الإيمان هو الأساس: دروس في الإيمان-الدرس العشرون

ملتقى الإيمان

الإيمان هو الأساس-دروس في الإيمان (20)
حكم من تأول بعض الصفات
التنبيه الثالث: أن الذين أولوا بعض الصفات، وهم الأشعرية، لم يؤلوها عنادا، وإنما أولوها بسبب خطأ فهمهم بأن إثباتها بحسب ظاهرها يلزم منه التشبيه، فهم مجتهدون فيما ذهبوا إليه، والمجتهد معفو عنه في خطئه، مثاب على اجتهاده، فلا يجوز ذم من عفا الله عنه ووعده بالثواب،-وإن كان ذلك لايمنع من بيان الحق الذي لم يهتد إليه-ولهذا قال ابن تيمية، رحمه الله:
(ومن علم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم له، فإن الله غفر له خطأه، بل يجب لما فيه من الإيمان والتقوى موالاته ومحبته، والقيام بما أوجب الله من حقوقه، من ثناء ودعاء وغيره).
وإني أشهد الله لو أنني فهمت من ظاهر نصوص الصفات ما فهمه الأشعرية-مثلا- من أن المراد بها الجوارح الموجودة في المخلوقات لكان فرضا علي أن أتأولها تأولا يخرجها عن ذلك الظاهر الشنيع، وإن الذين نصبوا أنفسهم قضاة يشنعون على علماء الإسلام في تأويلهم الاجتهادي، ويخرجونهم بذلك الاجتهاد الذي عفا الله عنه، من صفوف أهل السنة، ويحكمون عليهم بأنهم ليسوا من الطائفة المنصورة، أقول: لو أن أولئك الذين نصبوا أنفسهم قضاة يصدرون تلك الأحكام الجائرة نشأوا في بيئة علمية أشعرية لكانوا أشعريين، بل لو أنهم نشأوا في بيئة علمية جهمية لكانوا جهميين، ولسلكوا نفس المسلك الذي نشأوا فيه، وإن الواجب علينا أن نحمد الله الذي هيأ لنا بيئة علمية تغرس في عقولنا وقلوبنا منهج القرآن والسنة وما سار عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أبواب الإيمان، منذ نعومة أظفارنا، وأن نتمسك بما قرره أهل العلم من أن المجتهد مأجور على اجتهاده، معفو عنه على خطئه، وأن ندعو لهم بالمغفرة والرحمة، وأن ننظر لجهودهم العظيمة في خدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبخاصة علماء الشافعية-من أمثال الإمام النووي، والحافظ ابن حجر وغيرهما-الذين لا ينكر خدمتهم للسنة النبوية وعلومها إلا مكابر.
ويجب الذود عن علماء الأمة الإسلامية، وعقوبة من يسلط عليهم لسانه، وبخاصة في تكفيرهم وإصدار الأحكام التي تخالف هدي الله عليهم، مع ما عرف عنهم من نصر الحق والجهاد في سبيله.
قال ابن تيمية رحمه الله:
(ليس في هذا الكلام تنقص بالرسول صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه باتفاق علماء المسلمين-إلى أن قال-: فإن تسليط الجهال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات، وإنما أصل هذا من الخوارج والروافض الذين يكفرون أئمة المسلمين، لما يعتقدون أنهم أخطؤا في الدين، وقد اتفق أهل السنة والجماعة أن علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ المحض، بل كل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم،، وليس كل من يترك بعض كلامه لخطأ أخطأه يكفر ولا يفسق، بل ولا يأثم، فإن الله تعالى قال في دعاء المؤمنين: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: (قد فعلت).
واتفق علماء المسلمين أنه لا يكفر أحد من علماء المسلمين المنازعين في عصمة الأنبياء، والذين قالوا إنه تجوز عليهم الصغائر والخطأ ولا يقرون على ذلك، لم يكفر أحد منهم باتفاق المسلمين، فإن هؤلاء يقولون: إنهم معصومون من الإقرار على ذلك، ولو كفر هؤلاء لزم تكفير كثير من الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية والأشعرية، وأهل الحديث والتفسير والصوفية الذين ليسوا كفارا باتفاق المسلمين... ومن كفرهم بذلك استحق العقوبة الغليظة التي تزجره وأمثاله عن تكفير المسلمين..).
0
468

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️