الأنْبَـار .. و هِشَــام .. و سَــارَة .. و ’إِعَادةِ الأمَل‘

الأدب النبطي والفصيح






بسم الله الرحمن الرحيم ..






مع مغيب يومٍ طويلٍ وشاقٍِّ .. كنت أقف وقفة تأملٍ في هذه المدينة التي سمعت عنها طويلاً ..
كان صوت محرّك السيارة طوال الطريق يزعجني ، ويكاد يقضي على ما بقي لي من قدرةٍ على التركيز ، فالخوف الذي انتابني وأنا في طريقي كان مهولاً ، لدرجة أنني لم أخف كما خفت هذه المرة ..
لا أدري أهو خوفُ فرحٍ .. أم خوف رعبٍ وتراجع .. ،

رفعتُ أعلى معطفي على رأسي لأداري به برد الجو القارس ، ويدي الأخرى تحاول جاهدةً أن ترفع بقيّة أمتعتي من الحقائب التي أصررت - رغم النصائح المتكررة - أن أحملها معي .. فهي ذكريات "مجاهد حالي" كان في يومٍ ما "قاعداً سابقاً" ..

هكذا أفهمت نفسي ، وحاولت جاهداً أن ألملم شتات الذكريات لكي أخرج بشيءٍ مما رسمته تلك الذاكرة السحيقة ، ذاكرة من كان مع الخوالف .. واليوم مع المجاهدين ، أو هكذا تصورت .. لا يهم .. ،

وقفة صمت .. وشموخ ..
هل أنا حقاً على أبواب بغداد ؟ !!
لا أدري لماذا - ولهذه اللحظة - لا أصدق عيناي أنني أخيراً وطئت الأرض التي لطالما شاهدتها من خلال نافذة جهاز حاسوبي ، ..
بدون سابق إنذار .. تسللت دمعات رقراقة من عيناي ،
كانت حرقتها تكاد تحرق الأرض التي سقطت عليها .. دمعـــات ساخنة جداً ،
دمعات الفرح أنني أخيراً سأضع نفسي ضمن سجل "المجاهدين" بعدما كنت ضمن السجلات الطويلة للـ"قاعدين" ..
أغرقت وجهي بالدموع ، ولم أكد أتبين مشهد شمس "بغداد" وهي تغرب في ذلك اليوم الجميل البارد ،

مئات الأسئلة تدور في خلدي ..
هل هي ذاتها الأرض التي حوت بطولات أبي مصعب رحمه الله ، وتضحيات أبي أنس الشامي ، ؟!
هل هي ذاتها المدينة التي رويت بدماء أبو طلحة المهاجر ، وأبو العيناء ، وأبو أسامة ، وأبو ...

فجأة ، قطع تفكيري صوت محرّك سيارةٍ قادمةٍ من بعيد .. رافقها إتصال على هاتفي النقال ،
فأيقنت أني المقصود ..
وصلت السيارة ، فتح رجلٌ ذو لهجة عراقية واضحة الباب ، (هشام .. أليس كذلك؟) سألني بحزم ،
فأومأت برأسي متمتماً (نعم .. هشام) ،
رحّب بي (هلا بيك على أرض الرافدين) ..
نظرت في عينيه ، وقلت له : أرجوك .. أعِد ما قلته ..
تعجّب الرجل من سؤالي ، وفعلاً استجاب لي وكرر على مسمعي (هلا بيك على أرض الرافدين) ،
يا الله .. هل أنا أحلم !
إسمع يا "عزمي" .. أنا في بلاد الرافدين ..
سبقتك يا عزمي ، فقد سافرت وأنت قلت لي : سألحق بك .. ،
أتذكر الدموع التي ودّعنا بها بعضنا ، ها هي اليوم هي ذاتها .. ولكنها دموع الفرحة ..
إسمع يا عماد ويا إبراهيم ويا خليل ويا حسين .. إسمعوا يا صحابي في بلدي .. أنا في أرض الرافـــــدين ..

انهمرت بالبكاء كالطفل الصغير ، واحتضنني "أبو عبد الرحمن" العراقي ،
لا أدري كم طال المشهد .. ولم أفق إلا على صوته يقول لي (المجاهد ما يصير يبكي ، أنت الآن مجاهد) ،
مسحت دموعي كمن يحاول مداراتها ، وابتسمت لكلمته ، ثم انطلقنا بالسيارة إلى حيث أراد أبو عبد الرحمن ..

لم أتكلم داخل السيارة أي كلمة ، فقط كنت ألتفت يميناً وشمالاً ..
أملأ عيني من مشاهد بغداد الرشيد .. فلعل أحد هذه الأماكن سيشهد ملاقاتي لربي ..
رددت دونما وعي :

ومُنَــايَ في مَحيايَ طعنةُ خنجرٍ ** ألقى بها رَبّــي وأنصرُ دينــي

وبلا موعد مسبق ، تلاقت تمتماتي مع كلمات السائق وهو يردد :
وين أيامنا وين .. وين قضيناهـــــا
راحت في غمضة عين .. يا محلا ذكراها
وكانت الدمــــوع هي رسالتي الوحيدة للتعبير عما بداخلي ..

توقفت السيارة ، وتوقفت معها دموعي ، ودخلنا إلى بيت أبي عبد الرحمن ..
صعدنا إلى الطابق الثاني ، وهناك على باب الغرفة المفتوح وقفت لأكثر من دقيقة أتأمل ،
هذه أول مرة أشاهد فيها "كلاشن" وسأمسكه ..
طرت إليه دونما وعيٍ ، وأخذته من مكانه ، وضممته إلى صدري أتفحص كل جزءٍ منه ،
نظرت إلى أبي عبد الرحمن العراقي ، وكان يبتسم ، ثم قال لي بيت الشعر الذي لن أنساه في وصف بندقية المجاهدين :

نــــارٌ على الأعداءِ حِينَ تبَسَّمت ** بــــردٌ على القَلبِ الحَزِينِ العَاشقِ

من طرف الباب ، لمحتُ طفلةً يقارب عمرها الخمس سنوات ..
إبتسامتها الجميلة جعلتني أناديها طالباً منها أن تأتي ..
(تعالي يا عمو ..) ناديتها ، وبنظرةِ براءةٍ رفَعَت عينيها إلى أبو عبد الرحمن العراقي كأنها تطلب الإذن منه ، فأومأ برأسه مشيراً إلها أن تأتي لي ..
بخطوات هادئة طفولية أتت .. قبّلتها ، وأجلستها في حضني ، أمسح على رأسها ..
سألت أبا عبد الرحمن : هل هذه ابنتك ؟
فقال لي : لا ، وإنما هي ابنة أحد الإخوة المجاهدين الشهداء - تقبّله الله - من المهاجرين .. من أرض الشام ..
فعرفت أنها يتيمة ، وزدت من مسحي على شعرها ،
سألتها عن إسمها (شو إسمك يا عمو) .. فقالت بلهجة طفولية (ثالة) .. تقصد "سارة" ..

نظرت في عينيها ، وتذكرت نظرات سارة ابنة أختي التي كانت تحب خالها جداً ، وتنتظر مني دوماً ان أحملها وألاعبها حينما أدخل بيتهم ..
دمعت عيناي ، واحتضنتُ سارة العراقية الشامية في آن واحد ..

أرادت سارة أن تخرج من هذا الجو بخفة دمها التي لمستها من أول وهلةٍ حينما نظرت إليها ..
(عمو .. الرجّال ما بينفع يبكي .. حتى شوف أنا ما ببكي) وضحكت لكي تثبت صحة كلامها ،
قلت في نفسي : غلبتيني والله يا سارة ،
مسحت دموعي .. ثم قامت من حضني وكأنها تذكرت أمراً ما ..
بخطوات سريعة رقيقة وصلت إلى باب الغرفة ، ثم التفتت إليّ وقالت لي (ما تبكي .. طيب .. راجعة بسرعة يا عمو)

أتت سارة ، واندفعت إلىّ مباشرة ، وجلست بجانبي ..
أعطيتها كل اهتمامي ، وعدّلت من جلستي لكي أكون في مواجهاً لها ..
(إنتا مجاهد زي بابا .. صح؟) سألتني وأنا في قمة انتباهي معها ،
(صح .. أنا زي بابا مجاهد) أجبتها وأنا أضحك ..
(ليش ما بتقول "الله يرحمه" .. بابا شهيد .. يعني يا عمو بابا في الجنة) .. كفى يا سارة كفى ، فأنتِ تجبريني دوماً على البكاء ..
لم أجبها إلا بالنظرات ، صوتي تحشرج ولم يخرج إلا بصعوبةٍ وأنا أقول (الله يرحمه .. في الجنة يا سارة إن شاء الله)
ثم مسحت دموعي ، وأردفت بسؤال لها وأنا مبتسم (طيب ليش يا سارة بابا في الجنة؟)
أدرات عينيها في حركة طفولية بريئة ، وكأنها تريد أن تجيبني ولكن بخجل ..
(بابا حارب الأمريكان وهم قتلوه .. عشان هيك بابا شهيد .. وأنا راح أكون مع بابا بالجنة كمان) ثم ابتسمت منتظرةً مني أن أجيبها ..
(إن شاء الله راح تكوني مع بابا) ثم احتضنتها ..
(صحيح يا سارة .. شو جبتي معك من تحت) فأنا إلى هذه اللحظة لم أدرِ ماذا جلبت معها ..
أدخلت يدها في جيبها وأخرجت ورقة متوسطة الحجم ، فهممتُ أن ألتقطها منها ، إلا أنها بادرتني بسؤال ..
(إنتا قلت إنك مجاهد .. يعني بتعرف عمو "أبو عمر البغدادي" صح؟)
ومن منا لا يعرف أمير المؤمنين في دولة العراق الإسلامية .. فقد كانت خطاباته أسهر الليالي الطوال وأنا أسمعها ، وأترنم بمداد العزة والإباء الذي كتبت به كلماته نصره الله ..
حتى أنتي يا سارة تعرفين أبا عمر .. سبحان الله !
(صح .. أكيد بعرفه) أجبتها بوجهٍ مبتسم ..
فأعطتني الورقة وقد تحولت ملامحها إلى ملامح الجدية ، وقالت لي بصوت طفوليٍ حازم (طيب وصل هادي الرسالة له .. ضروري يا عمو .. طيب) طلبت مني أن أوصل هذه الرسالة التي لم أفتحها بعد له ، ..
ثم بعدما تأكدت سارة من أنها أوصلت ما تريد ، هرولت مسرعةٍ دون أن تلفت لنداءاتي المتكررة عليها ..

عدّلت من جلستي ، ثم فتحت الرسالة وبدأت أقرأ في نفس الوقت الذي قدّم لي أبو عبد الرحمن كأساً من الشاي ..
لم أتفهم الرسالة في بداية الأمر لصعوبة فكّ الخط الذي كتبت به هذه الرسالة ، ..


عمو العزيز الغالي .. أبو عمر البغدادي ..
كيف حالك يا عمو ؟ وما هي أخبارك ؟
أسأل الله أن تكون بأحسن حال ، وأفضل صحة وعافية ، وأن تكون ذبحت من الأمريكان وكلابهم الكثير الكثير ..

أكتب لك هذه الرسالة وأبي قد مضى على ذكرى استشهاده ثلاثة أعوام .. ،
دموع العين تكتبها قبل مداد الحبر .. ،
أبي الثاني .. أبا عمر البغدادي ..
هل وصلك ما حلّ بنا يا أبي ؟
هل علمت بحالنا يا أبي ؟
تحار الكلمات في وصف ما حدث لنا يا أبي ..
أنا من الأنبار يا أبي .. وتعلم جيداً كيف كانت الأنبار يوم أن كان فيها جنود دولتك الشجعان ..
كنا نحس بمعنى الأمن ، وكانت مخصصات أمي الشهرية تصلها ، وكانت الزيارات لا تنقطع منكم ،
أما الآن .. فها أنا أجلس في بغداد بعد أن طردتُ من الأنبار حينما أخذوا منا بيتنا .. وطردونا حتى من بيتنا المستأجر .. طردونا من الأنبار .. أرض العزة والكرامة .. الأرض التي استشهد فيها أبي .. ،

دخل علينا أولئك الكلاب .. وضربوا أمي .. وضربوني .. ولم تشفع لي دمعاتي أمامهم ،
يقولون عنا أننا إرهابيين .. وطرودنا يا أبي ..

لم أشاهد أمي في حياتي تُضرب من أي أحد ، حتى من أبي رحمه الله .. واليوم رأيتها تُضرب على يد أولئك الأنجاس .. من يقولون عن أنفسهم أنهم مسلمين وعراقيين .. والإسلام والعراق منهم براء ..
أبي أبا عمر .. وضع أحدهم المسدس في رأسي وهددني بالقتل ، وأنا أبكي .. بينما هو ورفاقه يضحكون ،
حتى لعبتي الصغيرة كسروها وهم يضحكون عليّ ويستهزءون بأمي التي لم تجد ما تفعله سوى سكب الدموع ..

لم أهنأ بعيد الفطر .. ولم ألعب كما لعب الأطفال .. فأنا بنت إرهابية ! ، والسيطرة التي بجانب بيتنا المستأجر منعتنا من اللعب ، وضربني الجندي الذي كان فيها ..

لم يمر عليّ العيد بهذا الشكل حينما كنتم موجودين بجانب بيتنا ، وكان موقعكم بآخر الشارع ..
نذهب كل يوم صباحاً أنا وأختي آمنة الصغيرة لكي نأخذ الحلوى من المجاهد الذي كان يرابط في نقطة تفتيش المجاهدين بآخر الشارع .. ،

لا زلت أتذكر يوم أن أتى المجاهدين إلى بيتنا ليلة العيد ، وأهداني أحدهم فستاناً جميلاً .. ولعبة على شكل عروس ..
ولا أنسى العيدية الكبيرة التي حصلت عليها بأول يوم من كل المجاهدين الذين أتوا إلى بيتنا ..
وفي عيد الأضحى كانت أمي لا تعرف أين تضع اللحمة من كثرتها ..

تغيّرت الأنبار يا أبي .. تغيّرت بشكل كامل ،
لم أعد أرى ابتسامات الرجال الذين كنا نتعمد أن نرد عليهم السلام كلما مررنا من أمامهم ، فنحن نطمع في بعض الدنانير التي سيعطوننا إياها ..
صرنا نخاف من السيارات التي تحمل ملثمين ، بعدما كنا ننتظرهم أن يأتوا كل يوم على أحر من الجمر ، فدوماً يجب أن أجد أحدهم يحمل حلوى ، أو هدية لي ولأختي الصغيرة آمنة ..

أتذكر واحد اسمو (عمو أبو علي) .. كان دائماً يأتي لنا بقطع الشوكولاتة الصغيرة ، ويقول لي : لما تكبري يا سارة ، سأزوجك إبني علي ، وتنجبوا أبو مصعب الزرقاوي الثاني ..
أخجل من كلماته ، وآخذ هديتي وأجري أنا وأختي إلى البيت وأمي تراقبنا وتضحك ..

كل يوم خميس كنت أنا وآمنة نهمس لبعضنا ونقول : اليوم يأتي (عمو حمزة) ..
عمو حمزة من الشام ، من نفس منطقتنا في الشام ، دوماً يأتي لي بالفستق الحلبي .. والزيت والزعتر ، وهو دائماً كان يناديني (سارة المشاغبة) ..
كنت أفرح كثيراً حينما يجعلني أركب مكانه أنا وآمنة في السيارة العسكرية ، ويُجلسنا على الكرسي المخصص للرشاش ..

أبي .. أبا عمر ..
متى تعود الأنبار إلى سابق حالها ؟
ومتى أعود لبيتي الذي احتله الكلاب .. ومتى أعود وأركب على كرسي الرشاش ، وآخد الحلوى من عمو أبو علي ..؟
انتقمتم لـ(دعاء) بأكثر من 500 قتيل .. فمتى تنتقمون لي ولأمي ولدمعاتنا الغالية عليكم ،
أتمنى يا أبي أن لا تصلك رسالتي إلا وسيوف جنود الدولة تقطر من دماء الصحوات الكلاب .. ومن دماء الأمريكان ،
حينها .. وحينها فقط .. سأنام وأنا أبتسم يا أبي ..
إبنتك سارة ] ..

لم أستطع أن ألتقط أنفاسي من شدة بكائي الذي بكيته بعد هذه الرسالة ،
كأن صاعقة من السماء أرسلت على جسدي ..
معقول سارة تكتب مثل هذا الكلام .. معقول أن يحدث كل هذا وفي عيون رجال أمتي جفن يتحرك ، وقلبٌ ينبض ..
هل سنعد لكل لقاء عدّتنا المشهورة ، نعد ’العذر‘ ولا شيء سواه ..

عُذراً أيا "أنبار" إذ لم نحمل القُضُبا
ولم نَقُد نَحوكِ المَهْرِيّة النُّجُبـــا
عذراً فإن سيوف القومِ قد صَـدِأت
وخيلهم لم تَعُدْ تَسْتَمْرِؤُ التَّعَبـــا
عذراً فإن السيوف اليومَ وا أسفـاً
تخالها العينُ في أغمادِهِا حَطَبــا
عذراً فإن عِتاقَ الخَيْلِ مُنهَكَـــةً
قد أوْرَثَتْهَا سِياطُ الغَاصِبِ الوَصَبا

أتت سارة تمشي على استحياء ، وقد رأت ما فعلته رسالتها بي ..
احتضنتها ، ونظرت إلى وجهها وابتسمت ، وقلت : ستنامين مبتسمة يا سارة .. قريباً بإذن الله ،
ثم مدّت سارة يدها إلى وجهي ، ومسحت دمعتي وقالت : إنتا يا عمو مجاهد زي بابا الله يرحمه ، وبابا ما كان يبكي ..
فعدتُ واحتضنتها ، وأقسمت بيني وبين نفسي أني سأجعلك تنامين مبتسمة يا سارة ..

أتى أبو عبد الرحمن بالعَـشاءِ ، فلم تُطق نفسي الأكل ، وقلت له : جَـهِّـزْنِي لأكون إستشهادياً خلال شهرٍ واحد ، فلا أريد أن أجعل سارة تنتظر أن تبتسم عند النوم أكثر من ذلك ..
تعجّب مني ، وقال : أبهذه السرعة يا "هشام" ؟
قلت : نعم ، فلم أعد أطيق أن أرى دمعاتها من جديد ..

في اليوم التالي .. إنتقلنا إلى بيت أحد الإخوة ، ومنه إلى بيت الإستشهاديين بعد أن تمت الموافقة على دخولي ضمن قائمة العمليات الإستشهادية منتظراً دوري ..
لم أنسَ بالطبع رسالة سارة ، وأوصيت أحد الإخوة أن يوصلها لأمير المؤمنين أبو عمر البغدادي .. ،
لم أكن أدعو في ليلي سوى : اللهم لا تُؤخّر ابتسامة سارة .. اللهم عجّل بها ،
نظراتها .. بسماتها .. يدها الدافئة على وجهي .. براءتها .. كل هذا كان لا يفارقني طيلة أيامي الطويلة ،
وأتى الرد المزلزل من أمير المؤمنين ، أن وصلت رسالتك يا سارة ، ولن تنامي إلا مبتسمة قريرة العين ..

لم أكن أصدق سمعي حينما تمّت القرعة على جميع الإخوة الموجودين في البيت ، وكنت أول من اختير منهم لعملية (إعادة الأمل) .. ليست (إعادة الأمل) الفاشلة التي قام بها الأمريكان في الصومال في التسعينات ، بل (إعادة الأمل) لـِ سارة .. ولِـ آمنة .. ولآلاف من البنات الأنباريات ..

تم تجهيز الخطة ، ورصد الهدف .. وانطلقنا ،
كانت وجهتي إلى مركز أمني لكلاب الصحوات - كما سمّتهم سارة - ..
ركبت الشاحنة المفخخة ، وإلى الأنبار توجّهت ..
بدأت أتمتم بيني وبين نفسي بأنشودة (بدأ المسير إلى الهدف) .. ولم أكن وقتها أتخيل إلا ابتسامة سارة التي ستأتي على يديّ ،
لاح الهدف من بعيد ، فكبّرت الله وحمدته ، وسرت كما كان مخططا للعملية .. ،

أبشري يا سارة ..
سنعيد الأمل ، أبشري .. فـ دعاء ليست أقلّ شأناً منكِ ..
أبشري .. ستنامين الليلة مبتسمة يا سارة ،

(100 متر على وصولي للهدف) .. كانت هذه إشارة اللاسلكي قبل الأخيرة التي أرسلتها ،
(50 متراً .. نستودعكم الله ، ولقاؤنا في الجنة بإذن الله) .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله محمد رسول الله ..
الله أكبـ ..........................











(سارة .. تعالي بسرعة) كان أبو عبد الرحمن ينادي على سارة وهو في الطابق الثاني ،
أتت سارة مسرعة .. فهذه نشرة أخبار الثامنة مساءً ، ولم يعتَد أبو عبد الرحمن أن يُجلس بجانبه أحد وهو يسمعها ..
(خير يا عمو .. شو في) أقبلت وهي خائفة ، ..
(كل خير إن شاء الله) ثم طلب أبو عبد الرحمن من سارة أن تنصت للمذياع ..


الأنبـــار .. إنها الكلمة التي تحنّ سارة لسماعها ..
فـ سارة قضت كل طفولتها في الأنبار ، وآمنة أختها من مواليد الأنبار ..
(إنتا متأكد يا عمو إنهم ماتوا) تتساءل باستغرابٍ من شدة دهشتها ،
قاطعها المذياع ، وقد استجابت لمقاطعته وسكتت وأنصتت ..

وفي سياقٍ متصل .....
]
قاطعت سارة صوت المذياع ، فـوَقْـعُ المفاجأة الآن أكبر ..
(عمو أبو عمر حكى إسمي؟) تتساءل باستغراب .. ،
(نعم .. أنتِ وأختك آمنة) أجابها أبو عبد الرحمن ..
(معقووول وصلت الرسالة بالسرعة هاي) تتعجب من سرعة وصول رسالتها لأمير المؤمنين ،
لكن سارة نسيت شيئاً واحداً ،
(وين عمو "هشام" علشان يسمع الخبر) تساءلت سارة وهي تلتف حولها ،
هنا .. دمعت عين أبي عبد الرحمن ، وضمّ سارة إلى صدره ، ثم نظر لها وقال : عمو هشام ذهب عند بابا ، ذهب إلى الجنة .. ،

صُعِقت سارة من الخبر ، وبدأت تبكي بلا انقطاع ..
(لا تبكي يا سارة ، عمو هشام الآن مع بابا في الجنة ، هل أنتي غاضبة لأن عمو هشام ذهب إلى الجنة؟) قاطع بكاءها أبو عبد الرحمن بسؤاله ..
(لأ ، بس ليش ما أخدني معه؟) سألت وهي تسمح دموعها بطرف ثوبها ، ..
(حتى تنامي وأنتِ تبتسمي يا سارة) أجابها أبو عبد الرحمن وهو يبتسم ..

تهلل وجه سارة ، وابتسمت ، وأعجبت بإجابة أبي عبد الرحمن ، ولم ترد عليه سوى بالبسمات ، وانطلقت تجري من الطابق الثاني إلى الطابق الأول ، ودخلت على أمها ، وبلمح البرق ذهبت زاوية الغرفة اليمنى حيث يوجد دفترها الصغير ، وفتحت بشكل عشوائي إحدى صفحاته ، وكتبت بخطٍ مُبهم (بحبك يا عمو هشام .. بحبك يا عمو أبو عمر) ..
ثم قطعت هذه الورقة ، وعلّقتها على الجدار المقابل لفراشها ، ثم ذهب إلى فراشها بسرعة ..

(ماما ماما .. غطيني منيح) تنادي على أمها وهي تضحك ، فسألتها أمها وهي تبتسم عن سبب ضحكها ،
(اليوم حَـ أنام مبسوطة ، عمو هشام وصّل رسالتي لعمو أبو عمر ، وقتل كل الكلاب اللي ضربوني وكسروا لعبتي) ..
لم تفهم الأم ماذا تقصد سارة ، واستجابت لطلبها ، وغطّتها بشكلٍ جيد ..

اليوم ستنام سارة مبتسمة ، فقد لاح في الأفق الأمل في عودتها لبيتها ..
عاد الأمل لكي تأكل الحلوى من جديد ، وتجلس على كرسي الرشاش ، ويناديها حمزة بـ"المشاغبة سارة" ..
عــــــاد الأمل .. ونامت سارة مبتسمة كما تمنّت ..
فمن يا تُرى سيكون "هشام" الذي سيوصل رسالة سارة إلى أبي عمر ..

:::

شخابيط على جدار الواقع ،
علَّـها تلاقي "هشاماً" ويقرأها .. فينتقم لآلاف مثل سارة ..

والسلام مسك الختـــــام ،
أختكم .. مجــــــاهدة الشام

6
717

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

**مرفأ**
**مرفأ**
قصة بطولية جميلة

ككل الأشياء التي تتعلق بالشهداء

بداية جميلة ...إسلوب واضح ومتزن

أعجبتني البداية


- تسلسل الأفكار بالبداية جاء بهدوء والنهاية سريعة مباغته ربما تشبه العمليات الاستشهادية.
- الرسالة التي كتبتها ساره طويلة جداً مقارنة مع بداية انه بصعوبه فك الخط...
لو جعلتيه يتكلم بلسانها لكانت الرساله معقولة.
- فكرة الجهاد لابد أن تكون بنفس كل مؤمن ...ونسأل الله أن نكون من الشهداء
لكن إن أردتي نقل صورة جهادية , كان من الأفضل أن تكتبي عن مشاعر المجاهد وعن رغبته بلقاء الله شهيدا(اعتقد أن قصة واحدة لا تكفي لكتابتة مثل هذه المشاعر).
لكنك أتيت بقصة الصغيرة...فهل أردتي أن تكتبي عن فقدها لوالدها...وللفت الأنظار إليها؟
- اهتمام المجاهدين بابناء الشهداء فكرة راقية وجميلة ...تدل على سمو أخلاق وتكاتف أعجبني تركيزك عليها.
- بالعموم قصتك من الجميل النادر الذي لم نعد نقرأ الكثير مثله.

قلم مخلص.. ذو مبدأ ....في زمن اللامبادئ...


أشيد حقاً بالفكرة والإسلوب ...سلمت يداك

ورزقنا الله وإياكم الشهادة..
المائسة
المائسة
قصة بطولية جميلة ككل الأشياء التي تتعلق بالشهداء بداية جميلة ...إسلوب واضح ومتزن أعجبتني البداية - تسلسل الأفكار بالبداية جاء بهدوء والنهاية سريعة مباغته ربما تشبه العمليات الاستشهادية. - الرسالة التي كتبتها ساره طويلة جداً مقارنة مع بداية انه بصعوبه فك الخط... لو جعلتيه يتكلم بلسانها لكانت الرساله معقولة. - فكرة الجهاد لابد أن تكون بنفس كل مؤمن ...ونسأل الله أن نكون من الشهداء لكن إن أردتي نقل صورة جهادية , كان من الأفضل أن تكتبي عن مشاعر المجاهد وعن رغبته بلقاء الله شهيدا(اعتقد أن قصة واحدة لا تكفي لكتابتة مثل هذه المشاعر). لكنك أتيت بقصة الصغيرة...فهل أردتي أن تكتبي عن فقدها لوالدها...وللفت الأنظار إليها؟ - اهتمام المجاهدين بابناء الشهداء فكرة راقية وجميلة ...تدل على سمو أخلاق وتكاتف أعجبني تركيزك عليها. - بالعموم قصتك من الجميل النادر الذي لم نعد نقرأ الكثير مثله. قلم مخلص.. ذو مبدأ ....في زمن اللامبادئ... أشيد حقاً بالفكرة والإسلوب ...سلمت يداك ورزقنا الله وإياكم الشهادة..
قصة بطولية جميلة ككل الأشياء التي تتعلق بالشهداء بداية جميلة ...إسلوب واضح ومتزن أعجبتني...
بوركت أناملك .. دمعت عيناي و أنا أقراء القصة ,, نسأا الله تبارك و تعالى أن يفك أسرى المسلمين و ينصرهم على عدوهم .. آآآمين .
مجاهدة الشام
مجاهدة الشام
بوركت أناملك .. دمعت عيناي و أنا أقراء القصة ,, نسأا الله تبارك و تعالى أن يفك أسرى المسلمين و ينصرهم على عدوهم .. آآآمين .
بوركت أناملك .. دمعت عيناي و أنا أقراء القصة ,, نسأا الله تبارك و تعالى أن يفك أسرى المسلمين و...
الغالية مرفــأ ،
حياكِ ربي ..

:::

لا أدري ماذا أقول ، وماذا أكتب ..
فقد رفعتمونا لمقامٍ - صدقيني - لا أستحقه ،

وسام التميز لهذه المشاركة المتواضعة ..
كم هو كبيرٌ عليّ هذا الوسام .. وهذا التميز ، وما أنا إلا صاحبة ’بدايات‘ أقف أمام عمالقةِ الأدب هنا ..
لله دركم ، وعلى الله أجركم ..

:::

لم أشأ أن أطيل في سرد القصة ، فالقصة بالأساس مغزاها والعنصر الأبرز فيها هو "سارة" ،
وهشام هو سبب القصة ، فكان لا بد من التركيز على سارة ، ولأصدقكِ القول هي في الأصل لم تكن قصة ، بل كانت فقط الرسالة ، ولكني وضعتها في قالب قصصي وقلت لأجرب حظي في كتابة القصة :)

كان من المفروض أن أطيل الوصف في بيت الإستشهاديين ، وعن الصعوبات التي واجهت هشام حتى وصل للعراق ، وعن تفاصيل دقيقة كانت يُمكن أن تحصل في بيت أبي عبد الرحمن ، لكن كان للإختصار دوره الفاعل هنا ، وهذا تقصير مني ..

بخصوص الرسالة :
فقد كنت كتبت ملاحظة ، ثم شطبتها ، كانت بخصوص الرسالة وأن الكلمات التي فيها قد صيغت بالعربية الفصحى حتى تُفهم ، بعيداً عن لهجة سارة الشامية الطفولية الواضحة ، وآثرت أن أمسحها لكي يفهمها كل عضو على طريقته الخاصة ..

:::

وجودكِ هو الرائع أختاه ،
وزادت ملاحظاتك جمال الموضوع .. ورحم الله إمرءاً أهدى إليّ عيوبي ، والنصيحة بجمل كما قالوا ..

أشكرك من كل قلبي ،
ولا تحرميني هذا التواجد دوماً ..

:::

أختك .. مجـــــــاهدة الشام
مجاهدة الشام
مجاهدة الشام
الغالية مرفــأ ، حياكِ ربي .. ::: لا أدري ماذا أقول ، وماذا أكتب .. فقد رفعتمونا لمقامٍ - صدقيني - لا أستحقه ، وسام التميز لهذه المشاركة المتواضعة .. كم هو كبيرٌ عليّ هذا الوسام .. وهذا التميز ، وما أنا إلا صاحبة ’بدايات‘ أقف أمام عمالقةِ الأدب هنا .. لله دركم ، وعلى الله أجركم .. ::: لم أشأ أن أطيل في سرد القصة ، فالقصة بالأساس مغزاها والعنصر الأبرز فيها هو "سارة" ، وهشام هو سبب القصة ، فكان لا بد من التركيز على سارة ، ولأصدقكِ القول هي في الأصل لم تكن قصة ، بل كانت فقط الرسالة ، ولكني وضعتها في قالب قصصي وقلت لأجرب حظي في كتابة القصة :) كان من المفروض أن أطيل الوصف في بيت الإستشهاديين ، وعن الصعوبات التي واجهت هشام حتى وصل للعراق ، وعن تفاصيل دقيقة كانت يُمكن أن تحصل في بيت أبي عبد الرحمن ، لكن كان للإختصار دوره الفاعل هنا ، وهذا تقصير مني .. بخصوص الرسالة : فقد كنت كتبت ملاحظة ، ثم شطبتها ، كانت بخصوص الرسالة وأن الكلمات التي فيها قد صيغت بالعربية الفصحى حتى تُفهم ، بعيداً عن لهجة سارة الشامية الطفولية الواضحة ، وآثرت أن أمسحها لكي يفهمها كل عضو على طريقته الخاصة .. ::: وجودكِ هو الرائع أختاه ، وزادت ملاحظاتك جمال الموضوع .. ورحم الله إمرءاً أهدى إليّ عيوبي ، والنصيحة بجمل كما قالوا .. أشكرك من كل قلبي ، ولا تحرميني هذا التواجد دوماً .. ::: أختك .. مجـــــــاهدة الشام
الغالية مرفــأ ، حياكِ ربي .. ::: لا أدري ماذا أقول ، وماذا أكتب .. فقد رفعتمونا لمقامٍ -...
الأخت الكريمة .. المائسة ،
حياكِ ربي ..

:::

أشكر لك من كل قلبي مرورك العاطر ،
تقبل الله دعائكِ ..
ولا حرمني الله تواجدك ،،

:::

في رعاية الله أختي ،
أختك .. مجـــــاهدة الشام
*أم سجى*
*أم سجى*
سلمت يمينك
قصة رائعة ومؤثرة