الإفراط في الحماية·· خطر على الطفــل
يشير الدكتور بيري برازلتون ، وهو مختص بشؤون الطفل، إلى مسألة بالغة الأهمية قد يتصرف خلالها الوالدان بطريقة عفوية، غير مدركين لتوابع ذلك التصرف على طفلهم وما سيلقاه من البيئة المحيطة به· فقد حضر إليه والدان لطفل يبلغ من العمر تسعة أعوام يطلبون الاستشارة لحادث مدرسي يمر به طفلهم وهو عندما انتقده معلمه بسبب انحيازه ومشاركته لزميله في المدرسة والذي يعرف عنه سوء سلوكه من ناحية عدم احترامه للغير· ولكن من الواضح أن طفلهم قد قام بالعمل الصحيح وأن المعلم لا يعرف القصة كاملة·
ورغبت والدة الطفل الذهاب إلى المدرسة والتحدث بالموضوع مع المعلم، فسألها برازلتون : هل تودين بأن تحمي طفلك في موقف يستطيع فيه أن يتصرف بطريقة صحيحة لصالحه؟·· وتدخلك المبالغ بالموضوع قد يحمل رسالة لطفلك تقول أنت لست كفؤاً لإدارة الموقف، وعليه فإنك بحاجة إلى مساعدتي · كما أن هذا قد يعرضه لعبارات السخرية من قبل زملائه في المدرسة على أنه ولد أمه ·
وبدلا من كل ذلك، تم توجيه نصح لها ولوالده بالتحدث لطفلهما كأن يقولا له: هل تستطيع أن تتولى الأمر لوحدك؟ وسوف يعطيك المعلم الوقت الكافي لتوضح له دورك في الموضوع، وإذا لم يحدث ذلك سوف نتحدث نحن معه ولكننا نفضل أن يسمع القصة منك أنت، وهذه طريقة جيده لكسب احترامه ·
**الاعتماد على النفس
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا·· هو هل نبادر بمساعدة الطفل أو نتركه يصارع التحديات في وقت مبكر من عمره· فعندما تصل حالة الصبي الصغير إلى بكاء ونظرات توسل للمساعدة من يستطيع أن يقاوم المنظر؟، وعندما تبكي الصغيرة طالبة النجدة من موقف تكون فيه عاجزة من هو الشخص الذي يمكنه أن يرفض طلبها؟ ونحن الذين اعتدنا على أن نسارع لنجدة أبنائنا الصغار·
ويضرب لنا برازلتون تجربة من حياته الخاصة· فيروي لنا كيف أن طفلته التي كانت تبلغ من العمر خمسة أشهر تنخرط في البكاء بين كل دقيقة وثانية، متوقعة أن تأتي والدتها أو أنا لحملها، وقد قمنا بذلك إلا أننا كنا في حالة إعياء شديد وغضب مما يحدث· إلى أن قررنا أخيرا وضعها في مقعدها المعلق به عدد من الألعاب الملونة التي تحبها بحيث تنظر إليها من حين لآخر، وما هي إلا فترة قصيرة حتى قل بكاؤها بدرجة ملحوظة، تلتهي بلعبها حيناً وتغفو حيناً آخر وهي سعيدة بذلك·
وعلمتني هذه التجربة كم يعني لطفل أن يجد حلا لمشكلته· وفي حالة أن قدمت مساعدة لها ولم تفلح، فإنها تشير لك بأن تترك لها المسألة قائلة: إنني أستطيع أن أقوم بها بنفسي، وإذا نجحت سترى علامات الفرح والفخر على محياها·
وفي بعض الأوقات، عندما يمر الطفل بتجربة تخيف الوالدين من طبيعتها والأمور التي سيواجهها طفلهم مثل التعرض لحادثة أو مرض ما، فإنهم يساعدونه بطريقة لا إرادية كونه طفلهم وأحيانا يكون تقديم المساعدة بطريقة مبالغ فيها تزعج الطفل وتضيق الوالدين· فعلى سبيل المثال عندما يبدأ الطفل بتعلم المشي من الطبيعي أن يمشي خطوة ويتعثر خطوات، يتعلق بالأثاث ويجلس على الأرض في نوبة بكاء من جراء الإحباط الذي يعتريه من عدم قدرته على المشي بشكل جيد· والآباء ممن يبالغون في مساعدة طفلهم بالمشي يأتون بنتائج سلبية عليه قد لا يدركونها من حيث عدم قدرته على تخطي مرحلة الإحباط التي يمر بها·
ومن جهة أخرى يوجد آباء ممن يقصفون عزيمة الطفل بالتشجيع الزائد خلال كل مرحلة تعلم يمر بها في حياته· كقولهم: دعني أريك كيف تقوم بذلك بطريقة صحيحة، أنظر هكذا··· أفعل مثلما أفعل··· غير مدركين أن التشجيع الزائد عن الحاجة قد يشعر الطفل بالضغط الكبير· ومع مرور الوقت يؤدي الطفل أعماله بالطريقة التي تعلمها من والديه· وينجزها بإحساس خالٍ من الاستقلالية والمتعة، فقط من أجل إدخال السرور لقلب والديه·
إلا أن ذلك كله لا يعني أن نسمح للأطفال بتعلم كل شيء بأنفسهم، ولكن لابد أن نظهر لهم بعضاً من الجوانب التي تساعد على إتمامهم ونجاحهم للمهام بأسلوب محفز بطريقتهم· ونذكر هنا نقطة بالغة الأهمية هي أنه عندما يبدأ الطفل بأول مهمة له في الحياة فمن المحتمل أن يصاب بالإحباط ، عندها يأتي دورنا نحن الآباء بأن نقدم له الدعم اللازم دون تدخل مباشر منا إلا إذا اتضح لنا بأنه غير قادر على القيام بها بنفسه· ولنعلمه الأساسيات في أي مهمة ونترك له المراحل الأخيرة للتعلم ليحققها بنفسه· وهذه الرعاية من قبل الوالدين تتطلب مشاركة نظرية نوعا ما دون التطفل عليه·
**تجنب التدخل
يكون الآباء خلال سنوات نمو الطفل في حيرة من أمرهم بين تدخلهم في شؤونه أو بعدم تقديم المساعدة له· وقد يكون الأمر صعبا عند الأطفال ممن هم أكبر سنا الذين يقولون وهم على يقين من أمرهم بأنهم ليسوا في حاجة للمساعدة كعباراتهم: لا تملي علي ما الذي يجب أن أفعله ، إن أصدقائي يسمح لهم آباؤهم باتخاذ قراراتهم بأنفسهم ، إلا أنه علينا أن نعلم بأنهم في حاجة إلينا وإلى إرشاداتنا ونصائحنا كحاجة من هم أصغر سنا تماما·
كما لا يخفي على الآباء حاجة أبنائهم لهم وقت الأزمات، ولنتذكر بأن هناك خيطا رفيعا بين المبالغة في ردات الفعل وبين المساندة لهم· ولنستمع لهم ونقدم لهم عدداً من الحلول المقترحة ولا نجبرهم على أخذها·
ولنعلم أن عدم المبالغة في حماية الأطفال قد يمثل تحدياً مدى الحياة· وهنا يشير برازلتون إلى أنه تعرض لموقف كان بإمكانه أن يخلط بين الأمور، عندما شاهد حفيده البالغ من العمر سبع سنوات ذات يوم وهو يقفز بدراجته للأعلى في منظر يقف له القلب ويصاب المشاهد بالهلع على مصير الطفل· فتساءل كيف سمحت له والدته بالقيام على ذلك الفعل الخطير؟· وبعد تفكير أدرك أن ذلك العرض ما كان سوى جزء ضروري من أجل انضمامه إلى شلة هؤلاء الصبية· وإن منعه من القيام بمثل تلك الحركات التنافسية قد يؤدي إلى عزله عن بقية زملائه أو يحوله إلى طفل خائف عاجز عن أداء العديد من المهمات الحياتية الأخرى·
ولا شك أن الجميع يتعلم من أخطائه وكذلك أنتم أيها الآباء فالتعلم يأتي بإدراك الأخطاء وتصحيحها· والمغالاة في حماية الأبناء قد تكون أحد تلك الأخطاء· إلا أن ذلك لا يمنع من أن الأطفال في حاجة لنا وحتى في مرحلة الشباب· يمكننا أن نستمع لهم نراقب، نعترض، نضع حدودا، ولكن الخطر الوحيد يكمن في إحباطهم وممارسة الضغط عليهم بحمايتهم بشكل مفرط وتوجيه النقد المستمر لهم· ولتناقش أطفالك حول آرائكم المختلفة ولتوضح لهم أنك تحترم رأيهم، فكل ذلك يعد فرصاً قوية للتعلم وزرع الثقة في أنفسهم·
منقوول
أم شماء @am_shmaaa
رحيق الصحة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
يعطيج العافيه