
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين ، محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
غفل كثير من عامة المسلمين في زماننا عن حقيقة أهمية الذكر في ميزان حسنات العبد يوم القيامة ، بل إن بعض الناس ممن لا يخصص ولو جزءا بسيطا من وقته لذكر الله عز وجل الله ليعمل الحسنة يظن في نفسه أنه قد عمل عملا عظيما يرفع الدرجات ، وغفل أن الذكر يسبقها في الأجر والفضل ، فالمؤمن يعلم أن ذكر الله هي خير الأعمال وأزكاها عند الله .
وأحب الأعمال إلى الله هو ما أفترضه الله سبحانه وتعالى على عباده ويأتي بعدها في الفضل ذكر الله عز وجل .
ولهذا فإن أحب الأعمال عند الله الصلاة على وقتها .
ثم يأتي بعد أعمال الفرائض في الدرجات ذكر الله عز وجل .
ويأتي سبب إختيار العنوان "مقارنة فضل الذكر على الجهاد" أن عامة الناس قد علموا فضل الجهاد وأثره في الأمة فهو ذروة سنام الإسلام ، ولذا فعندما يُقارن عمل بالجهاد الذي نعلم فضله وعظيم أجره ، فهذا ليس إلا ليعلم من جهل فضل المُقارن بالمُقارن به ، لعل الهمة ترتفع وتنشط النفس لأداء هذه العبادة الجليلة ، فالذكر عبادة سهلة لا يترتب عليها أدنى مشقة ، فهي عبادة في متناول القوي والضعيف ، المُعافى والمُبتلى ، السليم والمريض ، الغني والفقير ، الملك والمملوك ، الرجل والمرأة ، الكبير والصغير ، عبادة لا تتطلب إلا نية صادقة ولسانا ذاكرا
فإذا علم المسلمون فضل الذكر على سائر الأعمال فإنهم يتسابقون في هذا الميدان العظيم ويحرصون على ملازمة سائر أعمالهم بالذكر ، فيكون جهادهم مقترنا بالذكر وتكون صدقتهم مقترنة بالذكر ويكون بيعهم وشرائهم مقترنا بالذكر ، ولا يجلسون مجلسا ولا يعملون عملا إلا وكان ذكر الله قرينا لكل أعمالهم ، حتى أنهم عندما يأتون نسائهم يذكرون الله فيقول "بإسم الله" ، فسبحان الله .
وقد يتبادر إلى الدهن أن جنس الجهاد في سبيل الله أفضل من جنس الذكر لما يكون في الجهاد من مشقة وخوف وبذل للدم والمال ، وهذا ظن خاطئ :
- لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي قرر على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فضل الذكر على الجهاد أو الصدقة أو غيرها من الأعمال ، فلا مجال إذا لنفي ذلك الفضل ، وهذا والله من عظيم نعم الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويثبت للقاصي والداني يسر رسالة الإسلام ، فكما أسلفنا سهولة هذه العبادة ويسرها وأنها في متناول الجميع، وتثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بُعث ميسرا لا معسرا ، هاديا لا مضلا ، فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة .
- كما أننا نورد ما قاله الشيخ سلمان العودة حفظه الله في فضل الذكر على الجهاد في سبيل الله لما تضمنه قوله من ملخص عام في هذا الموضوع شمل صفوة رأي أئمة الإسلام وذلك في رده على أحد الأسئلة :
يقول الشيخ سلمان العودة حفظه الله :
روى الإمام أحمد في مسنده (22079) بسند فيه انقطاع عن معاذ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :" ألا أخبركم بخير أعمالكم،وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرلكم من تعاطي الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم غداً فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم " قالوا : بلى يا رسول الله، قال: " ذكر الله"
وصح موقوفاً عن معاذ – رضي الله عنه – قال : ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله، من ذكر الله " رواه مالك في الموطأ (1 / 200)، والترمذي (3377)
وورد أيضاً عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - مرفوعاً بلفظ "ألا أنبئكم بخيرأعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ! قال : ذكر الله – تعالى -" رواه الترمذي ( 3377 )، ورواه ابن ماجة ( 3790 )، وأحمد ( 21702 ) (21704 )، ومالك (501) وسنده جيد
ومفهوم الحديث ماقاله ابن القيم – رحمه الله – عند ذكره لهذا الحديث : والتحقيق في ذلك أن المراتب ثلاث :
المرتبة الأولى: ذكر وجهاد، وهي أعلى المراتب، قال – تعالى - : "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون "
المرتبة الثانية: ذكر بلا جهاد، فهذه دون الأولى
المرتبة الثالثة: جهاد بلاذكر، فهي دونها، والذاكر أفضل من هذا
وإنما وضع الجهاد لأجل ذكر الله، فالمقصود من الجهاد أن يذكر الله ويعبد وحده، فتوحيده وذكره وعبادته هو غاية الخلق التي خلقوا لها، انظر حاشية ابن القيم (7 / 126).
وقال ابن تيمية – رحمه الله - : مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره : أن ملازمة ذكر الله دائماً هو أفضل ما يشغل العبد به نفسه في الجملة، ثم ذكر حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه – وقال : " والدلائل القرآنية والإيمانية بصراً وخبراً ونظراً على ذلك كثيرة" انظر (مجموع الفتاوى 10 / 660).
وقال الصنعاني – رحمه الله – "وورد في الحديث ما يدل على أن الذكر أفضل الأعمال جميعها، ثم ذكر حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه - ، وقال : ولا تعارضه أحاديث فضل الجهاد، وأنه أفضل من الذكر، لأن المراد بالذكر الأفضل من الجهاد ذكر اللسان والقلب والتفكير في المعنى، واستحضار عظمة الله – تعالى -، فهذا أفضل من الجهاد، والجهاد أفضل من الذكر باللسان فقط.
قال ابن العربي :" إنه ما من عمل صالح إلا والذكر مشترط في تصحيحه، فمن لم يذكر الله عند صدقته، أو صيامه، أو صلاته، أوحجه، فليس عمله كاملاً، فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية " انظر (سبل السلام 8/ 296)."
إنتهى هنا جواب الشيخ سلمان العودة حفظه الله على مسألة فضل الذكر على الجهاد في سبيل الله .