الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فالأمر بتقوى الله، هي: وصية الله للأولين والآخرين، ومن لم يعمل بهذه الوصية، فإنه سوف يخسر، ويهلك، ويندم، ولذلك قال عزَّ مِن قائل: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ))، فتقوى الله وصيته سبحانه وتعالى للأولين والآخرين.
ومعنى الحياة، هو: تقوى الله عز وجل في القلوب.
كثير من الناس يظن أن معنى الحياة: أن يأكل ويشرب ويتمتع ويركب ويسكن ويتكلم وينام ويقوم.
إن هذا جَهِل مفهوم الحياة، فما هذه إلا حياة بهيمية، فالكافر وهو كافر، يأكل ويشرب ويتمتع ويركب ويسكن ويقوم وينام، لكنه كافر؛ لأن معنى الحياة: أن تخرج من الظلمات إلى النور، ومن الغواية إلى الهدَّاية، وأن تنقذ نفسك بتقوى الله من غضب الله، لذلك يقول عزَّ من قائل: ((أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)).
أو من كان ميتاً في شهوته، وفي ضلالته، وفي غوايته يتبع كل ناعق، فأحياه الله بالإيمان، وبلا إله إلا الله، وشرح صدره لهذا الدين، كمن جعله الله سبحانه وتعالى غاوياً ضالاً مطروداً من رحمته، ومن نوره.
فهذا كيف يعيش؟
ولماذا يعيش؟
وإلى أين يسير؟
ولذلك يقول ابن تيمية رحمة الله عليه: من اعتقد أنه سوف يهتدي بغير هدى الله الذي أنزل به كتابه وأرسل به رسوله، صلى الله عليه وسلم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
لأن المؤمن يولد مرتين، والكافر يموت مرتين، فميلاد المؤمن يوم أتت به أمه يوم عرف الحياة، يبكي من ظلم الحياة، ومن غوايتها، ومما سوف يواجهه من مصاعب ومشاكل، ولذلك يقول الشاعر:
ولدتك أمك باكياً مستصرخاً والناس حولك يضحكون سروراً
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً
فأنقذ نفسك، ألا تأتيك سكرات الموت، ولا يأتيك وعد الله واليوم الموعود، وتشتد عليك السكرات.
فأنقذ لتبتسم في تلك الساعة.
ولذلك يقول الله عز وجل في هذه الساعة: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)).
ويقول عز مِن قائل: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)).
فالحياة كل الحياة أن تحيا بالقرآن، وأن تحيا بالإيمان، وهذه هي الحياة الثانية، أو المولد الثاني.
وأما الكافر، فإنه يموت مرتين: ((قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ))، يموت الكافر يوم يكتب الله عليه الموت كموت البهائم.
ويموت قبلها يوم مات قلبه، فما استنار بنور الله، وما عرف منهج الله، وما اهتدى بهدى الله.
ولذلك كانت وصية الله عز وجل للأولين والآخرين تقواه تبارك وتعالى.
يقول عزَّ من قائل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)). قيل لـابن مسعود رضي الله عنه، أحد جيل محمد، وشباب الصحابة، ذلك الجيل الذي ما عرفت البشرية على أطوارها جيلاً، ومجتمعاً كذاك المجتمع الأول، مجتمع الصحابة الذين وزَّعوا لا إله إلا الله على البشرية، فبلغوا بعد خمس وعشرين سنة السند، وطشقند، والأندلس، وجنوب أفريقيا؛ لأنهم عرفوا الله، ومنهج الله، ولا إله إلا الله.
قيل لـابن مسعود : .
فمن كفر نعمة الله فما اتقى الله، ومن عصى الله فما اتقاه سبحانه وتعالى، ومن نسيه سبحانه وتعالى أنساه الله نفسه، ومستقبله، وولده، وبيته، وأسرته، ومكتبه ومنصبه، في الحياة الدنيا، وفي الآخرة.
ولذلك يقول عزَّ من قائل: ((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)).
وقف أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وهو في عهده بعد موت عثمان أزهد الناس، وأخشى الناس، وأعلم الناس؛ لأنه تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقف على منبر الكوفة ، فسُئل عن التقوى.
قال: هي الخوف من الجليل سبحانه وتعالى، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
اسمع لكلمات النور، وحرارة الإيمان، التي بعثها جيل محمد صلى الله عليه وسلم في قلوب الناس.
هي الخوف من الجليل: والجليل هو: الله، والعمل بالتنزيل، فالذي يتقي الله، ثم لا يعرف ماذا يتقي، ولا تكون تقواه على بصيرة من الكتاب والسنة ما اتقى الله، والرضا بالقليل: أي: ألا تكون الدنيا أكبر همك، بل يكفيك منها ما يكفي المسافر، والاستعداد ليوم الرحيل: هذه هي تعريفها عند علي رضي الله عنه وأرضاه.
وقال عمر لـكعب الأحبار : .
ما دام أن الطريق هذه ذات الشوك، يتحفز فيها المار، فكذلك الحياة الدنيا، فمن أراد تقوى الله فليتحفز وليتحرَّز، فإن الله عز وجل يحفظه.
ولذلك في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة إذا اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف) (1) .
فتقوى الله معناها: المحافظة على أمر الله، والانتهاء عن ما نهى الله عز وجل.
منقووووول

جنات 1990 @gnat_1990
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.


مرة عبدالرحمن :
جَزآكـِ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ بآرَكـَ الله فيكـِ وَجَعَلهُ في مَوآزينَ حَسنآتكـِ آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـِ بآلريآحينْ دمْتِ بـِ طآعَة الله ..}جَزآكـِ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ بآرَكـَ الله فيكـِ وَجَعَلهُ في مَوآزينَ...
ولك بمثل مادعوت لنا.
الصفحة الأخيرة
بآرَكـَ الله فيكـِ وَجَعَلهُ في مَوآزينَ حَسنآتكـِ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـِ بآلريآحينْ
دمْتِ بـِ طآعَة الله ..}