الأسباب الجالبة للرزق
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الناس في هذه الأيام يشكون من قلة الرزق وعدم البركة وكثرة أعباء الحياة ومستلزماتها، وأصبح طلب الرزق وتدبير المعاش مما يشغل بال الكثير منهم بل ويقلقه، حتى سلكوا في سبيل الحصول عليه كل مسلك، وسعوا إليه بكل سبيل، فهذا يغش ويسرق، وذاك يرابي ويرتشي، وثالث ينافق ويخادع، ورابع يسفك الدماء ويقطع الأرحام ويترك طاعة الله، وخامس... كل ذلك من أجل مجاراة الناس وتلبية مطالب النفس والأهل والولد.
ونسي هؤلاء أن الله تعالى شرع لعباده الأسباب التي تجلب الرزق وبيَّنها لهم، ووعد من تمسك بها وأحسن استخدامها بسعة الرزق، وتكفَّل لمن أخذ بها بالنجاة مما يحذر، والرزق من حيث لا يحتسب.
وإليك أخي الحبيب هذه الأسباب:
السبب الأول: تقوى الله تعالى
جعل الله تعالى التقوى من الأسباب التي تجلب الرزق وتزيده، فقال: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) ، فكل من اتقى الله ولازم مرضاته في جميع أحواله، فإن الله يثيبه في الدنيا والآخرة، ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرَجاً ومخرجاً من كل شدة ومشقة، ويسوق إليه الرزق من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به.
يقول ابن كثير رحمه الله: ( أي ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي من جهة لا تخطر بباله ).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً أي ينجيه من كل كرب الدنيا والآخرة، ويرزقه من حيث لا يحتسب أي من حيث لا يرجو ولا يأمل ).
ويقول الله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون ) .
يقول العلامة السعدي رحمه الله: ( .. لو أن أهل القرى آمنوا بقلوبهم إيماناً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهراً وباطناً بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدراراً، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب.. ) أهـ.
ولكن ما هي التقوى التي جعلها الله سبباً لجلب الرزق، وأخبر أنه يرزق أهلها بغير حسبا؟!
التقوى هي أن تجعل بينك وبين ما يضرك وقاية تحول بينك وبينه، أن تفعل ما يأمرك به الله، وتجتنب ما ينهاك عنه؛ فلا يجدك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، شعارك أمره ونهيه، وحول هذا المعنى جاءت عبارات السلف في تعريفها وبيانها.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه عن تعريف التقوى: ( أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يكفر ).
ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: ( المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به ).
ويقول طلق بن حبيب: ( التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله. وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ).
وسُئِل أبو هريرة رضي الله عنه عن التقوى فقال: (هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم. قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه. قال: ذاك التقوى ). وأخذ هذا المعنى ابن المعتمر فقال:
خلِّ الذنوب صغيرهـا *** وكبيرها فهــــو التقى
واصنع كماشٍ فوق أر *** ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنَّ صغيــرةً *** إن الجبالَ من الحصــى
فحريٌّ بك أخي الحبيب إذا كنت ترغب في سعة الرزق ورغد العيش أن تتقي الله تعالى في كل شئونك، في بيتك وعملك وأهلك وأولادك، وأن تحفظ نفسك عما يؤثم، وأن تمتثل أوامر ربك، وتجتنب نواهيه وأن تصن نفسك عما تستحق به العقوبة من فعل منكر أو ترك معروف.
السبب الثاني: الاستغفار والتوبة
ومن الأسباب التي تجلب الرزق الاستغفار والتوبة، يقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ) .
يقول القرطبي رحمه الله: ) في هذه الآية والتي في هود دليلٌ على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار ) أهـ.
ويقول ابن كثير رحمه الله: ( أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الارض، وأنبت لكم الزرع، وأدرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخلَّلها بالأنهار الجارية بينها ) أهـ.
وقد روى مطرف عن الشعبي أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه خرج يستقي بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فقيل له: ما سمعناك استقيت. فقال: طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر – أي المطر – ثم قرأ: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً ).
وشكا رجل إلى الحسن البصري الجدب، فقال له: ( استغفر الله )، وشكا آخر الفقر، فقال له: ( استغفر الله ). وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: ( استغفر الله ). وشكا إليه رجلٌ جفاف بستانه، فقال له: ( استغفر الله ). فقالوا له في ذلك: أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار. فقال: ( ما قلتُ من عندي شيئاً، إن الله تعالى يقول في سورة نوح: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ).
ويقول تعالى عن هود أنه قال لقومه: ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) .
يقول ابن كثير: ( أمر هود عليه السلام قومه بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة وبالتوبة عما يستقبلون، ومن اتصف بهذه الصفة يسَّر الله عليه رزقه، وسهَّل عليه أمره، وحفظ شأنه ) أهـ.
ويقول تعالى أيضاً: ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ) .
ففي هذه الآية وعد الله تعالى من استغفر إليه وتاب ورجع بالمتاع الحسن، وهو سعة الرزق ورغد العيش، ورتَّب ذلك على الاستغفار والتوبة ترتيب الجزاء على شرطه.
وقال صلى الله عليه وسلم : { مَن أكثر الاستغفار جعل الله له من كل همَّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب } .
والاستغفار – أخي الحبيب – الذي يجلب الرزق ويزيده ويبارك فيه، والذي يترك أثره في النفس ويؤدي مقصوده، هو الذي يواطئ فيه القلب اللسان، ويكون صاحبه غير مصرٍّ على ذنبه. أما المستغفر بلسانه وهو متشبث بذنبه مقيم عليه، مصرٌّ عليه بقلبه فهو كاذب في استغفاره، ولن يكون لاستغفاره فائدة أو ثمرة.
فإن كنتَ ترغب في سعة الرزق ورغد العيش فسارع إلى الاستغفار بالقول والفعل، واحذر من الاقتصار على الاستغفار باللسان وحده، فإن هذا فعل الكذابين.
السبب الثالث: التوكل على الله تعالى
ومما يستجلب به الرزق: التوكل على الله تعالى، يقول عز وجل: ( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) ، فمن تعلق قلبه بالله تعالى في جلب النفع ودفع الضر، وفوَّض إليه أمره، كفاه الله ما أهمَّه، واندفع عنه ما أغمَّه، ورزقه تعالى من كل ما ضاق على الناس.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً } .
يقول ابن رجب رحمه الله: (هذا الحديث أصل في التوكل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلب بها الرزق.. قال بعض السلف: توكل تُسَق إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلف ).
والتوكل على الله هو إظهار العجز والاعتماد عليه وحده، والعلم يقيناً أن لا فاعل في الوجود إلا الله، وأن كل موجود من خلق ورزق، وعطاء ومنع، وضر ونفع، وفقر وغنى، ومرض وصحة، وموت وحياة، وغير ذلك مما يطلق عليه اسم الموجود من الله تعالى.
وحقيقة التوكل كما يقول ابن رجب رحمه الله هي: ( صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها، وكلة الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع سواه ).
والتوكل على الله تعالى لا يقتضي ترك الأخذ بالأسباب، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمانٌ به، كما قال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً ) ، وقال: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ) ، وقال: ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ) .
فالمسلم مطالب بالأخذ بالأسباب مع عدم اعتماده عليها، بل يعتقد أن الأمر كله لله، وأن الرزق منه سبحانه وحده.
السببُ الرابع: صلة الرحم
ومن الأسباب الجالبة للرزق أيضاً صلة الرحم، وقد دلَّت على ذلك أحاديث كثيرة منها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { مَنْ سَرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه } .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { مَن أَحب أن يُبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه } .
وقد عنون البخاري رحمه الله على هذين الحديثين بقوله: ( باب من بُسط له في الرزق بصلة الرحم ). أي بسبب صلة الرحم.
وروى ابن حبان حديث أنس وعنون عليه بقوله: ( ذكر إثبات طيب العيش في الأمن وكثرة البركة في الرزق للواصل رحمه ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبةٌ في الأهل، مثراةٌ في المال، منساةٌ في العمر } .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { مَنْ سرَّه أن يمدَّ له في عمره، ويوسَّع عليه في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء؛ فليتق الله، وليصل رحمه } .
وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: { من اتقى ربَّه، ووصل رحمه، أنسئ له في عمره، وثرِّي ماله، وأحبه أهلهُ }.
ففي هذه الأحاديث بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن لصلة الرحم ثماراً عديدة وآثاراً طيبة منها: البسط في الرزق، والزيادة في العمر، ودفع ميتة السوء، وأنها سبب لمحبة الأهل للواصل.
فمن هم الأرحام، وبأي شء تكون صلتهم؟
الأرحام هم الأقارب، وهم من بينك وبينهم نسب، سواء كنت ترثهم أم لا، وسواء كانوا ذا محرم أم لا.
وصلتهم تكون بأشياء متعددة: فتكون بزيارتهم والإهداء إليهم، والسؤال عنهم، وتفقد أحوالهم، والتصدق على فقيرهم، والتلطف مع غنيهم، واحترام كبيرهم، وتكون كذلك باستضافتهم وحسن استقبالهم، ومشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أحزانهم، كما تكون بالدعاء لهم، وسلامة الصدر نحوهم، وإجابة دعوتهم، وعيادة مرضاهم، ودعوتهم إلى الهدى، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتكون أيضاً بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وغير ذلك.
السبب الخامس: الإنفاق في سبيل الله تعالى
قد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تدل على أن الإنفاق في سبيل الله من الأسباب التي يُستجلب بها الرزق ومنها قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ، يقول ابن كثير رحمه الله: ( أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب ).
ومنها قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) .
يقول ابن عباس: ( اثنان من الله، واثنان من الشيطان ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ) يقول: لا تنفق مالك وأسمكه لك فإنك تحتاج إليه ( وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ). ( وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ ) على هذه المعاصي ( وَفَضْلاً ) في الرزق ). والمغفرة هي الستر على عباده في الدنيا والآخرة، والفضل هو الرزق في الدنيا والتوسعة فيه، والتنعيم في الآخرة.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: { قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم، أنفق أنفق عليك } .
وقوله صلى الله عليه وسلم: { ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا } .
وقوله صلى الله عليه وسلم: { أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً } .
فكل هذه الأحاديث تحثُّ على الإنفاق في وجوه الخير، وتبشِّر بالخلف من فضل الله تعالى على من أنفق، وترفع من شأن المنفق في القلوب.
السبب السادس: المتابعة بين الحج والعمرة
المتابعة بين الحج والعمرة من أسباب سعة الرزق ويسر الحال، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنبوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة } .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد } .
والمتابعة بين الحج والعمرة معناها: اجعلوا أحدهما تابعاً للآخر واقعاً على عقبه، أي إذا حججتم فاعتمروا، وإذا اعتمرتم فحجوا، فإنهما متابعان.
السبب السابع: الإحسان إلى الضعفاء
بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يرزق العباد وينصرهم بسبب إحسانهم إلى ضعفائهم، فعن مصعب بن سعد رضي الله عنه قال: رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلاً على من دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم } .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { ابغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم } .
والضعفاء الذين جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان إليهم سبباً لجلب الرزق والنصر على الأعداء أنواع: منهم الفقراء والأيتام والمساكين والمرضى والغرباء والمرأة التي لا عائل لها، والمملوك... والإحسان إليهم يختلف، فالإحسان إلى الفقير الذي لا مال له يكون بالصدقة والهدية والعطية والمواساة، والإحسان إلى اليتيم والمرأة التي لا عائل لها يكون يتفقد أحوالهم والقيام على أمورهم بالمعروف، والإحسان إلى المرضى يكون بعيادتهم وزيارتهم وحثهم على الصبر والاحتساب... وهكذا.
فإن كنت ترغب – أخي الحبيب – في نصر الله تعالى وتأييده وسعة الرزق فأحسن إلى الضعفاء وأكرمهم وتحسس أحوالهم، واعلم أن الإساءة إليهم وإيذاءهم سبب لحرمان الرزق، وفي قصة أصحاب البستان الذين قصَّ الله خبرهم في سورة القلم العبرة والعظة.
السبب الثامن: التفرغ للعبادة
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملاً صدرك غنى، واسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يدك شغلاً، ولم أسد فقرك } .
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقاً. يا بان آدم، لا تباعدني فأملأ قلبك فقرا، وأملأ يديك شغلاً } .
ففي هذين الحديثين وعد الله تعالى مَنْ تفرغ لعبادته بشيئين هما: ملء قلبه بالغنى، ويديه بالرزق، وتوعَّد من لم يتفرغ بعقوبتين هما: ملء قلبه فقراً ويديه شغلاً، ومن المعلوم أن من أغنى الله قلبه لا يقرب منه الفقر أبداً، ومن ملأ الرزَّاق يديه رزقاً لا يفلس أبداً.
والتفرغ للعبادة ليس معناه ترك الكسب والانقطاع عن طلب الرزق والجلوس في المسجد ليلاً ونهاراً، وإنما المراد أن يكون العبد حاضر القلب والجسد أثناء العبادة، خاشعاً خاضعاً لله، مستحضراً عظمة خالقه ومولاه، مستشعراً أنه يناجي مالك الارض والسماء.
وهناك أسباب أخرى غير ما ذُكر نذكرها باختصار:
السبب التاسع: المهاجرة في سبيل الله
كما قال سبحانه: ( وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً )، قال ابن عباس وغيره: ( سعة أي السعة في الرزق ). وقال قتادة: ( المعنى سعة من الضلالة إلى الهدى، ومن العيلة إلى الغنى ).
السبب العاشر: الجهاد في سبيل الله تعالى
لقوله صلى الله عليه وسلم: { بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم } .
السبب الحادي عشر: شكر الله تعالى
فقد قال تعالى: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) ، فعلَّق سبحانه المزيد بالشكر، والمزيد منه لا نهاية له. وقال عمر بن عبدالعزيز: ( قيَّدوا نعم الله بشكر الله، فالشكر قيد النعم وسبب المزيد ).
السبب الثاني عشر: الزواج
فقد قال تعالى: ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ، وكان عمر بن الخطاب يقول: (عجباً لمن لم يلتمس الغنى في النكاح، والله يقول: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ).
السبب الثالث عشر: اللجوء إلى الله عند الفاقة
فقد قال صلى الله عليه وسلم : { من نزلت به فاقةٌ فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل } .
السبب الرابع عشر: ترك المعاصي والاستقامة على دين الله والعمل بالطاعة
وهذا جماع الأسباب كلها، فما استجلبت الأرزاق إلا بالطاعة، وما مُحِقت إلا بالمعاصي والذنوب، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، فالذنوب والمعاصي من أكبر الابواب التي تغلق أبواب الرزق أمام صاحبها، وتضيِّق عليه قوته، وتعسِّر عليه أسباب معيشته، وتمحي البركة من حياته ( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ) أي لو استقام هؤلاء على طريق الحق والإيمان والهدى، وكانوا مؤمنين مطيعين؛ لوسعنا عليهم في الدنيا، وبسطنا لهم في الرزق.
أخي الحبيب: إن المعاصي تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فإن نعم الله ورزقه ما حُفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته، فإن ما عند الله تعالى لا يُنال إلا بطاعته، وقد جعل الله لكل شيء سبباً وآفة، سبباً يجلبه، وآفة تبطله، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته، وآفاتها المانعة منها معصيته. فإذا أردت السعة في الرزق والرغد في العيش فاترك المعاصي والذنوب؛ فإنها تمحق البركات وتتلف وتدمر الأرزاق.
وأخيراً: فهذا ما تيسر جمعه من الأسباب الجالبة للرزق، فإن كان فيها من خير فمن الله وحده، وإن كان غير ذلك فمن النفس والشيطان، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هيوف2003 @hyof2003
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة