الابتلاءات تصنعنـــــا

نزهة المتفائلين

(( الابتـــلاءات تصنعنـــــا ))

نعيش جميعاً في رحى الحياة كعابري سبيل ، ولكل منا طوقٌ، حياة ذات طابع مختلف ، هذا سعيد وذاك شقي ، وآخر فقير وغيره غني ، لكن دوام الحال من المحال ، ولا مفر من تقلبات الحياة على كل إنسان منا ، وعلينا أن نعي ذلك.

إن الدنيا دار اختبار وامتحان لكل بني آدم ؛ بُنيت على ابتلاء كل منا لترى من يتحمل ويتجرع الصبر ويحمد ربه ، ومن لا يصبر ويقنط من رحمة خالقه.

من يستطيع الثبات والإصرار على تعدي الأزمة ، ومن سريعاً ما يستسلم ويقع في براثن اليأس والخسارة .

كثيرة هي الابتلاءات التي تصيبنا والتي نتعرض لها في حياتنا ، سواء كانت في الأبدان أو الأموال أو الأولاد ، فهذا مريض مرضا مزمناً ، أو فقد عضواً من أعضاء جسده أو حاسة من حواسه ، وهذا خسر كل ما يمتلك . وتلك خسرت فلذة كبدها أو زوجها ، وأخرى فاتها سن زواجها .

حتى الأنبياء والرسل لم يسلموا من الابتلاءات ؛ فقد ابتلاهم الله -عز وجل - لاختبار مدى صبرهم وثباتهم وقوة إيمانهم ، فهذا نوح - عليه السلام - ابتلاه الله في عصيان ابنه . وهذا ابتلاء أيوب- عليه السلام- حيث صبر على الألم والعذاب الجسدي ،وسيدنا يوسف عليه السلام الذي تميز بالابتلاء بالجمال الأخاذ الذي عَرضه لفتنة الشهوة من امراة العزيز ، ورسولنا الكريم محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - ذاق كل أنواع الابتلاءات من تعذيب قومه له وسخريتهم له ، وفقدان أولاده وأحبابه وأصدقاءه.

ابتلاءات مؤلمة موجعة تنزف لها القلوب ، ولكنها تأتينا محملة برسائل ربانية عظيمة ، لا يدركها إلا المؤمن بقضاء الله وقدره ،الذي يدرك أن أمره كله بيد الله وحده .
لولا الابتلاء والفشل ما كان هناك عظماء و ناجحين مشهورين ، أصبحوا نماذج مشرفة تبعث إلينا برسائل إيجابية ، فالأنبياء لولا ابتلاءاتهم ما كانت تصل رسالاتهم للناس ولا آمن بهم الناس ، وهذا طه حسين الكفيف الذي تغلب على ابتلائه في فقدان بصره أصبح عميد الأدب العربي ووزيرا للمعارف .
دكتورنا العظيم ابراهيم الفقي أيضا ؛ بدأ بالعمل كغاسل أطباق، حارس مطعم ثم حمّال مقاعد و طاولات في فندق بسيط ، استطاع أن يقضي على فقره ، حتي أصبح خبيراً مصرياً للتنمية البشرية و البرمجة اللغوية العصبية.
وهاهو إينشتاين ؛ لم يكن يستطيع التحدث حتى سن الرابعة، و أحد مدرسيه قال أنه سيظل شخص عديم القيمة طوال حياته ، فقد أصبح عالم فيزياء، و حاز على جائزة نوبل.
أمثلة ونماذج كثيرة مشرّفة ، لو درسناها حق الدراسة ، وتمعنا في حياتهم وأفكارهم ، ثم طبقنا منها ما يناسب حياتنا ؛ لأصبحت أسماؤنا موجودة جانب أسمائهم ، لخُططت في قائمة أسماء الناجحين المتميزين.

ومع ذلك يجب الانتباه بأن الابتلاء ما يقع إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة ، يقول الله تعالى { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } الشورى 30 .

ومن نعمة الله على عباده أنه جعل تلك الابتلاءات كلها كمنبهات تأتي إلينا محملة برسائل معينة تختلف باختلاف صاحبها ، وأهمها أن يوقظ الإنسان من غفلته عن ربه ؛ ومن هنا يُعرَف الإنسان المؤمن من العاصي.

اعلم أيها القارئ الكريم ؛ أيها المبتلى العزيز أن الله ما ابتلاك حتى لو بالقليل إلا لحكمة أو موعظة عظيمة ، ما أنزل عليك بلاءه إلا لحبه لك ، فالابتلاءات كفارة للذنوب ورافعة للدرجات ؛ كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة ، أوحط عنه بها خطيئة )).

جميعنا ننظر للابتلاء على أنه محنة ، ولكنه في الحقيقة منحة من الله عز وجل ، نعمة ورزق من عند الله منحنا إياه كي يكون فرصة للتفكير في عيوبنا أو أخطاءنا ، والرجوع عنها.

وقت الابتلاء فرصة لمعرفة معادن الناس ؛ فهو يكشف النقاب لمعرفة من هو الصديق الحقيقي الذي يقف بجوار صديقه ويسانده ويشجعه على الصبر الثبات ، ومن هو الصديق المزيف المخادع وصاحب المصلحة ، فالناس لا يعرف معادنهم حقاً إلا وقت الشدة.

الابتلاء منحة من الله كي نصنع حياتنا من جديدة ،بثوب منسوج من خيوط الرضا والتسليم ، حياة ترضي الله عز وجل خالية من المعاصي والذنوب ، حياة يملأها الرضا بقضاء الله وقدره ، يغمرها التفاؤل وحسن الظن بالله

لينظر كل منا لحياته ، ويدرس ما بها من ابتلاءات ، ويفهم ما تحويه من رسائل ، دعونا نجدد حياتنا ونعيشها بأفضل ما يكون ، بصورة منيرة بشعاع الرضا وحسن الظن بالله ، وترضي الله أولاً وأخيراً.

#فتحية_السيد
8
904

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

هيبة حلم
هيبة حلم
الحمدلله ع كل حال
العند
العند
لا اله الا الله
الجوهــ🦋ـــرة
الجوهــ🦋ـــرة
الله يسعدك سعاده تنسيك كل همك
كنت محتاجه بقوه لمثل هالكلمات وكانها بلسم لقلبي💔
أنهار من عسل
أنهار من عسل
موضوع قيم.. وكلمات معبرة فعلاً فنحن مزيج من ابتلاءات فالدنيا دار اختبار وابتلاء
جزاك الله خيراً..
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
أحسنت !
بارك الله بك على هذا الطرح القيم المفيد
وجعله في ميزان حسناتك .