د.مشبب القحطاني

د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany

إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية

الإستعداد للمواجهة .. بمناسبة الهجوم الأمريكي المرتقب ..خطبة الجمعة 6/7/1423

الملتقى العام

أما بعد أيها المسلمون :

فيقول الله تعالى في كتابه العزيز (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ(172)الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(174)إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(175)وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(177)وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(178)مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ(179)

أيها الاخوة في الله
ان المتدبر لهذه الآيات الكريمات يشعر بأنها نزلت هذه الآثام .. مع ان نزولها كان قبل ألف و أربع مائة سنة .. هذه ميزة هذا القرآن .. نزل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن مازالت أحكامه وتوجيهاته تعالج واقع الناس وستستمر إلى ان يشاء الله ذلك ..
وفي هذا اليوم نقف مع الآيات الكريمات ، ونرى ماذا قال المفسرون حولها ، ونربطها بواقعنا هذه الأيام ، خصوصا في ظل التهديدات الصليبية واليهودية ، أسأل الله تعالى أن ينفعنا بها ..

1) الوقفة الأولى حول قوله تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )
قال بن كثير رحمه الله ("قوله تعالى "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا" الآية أي الذين توعدهم الناس بالجموع وخوفوهم بكثرة الأعداء فما اكترثوا لذلك بل توكلوا على الله واستعانوا به "وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )
واخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه انه قال "حسبنا الله ونعم الوكيل" قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. )
إذا هذا هو الموقف الصحيح ..عندما يتوعد الكفر ويهدد ، وعندما يجتمع أعداء الله على حرب المسلمين .. يقولها المسلم من قلبه ( حسبي الله ونعم الوكيل ) ثم يدع ما بعد ذلك لله تعالى ..

قد يقول قائل : ماذا تفيدنا أربع كلمات ..أمام الطائرات والأسلحة المدمرة .. ؟؟

وهذا يقال له هذا سؤال الماديين .. سؤال ضعاف الإيمان .. سؤال الذين لا يعرفون الله حق المعرفة ..
أما المؤمنون .. فانهم موقنون بوعد ربهم .. متوكلون على القوي الذي لا يعجزه شيء ..
ثم ان لهم سابق معرفة بنتائج هذه الكلمات .. سواء ما حصل لإبراهيم عليه السلام ، أو ما حصل لمن بعده من أولياء الله تعالى ..

لقد كانت النتائج مذهلة .. ذكرها الله تعالى بقوله ( فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) ..

قال بن كثير( أي لما توكلوا على الله كفاهم ما أهمهم ، ورد عنهم بأس من أراد كيدهم ، فرجعوا إلى بلدهم "بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء" مما أضمر لهم عدوهم "واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم"

وقال القرطبي رحمه الله (قال علماؤنا: لما فوضوا أمورهم إليه, واعتمدوا بقلوبهم عليه, أعطاهم من الجزاء أربعة معان: النعمة, والفضل, وصرف السوء, واتباع الرضا. فرضاهم عنه, ورضي عنهم. )

الوقفة الثانية حول قوله تعالى "إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
قال القرطبي رحمه الله (قال ابن عباس وغيره: المعنى يخوفكم أولياءه; أي بأوليائه, أو من أوليائه; وقال الحسن والسدي: المعنى يخوف أولياءه المنافقين; ليقعدوا عن قتال المشركين. فأما أولياء الله فإنهم لا يخافونه إذا خوفهم . وقد قيل: إن المراد هذا الذي يخوفكم بجمع الكفار شيطان من شياطين الإنس )

وقال بن كثير رحمه الله ( أي يخوفكم أولياءه ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذوو شدة .. قال الله تعالى " فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين" أي إذا سول لكم وأوهمكم فتوكلوا علي والجؤا إلي ، فإني كافيكم وناصركم عليهم .. )

أيها الاخوة : ان هذه الآيات لتشعر المسلم بالعزة والقوة حتى وان كان ضعيفا ماديا ، وأعداؤه أقوى واكثر عددا .. خصوصا وهو يقرا آيات أخرى تخاطب نبيه ومن بعده من المؤمنين كقوله تعالى ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ(51)يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) ...

كقوله تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ؟؟وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ.. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(36)وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ .. أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ(37)وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ .. قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.. إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ؟؟ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ؟؟ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ(38)قُلْ يا قوم اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(39)مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ(40)إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ(41)

الوقفة الثالثة : حول قوله تعالى (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)

قال بن كثير رحمه الله .. يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم "ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر" وذلك من شدة حرصه على الناس كان يحزنه مبادرة الكفار إلى المخالفة والعناد والشقاق .. فقال تعالى ولا يحزنك ذلك "إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة" أي حكمته فيهم أنه يريد بمشيئته وقدرته أن لا يجعل لهم نصيبا في الآخرة "ولهم عذاب عظيم".

قال القشيري: والحزن على كفر الكافر طاعة; ولكن النبّي صلى الله عليه وسلم كان يفرط في الحزن على كفر قومه, فنهي عن ذلك; كما قال: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" وقال: "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" .

أيها الاخوة هذه حال النبي صلى الله عليه وسلم ..كان حريصا على هداية الناس ، مع انهم يؤذنونه ويحاربونه وربما هددوه بالقتل ..كما فعل أهل مكة وغيرهم ..

اخوة الإيمان أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم نكل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم .



الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصاحين ، ناصر المستضعفين ، وقاهر الجبابرة والمستكبرين ..
اشهد ألا اله إلا هو وحده لا شريك له ، اله الأولين والآخرين ..
واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .. أما بعد أيها المسلمون :

الوقفة الرابعة : حول قوله تعالى "ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم ، إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين "

قال بن كثير رحمه اله وهذا كقوله "(أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون") وكقوله " ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) وكقوله "( ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون")
وعليه فعلى المسلم ألا يغتر بما عند الكفار من قوة وعدد وعدة ، ولا ينبهر بما عندهم من تقدم مادي وتقنية عاليه وخدمات متقدمة.

أيها الاخوة : أن هذه الآية لترد على بعض الناس الذين لا يعرفون حكمة الله تعالى في خلقه ، والذين يشاهدون الكفار ممتعين في ظاهر الأمر بالقوة والسلطة والمال والجاه ..فيظنون ان الله يرضى عن أولئك الكفرة ، أو انه سبحانه عاجز عنهم ،أو يظنون انهم على الحق ، أو يظنون ان النصر من شان الباطل وأهله ..
هذه الظنون يردها قوله تعالى ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم ، إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ، ولهم عذاب مهين ) عذاب مهين نتيجة لغطرستهم وفسادهم وكفرهم في الحياة الدنيا..

الوقفة الخامسة : والأخيرة حول قوله تعالى (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ(179)
يقول ابن كثير رحمه الله تعالى .. (أي لابد أن يعقد شيئا من المحنة .. يُظهرُ فيه وليُه ، ويُفضح به عدوُه ..يُعرف به المؤمن الصابر ، والمنافق الفاجر .. )

أيها الاخوة : ان المجتمعات المسلمة يعيش فيها أناس باسم الإسلام .. يتظاهرون به ، و ربما يتكسبون من ورائه ، ولكنهم في الحقيقة اقرب للكفر من الإيمان وليس من سنة الله تعالى ..ان يفضح المنافقين الذين يتظاهرون بالإيمان ..فربما تابوا قبل موتهم ، وانضموا إلى ركب المؤمنين ، فلابد إذا من ابتلاء المجتمع المسلم بأمر مهم كالحروب والنكبات حتى تتميز الصفوف ، ويتضح المؤمن الحق من المنافق ..
كما قال تعالى "وما كان الله ليطلعكم على الغيب" أي أنتم لا تعلمون غيب الله في خلقه حتى يميز لكم المؤمن من المنافق ، لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك..

ثم قال تعالى "ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء" كقوله تعالى "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا"

وفي ختام هذه الآية يقول تعالى " فآمنوا بالله ورسله " أي أطيعوا الله ورسوله واتبعوه فيما شرع لكم "
ويعد جل وعلى من آمن به واتقاه بالأجر العظيم ، وذلك في قوله ( وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم. )
أسال الله تعالى ان يجعلنا جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه...
0
565

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️