بسم الله الرحمن الرحيم
إن عدمَ الإخلاص لله تعالى في العمل خسارةٌ لا تقاس بغيرها . فتعبٌ بلا فائدة . وعمل بلا أجر .
ويُلقي المرءُ بنفسِه في نار جهنم . وقد خَلفَه أهله الصالحون وذهبوا إلى الجنة بطيب أعمالهم . وهو وعمله في النار وذلك هو الخسران المبين .
في صحيح مسلم أن رسول الله قال ( إن الله لا ينظرُ إلى صورِكم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) .
وفي صحيح مسلم أيضاً أن رسول الله قال ( إن أولَ الناس يُقضى يومَ القيامة عليه رجل استُشهد فأتى به فعرَّفه نعَمه . فعرفها قال فما عملتَ فيها قال قاتلتُ فيك حتى استشهدتُ قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال فلانٌ جريء فقد قيل . ثم أمر فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعَّلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرَّفه نعمه فعرفها قال فما عملتَ قال تعلمتُ العلمَ وعملتُ به وقرأتُ فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمتَ ليقال عالم . وقرأتَ القرآنَ ليقال هو قارئٌ فقد قيل ثم أمُر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأُتي به فعرَّفه نعمة فعرفها فقال ما عملتَ فيها قال ما تركتُ من سبيل تحب أن يُنفق فيه إلا أنفقتُ فيه لك قال كذبت ولكنك فعلتَ ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ) .
فيا من يريد الدنيا بالآخرة ويلتمس رضاء الناس بسخط الله عليه أين أنت من قول الشاعر :
وكلُّ امرئِ يوماً سيُعرف سعيُه إذا حُصِّلت عند الإله الحصائلُ
فرويداً بنفسك ورفقا بحالك ويا حريصاً على ثناء الناس عليه وأن يمدحوه بما لا يستحق.
تدبر قول ربك تعالى ( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويُعذِّب من يشاء والله على كل شيء قدير ) .
وكن على يقين بأنك مسئول عما تخفيه ، ومحاسب على ما تكتمه وتبديه ، وللآخرةُ خير لك من الأولى .
والذي عنده أقرب مما في يديك والذي تريد من غيره بعيد عنك ومتعذر عليك ولا تخدعنَّ نفسك بإصلاح عملك الظاهر مع فساد قلبك بحب السمعة والرياء ولا تحسبن الله يجهل حقيقة أمرك ومكنون سرك .
( ولقد خلقنَا الإنسانَ ونعلمُ ما توسوس به نفسك ونحن أقرب إليه من حبل الوريد * إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ).
فيا عباد الله :
زينة المرء علمه ، وثمرة العلم العمل ، وكل عمل لا يقبله الله ولا ينتفع به صاحبه ، ولا يؤدي به المأمور إلا مع الإخلاص وإنه تريدَ بهِِ الله وحده ، وسر النجاح وبلوغ الغاية لأي عامل مهما علت منزلته أو تنوع عمله هو الإخلاص . وما كان لله يتم وما كان لغير فعاقبته الخسران والفشل . ( إنما يتقبلُ الله من المتقين ) .
فيا عبدالله فلينظر كل منا إلى عمله ولا يتعب نفسه بفعل ولا ترك إلا متى شعر بأنه مخلص وإلا فإنه فاشل في محاولته وخائب في عمله وجزاؤه ضياع مجهوده وشماتة أعدائه ، ويوم القيامة يظهر سُره أو يُهتك ستره .
ويا عباد الله : لوجوب الإخلاص في كل شيء افترضت النية في الغسل والتيمم والصلاة والزكاة والصوم والاعتكاف والحج وفي نحو ستين بابا من العبادات غير ما ذكر
فتبين لنا بهذا أهمية حديث ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
وإنه حديث عظيم جليل القدر كبير الفوائد وقد شرحه شرحاً مستقلاً كثير من العلماء لأهميته منهم شيخ الإسلام بن تيمية والسيوطي وعمر الأشقر وغيرهم من شراح الأربعين .
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص ويوفقنا لصالح القول والعمل .
ولا يتم لك الإخلاص يا عبدالله إلا بالحذر من السمعة والرياء فروى البخاري ومسلم عن جندب بن عبدالله بن سفيان رضي الله عنه قال قال رسول الله من سمّع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به .
فأضر على العبد أن يعمل عملاً أو يقول قولاً لا يريد به وجه الله جميلٌ ظاهره ، فبيحٌ باطنه ، يُسِّر غيّر ما يعلن ويُظهرُ خلاف ما يُبطن . يسُبّح ويهلل ويقرأ القرآن ويخطب ويعلم ويدعو إلى الله بنفسه ، وقلبه غافل ذاهل وبغيره مشغول حسبه من الخير ثناء الناس عليه واستمالة قلوب الجاهلين إليه إذا قرأ جوّد وإذا وعظ بكى وإذا خطب أو درس لم يلحن وجاء بالعجب العجاب فلو أخلص لله لكان المصلح الحكيم والمرشد العظيم ولكن المرء يقول بفيه ما ليس بقلبه ويرائي الناس بعمله ، فكل عمل فيه رياء معدود من السيئات وإن كان صالحاً في ظاهره وما يلبث صاحُبه أن يُظهر سره ويفضح أمره فيحيق به مكره . فعلى الإخلاص وعدمه يترتب حسن الخاتمة وسوءها .
فجاء في الحديث في الصحيحين : ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )
وكان مع المسلمين في غزوة أحد رجلٌ يقاتل حتى أعجب به الناس فقال النبي إنه من أهل النار .
فاستغرب الناس ذلك وقام أحدهم ينظر أعماله وما يصنع يؤمئذ حتى إذا أثخنته الجراح أخذ سيفه فانتحر به وقتل نفسه . وقيل في ذلك .
فقال إنه كان يقاتل حمية وعصبية وأبى الله إلا أن يموت على نيته .
واعلموا يا عباد الله أن الرياء فيه تفصيل :
فإذا كان الحامل للعبد على العمل قصد مراءآة الناس واستمر هذا القصد الفاسد فعمله حابط وهو شرك أصغر و يخشى أن يتذرع به إلى الشرك الأكبر .
وإن كان الحامل على العمل إرادة وجه الله مع إرادة الناس ومراء آتهم ولم يقلع عن الرياء بعمله فظاهر النصوص أيضاً بطلان هذا العمل وإن كان الحامل للعبد على العمل وجه الله وحده ولكن عرض له الرياء في أثناء عمله فإن دفعه وأخلص لله لم يضره وإن ساكنه واطمأن اليه ونقص العمل وحصل لصاحبه من ضعف الإيمان والإخلاص بحسب ما قام به من الرياء .
والرياء يا عباد الله آفة عظيمة وتحتاج إلى علاجٍ شديد وتمرين النفس على الإخلاص ومجاهدتها في مدافعة خواطر الرياء والاستعانة بالله على دفعها لعل الله أن يُخلص إيمان العبد ويحقق توحيده .
ولنعلم يا عباد الله أن الرياء له أسباب وبواعث توقع فيه وتؤدي إليه نذكر بعضاً معها لنعرفها ونجتنبا ونعالجها حتى لا نقع في الرياء فمنها :
النشأة الأولى : كمن نشأ في بيت ويرى أهله المفاخرة والرياء والسمعة فما يكون منه إلا التقليد والمحاكاة وبمرور الزمن تتأصل هذه الآفة في نفسه .
وكذلك الصحبة السيئة التي لا هم لها إلاّ الرياء والسمعة وعدم المعرفة الحقيقية بالله هو السبب الباعث على الرياء والسمعة .
ومن أسباب الرياء الرغبة في الصدارة والمنصب وكذلك الطمع فيما في أيدي الناس وحب المحمدة والثناء من الناس والخوف من قالة الناس ولا سيما الأقران .
فهذه يا عباد الله هي أهم الأسباب التي توقع في الرياء فا عملوا رحمكم الله جاهدين على معالجتها والابتعاد عنها حتى تصح منكم أعمالكم واحذروا منها لكي لا تقعوا في الرياء و تستحقون آثاره التي منها الحرمان من الهداية والتوفيق والخاتمة السيئة ونزع الهيبة من قلوب الناس والاضطراب والقلق النفسي والإعراض من الناس وعدم التأثر بما تقول أو تفعل والفضيحة في الدنيا وعلى رؤوس الأشهاد يوم القيامة وبطلان العمل والعذاب الشديد في الآخرة كما سمعنا في حديث أول من تسعر بهم النار .
فبعد أن عرفنا يا عباد الله خطر الرياء وآثاره السيئة ومعرفة أسبابه فتعالوا معي لمعرفة طريق العلاج والتخلص منه .
فتذكّرْ يا عبد الله عواقب الرياء وانسلخ من صحبة المعروفين بالرياء والسمعة وانخرط في أحضان المخلصين العاملين ، وتعرف على الله حق المعرفة التي تقدر الله حق قدره وجاهد نفسك وهذبها من الغرائز التي تملى عليك الرياء والسمعة وأحذر حب التصدي والطمع فيما في أيدي الناس .
والتزم بآداب الإسلام في المعاملة فلا غلّو في الاحترام ولا تقصير وإنما هو الأمر الوسط وأكثر من معرفة أخبار المرآئيين وتعرف على عواقبهم وأدم النظر والسماع للنصوص المرغبة في الإخلاص والمحذرة من الرياء وحاسب نفسك أولاً بأول للوقوف على عيوبها ثم التخلص من هذه العيوب والجأ إلى الله تعالى أن يخلصك من الرياء والسمعة ، وأن يهبك الإخلاص واستعن به سبحانه وتذكر يا عبد الله أن كل شيء يجري في هذا الكون كله بقضاء الله وقدره ولو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، فعلام الخوف إذن ولماذا الرياء إذن اسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) رواه البخاري ومسلم .
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم ؛؛؛
كتبه الشيخ:عبدالله بن سفر اللغامدي

ضوء الحق @doaa_alhk
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

أمونة القمورة
•
بارك الله فيك

جزاك الله خيرعلى الطرح القيم وغفر الله لك ولوالديك
ورزقك الله الفردوس الاعلى
الى كل من تتوب ثم تعود الى الذنب وتتوب ثم تعود اليك الحل
اخطاء ومخالفات في الصلاة يقع فيها كثير من الناس
أخاطب فيك قلبك الذي ملئه حب الخير
لماذا لا يُستجاب دعاؤنا مع أن الله تعالى قد تعهّد باستجابة الدعاء،
أرقام هواتف: علماء وطلبة علم ودعاة ومفسرين رؤى ورقاة ومنسقين محاضرات
الى كل من تبحث عن السعادة والطمأنينة والراحة النفسية الى كل مهمومه
هل تعلمين لماذا لاينشرح صدرك ويزول همك رغم انك تصلين وتقراين القران وتذكورين الله ؟
ورزقك الله الفردوس الاعلى
الى كل من تتوب ثم تعود الى الذنب وتتوب ثم تعود اليك الحل
اخطاء ومخالفات في الصلاة يقع فيها كثير من الناس
أخاطب فيك قلبك الذي ملئه حب الخير
لماذا لا يُستجاب دعاؤنا مع أن الله تعالى قد تعهّد باستجابة الدعاء،
أرقام هواتف: علماء وطلبة علم ودعاة ومفسرين رؤى ورقاة ومنسقين محاضرات
الى كل من تبحث عن السعادة والطمأنينة والراحة النفسية الى كل مهمومه
هل تعلمين لماذا لاينشرح صدرك ويزول همك رغم انك تصلين وتقراين القران وتذكورين الله ؟

الصفحة الأخيرة