الإنسان والأوهام
لا شك أن الإنسان تصيبه كثير من الأوهام، وهذا الوهم الذي تتحدث عنه الأخت هو وهم الخوف الزائد التي أحست به، والأوهام كثيرة؛ بل إنني تأملت حالي وحياتي وحال الناس؛ فوجدت أن غالب أمرنا يدور على أوهامٍ في أوهام، وأننا نقتات الأوهام بكرة وعشياً في كثير من الأمور، بل لا أبالغ إذا قلت أن تأثير الأوهام في حياتنا أكبر بكثير من تأثير الحقائق، ولذلك لا تطمعوا أن أستقصي هذه الأوهام وآتي عليها في مثل هذه المحاضرة؛ فإنها أكبر بكثير من ذلك؛ لكنني سوف أتحدث عن أهم هذه الأوهام.
كثيراً ما يشكو الناس من الأمراض؛ سواء أكانت هذه الأمراض أمراضاً بدنية أم كانت أمراضاً قلبية، أي: من ضعف الإيمان، وضعف اليقين، وضعف التوكل، ومن الشهوة، ومن الشبهة…إلخ.
وأعتقد أن هذه الأمراض التي يشتكي الناس منها نصفها أمراضٌ حقيقية أو أقل من ذلك، والنصف من ذلك -بل يزيد- هي عبارة عن أمراض وهمية، فالوهم ذاته مرض أكبر وأعظم من الأمراض التي نشتكي منها.
الموت بالأوهام
ويقال في القصة أو في الأسطورة: إن الوباء -أي المرض أو الطاعون- مر برجل!
فقال له الرجل: إلى أين أنت ذاهب؟
قال: ذاهب إلى قرية كذا وكذا، لأهلك خمسة آلاف رجل قد أمرت بإهلاكهم، وفعلاً انتشر الطاعون في تلك القرية، ولكن مات خمسون ألفاً بدلاً من خمسة آلاف، ثم رجع الوباء فمر بالرجل، فقال له: من أين أتيت؟ قال: من قرية كذا وكذا، قال: إنك كذبتني! أخبرتني أنك سوف تقتل خمسة آلاف، والواقع أنك قتلت خمسين ألفاً، فقال له الوباء: كلا! أنا قتلت خمسة آلاف، أما الباقون فقد قتلهم الوهم، أي: من شدة الخوف من هذا المرض، توهموا أنهم أصيبوا بجرثومته، فما زالت بهم الأوهام حتى جعلتهم على فرشهم، وأودت بهم إلى مراقدهم وإلى قبورهم.
باختصار شديد: الوهم ينشأ من وضعنا للأشياء في غير موضعها، حين نصغِّر الكبير ونكبِّر الصغير؛ فحينئذٍ يتولد لدينا الوهم، وأضرب لكم بعض الأمثلة المادية القريبة: الشمس -مثلاً- جرمٌ هائل، ولما تقرأ كلام العلماء في جرم الشمس وحجمها وثقلها تتعجب أشد العجب!
وتقول: سبحان الله العظيم!
وتبارك الله أحسن الخالقين!
لكن حين تأتي إلى إنسان شابٍ صغير أو طفلٍ ثم تريه الشمس وهي في رابعة النهار وفي كبد السماء، وتشير إليها؛ ثم تشير في مقابل ذلك إلى شيءٍ آخر قريب من عينيك وليكن -مثلاً- برجاً ضخماً، فتقول له: أيهما أكبر؟!
بكل تأكيد هذا الصغير سوف يقول لك: إن البرج أكبر؛ مع أن هذه حقيقة مضحكة في نظر الناس؛ لأنه لا مقارنة بينهما، لكن لأن هذا الصبي الصغير لا يعرف حجم الشمس ولا يعرف أنها بعيدة عنه جداً، تصور أنه البرج -أكبر منها لأنه أقرب من الشمس- فهذا وهم في نفس الصغير! فكيف نشأ؟!
نشأ لأنه وضع الأشياء في غير موضعها، فكبرَّ الصغير -وهو البرج- وتصور أنه كبير، وصغَّر الكبير -وهو الشمس- فتصور أن الشمس صغيرة لصغر عقله، وقد نضحك نحن من هذا المثال؛ لكننا نمارس هذا المثال على نطاق أوسع، وفي مجالات أخرى.
مثال آخر -وهو مثال مادي-: لو أتيت بورقة صغيرة ووضعتها قريباً من عينيك؛ لوجدت أنها تحجب عنك الدنيا كلها! الدنيا بسعتها وعرضها احتجبت وراء قصاصة من الورق بحجم راحة اليد!
وذلك لأنك قربتها من عينيك فكبرت وغطت، أما الدنيا فكانت وراء ذلك، فهذا أيضاً وهم يحجب عن الإنسان رؤية الأشياء على حقيقتها.
وهكذا الأشياء المعنوية؛ خذ -مثلاً- قضية الموت؛ فالموت يحجبه عن كثير من الناس الوهم، لأن الموت يتصور الإنسان أنه بعيد، فينظر إليه نظرة صغيرة ولا يعطيه ما يستحق من التفكير، ولا ما يستحق من الاستعداد؛ وتكبر في عينه أشياء قريبة جداً، ولو تصور الموت؛ لتغير الميزان عنده.
حقيقة الدنيا
وأيضاً الدنيا قريبة عندنا؛ فحجبت عنا الآخرة؛ فالدنيا بالنسبة لنا -مثلما ذكرت- كالبرج الضخم عند الطفل، فالدنيا لأنها قريبة منا ونحن نعيش فيها؛ حجبت عنا الآخرة؛ فأصبحنا مشغولين مشغوفين بالدنيا ومصالحها وحقائقها، ومشغولين بها عن الدار الآخرة وما فيها، مع أنه لا مقارنة بين الدنيا والآخرة وكما قال عز وجل: أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {يؤتى بأنعم رجلٍ من أهل الدنيا، وهو من أهل النار، فيصبغ في العذاب صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟
هل مر بك نعيمٌ قط؟
فيقول: لا والله يا رب! ويؤتى بأشد أهل الدنيا بؤساً من أهل الجنة، فيغمس بالنعيم غمسة، فيقال له: يابن آدم هل رأيت شراً قط؟
هل مر بك بؤسٌ قط -أو شدة قط-؟
فيقول: لا والله يا رب! ما رأيت شراً قط، وما مر بي بؤسٌ قط}.
سبب الوهم
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إذاً ما سبب هذه القضية، وهذا الوهم الكبير الذي يحصل؟ سببه الغفلة والإغراق في الأشياء المادية التي يراها الإنسان، بمعنى أن الإنسان أعطاه الله عز وجل حواس، مثل: السمع والبصر واليد وغيرها، وأعطاه عقل فالإنسان يستخدم الحواس فيرى ويسمع فتؤثر فيه؛ لكنه لا يستخدم العقل، مع أن كثيراً من الأشياء التي مطلوب من الإنسان أن يفكر فيها؛ لا تدرك بالحواس، فمثلاً الجنة والنار لا تدرك بالحواس، وعذاب القبر لا يدرك أيضاً بالحواس، وقد تدرك آثار بعض ذلك؛ فيحتاج الإنسان إلى أن يحرك عقله، ويستخدم ما وهبه الله عز وجل ويتفكر؛ ولذلك أثنى الله عز وجل على الذي يتفكرون، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قام كما في صحيح البخاري وغيره، ففي إحدى الليالي: قام صلى الله عليه وسلم من نومه في آخر الليل، فتوضأ من شن قربة كانت معلقة، ثم نظر إلى السماء ثم قرأ الآيات العشر الأواخر من سورة آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ .
الموت ... الموت
ولذلك عند الموت -مثلاً- يصحو الإنسان على الحقائق ليجد أنه في هذه الدنيا كان يركض مغمض العينين ولا يدري ما أمامه، ولا يدري أن أمامه عن قريب حفرة سوف يقع فيها، فإذا وقع في هذه الحفرة صحا، وهي الموت، يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ *وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.
مثلاً: أنت في هذه الدنيا عندك موازين: مصالح، وأشياء تحبها، وأمور تبغضها، أناس تصادقهم، ناس تعاديهم، أشياء تفعلها، أشياء تتركها، وعندك أشياء كثيرة في هذه الدنيا، ولو سألناك على أي أساس هذه الأشياء؟!
لماذا تحب فلان وتبغض فلان؟
لماذا تفعل هذه الأشياء وتترك هذه الأشياء الأخرى؟
قد تجد أنها لمصالح دنيوية.
يتبع ان شاء الله

اسراء بنت حواء ***--- @asraaa_bnt_hoaaa
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

متفائلة2
•
السلام عليكم
أختي ا سراء بنت حواء
من دون مجامله تشوقني مواضيعك وتثير بي روح المشاركة لا حساسي بأني سانال الفائدة
فعلا ماقلتي يرمي الى شيء مأمورين به وهو التفكر والتدبر بما حولنا واحوالنا وهذه كلهامن خلق وتصرف الله عز وجل,
لقد امرناالله تعالى بالتفكر والتد بر ,وأثنى على المتفكرين فقال(( الذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ال عمران
وقد قال ابن العباس رضى الله عنهما " ان قومايفكروافي الله عز وجل" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تفكرو في خلق الله ولا تفكرو في الله ).
ان ثمرةالفكر هي العلم واستجلاب معرفة ليست حاصلة واذاحصل العلم في القلب تغير حال القلب تغيرت اعمال الجوارح . فالفكراذا هو المبدأ والمفتاح للخيرات كلها, لانه الذي ينقل من المكاره الى المحاب . ويهدي الى استثمار العلوم وانتاج المعارف والفوائد.
التذكر والتفكريثمران انواع المعارف وحقائق الايمان والاحسان. والعارف لايزال يعود بتفكيره على تذكرهحتى يفتح قفل قلبه باذن الفتاح العليم .قال الحسن البصري:مازال اهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التذكر ويناطقون القلوب حتى تنطق.
فمنزلة التذكر من التفكر منزلة حصول الشئ بعد الحصول عليه.لهذا كانت آيات الله المتلوة والمشهودة ذكرى.وقال عن القرآن (انه لتذكرة للمتقين )الحاقه48 وقال في آياتخ المشهودة ( أفلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنـينها وزيناها وما لها من فروج "6" والأرض مد د نها والقينا فيها رواسي وانبتـنا فيها من كل زوج بهيج "7" تبصرة وذكرى لكل عبد منيب "8"سورة ق ,
ف"التبصرة"الة البصر , والتذكرة الة الذكر فقرن بينهما وجعلهما لاهل الانابه .لأن العبد اذا اناب الى الله ابصر مواقع الايات والعبر لأن التذكر يعتقل المعاني التي حصلت بالتفكر في مواقع الايات والعبر بها بالتفكر وتنصقل له وتنجلي بالتذكر فيقوي العزم على السيربحسب قوة الأستبصار لأنه يوجب تحديد النظر فيمايحرك المطلب اذالطلب فرع الشعور فكلما قوي الشعور بالمحبوب اشتد سفر القلب اليه وكلما اشتغل الفكربه ازداد الشعور به والبصيرة فيه.والتذكرله.
وحياة العقل:هي صحة الادراك. وقوة الفهم وجودته وتحقيق الأنتفاع بالشئ والتضرربه وهو نور يخص الله به من يشاء من خلقه وبحسب تفاوت الناس في قوة ذلك النور وضعفه ووجوده وعدمه يقع تفاوت اذهانهم وافهامهم وادراكهم . ونسبته الى القلب كنسبة النور الباصر الي العين.
ومن تجريبات السالكين التي جربوها فالفوها صحيحه:ان من ادمن "ياحي ياقيوم لااله الاانت"اورثه ذلك حياة القلبوالغقل.
ومعذرة على الا طاله وكلى شوق الى تكملتك وبالا نتظار
ربي يسهل امرك بالدنـيا والأ خرة
أختي ا سراء بنت حواء
من دون مجامله تشوقني مواضيعك وتثير بي روح المشاركة لا حساسي بأني سانال الفائدة
فعلا ماقلتي يرمي الى شيء مأمورين به وهو التفكر والتدبر بما حولنا واحوالنا وهذه كلهامن خلق وتصرف الله عز وجل,
لقد امرناالله تعالى بالتفكر والتد بر ,وأثنى على المتفكرين فقال(( الذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ال عمران
وقد قال ابن العباس رضى الله عنهما " ان قومايفكروافي الله عز وجل" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تفكرو في خلق الله ولا تفكرو في الله ).
ان ثمرةالفكر هي العلم واستجلاب معرفة ليست حاصلة واذاحصل العلم في القلب تغير حال القلب تغيرت اعمال الجوارح . فالفكراذا هو المبدأ والمفتاح للخيرات كلها, لانه الذي ينقل من المكاره الى المحاب . ويهدي الى استثمار العلوم وانتاج المعارف والفوائد.
التذكر والتفكريثمران انواع المعارف وحقائق الايمان والاحسان. والعارف لايزال يعود بتفكيره على تذكرهحتى يفتح قفل قلبه باذن الفتاح العليم .قال الحسن البصري:مازال اهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التذكر ويناطقون القلوب حتى تنطق.
فمنزلة التذكر من التفكر منزلة حصول الشئ بعد الحصول عليه.لهذا كانت آيات الله المتلوة والمشهودة ذكرى.وقال عن القرآن (انه لتذكرة للمتقين )الحاقه48 وقال في آياتخ المشهودة ( أفلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنـينها وزيناها وما لها من فروج "6" والأرض مد د نها والقينا فيها رواسي وانبتـنا فيها من كل زوج بهيج "7" تبصرة وذكرى لكل عبد منيب "8"سورة ق ,
ف"التبصرة"الة البصر , والتذكرة الة الذكر فقرن بينهما وجعلهما لاهل الانابه .لأن العبد اذا اناب الى الله ابصر مواقع الايات والعبر لأن التذكر يعتقل المعاني التي حصلت بالتفكر في مواقع الايات والعبر بها بالتفكر وتنصقل له وتنجلي بالتذكر فيقوي العزم على السيربحسب قوة الأستبصار لأنه يوجب تحديد النظر فيمايحرك المطلب اذالطلب فرع الشعور فكلما قوي الشعور بالمحبوب اشتد سفر القلب اليه وكلما اشتغل الفكربه ازداد الشعور به والبصيرة فيه.والتذكرله.
وحياة العقل:هي صحة الادراك. وقوة الفهم وجودته وتحقيق الأنتفاع بالشئ والتضرربه وهو نور يخص الله به من يشاء من خلقه وبحسب تفاوت الناس في قوة ذلك النور وضعفه ووجوده وعدمه يقع تفاوت اذهانهم وافهامهم وادراكهم . ونسبته الى القلب كنسبة النور الباصر الي العين.
ومن تجريبات السالكين التي جربوها فالفوها صحيحه:ان من ادمن "ياحي ياقيوم لااله الاانت"اورثه ذلك حياة القلبوالغقل.
ومعذرة على الا طاله وكلى شوق الى تكملتك وبالا نتظار
ربي يسهل امرك بالدنـيا والأ خرة

جزاك الله خير اختى متفائلة2
ردك جميل ومشكورة جدا اختى على المتابعة والاهتمام وحفظك الله ورعاك
واليك باقى الموضوع
أتيناك وأنت على فراش الموت، وسألناك: هل أمورك السابقة ما زالت كما هي؟
هل الناس الذين كنت تحبهم لا زلت تحبهم؟
لقلت: لا والله! الآن أبغضهم وأتخلى عنهم! لماذا؟
لأنهم لم ينفعوك، وهل الدنيا التي كنت تحبها وتركض وراءها لازلت كذلك تحيها؟
لقلت: لا والله! مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ أي تخلى عنك.
إذاً: عند الموت تتغير الحقائق كثيراً في ذهن الإنسان، لكن بعد فوات الأوان!
إفاقة المحتضر
والإمام ابن الجوزي رحمه الله في كتاب صيد الخاطر له كلمة جميلة، وضع لها المحقق عنواناً: إفاقة المحتضر، والمحتضر هو الذي نـزل به الموت، يقول رحمه الله: أظرف الأشياء وأعجب الأشياء! إفاقة المحتضر عند موته، فإنه ينتبه انتباهاً لا يوصف، ويقلق قلقاً لا يُحد، ويتلهف على زمانه الماضي، ويود لو ترك للتدارك، أي: لو من أن يتدارك ما مضى، ويصدق توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتها من الغم والأسف، يقول: ولو وجدت ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية؛ لحصل كل مقصود من العمل بالتقوى، فالعاقل من مثل تلك الساعة -التي سوف يلقاها عند موته- وعمل بمقتضى ذلك، فإن لم يتهيأ له تصوير ذلك على حقيقته؛ تحايل على أن يتصوره على قدر إمكانه، كما روي عن حبيب العجمي أنه كان إذا أصبح يقول لامرأته: إن مت اليوم ففلان يغلسني، وفلان يحملني، فهو يتصور الأمر كأنه قريب، ولم يجعل هاجس الموت آخر ما يخطر في باله.
وذُكر رجل، بالغيبة عند معروف -وهو أحد الزهاد المعروفين- فقال معروف للمتحدث: اذكر القطن إذا وضع على عينيك.
من آثار الجهل بحقيقة الموت
فلو أن الإنسان تذكر هذه الحقيقة؛ لاعتدلت في ذهنه موازين كثيرة؛ لكن القضية أنه استبعد هذا أتم الاستبعاد، فتولد عن ذلك أمراضٌ كثيرة، منها: الانقطاع عن الله عز وجل، وضياع الإنسان في أودية الدنيا؛ ومنها إغراق الإنسان في الشكليات، فصار مأسوراً بالملابس، بالسيارة، بالزوجة، بالبيت، بالمظهر، بالوظيفة، بالسمعة، بالأمور الشكلية التي ليست مقصودة أصلاً للإنسان في الدار الآخرة؛ وإن كانت قد تكون مطية إذا أحسن فيها النية.
ومن الآثار السيئة لذلك: أن الإنسان أصبح يحسن القبيح، ويزين في عينه الحسن، كما قال الشاعر:
زُين في عينك القبيح كما زُين في عين غيرك الحسن
يقضي على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
وقال الله تعالى -وقوله أبلغ وأصدق-: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وقال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً.
تصور الموت وقت المعصية
وتصور -أخي الكريم- أن الإنسان وهو يواقع معصية: من نظرة حرام، أو شهوة حرام، أو كلمة حرام، أو ما أشبه ذلك، لو تصور نفسه في تلك اللحظة وهو يعاني سكرات الموت؛ هل كان يفعل تلك المعصية؟
كلا، ولو فعلها هل كان يتلذذ بها؟
كلا، لم يكن ليتلذذ بها، بل كان الموت ينغص عليه كل لذة، كيف لا! ونحن نجد أن الموت ينغص على الإنسان اللذات المباحة، فضلاً عن اللذات المحرمة، فضح الموت الدنيا، فلم يبق فيها لذي عقلٍ فضلاً ولا مكانة!!
الموت قد يصبح وهماً
وهذا الموت الذي نغفل عنه، هو الآخر قد يصبح وهماً من الأوهام أحياناً، بمعنى: أن بعض الناس يخاف من الموت إلى حد أن الخوف نفسه أصبح وهماً، فيتوهم الموت في كل لحظة وقيام وقعود فإذا كان الإنسان صالحاً؛ ترك العمل الصالح بسبب غلبة الخوف على قلبه، وإذا كان ضعيف الإيمان؛ ترك كثيراً من الأمور والمواقف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والدعوة -خوفاً من الموت؛ بل قد يترك بعضهم الأسفار في حج أو عمرة أو أيَّ خيرٍ خوفاً من الموت؛ وإن كان في الدنيا فقد يصاب بالأمراض، وقد رأيت عدداً من الناس يعانون من وهم الموت؛ حتى إن أحدهم كان يقول لي: أنه لا يستطيع أن يمر من عند المقبرة، فهو يعمل في مكان معين والمقبرة في طريقه، فيذهب إلى مكان بعيد، أي: يسلك طريقاً بعيده حتى يتحاشى أن يمر بالمقبرة في طريقه، لأنه يقول: إذا مررت من عند المقبرة تنغص عليَّ يومي وأصبح لا أستطيع أن أصنع شيئاً، ويقول: كلما قمت بعمل؛ أتخيل أنني لا أتمه إلا وأموت، فإني وأنا داخل عليك الآن أشكو إليك حالي، تجد أنني أفكر فيما إذا مت الآن سوف تكون -الأخ يعنيني محرجاً، كيف سوف يتصرف؟
وكيف يمكن أن أبلغ أهله؟
وكيف يمكن أن أتخلص من الموقف؟
وما أشبه ذلك.. فيقول: يهيمن عليه خوف الموت إلى حد أنه أصبح - وهذا نوعٌ من الوسوسة - الخوف من الموت وهماً كبيراً يغطي على عين الإنسان.
من فوائد معرفة حقيقة الموت
والتصور الصحيح لهذه القضية: هو أن يدرك الإنسان أن الموت أمرٌ عاديٌ جداً، فالموت هو أحد الأسباب الموصلة إلى النعيم أصلاً، سواء الذي يخاف من الموت أشد الخوف حتى أنه وصل إلى درجة الوسوسة؛ أو ذلك الإنسان الذي دفعه الخوف إلى ترك الجهر بكلمة الحق، أو ترك الأمر المعروف والنهي عن المنكر، أو ترك الجهاد في سبيل الله؛ فكل هؤلاء لم يضعوا الموت في موضعه الطبيعي ولم يعرفوا الموت حق المعرفة. فالموت هو أحد الأسباب الموصلة إلى النعيم، بل هو ولادة أخرى، كما أنك ولدت أول مرة من بطن أمك؛ كذلك تولد مرة أخرى بالموت، وتنتقل إلى عالم آخر؛ ولذلك يقول الشاعر وهو يتكلم عن أحد الموتى:
تمخضت المنون له بيومٍ أتى ولكل حاملة تمام
يعني: كأنه قال: إن المنون -وهو الموت- مخاض، يعني: ولادة أخرى للإنسان؛ ولذلك يقول بعض الحكماء: إن الإنسان في الدنيا مثل الفرخ في البيضة، فكما أن اكتمال نمو الفرخ وبلوغه -كماله المقدر له- يكون بانكسار هذه البيضة وخروجه منها، فكذلك الإنسان خروجه من هذه الدنيا -خاصةً الإنسان المؤمن- هو نوعٌ من الكمال له:-
أولاً: لخروجه على الإيمان -هذا إذا خرج مؤمناً -وتجاوزه الخطر، وتجاوز القنطرة.
ولذلك لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت كانت فاطمة رضي الله عنها تقول: {واكرب أبتاه، وترى النبي صلى الله عليه وسلم يصيبه الكرب ويتغشاه، ويتفصد جبينه عن العرق، فتقول: واكرب أبتاه، فيقول لها النبي صلى الله عليه وسلم: ليس على أبيك كرب بعد اليوم} أي: آخر ما عليه، واليوم يقضي محمد صلى الله عليه وسلم آخر ما عليه، فهذه الكربات هي آخر عهده بكل الآلام.. وبكل الأحزان.. وبكل ما يكرهه الإنسان.. بعدها يفضي إلى نعيم دائم لا تَحوَّل عنه ولا زوال، فهذا كمال للإنسان.
كما أن الإنسان المؤمن عند انتقاله إلى الدار الآخرة هو كمال أيضاً؛ لأنه ينتقل إلى رضوان الله تعالى وجنته ونعيمه، وهذا لا شك ما لا يحصله الإنسان، ولا يدركه في هذه الدنيا.
كما أنه كمال من وجه ثالث؛ فإن الإنسان في هذه الدار هي دار التي الأحزان والأكدار:
جبلت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفيرٍ هار
فاقضوا مآربكم عجالى إنما أعماركم سفرٌ من الأسفار
فالدنيا جبلت على كدر، ففيها الموت وفيها الآلام وفيها الأحزان وفيها المخاوف، وفيها الهموم، وفيها وفيها... لكن! إذا انتهى الإنسان وأفضى إلى الدار الآخرة ترك ذلك كله وراء ظهره.
يتبع ان شاء الله
ردك جميل ومشكورة جدا اختى على المتابعة والاهتمام وحفظك الله ورعاك
واليك باقى الموضوع
أتيناك وأنت على فراش الموت، وسألناك: هل أمورك السابقة ما زالت كما هي؟
هل الناس الذين كنت تحبهم لا زلت تحبهم؟
لقلت: لا والله! الآن أبغضهم وأتخلى عنهم! لماذا؟
لأنهم لم ينفعوك، وهل الدنيا التي كنت تحبها وتركض وراءها لازلت كذلك تحيها؟
لقلت: لا والله! مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ أي تخلى عنك.
إذاً: عند الموت تتغير الحقائق كثيراً في ذهن الإنسان، لكن بعد فوات الأوان!
إفاقة المحتضر
والإمام ابن الجوزي رحمه الله في كتاب صيد الخاطر له كلمة جميلة، وضع لها المحقق عنواناً: إفاقة المحتضر، والمحتضر هو الذي نـزل به الموت، يقول رحمه الله: أظرف الأشياء وأعجب الأشياء! إفاقة المحتضر عند موته، فإنه ينتبه انتباهاً لا يوصف، ويقلق قلقاً لا يُحد، ويتلهف على زمانه الماضي، ويود لو ترك للتدارك، أي: لو من أن يتدارك ما مضى، ويصدق توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتها من الغم والأسف، يقول: ولو وجدت ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية؛ لحصل كل مقصود من العمل بالتقوى، فالعاقل من مثل تلك الساعة -التي سوف يلقاها عند موته- وعمل بمقتضى ذلك، فإن لم يتهيأ له تصوير ذلك على حقيقته؛ تحايل على أن يتصوره على قدر إمكانه، كما روي عن حبيب العجمي أنه كان إذا أصبح يقول لامرأته: إن مت اليوم ففلان يغلسني، وفلان يحملني، فهو يتصور الأمر كأنه قريب، ولم يجعل هاجس الموت آخر ما يخطر في باله.
وذُكر رجل، بالغيبة عند معروف -وهو أحد الزهاد المعروفين- فقال معروف للمتحدث: اذكر القطن إذا وضع على عينيك.
من آثار الجهل بحقيقة الموت
فلو أن الإنسان تذكر هذه الحقيقة؛ لاعتدلت في ذهنه موازين كثيرة؛ لكن القضية أنه استبعد هذا أتم الاستبعاد، فتولد عن ذلك أمراضٌ كثيرة، منها: الانقطاع عن الله عز وجل، وضياع الإنسان في أودية الدنيا؛ ومنها إغراق الإنسان في الشكليات، فصار مأسوراً بالملابس، بالسيارة، بالزوجة، بالبيت، بالمظهر، بالوظيفة، بالسمعة، بالأمور الشكلية التي ليست مقصودة أصلاً للإنسان في الدار الآخرة؛ وإن كانت قد تكون مطية إذا أحسن فيها النية.
ومن الآثار السيئة لذلك: أن الإنسان أصبح يحسن القبيح، ويزين في عينه الحسن، كما قال الشاعر:
زُين في عينك القبيح كما زُين في عين غيرك الحسن
يقضي على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
وقال الله تعالى -وقوله أبلغ وأصدق-: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وقال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً.
تصور الموت وقت المعصية
وتصور -أخي الكريم- أن الإنسان وهو يواقع معصية: من نظرة حرام، أو شهوة حرام، أو كلمة حرام، أو ما أشبه ذلك، لو تصور نفسه في تلك اللحظة وهو يعاني سكرات الموت؛ هل كان يفعل تلك المعصية؟
كلا، ولو فعلها هل كان يتلذذ بها؟
كلا، لم يكن ليتلذذ بها، بل كان الموت ينغص عليه كل لذة، كيف لا! ونحن نجد أن الموت ينغص على الإنسان اللذات المباحة، فضلاً عن اللذات المحرمة، فضح الموت الدنيا، فلم يبق فيها لذي عقلٍ فضلاً ولا مكانة!!
الموت قد يصبح وهماً
وهذا الموت الذي نغفل عنه، هو الآخر قد يصبح وهماً من الأوهام أحياناً، بمعنى: أن بعض الناس يخاف من الموت إلى حد أن الخوف نفسه أصبح وهماً، فيتوهم الموت في كل لحظة وقيام وقعود فإذا كان الإنسان صالحاً؛ ترك العمل الصالح بسبب غلبة الخوف على قلبه، وإذا كان ضعيف الإيمان؛ ترك كثيراً من الأمور والمواقف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والدعوة -خوفاً من الموت؛ بل قد يترك بعضهم الأسفار في حج أو عمرة أو أيَّ خيرٍ خوفاً من الموت؛ وإن كان في الدنيا فقد يصاب بالأمراض، وقد رأيت عدداً من الناس يعانون من وهم الموت؛ حتى إن أحدهم كان يقول لي: أنه لا يستطيع أن يمر من عند المقبرة، فهو يعمل في مكان معين والمقبرة في طريقه، فيذهب إلى مكان بعيد، أي: يسلك طريقاً بعيده حتى يتحاشى أن يمر بالمقبرة في طريقه، لأنه يقول: إذا مررت من عند المقبرة تنغص عليَّ يومي وأصبح لا أستطيع أن أصنع شيئاً، ويقول: كلما قمت بعمل؛ أتخيل أنني لا أتمه إلا وأموت، فإني وأنا داخل عليك الآن أشكو إليك حالي، تجد أنني أفكر فيما إذا مت الآن سوف تكون -الأخ يعنيني محرجاً، كيف سوف يتصرف؟
وكيف يمكن أن أبلغ أهله؟
وكيف يمكن أن أتخلص من الموقف؟
وما أشبه ذلك.. فيقول: يهيمن عليه خوف الموت إلى حد أنه أصبح - وهذا نوعٌ من الوسوسة - الخوف من الموت وهماً كبيراً يغطي على عين الإنسان.
من فوائد معرفة حقيقة الموت
والتصور الصحيح لهذه القضية: هو أن يدرك الإنسان أن الموت أمرٌ عاديٌ جداً، فالموت هو أحد الأسباب الموصلة إلى النعيم أصلاً، سواء الذي يخاف من الموت أشد الخوف حتى أنه وصل إلى درجة الوسوسة؛ أو ذلك الإنسان الذي دفعه الخوف إلى ترك الجهر بكلمة الحق، أو ترك الأمر المعروف والنهي عن المنكر، أو ترك الجهاد في سبيل الله؛ فكل هؤلاء لم يضعوا الموت في موضعه الطبيعي ولم يعرفوا الموت حق المعرفة. فالموت هو أحد الأسباب الموصلة إلى النعيم، بل هو ولادة أخرى، كما أنك ولدت أول مرة من بطن أمك؛ كذلك تولد مرة أخرى بالموت، وتنتقل إلى عالم آخر؛ ولذلك يقول الشاعر وهو يتكلم عن أحد الموتى:
تمخضت المنون له بيومٍ أتى ولكل حاملة تمام
يعني: كأنه قال: إن المنون -وهو الموت- مخاض، يعني: ولادة أخرى للإنسان؛ ولذلك يقول بعض الحكماء: إن الإنسان في الدنيا مثل الفرخ في البيضة، فكما أن اكتمال نمو الفرخ وبلوغه -كماله المقدر له- يكون بانكسار هذه البيضة وخروجه منها، فكذلك الإنسان خروجه من هذه الدنيا -خاصةً الإنسان المؤمن- هو نوعٌ من الكمال له:-
أولاً: لخروجه على الإيمان -هذا إذا خرج مؤمناً -وتجاوزه الخطر، وتجاوز القنطرة.
ولذلك لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت كانت فاطمة رضي الله عنها تقول: {واكرب أبتاه، وترى النبي صلى الله عليه وسلم يصيبه الكرب ويتغشاه، ويتفصد جبينه عن العرق، فتقول: واكرب أبتاه، فيقول لها النبي صلى الله عليه وسلم: ليس على أبيك كرب بعد اليوم} أي: آخر ما عليه، واليوم يقضي محمد صلى الله عليه وسلم آخر ما عليه، فهذه الكربات هي آخر عهده بكل الآلام.. وبكل الأحزان.. وبكل ما يكرهه الإنسان.. بعدها يفضي إلى نعيم دائم لا تَحوَّل عنه ولا زوال، فهذا كمال للإنسان.
كما أن الإنسان المؤمن عند انتقاله إلى الدار الآخرة هو كمال أيضاً؛ لأنه ينتقل إلى رضوان الله تعالى وجنته ونعيمه، وهذا لا شك ما لا يحصله الإنسان، ولا يدركه في هذه الدنيا.
كما أنه كمال من وجه ثالث؛ فإن الإنسان في هذه الدار هي دار التي الأحزان والأكدار:
جبلت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفيرٍ هار
فاقضوا مآربكم عجالى إنما أعماركم سفرٌ من الأسفار
فالدنيا جبلت على كدر، ففيها الموت وفيها الآلام وفيها الأحزان وفيها المخاوف، وفيها الهموم، وفيها وفيها... لكن! إذا انتهى الإنسان وأفضى إلى الدار الآخرة ترك ذلك كله وراء ظهره.
يتبع ان شاء الله

ولذلك لا يكره الموت إلا أحد رجلين:
إنسان لا يؤمن بالدار الآخرة
إما إنسان لا يؤمن بالدار الآخرة، كافر والعياذ بالله، فيرى أنَّ قصاراة هذه الدار الدنيا، ولسان حاله كما يقول أحد الزنادقة:
خذ من الدنيا بحظ قبل أن تنقل عنها
فهي دارٌ لست تلقى بعدها أطيب منها
فهل هذا الكلام صحيح أم خاطئ؟
ليس بالضرورة أن يكون خطأ، فقد يكون صحيحاً بالنسبة له هو؛ لأنه إذا لم يكن تاب من هذا الكلام فهو من الكفار، والكفار عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا؛ فالكافر قطعاً لن يلقى بهذه الدنيا داراً أطيب منها، كيف وهو ينقل من نعيمه وملذاته وبيته وقصوره وجماله وزيناته وأمواله؛ ينقل إلى العذاب والعياذ بالله؛ وينقل إلى سخط الله عز وجل، وينقل إلى الملائكة الذين يضربونه في قبره بمطرقة من حديد فيصيح صيحة يسمعه كل شيءٍ إلا الجن والإنس -كما في حديث البراء وهو حديث صحيح- فصحيح أن الدنيا للكافر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر}.
ويروى أن الـحافظ ابن حجر رحمه الله -ذكر في ترجمته- أنه مر بموكب -وابن حجر كان إماماً جهبذاً، له مكانه وفضله -فكان يمشي معه الناس في السوق- فمر في موكب حسن برجلٍ من اليهود في مهنة رديئة -كأن يكون مثلاً: يمسح الأحذية أو غير ذلك - فوقف هذا الرجل الكافر للإمام الـحافظ ابن حجر وقال له: أريد أن أسألك سؤالاً، قال ما لديك؟
قال: أليس رسولكم -ونقول نحن صلى الله عليه وسلم- يقول: {الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر} قال: بلى، قال: لكن أنت الآن في جنة وأنا في سجن؛ فكيف يحصل هذا؟!
قال: نعم، أنت الآن وإن كنت في سجن إلا أنك إذا نسبنا ما أنت فيه وقارناه بما أنت صائر إليه في الدار الآخرة إذا ما لم تكن أسلمت فهو يعتبر جنة؛ وكذلك أنا؛ إذا وفقني الله عز وجل وسددني وثبتني ومت على الإسلام والإيمان، فما أنا فيه بالقياس إلى ما أنا صائر إليه من النعيم المقيم هو يعتبر سجناً، فأسلم هذا اليهودي، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ولذلك فإن الكافر يريد أن يأخذ مثلما سمعتم في البيت السابق الذي يقول:
خذ من الدنيا بحظٍ قبل أن تنقل عنها .........
أي: يريد أن يأخذ من هذا النعيم؛ لأنه ليس عنده إلا فترة واحدة، فقط وهي الدنيا، فيأخذ منها بقدر ما يستطيع، فهو يملئ فرجه وبطنه ويده من الشهوات بقدر ما يستطيع.
ولذلك عمر الخيام وهو أحد شعراء الفرس المشهور بالخمريات وشعر الغزل، والعكوف على الشهوات، له قصيدة -ضمن الرباعيات المشهورة له- يخاطب ساقيه أو منادمه فيقول:
أفق وصب الخمر أنعم بها …
إلى أن يقول في البيت الذي بعده:
وُروِّ أوصالي بها قبل ما يصاغ دن الخمر من شربها
يعني: عجل اسقني الخمر قبل الموت.
إذاً: الكافر هذه فلسفته وهذا مذهبه، يقول: عجل واشرب من الخمر وارتكب من الحرام، واملأ نفسك من الملذات؟
لأنه ليس عندك إلا فترة واحدة؟!
أما المؤمن فعنده منطق آخر مختلف تماماً، فهو يقول: وارد في حسابي جداً أنني أُؤجل كثيراً من أعمالي الصالحة للدار الآخرة؛ وهذا وارد جداً في الحساب، خاصة إذا كانت هذه الأعمال محرمة أو كانت مما يعوق عن الله عز وجل؛ فإن الإنسان يؤجلها؛ ولذلك قد يخرج الإنسان المال وهو يحبه، كما قال عز وجل: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً.
ولذلك روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قصة طويلة؛ وهي المعروفة بقصة سرية القراء الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض أحياءٍ من العرب، وهم سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان معهم حرام بن ملحان خال أنس بن مالك فلما جاءوا إلى القوم الذين بعثوا إليهم، وقف حرام بن ملحان يدعوهم إلى الله عز وجل، ويبلغهم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأشاروا إلى رجلٍ منهم -واحدٌ من هؤلاء الكفار المشركين المدعوين- قيل إنه عامر بن الطفيل وقيل إنه جبار بن سلمى ، فجاء إلى حرام بن ملحان وطعنه بالرمح حتى أنفذه، أي: طعنه في بطنه حتى خرج الرمح من ظهره، ففار الدم بغزارة.. فماذا صنع حرام بن ملحان ؟
والآن أنت أمام إنسان تخلى عن أمر دنيوي، تخلى عن الدنيا كلها، فهل بكى على ما خلف من الزوجة والأولاد وعلى العبيد وعلى الدنيا وعلى المزارع والبساتين؟
كلا، لم يحصل هذا، إنما استقبل الدم الذي يفور من بطنه بغزارة، حتى امتلأت يده، ثم رشق الدم على رأسه، ووجه وصدره وقال: ]
وهذا عجيب! فزت ورب الكعبة، ثم مالوا على البقية وقتلوهم، فأنـزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم قرآناً نسخ بعد ذلك، وهو:{أن بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا} فكان الرجل القاتل يتعجب من هذا المؤمن! الذي يقتل الآن، ويقول: فزت ورب الكعبة، عجيب! فهل تعتقد أنه يمثل؟!
هذا ليس موقف تمثيل، بل هذا موقف يصدق فيه الكاذب، ويؤمن فيه الكافر؛ فهو موقف جدِّ لا هزل فيه، والرجل يقول الحقيقة: ] ولابد أنه رأى بعينه وامتلأ اليقين بقلبه، فصار يقول: فزت ورب ا لكعبة.
إذاً: المؤمن عنده منطق آخر ومقياس آخر غير مقياس أهل الدنيا؛ وهذا المقياس يقول: من الممكن جداً أن يتخلى الإنسان المؤمن عن كثيرٍ من أمور الحياة الدنيا رغبة في الله تعالى والدار الآخرة.
وهذا النوع الأول من الذين يخافون من الموت: وهو الذي لا يؤمن بالدار الآخرة، فيريد أن يبقى أكبر مدة ممكنة في الدنيا، حتى يستمتع بلذاتها.
الإنسان المذنب العاصي
النوع الثاني ممن يكرهون الموت: هو الإنسان المذنب العاصي -مثلي ومثلك- ممن يخاف من ذنوبه، فهو يخاف أن يلقى الله عز وجل، وليس له وجهٌ يواجه به رب العالمين، فكيف يلقى الله وقد بارزه بالذنوب والمعاصي، وخيره إليه نازل وشره إليه صاعد؟!
فيخجل العبد من ربه، ويتمنى أن يمد الله تعالى في أجله لعله يعمل صالحاً، ولعله يجدد توبة، ولعله يكفر عما سلف من ذنوبه ومعاصيه.
ولذلك الإمام الشافعي ويذكر أنه لما حضرته الوفاة، والإمام الشافعي شاعر كما هو معروف، وهو القائل:
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد
فلما تلفت ونظر قال:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت غفاراً عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منةً وتكرما
فلولاك لم يصمد لإبليس عابدٌ فكيف وقد أغوى صفيك آدما
فللّه در العارف الندب إنه يفيض لفرط الوجد أجفانه دما
يقيم إذا ما الليل مد ظلامه على نفسه من شدة الخوف مأتما
فصيحاً إذا ما كان في ذكر ربه وفي ما سواه في الورى كان أعجما
ويذكر أياماً مضت من شبابه وما كان فيها بالجهالة أجرما
فصار قرين الهم طول نهاره أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما
يقول حبيبي أنت سؤلي وموئلي كفى بك وللراجين سؤلاً ومغنما
ألست الذي غذيتني وهديتني ولا زلت مناناً عليّ ومنعما
عسى من له الإحسان يجبر زلتي ويستر أوزاري وما قد تقدما
فهذا النمط الآخر ممن يكرهون الموت: من قدموا ذنوباً وسيئات يخافون أن يلقوا الله تبارك وتعالى بها.
يتبع ان شاء الله
إنسان لا يؤمن بالدار الآخرة
إما إنسان لا يؤمن بالدار الآخرة، كافر والعياذ بالله، فيرى أنَّ قصاراة هذه الدار الدنيا، ولسان حاله كما يقول أحد الزنادقة:
خذ من الدنيا بحظ قبل أن تنقل عنها
فهي دارٌ لست تلقى بعدها أطيب منها
فهل هذا الكلام صحيح أم خاطئ؟
ليس بالضرورة أن يكون خطأ، فقد يكون صحيحاً بالنسبة له هو؛ لأنه إذا لم يكن تاب من هذا الكلام فهو من الكفار، والكفار عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا؛ فالكافر قطعاً لن يلقى بهذه الدنيا داراً أطيب منها، كيف وهو ينقل من نعيمه وملذاته وبيته وقصوره وجماله وزيناته وأمواله؛ ينقل إلى العذاب والعياذ بالله؛ وينقل إلى سخط الله عز وجل، وينقل إلى الملائكة الذين يضربونه في قبره بمطرقة من حديد فيصيح صيحة يسمعه كل شيءٍ إلا الجن والإنس -كما في حديث البراء وهو حديث صحيح- فصحيح أن الدنيا للكافر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر}.
ويروى أن الـحافظ ابن حجر رحمه الله -ذكر في ترجمته- أنه مر بموكب -وابن حجر كان إماماً جهبذاً، له مكانه وفضله -فكان يمشي معه الناس في السوق- فمر في موكب حسن برجلٍ من اليهود في مهنة رديئة -كأن يكون مثلاً: يمسح الأحذية أو غير ذلك - فوقف هذا الرجل الكافر للإمام الـحافظ ابن حجر وقال له: أريد أن أسألك سؤالاً، قال ما لديك؟
قال: أليس رسولكم -ونقول نحن صلى الله عليه وسلم- يقول: {الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر} قال: بلى، قال: لكن أنت الآن في جنة وأنا في سجن؛ فكيف يحصل هذا؟!
قال: نعم، أنت الآن وإن كنت في سجن إلا أنك إذا نسبنا ما أنت فيه وقارناه بما أنت صائر إليه في الدار الآخرة إذا ما لم تكن أسلمت فهو يعتبر جنة؛ وكذلك أنا؛ إذا وفقني الله عز وجل وسددني وثبتني ومت على الإسلام والإيمان، فما أنا فيه بالقياس إلى ما أنا صائر إليه من النعيم المقيم هو يعتبر سجناً، فأسلم هذا اليهودي، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ولذلك فإن الكافر يريد أن يأخذ مثلما سمعتم في البيت السابق الذي يقول:
خذ من الدنيا بحظٍ قبل أن تنقل عنها .........
أي: يريد أن يأخذ من هذا النعيم؛ لأنه ليس عنده إلا فترة واحدة، فقط وهي الدنيا، فيأخذ منها بقدر ما يستطيع، فهو يملئ فرجه وبطنه ويده من الشهوات بقدر ما يستطيع.
ولذلك عمر الخيام وهو أحد شعراء الفرس المشهور بالخمريات وشعر الغزل، والعكوف على الشهوات، له قصيدة -ضمن الرباعيات المشهورة له- يخاطب ساقيه أو منادمه فيقول:
أفق وصب الخمر أنعم بها …
إلى أن يقول في البيت الذي بعده:
وُروِّ أوصالي بها قبل ما يصاغ دن الخمر من شربها
يعني: عجل اسقني الخمر قبل الموت.
إذاً: الكافر هذه فلسفته وهذا مذهبه، يقول: عجل واشرب من الخمر وارتكب من الحرام، واملأ نفسك من الملذات؟
لأنه ليس عندك إلا فترة واحدة؟!
أما المؤمن فعنده منطق آخر مختلف تماماً، فهو يقول: وارد في حسابي جداً أنني أُؤجل كثيراً من أعمالي الصالحة للدار الآخرة؛ وهذا وارد جداً في الحساب، خاصة إذا كانت هذه الأعمال محرمة أو كانت مما يعوق عن الله عز وجل؛ فإن الإنسان يؤجلها؛ ولذلك قد يخرج الإنسان المال وهو يحبه، كما قال عز وجل: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً.
ولذلك روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قصة طويلة؛ وهي المعروفة بقصة سرية القراء الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض أحياءٍ من العرب، وهم سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان معهم حرام بن ملحان خال أنس بن مالك فلما جاءوا إلى القوم الذين بعثوا إليهم، وقف حرام بن ملحان يدعوهم إلى الله عز وجل، ويبلغهم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأشاروا إلى رجلٍ منهم -واحدٌ من هؤلاء الكفار المشركين المدعوين- قيل إنه عامر بن الطفيل وقيل إنه جبار بن سلمى ، فجاء إلى حرام بن ملحان وطعنه بالرمح حتى أنفذه، أي: طعنه في بطنه حتى خرج الرمح من ظهره، ففار الدم بغزارة.. فماذا صنع حرام بن ملحان ؟
والآن أنت أمام إنسان تخلى عن أمر دنيوي، تخلى عن الدنيا كلها، فهل بكى على ما خلف من الزوجة والأولاد وعلى العبيد وعلى الدنيا وعلى المزارع والبساتين؟
كلا، لم يحصل هذا، إنما استقبل الدم الذي يفور من بطنه بغزارة، حتى امتلأت يده، ثم رشق الدم على رأسه، ووجه وصدره وقال: ]
وهذا عجيب! فزت ورب الكعبة، ثم مالوا على البقية وقتلوهم، فأنـزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم قرآناً نسخ بعد ذلك، وهو:{أن بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا} فكان الرجل القاتل يتعجب من هذا المؤمن! الذي يقتل الآن، ويقول: فزت ورب الكعبة، عجيب! فهل تعتقد أنه يمثل؟!
هذا ليس موقف تمثيل، بل هذا موقف يصدق فيه الكاذب، ويؤمن فيه الكافر؛ فهو موقف جدِّ لا هزل فيه، والرجل يقول الحقيقة: ] ولابد أنه رأى بعينه وامتلأ اليقين بقلبه، فصار يقول: فزت ورب ا لكعبة.
إذاً: المؤمن عنده منطق آخر ومقياس آخر غير مقياس أهل الدنيا؛ وهذا المقياس يقول: من الممكن جداً أن يتخلى الإنسان المؤمن عن كثيرٍ من أمور الحياة الدنيا رغبة في الله تعالى والدار الآخرة.
وهذا النوع الأول من الذين يخافون من الموت: وهو الذي لا يؤمن بالدار الآخرة، فيريد أن يبقى أكبر مدة ممكنة في الدنيا، حتى يستمتع بلذاتها.
الإنسان المذنب العاصي
النوع الثاني ممن يكرهون الموت: هو الإنسان المذنب العاصي -مثلي ومثلك- ممن يخاف من ذنوبه، فهو يخاف أن يلقى الله عز وجل، وليس له وجهٌ يواجه به رب العالمين، فكيف يلقى الله وقد بارزه بالذنوب والمعاصي، وخيره إليه نازل وشره إليه صاعد؟!
فيخجل العبد من ربه، ويتمنى أن يمد الله تعالى في أجله لعله يعمل صالحاً، ولعله يجدد توبة، ولعله يكفر عما سلف من ذنوبه ومعاصيه.
ولذلك الإمام الشافعي ويذكر أنه لما حضرته الوفاة، والإمام الشافعي شاعر كما هو معروف، وهو القائل:
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد
فلما تلفت ونظر قال:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت غفاراً عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منةً وتكرما
فلولاك لم يصمد لإبليس عابدٌ فكيف وقد أغوى صفيك آدما
فللّه در العارف الندب إنه يفيض لفرط الوجد أجفانه دما
يقيم إذا ما الليل مد ظلامه على نفسه من شدة الخوف مأتما
فصيحاً إذا ما كان في ذكر ربه وفي ما سواه في الورى كان أعجما
ويذكر أياماً مضت من شبابه وما كان فيها بالجهالة أجرما
فصار قرين الهم طول نهاره أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما
يقول حبيبي أنت سؤلي وموئلي كفى بك وللراجين سؤلاً ومغنما
ألست الذي غذيتني وهديتني ولا زلت مناناً عليّ ومنعما
عسى من له الإحسان يجبر زلتي ويستر أوزاري وما قد تقدما
فهذا النمط الآخر ممن يكرهون الموت: من قدموا ذنوباً وسيئات يخافون أن يلقوا الله تبارك وتعالى بها.
يتبع ان شاء الله
الصفحة الأخيرة
جزاك الله خيرا ..:27: