إن حياة الناس في أخريات القرن العشرين حافلة بالاخطار الصحية التي لا سبيل لمنعها، فالانسان ولو حرص على انتقاء ما يناسبه من الطعام والشراب، وباعد بين جسمه والاطعمة الضارة مثل الدسم المشبع والمآكل الرخيصة السريعة على قارعة الطريق فانه يبقى عاجزاً عن حماية جسمه من كثير من المواد السامة التي تكتنفه من كل مكان.
فمثلا النفايات السامة-كما جاء فى القبس- الكثيرة الانتشار في البيئة فكل انسان إلا إذا كان يعيش حياته ليل نهار في فقاعة معقمة لا يستطيع أن يجنب نفسه شر هذه السموم، إذ ان مبيدات الحشرات والزئبق والرصاص، بل ووسائل التنظيف الجاف، وهي من السموم التي تزدحم بها البيئة، قادرة على ان تجد منفذاً تعبره إلى داخل جسم الانسان، بل تبقى مستقرة فيه احياناً.
وعلى الرغم من تقييد أو حظر استعمال بعض هذه المواد الضارة في الاقطار الصناعية الكبرى، فان ما تقدر نسبته بـ90% من الناس هناك يحملون في داخل أجسامهم آثاراً من تلك السموم التي يكثر توضعها في شحوم الجسم.
كذلك فإن عدداً من دعاة الطب البديل يدعون ان لهذه السموم العصرية ترياقاً معروفاً منذ القدم، وهو الامتناع عن الطعام لبضعة أيام متواصلة، وقد انتشرت هذه الدعوة انتشاراً واسعاً لدى الكثيرين الذين يودون تطبيق تلك النصيحة ولو جزئياً عن طريق الامتناع عن تناول العشاء، أو تجويع انفسهم عمداً مدداً تطول او تقصر بحجة الرغبة في التجدد، وبعض هؤلاء يكتفي باحتساء الماء القراح، بينما يعمد آخرون إلى شرب قليل من عصير الفواكه والزهورات.
وفي الظروف العادية يستمد الجسم طاقته من السكريات (الفحمائيات carbohydrates) ومن المواد الدسمة في الطعام. والكبد والعضلات تستطيع اختزان حاجة الانسان اليومية من هذه السكريات فإذا نفذ هذا المخزون من السكريات، فان الجسم يبدأ تلقائياً في احراق، ليس فقط المواد الشحمية المختزنة في الوركين وسواهما من اعضاء الجسم، بل يتحول ايضاً الى العضلات لكي يستمد منهما طاقته الضائعة.
وبعد ثلاثة ايام من الجوع المتواصل ترتد الى الجسم دواعي الحكمة، فيشرع بتقليل محروقاته من العضلات ويجعل الشحوم مصدره الأول للطاقة.
وهنا تتجلى فائدة الجوع كما يقول دعاة الطب البديل، إذ ان الجسم عندما يشرع في حرق شحومه فإن المواد السمية المختزنة في الشحوم تذوب وتصل الى الدورة الدموية، وعن طريقها تطرح مع البراز والبول، أي ان ذوبان الشحوم يرافقه تطهير للجسم من سمومه.
لكن يجب ألا يغيب عنا ان الامتناع عن شرب الماء قبل كل شيء هو الذي يحدث هذا التحول الاستقلابي، فالممتنعون عن شرب الماء.. اذا هم تناولوا بضعة اكواب من الماء (ما يكفيهم لجعل أجسامهم اقل حرقاً للشحوم) وبما أن الجسم لا يبدأ بهضم نفسه قبل ان يجوع اكثر من 24 ساعة.. فان الاكتفاء بالامتناع عن شرب الماء يوماً واحداً لا يؤدي وحده الى تطهير الجسم من سمومه.
وهناك حقيقة اخرى جديرة بالملاحظة، وهي ان نظرية التطهير المشار اليها عن طريق التجويع لا تخلو من نقيصة تستدعي الاجابة عن السؤال التالي:
هل من مصلحة الانسان اطلاق سموم جسمه في دورته الدموية بقصد التخلص منها؟
والاجابة عن هذا السؤال تستدعي ايراد حقيقة اخرى، ألا وهي انه مهما كان مبلغ المواد الملوثة بالجسم فانها تبقى خالية من الضرر ما دامت اسيرة النسيج الشحمي.. ولدى حرق الجسم احدى الخلايا الشحمية، فإن الجزيئات السمية تمنح فرصة اخرى لاحداث الضرر، اذ انها تدخل الدورة الدموية وتصل الى الكبد الذي يطلقها في الامعاء ومن هناك تسلك تلك السموم عدة مسارات.
بعض هذه السموم يخرجها الجسم ولكن بعضها يبقى في الجسم ولا يطرح خارجاً، وهذه السموم العصية يعود الجسم الى امتصاصها من جدران الامعاء ومنها ترتد عائدة الى الدورة الدموية.
وكان رأي الداعين الى تطهير الجسم من سمومه عن طريق الجوع الطويل، ولكن هناك من يعارض هذا الرأي ويرى انه ليس من الضروري ان يصوم الانسان بضعة ايام متواصلة بقصد تنقية جسمه من السموم، وهؤلاء لا يقولون ان في الجسم منظومة طبيعية للتخلص من السموم وان هذه المنظومة هي «الكبد».
وهم يرون ان الكبد قادر على تخليص الجسم من معظم سمومه، وان الطريقة المثلى لمساعدة الكبد على أداء دوره الطبيعي تكمن في الامتناع عن تعاطي الكحول لما هو معروف عن الخمور من انها تتدخل في الأداء الصحي لخلايا الكبد.
وليس الصوم مجرد طريقة من طرق الحفاظ على صحة الجسم بطرد السموم منه فحسب، وانما هو فريضة متأصلة في كل الأديان وكثير من الحضارات المختلفة والتي تعتبر تعذيب النفس بالامتناع عن الطعام أحد الطقوس الكبرى في عقائدها.
koketa @koketa
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
LUMEE
•
الله يجزاكي كل خير ويجعله في ميزان اعمالك الصالحه .
الصفحة الأخيرة