دروس في الإيمان (62)
نصوص وتفاصيل وتجارب تدل على كمال هذه الشريعة.
وإضافة إلى ما مضى فقد نص الله تعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه على كمال هذه الشريعة، ودلت تفاصيلها الواردة في الكتاب والسنة على أنها شريعة كاملة، ودلت على ذلك التجربة من أول مجيء هذه الشريعة إلى يومنا هذا.
أولا: النصوص:
أما النصوص الدالة على كمال هذه الشريعة، فمنها قوله تعالى: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )). .
و منها قوله تعالى: (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )). .
وجه الدلالة من هذه الآية أن الله نفى أن يقبل من أحد غير هذا الدين، ولولا أن هذا الدين كامل لما صح النفي، إذ نقصه يقتضي الحاجة إلى تكميله، وتكميله - مع وجود نقص فيه - لا بد أن يكون من غيره، وغيره منفي القبول، فلزم أن يكون كاملاً لا نقص فيه.
ومنها قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )). .
وجه الدلالة من هذه الآية أن الله أمر بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر من المؤمنين، ثم عقب على ذلك بالأمر برد ما اختلفوا فيه من شيء إلى الله والرسول، فدل على أنه ما من شيء يختلف فيه المسلمون - بما فيه الرعية وولاة أمرهم - إلا وله في هذه الشريعة حكم فصل.
ولو كانت هذه الشريعة ناقصة لما صحت هذه الإحالة العامة، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالإحالة إلى مليء، فلا يحال إلى غير مليء، فالشريعة مليئة، أي كاملة.
ومن ذلك وصف كتابه الذي هو المصدر الأول لشريعته بأنه هدى، وأنه يهدي للتي هي أقوم.
كما في قوله تعالى(( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )). .
وقوله تعالى: (( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )). .
ثانيا: التفاصيل:
أما التفاصيل فإن الذي يطلع على تفاصيل هذه الشريعة العظيمة ويعلم منهجها في التشريع، فسيجدها شاملة كاملة كافية، في كل باب من أبواب حياة البشر، تكفلت بجلب جميع مصالح العباد، ودفع - أو رفع - كل المفاسد عنهم، ما تمسكوا بها وأطاعوا الله في أمره ونهيه، منها ما نص عليه ومنها ما دخل في عموم النصوص أو شملته عللها، ومنها ما سكتت عنه لإباحته.
وكلف الله علماء الأمة الذين تتوافر فيهم شروط الاجتهاد أن يبينوا للناس ما يجد من قضايا في حياتهم، ولا بد أن يجد العالم المجتهد الذي يستفرغ وسعه في أي قضية من القضايا النازلة بالأمة حكماً في هذه الشريعة.
ولهذا قال ابن القيم، رحمه الله - مبيناً كمال شريعة الله -:
"وقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم، وما طائر يقلب جناحيه، إلا ذكر للأمة منه علماً، وعلمهم كل شيء، حتى آداب التخلي، وآداب الجماع والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسفر والإقامة، والصمت والكلام، والعزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت.
ووصف لهم العرش والكرسي، والملائكة والجن، والنار والجنة، ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي العين، وعرفهم معبودهم وإلههم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله.
وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم وما جرى عليهم حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يعرفه نبي لأمته قبله، وعرفهم، صلى الله عليه وسلم أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما لم يعرف به نبي غيره.
وكذلك عرفهم، صلى الله عليه وسلم، من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع الفرق أهل الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة من بعده، اللهم إلا إلى من يبلغه إياه ويبينه ويوضح ما خفي عليه.
وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق النصر والظفر ما لو علموه وعقلوه ورعوه حق رعايته لم يقم لهم عدو أبداً.
وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من مكايد إبليس وطرقه التي يأتيهم منها وما يتحرزون به من كيده ومكره ما يدفعون به شره ما لا مزيد عليه.
وكذلك عرفهم، صلى الله عليه وسلم أحوال نفوسهم وأوصافها ودسائسها وكمائنها ما لا حاجة لهم معه إلى سواه.
وكذلك عرفهم، صلى الله عليه وسلم من أمور معايشهم ما لو علموه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة.
وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه، فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها، ناقصة تحتاج إلى سياسة؟ خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج منها؟! ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده.
وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم الذي وفق الله أصحاب نبيه الذين اكتفوا بما جاء به واستغنوا به عما سواه، وفتحوا به القلوب والبلاد، وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا، وهو عهدنا إليكم.
وقد كان عمر رضي الله عنه يمنع من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث؟! فالله المستعان". انتهى كلام ابن القيم رحمه الله من:
قلت:
كيف لو رأى ابن القيم اليوم اشتغال غالب قادة المسلمين من حكام، ومن يسمون بالمشرعين بزبالات أعداء الإسلام، من اليهود والنصارى والملحدين، وإحلالها محل القرآن والسنة وما استنبطه علماء الأمة منهما.
ويرون أن هذه الزبالات هي التي تصلح لحياة الأمة، وليس الشريعة الربانية، بل إنهم ليحاربون كل من دعا إلى تطبيق شريعة الله، ويصفونه بأوصاف وضعوها للدلالة على الذم تنفيراً للناس منهم، كالرجعي، والأصولي، والمتزمت، والمتشدد...
وإذا ما نبه الأمة الإسلامية منبهٌ إلى الخطر الذي حل بها من اعتداء أعدائها عليها باغتصاب أرضها وانتهاك حرماتها ونهب خيراتها، وذكرها بأمر ربها لها بجهاد عدوها وإخراجه من أرضها التي أجمعت الأمة على أن الجهاد لدفع العدوان عنها وحماية بيضة الإسلام فرض عين على جميع الأمة إذا لم تقم به طائفة كافية منها.
إذا نبهها منبه وذكرها بقول الله تعالى: (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم )). .
وصفوه بأنه إرهابي متطرف! وهم يرون أعداء الله وأعداء الأمة يقتلون المسلمين في بلاد المسلمين التي اغتصبوها، ويسجنونهم، ويعذبونهم، وينتهكون أعراضهم ويمنعونهم من دخول مساجدهم ليعبدوا ربهم فيها...!!
ثالثا: التجارب:
أما التجارب فإن التاريخ في كل العصور من يوم جاء هذا الدين إلى اليوم - وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة - شاهد على كمال هذه الشريعة، إذ لم تطبق في أي زمان أو مكان إلا أثبت تطبيقها كمالها، لنجاحها في تحقيق المصالح ودفع المفاسد التي عجزت قوانين الأرض عن تحقيقها.
و قد ضرب مثالاً لذلك في هذا العصر الأستاذ عبد القادر عودة، رحمه الله بتطبيق الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، الفقه الجنائي في الجزيرة العربية، ونجاحه نجاحا منقطع النظير.
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️