الأمّ الجريحة

الأدب النبطي والفصيح

الأمّ الجريحة



نادية باكير



نظرت العصفورة سعيدةً إلى فراخها الأربعة التي فقّست من البيض قبل قليل،فعلى الرّغم من قبح منظر هذه الفراخ _ بزغبها القليل المبتل وعظامها البارزة _ فلقد خيّل إلى الأم أنها لم تر في حياتها كائنات أجمل منها.
لم تكن عمليّة إطعام هذه المناقير الأربعة سهلة أبداً إذ كانت العصفورة تطير قبل شروق الشّمس للبحث عن الطّعام وتعود مرات إلى العشّ لإطعام الفراخ وتفقّدها خوفا عليها من الأخطار التي قد تتعرّض لها،ولا ينتهي عمل الأم إلا مع مغيب الشّمس لتعاود في اليوم التالي العمل نفسه.
كانت الفراخ تكبر ويشتدّ عودها يوماً بعد يوم فتزداد حاجتها للطعام كذلك،وتجتهد العصفورة الأم أكثر فأكثر وهي تمنّي نفسها برؤية فراخها وقد كبرت وتعلّمت الطّيران واعتمدت على نفسها في إيجاد طعامها.
حدّثت العصفورة نفسها قائلة:مضى الكثير ولم يبق إلا القليل،لقد بدأت فراخي بتعلم الطّيران وقريبا ستطير للبحث عن طعامها بنفسها وتريحني من هذا العناء.استغرقت الأم المجهدة في أفكارها فغفلت عن الحجر الذي رماها به ولد طائش فأصابها إصابة موجعة.
تأوّهت العصفورة من الألم وكادت تفقد توازنها وتقع ولكنّها تابعت طيرانها والدّم يسيل من جناحها عائدة إلى عشّها.
تكوّرت الجريحة المسكينة متألّمة ومنهكة في العشّ وزقزقة الفراخ الجائعة احتجاجاً على عدم إطعامها.
أخفت الأم المسكينة أمر إصابتها عن الصّغار فهي لم ترد إخافتها وإزعاجها،وطلبت إليها التحلّي بالصّبر
فالطّعام سيأتي لا محالة.
كان حزن العصفورة عظيما بسبب عجزها عن إطعام فراخها ونظرت إلى السّماء علّها ترى صديقة أو قريبة تنجدها في محنتها وابتهلت إلى الله إن ينجّي فراخها فلا تهلك جوعاً.
سقطت دودتان كبيرتان من أعلى الشّجرة في العشّ فأسرعت العصفورة إلى نقرهما وإطعامهما للفراخ الجائعة وحمدت الله الّذي أرسل إليها هذا الطّعام من حيث لا تحتسب.
مضى الوقت بطيئاً وألم العصفورة يزداد كلّما جاعت فراخها وضاقت الدنيا عليها، فهي لا تقدر على الطيران ولا تعرف أحداً يمكنه مساعدتها. اشتدّ جوع الفراخ ففكّرت العصفورة في جرحها واللّحم الناتئ منه وقرّرت في نفسها أمراً فأغمضت عينيها بقوّة وانتزعت بمنقارها قطعة من لحمها،فتقلّبت من الألم مدّة ثمّ تحاملت على ألمها وأطعمت هذا اللّحم للفراخ الجائعة الّتي فرحت بوصول الطّعام دون أن تعرف مصدره فشبعت بطونها ونامت وهي مطمئنّة.
ولكن الأمّ عجزت عن النّوم بسبب آلامها.وعلى الرّغم من ذلك فقد أعادت الكرّة مرّات ومرّات كلّما جاعت فراخها.
كبرت الفراخ وبلغت مبلغاُ من القوّة مكّنها من الطّيران للبحث عن طعامها فكانت سعيدة حين عثرت على أوّل وجبة طعام لها بنفسها فأسرعت عائدة إلى عشّها لتشاركها أمّها فرحتها.كانت الأمّ راقدة بلا حراك وقد تعرّت عظامها من اللّحم في أجزاء كبيرة من جسمها،صرخ الفرخ الأوّل مولولاً:يا إلهي انظروا إلى أمّنا،لقد كانت جريحة طوال الوقت فلم تكن تغادر العشّ فكيف أطعمتنا؟!!انظروا لقد مزّقت لحمها وأطعمتنا إيّاه حتّى لا نهلك جوعاً.
قال الفرخ الثاني باكياً:يا لأمّنا المسكينة!لقد أخفت عنّا أمر جرحها وآلامها حتّى لا نخاف ونجزع.
قال الفرخ الثالث متبرّماً:حسناً حسناً لا تقلبوا فرحنا هذا ترحاً،لقد كانت ستموت على أيّة حال إذا حان أجلها.
قال الفرخ الرّابع بقسوة:كان من الواجب أن تكون أكثر حرصاً وحذراً فلا تعرّض نفسها للمخاطر وأسلحة الصيّادين وهي تعلم أنّها مسؤولة عن أربعة فراخ.
نظر الفرخان الأوّل والثاني شزراً إلى أخويهما القاسيين وانكبّا على أمّهما يقبّلانها وهما يبكيان، في حين طار الفرخان الثالث والرّابع بعيداً ولم يعودا إلى العشّ تاركين أخويهما يقومان بمهمّة دفن أمّهما العصفورة دون أدنى مساعدة منهما.
منقووووووووووووووول
من منتديات نسيج
2
507

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بحور 217
بحور 217
قصة مؤثرة جدا ..

وهكذا في دنيا البشر ..

هناك من يقدم كل شيء ولا يدخر شيئا ..

وهناك من يقدر التضحية ..

وهناك من يرى كل ما يقدم إليه واجبا لا يشكر عليه صاحبه ..

وهذا النموذج الأخير من البشر موجود بكثرة للأسف .. هو من يبخل بكلمة شكر يكون لها أثر بالغ في نفس متلقيها ..

أكيد دنيا البشر أشد ظلما وجحودا من دنيا العصافير ..!!

شكرا لك يا زهرة .
زهرة اذن
زهرة اذن
جزاك الله خيرا يا بحور على متابعتك امواضيع المنتدى