الإيمان هو الأساس الحلقة (61)

ملتقى الإيمان

دروس في الإيمان (61)

كمال شريعته وصلاحيتها للتطبيق إلى قيام الساعة

صفات واضع الشريعة تقتضي كمالها ودوام صلاحيتها:

يتصف واضع الشريعة - جل جلاله -:

بكمال العلم المنافي للجهل، وبكمال العدل المنافي للظلم، وبكمال القيومية المنافية للغفلة والسنة والنوم، وبكمال الحكمة المنافية للطيش والعشوائية والـخَرَق،وكمال الرحمة المنافي للغلظة والقسوة.

فكمال علمه تعالى:
يقتضي أن يشرع لعباده شريعة كاملة لا نقص فيها، صالحة لكل زمان ولجميع البشر في كل الأجيال، مهما اختلفت مستوياتهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والصناعية، إذ علمه محيط بالماضي والحاضر والمستقبل وتغيرات الأحوال، كما أنه محيط بالنفس الإنسانية وما يصلحها وما يفسدها، وإنما يأتي نقص التشريع من جهل المشرع بتلك الأمور أو أحدها والله تعالى منزه عن ذلك، فقد أحاط بكل شيء علماً.

وكمال عدله:
يقتضي أن يبرأ وينزه عن الهوى والمحاباة لأحد من المخلوقين، أو ظلم أحد منهم، فهو يشرع لخلقه لجلب مصالحهم ودفع المفاسد عنهم جميعاً، في كل الأحوال، لأن العدل صفة ذاتية لله تعالى، وقد حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً، وهذا بخلاف غيره من خلقه فإنهم معرضون لارتكاب الظلم، محاباة لقريب أو صديق،أو نكاية بعدو، أو اتباعا لهوى، أو غير ذلك من العوارض التي تعرض للبشر.

كما قال تعالى عن نفسه: (( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ))..

وقال: (( ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان )). والميزان العدل.

وقال تعالى: (( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم )) .

وأكثر سبحانه من أمر عباده - المعرضين للظلم والهوى والمحاباة - بالعدل.

قال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )). .

وقال تعالى: (( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى )). .

وقال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا )). .

وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (( فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم )). . والآيات في ذلك كثيرة.

وكمال قيوميته:
يقتضي أن يكون تعالى منزها من الغفلة والنسيان والسنة والنوم. وبذلك يكون تشريعه محيطا بكل مصالح العباد التي وضع شريعته لجلبها، وبجميع المفاسد التي وضع شريعته لدفعها أو رفعها.

ولهذا كان من أسمائه تعالى: (( الحي القيوم )) المقتضيان نفي السنة والنوم عنه.

كما قال تعالى: (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم )). .

ونفى عن نفسه تعالى الغفلة، فقال: (( وما الله بغافل عما تعملون )) . وغيرها كثير.

وكمال حكمته:
يقتضي أن يضع كل شيء في مكانه المناسب الذي لا يقال فيه ليته كان كذا، أو ليته لم يكن كذا، ولهذا يكثر تعقيب الله تعالى على كثير من أحكامه باسميه الكريمين (( العليم الحكيم )).

كقوله تعالى - وهو يحدد أنصباء الورثة -: (( آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إن الله كان عليماً حكيماً )). .

ومثل قوله تعالى - في تشريع أحكام القتل -: (( توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً )). .

وكمال رحمته:
يقتضي أن يشرع لعباده ما هو الأيسر لهم أو الأكثر نفعاً في الدنيا والآخرة، فلا يكلفهم ما فيه حرج عليهم، وقد يكون في بعض مايكلفهم شيء من المشقة، ولكن تلك المشقة أيسر لهم من المشقة التي تنزل بهم لو لم يكلفهم الله ذلك.

ومن أقرب الأمثلة على ذلك:
أنه تعالى شرع لهم الجهاد في سبيله، دفعا للعدوان، أو فتحاً للأبواب المغلقة أمام الجاهلين بدين الله، المحرومين من سماع الدعوة إليه، ودكاً للسدود التي يضعها الطغاة في طريق الدعوة إلى الله، فلا يدفع ذلك العدوان ويحطم تلك الأبواب ويدك تلك السدود إلا الجهاد في سبيل الله، وفيه من مشقة بذل الأموال وإزهاق الأرواح وخراب الديار وغلاء الأسعار وفقد السلع، ما لا يخفى من المشقة على المباشرين للجهاد وغيرهم من النساء والذرية وكبار السن وغيرهم.

و مع ذلك لو قورن بين تلك المشقات وما يترتب عليها من ثمار، كرفع راية الإسلام وتحطيم راية الكفر، ونيل الناس حريتهم من استعباد الطغاة لهم وصدهم عن سبيل الله وإكراههم المباشر أو غير المباشر على الكفر والفسوق والظلم والعدوان، وما يترتب على الجهاد من أمن وعدل وعبادة لله وحده، ومن قوة المسلمين وإرهابهم لعدوهم الذي أمرهم الله تعالى به في كتابه، وسلامة بلدان المسلمين من الاحتلال والاعتداء.

كل تلك المشقات التي تنال المسلمين من الجهاد في سبيل الله لا تعد شيئاً بجانب ثمراته العظيمة ما ذكر منها وما لم يذكر.

قال تعالى - نافياً إرادته الحرج على أمته فيما يشرع لهم -: (( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج )). .

وقال تعالى: (( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج )). .

وقال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً )). .
0
359

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️