأكل بيدك اليسرى وذلك يخالف ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به، ومن ثم فيجب ألا نأخذ بهذه القاعدة وبالتالي فلا تعارض بين الإسلام والإتيكيت. والإتيكيت في اللغة هو (التذكرة) والتذكرة : هي البطاقة التي تسجل فيها تعليمات التصرفات والمواقف المطلوبة في العلاقات الاجتماعية والمحافل الدولية، حيث نرى تصرفات مختلفة في الموقف الواحد من شخص إلى آخر بحسب نشأة كل منهم وتربيته. وقد كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، سهلا يفهمه كل من سمعه، فخير الكلام ما قل ودل، حيث إن طريقة الكلام تعبير عن الشخصية والثقافة.
الإتيكيت في الكلام
وقد صار الصحابة رضي الله عنهم على هذا المنوال، فيروى أن أحد الأشخاص حلم ذات يوم بأن أسنانه كلها تساقطت فانزعج، وطلب مفسرا للأحلام! فقال له ( إن جميع أقربائك يموتون قبلك )، فتشاءم الرجل، ثم أحضر مفسرا آخر فقال نفس القول فزاد تشاؤمه، حتى جاء الثالث وكان ابن سيرين, فقال (إنك ستكون أطول أقربائك عمرا إن شاء الله تعالى ), فأحسن إليه بجائزة مع العلم أن مضمون الآراء الثلاثة واحد.
وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ندخل ونخرج من البيت بالتلطف وحسن التصرف، إذا دخلت دارك أو خرجت منها، فلا تدفع بالباب دفعا عنيفا، أو تدعه ينغلق لذاته بشدة وعنف, فإن هذا مناف للطف الإسلام الذي نتشرف بالانتساب إليه، بل أغلقه بيدك إغلاقا رقيقا، ويأتي المعنى فيما روته السيدة عائشة رضي الله عنها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه (.وقد نظم نبي الإسلام الملهم من ربه حياة الإنسان داخل بيته وخارجه، فيعلمنا الله عز وجل في قرآنه آداب الاستئذان في الزيارة.
(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون).
الإتيكيت في العلاقات
ويحث الرسول صلى الله عليه وسلم، على العلاقات الودية بين المسلمين فيقول : ( من عاد أو زار أخا له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا) ويعلمنا أيضا إتيكيت البشاشة: ( إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق) وليست الزيارة أو الود بالبشاشة فحسب، وإنما يؤكد صلى الله عليه وسلم على توطيد تلك العلاقات بالهدايا فيقول: (تهادوا تحابوا) وذلك لأن الهدية تعد من أهم وسائل التعبير عن مشاعر التقدير والإعجاب والحب ومفتاح حل كثير من المشاكل مع الآخري، وبيّن صلى الله عليه وسلم إتيكيت تقديم الورود: (من عرض عليه ريحان فلا يرده،فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة).
الإتيكيت في الزيارة
ولم ينس النبي صلى الله عليه وسلم الذوق والإتيكيت أثناء زيارة المريض (إذا دخلتم على المريض، نفسوا له في الأجل, فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب بنفس المريض) ويقول الله عز وجل لتحفيز عباده على لسان النبي أنه سبحانه يسأل عبده يوم القيامة 'يا ابن آدم، مرضت ولم تعدني؟ قال : يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما أنك لو عدته لوجدتنى عنده؟
وعن إتيكيت الأناقة في الإسلام فحدّث ولا حرج، فيقول المولى عز وجل : '{يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}. وتتجلى رقة الإسلام في أدق خصوصيات المسلم فيعلمنا النبي ألا يدخل الرجل على زوجته بوحشية وكأنها 'بهيمة' بل عليه أولا أن يداعبها ويلاطفها.
وبشكل عام فإن البساطة هي دستور الإتيكيت، فالجمال يكمن في البساطة، وما أجمل أن يكون الإنسان بسيطا رقيقا في تصرفاته وشخصيته وفى تعامله وأقواله وأفعاله وملابسه وزينته دون أدنى تكلف. وقال هادي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم مرشدا: (إماطة الأذى عن الطريق صدقة).
ليس هذا فحسب، بل نهى النبي عن الجلوس في الطريق فقال: (إياكم والجلوسَ على الطرقات) فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا أبيتم إلا المجالس؛ فأعطوا الطريق حقها). قالوا: وما حق الطريق؟ قال صلى الله عليه وسلم: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر). (الاستئذان ثلاثا فإن لم يؤذن لك فارجع) (لا تقفوا أمام الباب ولكن شرقوا أو غربوا).
وخلاصة القول: إن الإتيكيت أو الذوق هو خلق إسلامي ونبوي أصيل، قبل أن تنادي به أوروبا أو فرنسا.. فالمسلم الحق هو من يتبع هدي النبي ويعامل الناس كما يحب أن يعاملوه وأحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
منقول للأفادة
زهرة فلسطين @zhr_flstyn
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
( شمس الجنوب )
•
بـارك الله فيـك واثـابك
الصفحة الأخيرة