حين يكون الأب حاضرًا..غائبًا
مركز الاعلام العربي 12/6/1424
10/08/2003
- غياب الدور الأبوى يؤثر سلبًا على نفسية الأبناء ويصيبهم بالالتباس فى تحديد أدوارهم الجنسية.
- دور الأب لا يقل خطورة عن دور الأم، بل يزيد، والنمو العقلى للطفل مرهون بوجوده فى أسرة متكاملة الأدوار.
- الأب يلعب دورًا فى تكوين الذات العليا للطفل، ويؤثر على النمو العقلى.
- القدوة، والرحمة، والعدل، والدور العقابى؛ مقومات مهمة لقيام الأب بواجباته التربوية.
عندما يكون حضور «الأب» فى حياة أسرته حضورًا مكانيًا فحسب، بينما دوره التربوى والإنسانى غائب أو مغيب، يواجهنا السؤال الضرورى: ماذا جدَّ فصنع هذا الخلل الواضح فى الصورة الفطرية للأسرة، كما أرادها الله - كيانين متكاملين - دون تنافس على السلطة كلاهما يعرف دوره ويدرك مهامه؟
ظاهرة الأب الحاضر الغائب استوقفتنا؛ وبحثًا عن إجابة هذا السؤال الملح، وبهدف الوصول، أو العودة إلى الصورة المثلى للأسرة المسلمة؛ كان هذا التحقيق:
الزوجات تشتكين
فى البداية تقول فادية الديب (ربة منزل): إن زوجى للأسف لا يهتم إلا بجانب الإنفاق فقط، أما رعاية الأبناء وتوجيههم فإنه لا يهتم بهما، وقد أتقبل ذلك حين يكون مشغولاً فى عمله، أما أن يتخلى عن دوره حتى فى يوم أجازته فهذا ما لا يطاق.
أما نقاوة العيفى (ربة منزل) فتنفى حتى اهتمام الزوج بالإنفاق، فتقول: إن لديها ثمانية أبناء، وهى التى تسعى على رزقهم من خلال العمل فى المنازل، أما زوجها فهو عامل باليومية قد يعمل وقد لا يعمل، وهى تتحمل مسؤولية الإنفاق كاملة، مما يجعلها غير متفرغة لتربية الأبناء، كما لا يهتم أبوهم بذلك.
وتؤكد سحر عبد الله (إخصائية اجتماعية) أنها تتعرض لضغوط نفسية بسبب غياب زوجها فى سفر له أسبابه، وتجد صعوبات شتى فى مواجهة مشكلات الحياة وحدها، وبالرغم من وجود الأهل حولها وتتساءل: فما بال زوجة تفتقد زوجها وهو معها! وتعلق قائلة: إن الإحساس بعدم وجود الزوج ودوره وحضوره القوى نفسيًا، وإن وجد مكانيًا إحساس مرير مرير.
يؤثر على النمو العقلى
وتعليقًا على مشكلة غياب الدور الأبوى فى الأسرة ترى الدكتورة سهير محمد خيرى على (المدرسة بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلون) أن العائلة لها أهمية قصوى فى نمو الطفل، هذا النمو يتم ويكتمل فى إطار الأسرة عن طريق التقليد والمشاركة، مما يعنى اعتماد الطفل على والديه اعتمادًا وثيقًا على المستوى الوجدانى والنفسى فى إدراك الدور الذكرى والأنثوى، والذى لا يتم إلا من خلال وجود كل من الأب والأم داخل الأسرة.
ويعتقد البعض أن دور الأم أكثر خطورة من دور الأب، بينما الواقع يؤكد أن دور الأب له ذات خطورة دور الأم، فأصول التنشئة السليمة تقتضى وجود الأب بدوره المؤثر الفعال فى تطور نمو الطفل وتنمية ما لديه من إمكانات ذهنية ووجدانية إلى أقصى غايتها، ولقد أكدت الدراسات أن حنان الأب يجنب الطفل عوامل القلق أو الخوف أو العدوان، ويزيد من شعوره بالثقة بالنفس وتقدير الذات، بناء على شعوره بعاطفة أبيه والثناء عليه وتشجيعه لسلوكه، وتقويم أخطائه فى حب.
فوجود الأب لا يقصد به وجود صورة الأب فى الأسرة فقط دون أن يكون له أى دور فعال فى حياة الطفل، بل يعنى الأب الذى يعطى أسرته من وقته وحنانه وتفكيره واهتمامه.
وتؤكد د. سهير أن الأطفال المحرومين من الأب سريعو التأثر والحساسية والتردد والالتباس فى تحديد أدوارهم الجنسية، وذلك لأن الأب يلعب دورًا كبيرًا فى تحديد الدور الجنسى للأولاد، بمعنى تنمية السمات السلوكية التى تتناسب مع جنس الطفل وإكسابه صفات الذكورة أو صفات الأنوثة.
والأب لا يسهم فقط فى بلورة دور الجنس للطفل الذكر، بل يسهم أيضًا فى شعور البنات بأدوارهن الجنسية على عن طريق مساعدتهن نمو مفهوم الذات الأنثوى الإيجابى وتعلمهن ما يجب أن يكون عليه سلوكهن والطريقة التى تتعاملن بها مع زوج المستقبل، فتقبل الأب لابنته كأنثى يسهل تقبل الأنثى لنفسها، وهذا يساعدها بصورة أفضل على تحقيق التوافق النفسى الاجتماعى.
ويلعب الأب دورًا كبيرًا فى تكوين الذات العليا أو الضمير، بناء على درجة استيعاب الطفل لشخصية الأب واندماجه معه، وتعتبر صورة الواجبات الاجتماعية التى يتلقاها الطفل عن أبيه أول صورة للنظام الاجتماعى يواجهها الطفل، ويكيف نفسه معها.
كما يؤثر غياب الأب على النمو العقلى للطفل، إذ وجد أن غياب الأب عن الأسرة، ولو كان هذا الغياب جزئيًا لفترة قصيرة، من شأنه أن يؤثر تأثيرًا سيئًا على النمو العقلى للطفل من سن الثانية حتى السادسة.
مقومات الأب ومسؤوليته
وقد أكدت دراسة أجراها الدكتور (عدنان حسن صالح) بجامعة أم القرى، وهى إحدى الدراسات المتميزة فى حقل التربية حول دور الأب، ومسؤولية دور الأب فى تربية أبنائه، وهو دور لا تستطيع الأم القيام به بمفردها، وقد توصلت هذه الدراسة لنتائج أهمها:
إن عدم وجود الأب فى الأسرة، أو عدم قيامه بواجباته التربوية، كما يريدها الإسلام، وعدم تفهمه لطبيعة الأبناء فى مرحلة الطفولة يعيق نموهم الخلقى والفكرى والجسمى، ذلك أن للأب فى الأسرة مكانة عظيمة، فهو القائم على الأسرة بما فيها من أفراد، وهو المسؤول عن استقامتهم، وبناءً على هذه المسؤولية يتكفل تبعات تكوين الأسرة، وهى المحضن الصالح لنمو الذرية نموًا سويًا صالحًا.
وتبعًا لهذه المسؤولية؛ فإن هناك التزامات ومقومات يجب أن يتحلى بها الأب فى نفسه ليتمكن من التأثير فى الأبناء وتوجيههم الوجهة السليمة التى تكفل لهم الاستقامة والسواء.
وهذه المقومات أهمها:
القدوة: فالأب دائمًا فى موضع قدوة، والأبناء يتعلمون ويقلدون الآباء أكثر مما يظن هؤلاء الآباء، ولن يجدى معهم نصح يخالف ما يرون أو يسمعون.
وتعد الرحمة والحب من أهم دعائم وأسس التربية، وهو أمر يجمع التربويون عليه، إذ إن الآباء لا يمكنهم أن يربوا أولادهم بأسلوب الرهبة فقط، فالأبناء مهما صغروا يستطيعون أن يلمسوا البسمة الحانية ويفهموا كذلك نظرات الغضب.
كما أن العدل من أهم هذه المقومات؛ فالعدل بين الأبناء صفة يجب أن تتوفر فى الأب المربى حتى لا يثير شيطان الحقد فى نفوس الأبناء، وأخيرًا فإن مخالطة ومصادقة الأب لأبنائه ومعرفة مشاكلهم، واستخدام الحكمة فى توجيههم يعينه على جنى ثمار هذه التربية، وللأب أدوار عديدة لا تستقيم الأسرة إلا بالقيام بها، فكيف يكون حال الأسرة حين التراجع عن هذه الأدوار الأساسية والجوهرية فى تربية الطفل؟
فالأب هو المعلم الأساس للطفل فى سنواته الأولى، والتى تتم فيها (90%) من العملية التربوية، فلمن نترك تعليم أبنائنا إن نحن تخلينا عنهم فى هذه السن؟ ذلك أن الطفل يميل فى هذه الفترة لإرضاء والده، وهى فترة يجب أن يستغلها الأب فى توجيه ابنه الوجهة الحسنة، حتى لا ينشأ على ما لا يحب ولا يستطيع تقويمه، فالشاعر يقول:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت
ولا يلين إذا قــومته الخــــشب
قد ينفع الأدب الأحداث فى مهل
وليس ينفع فى ذى الشيبة الأدب
ومن أهم أدوار الأب فى تربية طفله وتهذيبه قيامه بدور المعاقب. والمربون يعترفون بأهمية العقاب ويقرونه، وفى هذا المجال لا تستطيع الأم القيام بالدور العقابى المطلوب لما هو معروف عن النساء من لين ورقة وتغلب العاطفة على العقل، فإن همت الأم بعقاب طفلها لا تلبث أن تأخذها الرأفة به وترجع عن عقابه.

عطر الزمن :
حين يكون الأب حاضرًا..غائبًا مركز الاعلام العربي 12/6/1424 10/08/2003 - غياب الدور الأبوى يؤثر سلبًا على نفسية الأبناء ويصيبهم بالالتباس فى تحديد أدوارهم الجنسية. - دور الأب لا يقل خطورة عن دور الأم، بل يزيد، والنمو العقلى للطفل مرهون بوجوده فى أسرة متكاملة الأدوار. - الأب يلعب دورًا فى تكوين الذات العليا للطفل، ويؤثر على النمو العقلى. - القدوة، والرحمة، والعدل، والدور العقابى؛ مقومات مهمة لقيام الأب بواجباته التربوية. عندما يكون حضور «الأب» فى حياة أسرته حضورًا مكانيًا فحسب، بينما دوره التربوى والإنسانى غائب أو مغيب، يواجهنا السؤال الضرورى: ماذا جدَّ فصنع هذا الخلل الواضح فى الصورة الفطرية للأسرة، كما أرادها الله - كيانين متكاملين - دون تنافس على السلطة كلاهما يعرف دوره ويدرك مهامه؟ ظاهرة الأب الحاضر الغائب استوقفتنا؛ وبحثًا عن إجابة هذا السؤال الملح، وبهدف الوصول، أو العودة إلى الصورة المثلى للأسرة المسلمة؛ كان هذا التحقيق: الزوجات تشتكين فى البداية تقول فادية الديب (ربة منزل): إن زوجى للأسف لا يهتم إلا بجانب الإنفاق فقط، أما رعاية الأبناء وتوجيههم فإنه لا يهتم بهما، وقد أتقبل ذلك حين يكون مشغولاً فى عمله، أما أن يتخلى عن دوره حتى فى يوم أجازته فهذا ما لا يطاق. أما نقاوة العيفى (ربة منزل) فتنفى حتى اهتمام الزوج بالإنفاق، فتقول: إن لديها ثمانية أبناء، وهى التى تسعى على رزقهم من خلال العمل فى المنازل، أما زوجها فهو عامل باليومية قد يعمل وقد لا يعمل، وهى تتحمل مسؤولية الإنفاق كاملة، مما يجعلها غير متفرغة لتربية الأبناء، كما لا يهتم أبوهم بذلك. وتؤكد سحر عبد الله (إخصائية اجتماعية) أنها تتعرض لضغوط نفسية بسبب غياب زوجها فى سفر له أسبابه، وتجد صعوبات شتى فى مواجهة مشكلات الحياة وحدها، وبالرغم من وجود الأهل حولها وتتساءل: فما بال زوجة تفتقد زوجها وهو معها! وتعلق قائلة: إن الإحساس بعدم وجود الزوج ودوره وحضوره القوى نفسيًا، وإن وجد مكانيًا إحساس مرير مرير. يؤثر على النمو العقلى وتعليقًا على مشكلة غياب الدور الأبوى فى الأسرة ترى الدكتورة سهير محمد خيرى على (المدرسة بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلون) أن العائلة لها أهمية قصوى فى نمو الطفل، هذا النمو يتم ويكتمل فى إطار الأسرة عن طريق التقليد والمشاركة، مما يعنى اعتماد الطفل على والديه اعتمادًا وثيقًا على المستوى الوجدانى والنفسى فى إدراك الدور الذكرى والأنثوى، والذى لا يتم إلا من خلال وجود كل من الأب والأم داخل الأسرة. ويعتقد البعض أن دور الأم أكثر خطورة من دور الأب، بينما الواقع يؤكد أن دور الأب له ذات خطورة دور الأم، فأصول التنشئة السليمة تقتضى وجود الأب بدوره المؤثر الفعال فى تطور نمو الطفل وتنمية ما لديه من إمكانات ذهنية ووجدانية إلى أقصى غايتها، ولقد أكدت الدراسات أن حنان الأب يجنب الطفل عوامل القلق أو الخوف أو العدوان، ويزيد من شعوره بالثقة بالنفس وتقدير الذات، بناء على شعوره بعاطفة أبيه والثناء عليه وتشجيعه لسلوكه، وتقويم أخطائه فى حب. فوجود الأب لا يقصد به وجود صورة الأب فى الأسرة فقط دون أن يكون له أى دور فعال فى حياة الطفل، بل يعنى الأب الذى يعطى أسرته من وقته وحنانه وتفكيره واهتمامه. وتؤكد د. سهير أن الأطفال المحرومين من الأب سريعو التأثر والحساسية والتردد والالتباس فى تحديد أدوارهم الجنسية، وذلك لأن الأب يلعب دورًا كبيرًا فى تحديد الدور الجنسى للأولاد، بمعنى تنمية السمات السلوكية التى تتناسب مع جنس الطفل وإكسابه صفات الذكورة أو صفات الأنوثة. والأب لا يسهم فقط فى بلورة دور الجنس للطفل الذكر، بل يسهم أيضًا فى شعور البنات بأدوارهن الجنسية على عن طريق مساعدتهن نمو مفهوم الذات الأنثوى الإيجابى وتعلمهن ما يجب أن يكون عليه سلوكهن والطريقة التى تتعاملن بها مع زوج المستقبل، فتقبل الأب لابنته كأنثى يسهل تقبل الأنثى لنفسها، وهذا يساعدها بصورة أفضل على تحقيق التوافق النفسى الاجتماعى. ويلعب الأب دورًا كبيرًا فى تكوين الذات العليا أو الضمير، بناء على درجة استيعاب الطفل لشخصية الأب واندماجه معه، وتعتبر صورة الواجبات الاجتماعية التى يتلقاها الطفل عن أبيه أول صورة للنظام الاجتماعى يواجهها الطفل، ويكيف نفسه معها. كما يؤثر غياب الأب على النمو العقلى للطفل، إذ وجد أن غياب الأب عن الأسرة، ولو كان هذا الغياب جزئيًا لفترة قصيرة، من شأنه أن يؤثر تأثيرًا سيئًا على النمو العقلى للطفل من سن الثانية حتى السادسة. مقومات الأب ومسؤوليته وقد أكدت دراسة أجراها الدكتور (عدنان حسن صالح) بجامعة أم القرى، وهى إحدى الدراسات المتميزة فى حقل التربية حول دور الأب، ومسؤولية دور الأب فى تربية أبنائه، وهو دور لا تستطيع الأم القيام به بمفردها، وقد توصلت هذه الدراسة لنتائج أهمها: إن عدم وجود الأب فى الأسرة، أو عدم قيامه بواجباته التربوية، كما يريدها الإسلام، وعدم تفهمه لطبيعة الأبناء فى مرحلة الطفولة يعيق نموهم الخلقى والفكرى والجسمى، ذلك أن للأب فى الأسرة مكانة عظيمة، فهو القائم على الأسرة بما فيها من أفراد، وهو المسؤول عن استقامتهم، وبناءً على هذه المسؤولية يتكفل تبعات تكوين الأسرة، وهى المحضن الصالح لنمو الذرية نموًا سويًا صالحًا. وتبعًا لهذه المسؤولية؛ فإن هناك التزامات ومقومات يجب أن يتحلى بها الأب فى نفسه ليتمكن من التأثير فى الأبناء وتوجيههم الوجهة السليمة التى تكفل لهم الاستقامة والسواء. وهذه المقومات أهمها: القدوة: فالأب دائمًا فى موضع قدوة، والأبناء يتعلمون ويقلدون الآباء أكثر مما يظن هؤلاء الآباء، ولن يجدى معهم نصح يخالف ما يرون أو يسمعون. وتعد الرحمة والحب من أهم دعائم وأسس التربية، وهو أمر يجمع التربويون عليه، إذ إن الآباء لا يمكنهم أن يربوا أولادهم بأسلوب الرهبة فقط، فالأبناء مهما صغروا يستطيعون أن يلمسوا البسمة الحانية ويفهموا كذلك نظرات الغضب. كما أن العدل من أهم هذه المقومات؛ فالعدل بين الأبناء صفة يجب أن تتوفر فى الأب المربى حتى لا يثير شيطان الحقد فى نفوس الأبناء، وأخيرًا فإن مخالطة ومصادقة الأب لأبنائه ومعرفة مشاكلهم، واستخدام الحكمة فى توجيههم يعينه على جنى ثمار هذه التربية، وللأب أدوار عديدة لا تستقيم الأسرة إلا بالقيام بها، فكيف يكون حال الأسرة حين التراجع عن هذه الأدوار الأساسية والجوهرية فى تربية الطفل؟ فالأب هو المعلم الأساس للطفل فى سنواته الأولى، والتى تتم فيها (90%) من العملية التربوية، فلمن نترك تعليم أبنائنا إن نحن تخلينا عنهم فى هذه السن؟ ذلك أن الطفل يميل فى هذه الفترة لإرضاء والده، وهى فترة يجب أن يستغلها الأب فى توجيه ابنه الوجهة الحسنة، حتى لا ينشأ على ما لا يحب ولا يستطيع تقويمه، فالشاعر يقول: إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قــومته الخــــشب قد ينفع الأدب الأحداث فى مهل وليس ينفع فى ذى الشيبة الأدب ومن أهم أدوار الأب فى تربية طفله وتهذيبه قيامه بدور المعاقب. والمربون يعترفون بأهمية العقاب ويقرونه، وفى هذا المجال لا تستطيع الأم القيام بالدور العقابى المطلوب لما هو معروف عن النساء من لين ورقة وتغلب العاطفة على العقل، فإن همت الأم بعقاب طفلها لا تلبث أن تأخذها الرأفة به وترجع عن عقابه.حين يكون الأب حاضرًا..غائبًا مركز الاعلام العربي 12/6/1424 ...
العلاقة بين الأب والابن
بين غضب الأب وغيابه وخجل المراهق وتردده
إبراهيم الزعيم 21/10/1424
15/12/2003
"لاعبه سبعًا وأدبه سبعًا وصاحبه سبعًا" ، القليل من الآباء والأمهات من يدرك هذه القيمة التربوية جيدًا ، وقليل من القليل من يطبق هذا الحديث النبوي الشريف تطبيقًا عمليًا ، فيحسن معاملة أبنائه وبناته في مرحلة المراهقة ، ويوجههم التوجيه السديد ، ويكون قدوة صالحة لهم ، فما بال كثير من الآباء أغفلوا هذا الأمر واعتبروا العلاقة بينهم وبين أبنائهم المراهقين هي علاقة الأمر والنهي فقط ، للاطلاع على هذه القضية من كافة جوانبها ، التقى موقع "الإسلام اليوم" بعض الآباء والأبناء والمختصين .
تحسس مشاكل الأبناء
يقول الأستاذ أبو رامي لي ثلاثة أبناء، ولكني لم اشعر بمراهقة الأول منهم ولم يتعبني أبدًا، وقد شعرت بمراهقة الابن الثاني والثالث أكثر بكثير، وقد اختلفت معاملتي لأبنائي في مرحلة الطفولة عنها في مرحلة المراهقة، حيث إن المراهق يعتقد بأن آراءه دائما صائبة، وتقل درجة تقبله للآراء بشكل كبير، وقد جربت كل أنواع المعاملة مع المراهق، جربت الشدة فكانت نتائجها سلبية، وجربت النصح وكانت الاستجابة جيدة، وقد جربت الجمع بين الشدة والنصح وهذه أنجح الطرق التي توصلت إليها.
ويضيف أبو رامي الذي أكد لنا في بداية اللقاء أنه سيحدثنا بكل صراحة أن معاملة الآباء للأبناء تؤثر على تصرفاتهم، فتقديم النصيحة للمراهق ومعاملته معاملة حسنة وتحقيق رغباته ولو بعضًا منها يجعله يتقبل الآراء وتسهل قيادته، أما المعاملة القاسية فإنها تؤدي إلى زيادة عناده وتقل استجابته للنصائح والتوجيهات ، ومن الصواب التقرب إلى الأبناء بدرجة كبيرة ، بحيث يقوم الأب والأم بتحسس مشاكل أبنائهم الذكور والإناث ، وعليهما أن يعملا جاهدين لحل مشاكلهم وتوجيههم التوجيه الصحيح ، حتى لا يلجأ الأبناء إلى أشخاص قد يوجهوهم توجيهًا خاطئًا ، فمن الممكن أن ينفر الابن من أبيه إذا لم يشعر بعطف وحنان والده وقربه منه ، لذلك على الآباء أن يوجهوا أبناءهم لأنهم الأقدر على ذلك.
وقال إن عدم مصارحة الابن لأبيه تعود لعدة أسباب منها خجل الابن من مصارحة والده، وهذا أمر مهم ، ومن الممكن التغلب عليه بأن يتقرب الأب إلى ابنه ويعامله كصديق، وينظر إليه نظرة احترام، ويعامله على أنه رجل. ويضيف إنني أشارك أبنائي في اهتماماتهم، فقد كنت أجلس معهم لمتابعة مباريات كرة القدم ، مع أنني أحيانًا لا أعرف من يلعب مع من ، ولكني كنت أحس بسعادتهم وأنا إلى جوارهم ، وأسألهم وأشاركهم أفكارهم واهتماماتهم. وقال إن قسوة الأب، وانتقاده لولده في كل صغيرة وكبيرة، وعدم معرفة متطلبات ابنه، وعدم تلبية رغباته؛ يؤدي إلى نفور الابن وعناده ، موضحًا أن ابنه أحمد طلب أن يشتري حذاءً وأصر على أنه لن يذهب إلى المدرسة إذا لم يحصل على الحذاء الذي يريد ، فما كان مني إلا أن اشتريت له حذاءً أغلى ثمنًا من الحذاء الذي اشتراه أخوه الكبير الذي يكد ويعمل.
وقال على الأب أن يتابع ابنه في المدرسة وداخل البيت وخارجه ، ويتعرف على أصدقائه ويتأكد من أنهم صالحون ، كما يجب أن يشجعه على النجاح والتفوق من أجل الالتحاق بالجامعة، ولكن عن بعد وعن طريق مدرسيه حتى لا يشعر الابن أنه مراقب، وهذا يؤدي إلى التواصل بين الأسرة والمجتمع.
وقدم أبو رامي نصيحة للآباء والأبناء فقال على الآباء والأمهات أن يسألوا عن أبنائهم وأن يتحسسوا مشاكلهم في هذه المرحلة العمرية ويتعرفوا عليها ويعالجوها ويتقربوا إليهم، ويشجعوهم على أن يفضوا إليهم بأسرارهم، وأنصح كل شاب أن يتخذ من والده مثله الأعلى لحل مشاكله التي يواجهها في حياته حتى يخدم نفسه وأهله ومجتمعه.
أحمد -نجل أبي رامي- في الصف الثالث الثانوي قال لنا إنه على الأب أن يتعامل مع الابن إلى سن معينة كطفل، ثم بعد ذلك يجب أن تتغير هذه المعاملة إلى معاملته كصديق يحترمه ويقدره.
ويقول إنني أقول لأبى عن مشاكلي وأعرفه على أصدقائي، إلا أنني لا أحب أن أقول له كل شيء، فهناك الكثير من الخصوصيات التي يحب الشاب في سن المراهقة أن يحتفظ بها لنفسه، وخاصة إذا كانت معرفتها أو عدم معرفتها لا تضر ولا تنفع.
ويوضح أن الابن إذا لم يستطع الحديث مع والده فإنه سيهرب من المنزل وسيلجأ إلى أصدقائه ليبوح لهم بأسراره، كما أن خشيته من غضب والده تجعله يخفي عنه مالا يجب أن يخفيه، ولذلك من الضروري أن يتابع الأب ابنه في المدرسة، ويتعرف على المشاكل التي قد تواجهه في دراسته ويساعده في حلها ، ولكن على الأب ألا يتابع ابنه متابعة دائمة في كل صغيرة وكبيرة، حتى لا يحس الابن أنه مراقب ، وأن والده غير واثق فيه، فهذه المتابعة قد تنقلب ضد الابن إذا زادت عن حدها ، وأنصح الأبناء بألا يخفوا عن آبائهم مشاكلهم ، لأنه إذا تراكمت مشاكلهم لن يستطيعوا حلها وبالتالي تؤثر عليهم سلبًا.
"إن كبر ابنك خاويه"
أما نمر يوسف العمراني أحد أولياء الأمور فقال لنا: إن علاقة الأب بابنه المراهق يجب أن تكون علاقة طيبة، والمثل يقول "إن كبر ابنك خاويه" ، فالمراهق في هذه المرحلة يحتاج إلى الراحة والأمان وتوفير متطلباته ، وتوجيهه ومتابعته ، مع من يسير ومن أصدقائه ، فإذا كانت العلاقة سيئة ولا يوجد تفاهم بين الطرفين تنقلب الأمور على الأبناء حيث من الممكن أن ينحرف الابن بسهولة، أما إذا ساد هذه العلاقة التعاون والمحبة فإنهما سيصلان إلى بر الأمان ويحلوا مشاكلهم بهدوء.
ويقول أبو ماجد إنك إذا زرعت شجرة فإنك ستعتني بها من البداية، وكذلك على الأب والأم أن يوجهوا أبناءهم من الصغر إلى الصلاة في المساجد ، ومصاحبة الأخيار ، وان يتابعوهم في مدارسهم ، من فترة لأخرى ، على الآباء أن يمسكوا العصا من الوسط ، بحيث لا يكونوا شديدين جدًا ولا متساهلين جدًا ، فخير الأمور الوسط ، وعليهم أن يكونوا منفتحين على أبنائهم ، وأن يعطوا أبناءهم هامشًا من الحرية ، حتى يتأكد الشاب المراهق أن والده يسعى لمصلحته.
أما نجله مالك العمراني فقال: إنه يجب أن تكون العلاقة بين الآباء والأبناء في سن المراهقة علاقة جيدة ، وإن يتابع الوالد ابنه في كل أموره وأن تكون العلاقة علاقة تسامح وحوار، أما إذا انعدم بينهما الحوار فإن ذلك من الممكن أن يدفع الشاب إلى فعل أشياء منافية للأخلاق ، وعلاقتي بوالدي جيدة فأنا أخبره بمشاكلي وهو يساعدني على حلها ، لأنه ربّاني على الصدق والصراحة .
"اكسر واحنا بنجبر"
د. فؤاد علي العاجز -رئيس قسم أصول التربية بالجامعة الإسلامية بغزة- يقول: إن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع فإذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع ، ومن خلال الأسرة المكونة من الأب والأم والأبناء تدور بينهم علاقات ومعاملات ، إن تمت على الوجه الصحيح ستكون الأسرة سليمة ومتماسكة ، وإذا كان العكس ستكون الأسرة متنافرة متدابرة الأمر الذي ينعكس على المجتمع في كلتا الحالتين ، وعند الحديث عن العلاقة التي يجب أن تسود بين الآباء والأبناء في مرحلة المراهقة ، فإنها يجب أن تكون مبنية على الود والمحبة والرأفة والرحمة والاحترام المتبادل وحرية الرأي والتعبير ، وهذا من شأنه أن ينسج علاقات قوية تسودها الصراحة والالتزام من قبل الآباء والأبناء.
ويوضح أن العلاقة إذا اتصفت بالسمات الجيدة تؤثر إيجابًا على سلوك الأبناء وعلى أداء الأسرة بأكملها، فإذا ما قدر الأب ابنه واحترم رأيه وأخذ بما يقول في بعض الأحيان التي يكون فيها الابن مصيبًا ، فإن الابن سيشعر بالأمان وأنه ليس مقيدًا، وهذا ينعكس على عطائه وأدائه في الأسرة وخارجها ، أما إذا كانت العلاقة علاقة تسلط من الأب الذي لا يأبه بهذا الشاب؛ فإنه سيضطر إلى استخدام حيل دفاعية تتمثل في الكذب وغيره من الممارسات الخاطئة، وعلى هذا الأساس فإن العلاقة التي يجب أن تسود بين الطرفين هي العلاقة التي نادى بها الإسلام ، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أكد أن الأب راع ومسؤول عن رعيته.
ويضيف العاجز أن مرحلة المراهقة تعتبر منعطفًا خطيرًا يمر به الشباب وأكبر منزلق قد تزل فيه أقدامهم لكونها مرحلة انتقالية من الطفولة إلى الرشد، وهي تمثل أفضل المراحل إذا تم توجيهها، ومن هنا تأتي الأهمية الكبيرة لدور الأب، فاستخدام الأب للقهر والإجبار ظنًا منه أن الأمور تسير على ما يرام خطأ كبير، لأن حقيقة الأمر أن كل شيء يسير بشكل منتظم عندما يكون موجودًا، وبمجرد أن يغادر المنزل تنقلب الأمور رأسًا على عقب، وهنا لابد من الحديث عن مشكلة خطيرة، وهي أن معظم الآباء يتغيبوا عن المنزل لفترات طويلة سواء بسبب العمل أو غيره من المشاغل ولا يجد الابن وقتًا لمصارحة والده والتحدث معه ومن ثم لا يجد الإرشاد والتوجيه السليم وهذا يدفعه للبحث عن البدائل، وهي إما في رفاق السوء أو وسائل الإعلام المشوشة ولاسيما ظهور الإنترنت وما صاحبه من وجود المقاهي.
ويوضح أنه على الآباء أن يراقبوا أبناءهم في المنزل وفي المدرسة وفي الحي ولكن ليست المراقبة بالمفهوم التسلطي، و إنما المراقبة المبنية على المصلحة الخاصة بالمراهق، وذلك من خلال التعرف على مدرسته وأصدقائه وأساتذته والمشاكل التي يواجهها، فإذا شعر الابن بقرب والده منه، وحرصه على مصلحته، و إشراكه في حل مشاكله، فإنه سيكون أكثر سعادة، ولكن كثيرًا من الآباء لا يجيدون التعامل مع أبنائهم في هذه المرحلة فيعاملونهم بعنف ويفتحون "شنطهم" ويعاملونهم أمام الآخرين على أنهم صغار، ويكررون المقولة الخاطئة " اكسر واحنا بنجبر " الأمر الذي يعود سلبًا على الشاب الذي يعتبر أن أباه في هذه الحالة واقف ضده.
العودة إلى ثقافتنا الإسلامية
د.محمد سلمان -رئيس قسم أصول التربية بجامعة الأقصى بغزة- يقول: إن العلاقة التي من المفروض أن تسود بين الآباء والأبناء في سن المراهقة هي التي نص عليها الإسلام، أي علاقة احترام وود ولطف، فالأب الذي ربى أولاده على تعاليم الإسلام الصحيحة يستطيع أن يتفهم طبيعة هذه المرحلة من حياة ولده، ومن هذا الفهم يستطيع أن يوجهه التوجيه الصحيح، ويبتعد به قدر الإمكان عن أوجه الفساد والتي كثرت في هذا الزمان ولبست أثواب متعددة، فكثير من الجهات تحاول إفساد الشباب من ناحية فكرية ومن ناحية مسلكية، وبعض هذه الجهات تتسلل إلى عقول الشباب تحت أسماء دراماتيكية تجذب الشباب كمراكز إعلام أو مراسلة وصداقة وبعضها يعمل على نشر الاختلاط من خلال ندوات يتم عقدها وتكون مجانية، وهذا يثير تساؤل حول الهدف من وراء هذه المراكز.
ويشير سلمان إلى أن هذه المرحلة مرحلة خطيرة، وعلى الآباء والأمهات أن يدركوا أن أبناءهم وبناتهم الذين بلغوا سن المراهقة قد دخلوا في مرحلة جديدة وعليهم أن يساعدوهم على اجتياز هذه المرحلة، وإذا لم يتمكنوا من إيصالهم إلى بر الأمان فإنهم سيلجؤون إلى أصدقائهم ليشرحوا لهم معاناتهم ومشاكلهم ، ومنهم من سيدلهم على طريق الفساد.
ويضيف أن هذه المرحلة يظهر فيها الانطواء عند المراهق وهي حالة طبيعية، لأن المراهق في هذه المرحلة يميل لطرح بعض اهتماماته على أصدقائه أكثر من والديه، وقد يكون السبب الرئيس وراء ذلك عاملاً جديدًا دخل إلى حياته وهي المشاعر الجنسية والتي تأخذ طابع الخجل والحياء في مجتمعنا، إلا أن هذا الانطواء يكون غير طبيعي إذا كان شبه كلي عن الأسرة، وانفتاح شبه كلي على الأصدقاء، ولعل هذه الفجوة التي تشهدها العلاقات الأسرية لا تنعكس على العائلة فحسب؛ بل على المجتمع أيضًا، وهذه هي العلامات التي أشار إليها ابن خلدون في مقدمته، بأنه كلما ازداد العمران قلت أواصر الروابط الأسرية والتي سماها بالعصبية أي الانتماء نحو القبيلة، وفي هذا الزمان أعباء الحياة كثيرة ووسائل التكنولوجيا متعددة، وهذا يؤدي إلى دخول كثير من هذه الوسائل في حياة الناس مما يؤثر على نوعية العلاقات الأسرية.
ويقول موجها النصيحة للآباء والأمهات:
إنه مهما حاولا الحفاظ على أبنائهم وبناتهم في هذه المرحلة من حياتهم في ظل انقطاعهم أو تقاعسهم عن المسجد وتربية المسجد؛ فلا يمكن لأي تربية أن تفيد، لذلك لابد من العودة إلى الثقافة الإسلامية، لأنها الأساس في تربية الأبناء.

عطر الزمن :
العلاقة بين الأب والابن بين غضب الأب وغيابه وخجل المراهق وتردده إبراهيم الزعيم 21/10/1424 15/12/2003 "لاعبه سبعًا وأدبه سبعًا وصاحبه سبعًا" ، القليل من الآباء والأمهات من يدرك هذه القيمة التربوية جيدًا ، وقليل من القليل من يطبق هذا الحديث النبوي الشريف تطبيقًا عمليًا ، فيحسن معاملة أبنائه وبناته في مرحلة المراهقة ، ويوجههم التوجيه السديد ، ويكون قدوة صالحة لهم ، فما بال كثير من الآباء أغفلوا هذا الأمر واعتبروا العلاقة بينهم وبين أبنائهم المراهقين هي علاقة الأمر والنهي فقط ، للاطلاع على هذه القضية من كافة جوانبها ، التقى موقع "الإسلام اليوم" بعض الآباء والأبناء والمختصين . تحسس مشاكل الأبناء يقول الأستاذ أبو رامي لي ثلاثة أبناء، ولكني لم اشعر بمراهقة الأول منهم ولم يتعبني أبدًا، وقد شعرت بمراهقة الابن الثاني والثالث أكثر بكثير، وقد اختلفت معاملتي لأبنائي في مرحلة الطفولة عنها في مرحلة المراهقة، حيث إن المراهق يعتقد بأن آراءه دائما صائبة، وتقل درجة تقبله للآراء بشكل كبير، وقد جربت كل أنواع المعاملة مع المراهق، جربت الشدة فكانت نتائجها سلبية، وجربت النصح وكانت الاستجابة جيدة، وقد جربت الجمع بين الشدة والنصح وهذه أنجح الطرق التي توصلت إليها. ويضيف أبو رامي الذي أكد لنا في بداية اللقاء أنه سيحدثنا بكل صراحة أن معاملة الآباء للأبناء تؤثر على تصرفاتهم، فتقديم النصيحة للمراهق ومعاملته معاملة حسنة وتحقيق رغباته ولو بعضًا منها يجعله يتقبل الآراء وتسهل قيادته، أما المعاملة القاسية فإنها تؤدي إلى زيادة عناده وتقل استجابته للنصائح والتوجيهات ، ومن الصواب التقرب إلى الأبناء بدرجة كبيرة ، بحيث يقوم الأب والأم بتحسس مشاكل أبنائهم الذكور والإناث ، وعليهما أن يعملا جاهدين لحل مشاكلهم وتوجيههم التوجيه الصحيح ، حتى لا يلجأ الأبناء إلى أشخاص قد يوجهوهم توجيهًا خاطئًا ، فمن الممكن أن ينفر الابن من أبيه إذا لم يشعر بعطف وحنان والده وقربه منه ، لذلك على الآباء أن يوجهوا أبناءهم لأنهم الأقدر على ذلك. وقال إن عدم مصارحة الابن لأبيه تعود لعدة أسباب منها خجل الابن من مصارحة والده، وهذا أمر مهم ، ومن الممكن التغلب عليه بأن يتقرب الأب إلى ابنه ويعامله كصديق، وينظر إليه نظرة احترام، ويعامله على أنه رجل. ويضيف إنني أشارك أبنائي في اهتماماتهم، فقد كنت أجلس معهم لمتابعة مباريات كرة القدم ، مع أنني أحيانًا لا أعرف من يلعب مع من ، ولكني كنت أحس بسعادتهم وأنا إلى جوارهم ، وأسألهم وأشاركهم أفكارهم واهتماماتهم. وقال إن قسوة الأب، وانتقاده لولده في كل صغيرة وكبيرة، وعدم معرفة متطلبات ابنه، وعدم تلبية رغباته؛ يؤدي إلى نفور الابن وعناده ، موضحًا أن ابنه أحمد طلب أن يشتري حذاءً وأصر على أنه لن يذهب إلى المدرسة إذا لم يحصل على الحذاء الذي يريد ، فما كان مني إلا أن اشتريت له حذاءً أغلى ثمنًا من الحذاء الذي اشتراه أخوه الكبير الذي يكد ويعمل. وقال على الأب أن يتابع ابنه في المدرسة وداخل البيت وخارجه ، ويتعرف على أصدقائه ويتأكد من أنهم صالحون ، كما يجب أن يشجعه على النجاح والتفوق من أجل الالتحاق بالجامعة، ولكن عن بعد وعن طريق مدرسيه حتى لا يشعر الابن أنه مراقب، وهذا يؤدي إلى التواصل بين الأسرة والمجتمع. وقدم أبو رامي نصيحة للآباء والأبناء فقال على الآباء والأمهات أن يسألوا عن أبنائهم وأن يتحسسوا مشاكلهم في هذه المرحلة العمرية ويتعرفوا عليها ويعالجوها ويتقربوا إليهم، ويشجعوهم على أن يفضوا إليهم بأسرارهم، وأنصح كل شاب أن يتخذ من والده مثله الأعلى لحل مشاكله التي يواجهها في حياته حتى يخدم نفسه وأهله ومجتمعه. أحمد -نجل أبي رامي- في الصف الثالث الثانوي قال لنا إنه على الأب أن يتعامل مع الابن إلى سن معينة كطفل، ثم بعد ذلك يجب أن تتغير هذه المعاملة إلى معاملته كصديق يحترمه ويقدره. ويقول إنني أقول لأبى عن مشاكلي وأعرفه على أصدقائي، إلا أنني لا أحب أن أقول له كل شيء، فهناك الكثير من الخصوصيات التي يحب الشاب في سن المراهقة أن يحتفظ بها لنفسه، وخاصة إذا كانت معرفتها أو عدم معرفتها لا تضر ولا تنفع. ويوضح أن الابن إذا لم يستطع الحديث مع والده فإنه سيهرب من المنزل وسيلجأ إلى أصدقائه ليبوح لهم بأسراره، كما أن خشيته من غضب والده تجعله يخفي عنه مالا يجب أن يخفيه، ولذلك من الضروري أن يتابع الأب ابنه في المدرسة، ويتعرف على المشاكل التي قد تواجهه في دراسته ويساعده في حلها ، ولكن على الأب ألا يتابع ابنه متابعة دائمة في كل صغيرة وكبيرة، حتى لا يحس الابن أنه مراقب ، وأن والده غير واثق فيه، فهذه المتابعة قد تنقلب ضد الابن إذا زادت عن حدها ، وأنصح الأبناء بألا يخفوا عن آبائهم مشاكلهم ، لأنه إذا تراكمت مشاكلهم لن يستطيعوا حلها وبالتالي تؤثر عليهم سلبًا. "إن كبر ابنك خاويه" أما نمر يوسف العمراني أحد أولياء الأمور فقال لنا: إن علاقة الأب بابنه المراهق يجب أن تكون علاقة طيبة، والمثل يقول "إن كبر ابنك خاويه" ، فالمراهق في هذه المرحلة يحتاج إلى الراحة والأمان وتوفير متطلباته ، وتوجيهه ومتابعته ، مع من يسير ومن أصدقائه ، فإذا كانت العلاقة سيئة ولا يوجد تفاهم بين الطرفين تنقلب الأمور على الأبناء حيث من الممكن أن ينحرف الابن بسهولة، أما إذا ساد هذه العلاقة التعاون والمحبة فإنهما سيصلان إلى بر الأمان ويحلوا مشاكلهم بهدوء. ويقول أبو ماجد إنك إذا زرعت شجرة فإنك ستعتني بها من البداية، وكذلك على الأب والأم أن يوجهوا أبناءهم من الصغر إلى الصلاة في المساجد ، ومصاحبة الأخيار ، وان يتابعوهم في مدارسهم ، من فترة لأخرى ، على الآباء أن يمسكوا العصا من الوسط ، بحيث لا يكونوا شديدين جدًا ولا متساهلين جدًا ، فخير الأمور الوسط ، وعليهم أن يكونوا منفتحين على أبنائهم ، وأن يعطوا أبناءهم هامشًا من الحرية ، حتى يتأكد الشاب المراهق أن والده يسعى لمصلحته. أما نجله مالك العمراني فقال: إنه يجب أن تكون العلاقة بين الآباء والأبناء في سن المراهقة علاقة جيدة ، وإن يتابع الوالد ابنه في كل أموره وأن تكون العلاقة علاقة تسامح وحوار، أما إذا انعدم بينهما الحوار فإن ذلك من الممكن أن يدفع الشاب إلى فعل أشياء منافية للأخلاق ، وعلاقتي بوالدي جيدة فأنا أخبره بمشاكلي وهو يساعدني على حلها ، لأنه ربّاني على الصدق والصراحة . "اكسر واحنا بنجبر" د. فؤاد علي العاجز -رئيس قسم أصول التربية بالجامعة الإسلامية بغزة- يقول: إن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع فإذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع ، ومن خلال الأسرة المكونة من الأب والأم والأبناء تدور بينهم علاقات ومعاملات ، إن تمت على الوجه الصحيح ستكون الأسرة سليمة ومتماسكة ، وإذا كان العكس ستكون الأسرة متنافرة متدابرة الأمر الذي ينعكس على المجتمع في كلتا الحالتين ، وعند الحديث عن العلاقة التي يجب أن تسود بين الآباء والأبناء في مرحلة المراهقة ، فإنها يجب أن تكون مبنية على الود والمحبة والرأفة والرحمة والاحترام المتبادل وحرية الرأي والتعبير ، وهذا من شأنه أن ينسج علاقات قوية تسودها الصراحة والالتزام من قبل الآباء والأبناء. ويوضح أن العلاقة إذا اتصفت بالسمات الجيدة تؤثر إيجابًا على سلوك الأبناء وعلى أداء الأسرة بأكملها، فإذا ما قدر الأب ابنه واحترم رأيه وأخذ بما يقول في بعض الأحيان التي يكون فيها الابن مصيبًا ، فإن الابن سيشعر بالأمان وأنه ليس مقيدًا، وهذا ينعكس على عطائه وأدائه في الأسرة وخارجها ، أما إذا كانت العلاقة علاقة تسلط من الأب الذي لا يأبه بهذا الشاب؛ فإنه سيضطر إلى استخدام حيل دفاعية تتمثل في الكذب وغيره من الممارسات الخاطئة، وعلى هذا الأساس فإن العلاقة التي يجب أن تسود بين الطرفين هي العلاقة التي نادى بها الإسلام ، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أكد أن الأب راع ومسؤول عن رعيته. ويضيف العاجز أن مرحلة المراهقة تعتبر منعطفًا خطيرًا يمر به الشباب وأكبر منزلق قد تزل فيه أقدامهم لكونها مرحلة انتقالية من الطفولة إلى الرشد، وهي تمثل أفضل المراحل إذا تم توجيهها، ومن هنا تأتي الأهمية الكبيرة لدور الأب، فاستخدام الأب للقهر والإجبار ظنًا منه أن الأمور تسير على ما يرام خطأ كبير، لأن حقيقة الأمر أن كل شيء يسير بشكل منتظم عندما يكون موجودًا، وبمجرد أن يغادر المنزل تنقلب الأمور رأسًا على عقب، وهنا لابد من الحديث عن مشكلة خطيرة، وهي أن معظم الآباء يتغيبوا عن المنزل لفترات طويلة سواء بسبب العمل أو غيره من المشاغل ولا يجد الابن وقتًا لمصارحة والده والتحدث معه ومن ثم لا يجد الإرشاد والتوجيه السليم وهذا يدفعه للبحث عن البدائل، وهي إما في رفاق السوء أو وسائل الإعلام المشوشة ولاسيما ظهور الإنترنت وما صاحبه من وجود المقاهي. ويوضح أنه على الآباء أن يراقبوا أبناءهم في المنزل وفي المدرسة وفي الحي ولكن ليست المراقبة بالمفهوم التسلطي، و إنما المراقبة المبنية على المصلحة الخاصة بالمراهق، وذلك من خلال التعرف على مدرسته وأصدقائه وأساتذته والمشاكل التي يواجهها، فإذا شعر الابن بقرب والده منه، وحرصه على مصلحته، و إشراكه في حل مشاكله، فإنه سيكون أكثر سعادة، ولكن كثيرًا من الآباء لا يجيدون التعامل مع أبنائهم في هذه المرحلة فيعاملونهم بعنف ويفتحون "شنطهم" ويعاملونهم أمام الآخرين على أنهم صغار، ويكررون المقولة الخاطئة " اكسر واحنا بنجبر " الأمر الذي يعود سلبًا على الشاب الذي يعتبر أن أباه في هذه الحالة واقف ضده. العودة إلى ثقافتنا الإسلامية د.محمد سلمان -رئيس قسم أصول التربية بجامعة الأقصى بغزة- يقول: إن العلاقة التي من المفروض أن تسود بين الآباء والأبناء في سن المراهقة هي التي نص عليها الإسلام، أي علاقة احترام وود ولطف، فالأب الذي ربى أولاده على تعاليم الإسلام الصحيحة يستطيع أن يتفهم طبيعة هذه المرحلة من حياة ولده، ومن هذا الفهم يستطيع أن يوجهه التوجيه الصحيح، ويبتعد به قدر الإمكان عن أوجه الفساد والتي كثرت في هذا الزمان ولبست أثواب متعددة، فكثير من الجهات تحاول إفساد الشباب من ناحية فكرية ومن ناحية مسلكية، وبعض هذه الجهات تتسلل إلى عقول الشباب تحت أسماء دراماتيكية تجذب الشباب كمراكز إعلام أو مراسلة وصداقة وبعضها يعمل على نشر الاختلاط من خلال ندوات يتم عقدها وتكون مجانية، وهذا يثير تساؤل حول الهدف من وراء هذه المراكز. ويشير سلمان إلى أن هذه المرحلة مرحلة خطيرة، وعلى الآباء والأمهات أن يدركوا أن أبناءهم وبناتهم الذين بلغوا سن المراهقة قد دخلوا في مرحلة جديدة وعليهم أن يساعدوهم على اجتياز هذه المرحلة، وإذا لم يتمكنوا من إيصالهم إلى بر الأمان فإنهم سيلجؤون إلى أصدقائهم ليشرحوا لهم معاناتهم ومشاكلهم ، ومنهم من سيدلهم على طريق الفساد. ويضيف أن هذه المرحلة يظهر فيها الانطواء عند المراهق وهي حالة طبيعية، لأن المراهق في هذه المرحلة يميل لطرح بعض اهتماماته على أصدقائه أكثر من والديه، وقد يكون السبب الرئيس وراء ذلك عاملاً جديدًا دخل إلى حياته وهي المشاعر الجنسية والتي تأخذ طابع الخجل والحياء في مجتمعنا، إلا أن هذا الانطواء يكون غير طبيعي إذا كان شبه كلي عن الأسرة، وانفتاح شبه كلي على الأصدقاء، ولعل هذه الفجوة التي تشهدها العلاقات الأسرية لا تنعكس على العائلة فحسب؛ بل على المجتمع أيضًا، وهذه هي العلامات التي أشار إليها ابن خلدون في مقدمته، بأنه كلما ازداد العمران قلت أواصر الروابط الأسرية والتي سماها بالعصبية أي الانتماء نحو القبيلة، وفي هذا الزمان أعباء الحياة كثيرة ووسائل التكنولوجيا متعددة، وهذا يؤدي إلى دخول كثير من هذه الوسائل في حياة الناس مما يؤثر على نوعية العلاقات الأسرية. ويقول موجها النصيحة للآباء والأمهات: إنه مهما حاولا الحفاظ على أبنائهم وبناتهم في هذه المرحلة من حياتهم في ظل انقطاعهم أو تقاعسهم عن المسجد وتربية المسجد؛ فلا يمكن لأي تربية أن تفيد، لذلك لابد من العودة إلى الثقافة الإسلامية، لأنها الأساس في تربية الأبناء.العلاقة بين الأب والابن بين غضب الأب وغيابه وخجل المراهق وتردده إبراهيم الزعيم ...
جزاكي الله الف خير

بحر السعاده :
جزاكي الله الف خيرجزاكي الله الف خير
جزاكم الله ألف خير على هذه المعلومات المهمه
الصفحة الأخيرة
هذا ما يؤكد عليه دومًا الدكتور مجدي الهلالي في كتاباته ومؤلفاته.
ولكن كيف نكون ربانيين ونحن بين أزواجنا وأولادنا وفي أعمالنا، ودون أن نعتزل الناس وننقطع للعبادة؟ هذا ما يجيب عنه حوارنا التالي:
ـ لماذا يركز الدكتور مجدي الهلالي في كتاباته علي الجانب الإيماني؟
- الحياة بلا إيمان حياة نكدة مظلمة أصحابها في هم وغم وسعار، لتحصيل المتع والشهوات، ولقد سيطرت مصطلحات الحياة المادية على تفكيرنا واهتماماتنا، مما انعكس على أفعالنا فأصبح الحرص على تحصيل المصالح الشخصية - ولوعلى حساب الآخرين - هو السائد بيننا، حتى بين الابن وأبيه، وبين الأخ وإخوانه.
من هنا اشتدت الحاجة إلى التركيز على إيقاظ الإيمان في القلوب، فبالإيمان تنصلح أشياء كثيرة تحدث بيننا، فكما قال (صلى الله عليه وسلم): «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب»، فكلما زاد منسوب الإيمان في القلب تحسن السلوك تبعًا لذلك.
وفي المقابل عندما تنكشف العورات ويظهر الجانب القبيح للنفس، فعندما تجد شخصًا لا يصلي، ويتلفظ بألفاظ غير مهذبة، ويتعامل مع الآخرين بغلظة واستعلاء وحسد، هذه الأشياء تعكس ضعف الإيمان في قلبه، والحل هو إيقاظ إيمانه لتختفي بذلك كل هذه السلوكيات الخاطئة، فالحل الأكيد لتغيير المنكرات التي تحدث في بيوتنا ومجتمعاتنا هو التركيز على التربية الإيمانية التي تحرك القلب وتهز المشاعر،
وهذا ما حدث مع الجيل الأول - جيل الصحابة رضوان الله عليهم - فقد تم التركيز معهم في البداية على الإيمان، وحين جاء التشريع كانت مسارعتهم إلى التنفيذ دون تلكؤ أو معارضة، معنى ذلك أن الإيمان هو الدواء الناجع لأمراضنا التي نعاني منها، فصاحب الإيمان هو خير أب لأبنائه وخير جار لجيرانه، ولم لا وهو دومًا يبحث عما يرضي مولاه ليفعله، ولا يحتاج متابعة من أحد من الناس؟ فإيمانه هو الذي يدفعه لفعل الصالحات وترك المنكرات.
ـ هل يستطيع الوالدان والمربون أن يربوا كما ربى النبي (صلى الله عليه وسلم)؟ وكيف؟
- لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحرص في تربيته لأصحابه على أن يربطهم بالله (عز وجل) بمعنى أنه كان يربيهم على أن يعظموا قدر الله (سبحانه وتعالى) في أنفسهم، ليتحقق تبعًا لذلك حسن تعاملهم معه سبحانه، وبالفعل حين يحسن تعامل العبد مع ربه فسوف يحبه، ويخافه، ويرجوه، ويأنس به، ويسارع إلى طاعته.
أيضًا كان (صلى الله عليه وسلم) يعمل على ترغيب أصحابه في الآخرة، وتزهيدهم في الدنيا مما يثمر سعيًا ولهفة لكل ما يزيد الرصيد الأخروي، ويثمر كذلك عدم الاكتراث بالدنيا والتعامل معها على أنها مزرعة للآخرة.
وكان منهجه (صلى الله عليه وسلم) في ذلك هو القرآن، فمن أهم أدوار القرآن أنه كتاب تغيير وتقويم وإصلاح، من خلاله يتعرف العبد على ربه وعلى نفسه وعلى الدنيا وعلى الآخرة.
وكلما ازدادت المعرفة تغيرت المعاملة، وكان (صلى الله عليه وسلم) دائمًا يربط أحداث الحياة بالله (عز وجل)، أي أنه كان يريد ممن معه أن يروا الله وراء كل حدث، فعندما كانت تأتي الريح كان يظهر عليه الخوف من غضب الله سبحانه، أو أنه قد يكون أرسلها مقدمة للعقاب، فيدعو ويتضرع، وكذلك عندما يرى الكسوف كان يربطه لأصحابه بالله (عز وجل)، وأنه آية يخوف الله بها عباده، وهكذا؛ لذا فنحن يمكننا أن نسير على نفس المنهج باعتبار أن القرآن الموجود بين أيدينا هو نفسه القرآن الذي كان مع الجيل الأول، ولكن المطلوب هو التعامل معه بنفس الطريقة التي تعاملوا بها معه باعتباره كتابًا يربط الأرض بالسماء، ويغير صاحبه، ويعظم قدر الله في نفسه، ويعرفه كيف يقرأ ويفهم ويحلل أحداث الحياة، ويربطها بالله (عز وجل) لتتحقق من وراء ذلك معاني العبودية التي يريدها الله منا.
ـ على من يقع العبء الأكبر في تربية الأبناء.. الأب أم الأم ؟
- مما لاشك فيه أن مسئولية تربية الأبناء بين الأب والأم ، ولكل منهما دوره الخاص به، فالأب هو قائد البيت وربان السفينة، يرصد الأخطاء، ويرسم الخطط، ويوجه، ويتابع، أما الأم فهي بمثابة المدير التنفيذي الذي يقوم بتنفيذ التوجيهات والسياسات التي اتفق عليها مع الأب.
فمن الناحية الشكلية نجد أن العبء الأكبر يقع على الأم، وفي نفس الوقت لا يمكن للأم أن تستغني عن دور الأب، وعلى كل أم ألا تتعلل بانشغال الأب لتقوم هي بالدورين معًا، بل عليها أن تطلع زوجها، وتقدم له تقريرًا يوميًا عن أحداث البيت ولو لبضع دقائق، ليقوم معها بتقييم الوضع، وإسداء النصح، والتدخل إن تطلب الأمر للتدخل، والاتفاق على السياسات الجديدة التي ينبغي انتهاجها مع الأبناء.
ـ هل أساليب تربية البنات تختلف عن تربية الذكور؟ خاصة وأن جلّ الاختلاف هو أن يذهب الولد إلى السوبر ماركت والبنت تؤمر بترتيب البيت؟
- من المعلوم أن الأساليب توضع لتحقيق الأهداف.. إذن لابد من تحديد أهدافنا مع أبنائنا.. ماذا نريد منهم ؟ وهل ما نريده من الذكور مثل ما نريد من الإناث ؟
نعم هناك أهداف مشتركة بين الاثنين ، وأهمها: أن يكون كل منهما ولدًا صالحًا يدعو لأبويه، ويصبح امتدادًا لهما بعد وفاتهما، هذا الهدف العظيم يحتاج إلى وسائل لتحقيقه، يحتاج إلى بيئة صالحة يتربى فيها، يحتاج إلى أن يكون اهتمام الأبوين باستقامته على أمر الله أشد من اهتمامهما بمذاكرته وتعليمه، فإذا ما حدثت الأولى كانت الثانية أسهل وأوقع.
بعد هذا الهدف العظيم نأتي لأهداف كل جنس على حدة :
- الهدف المطلوب تحقيقه مع الذكور هوأن يكونوا رجالاً يتحملون المسئولية، ويقدرون على الكسب، وينفعون أمتهم ودينهم.
- أما الإناث فأسمى هدف ينبغي تحقيقه معهن بعد الهدف العام المذكور آنفًا هو أن تكون زوجة صالحة تحسن التبعل لزوجها، وأن تكون أمًا مربية تجيد فن التعامل مع أولادها، والمتأمل لهذه الأهداف يجد أن وسائل تحقيقها ليست صعبة، فتربية الذكور على الرجولة تحتاج من الأبوين أن يوفرا صحبة صالحة للابن، وأن يتم تعويده على تحمل المسئولية بالتدريج، وأن يشجعانه على تعلم رياضة من الرياضات «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل»، ولكل عصر ما يناسبه من الرياضات بمختلف وسائلها، إذن لابد من وضوح الرؤية لأهداف تربيتنا لأبنائنا ليتسنى لنا وضع الوسائل المناسبة لتحقيق تلك الأهداف، أما أن نتعامل مع الجنسين دون تفرقة بينهما، أو نقدم أى هدف آخر قبل الهدف الأساسي وهو« ولد صالح يدعو له»، فإن هذا من شأنه أن يجعل النتاج مشوهًا كما نرى الآن، فالمرأة تريد أن تكون مثل الرجل في كل شيء، وإن أدى ذلك إلى إهمال دورها الحقيقي مع زوجها وأولادها، والولد يريد التملص من المسئولية.. وهكذا.
التحصين الإيمانى
ـ كيف يمكن للوالدين تحصين الأبناء فكريًا في عصر زاحمتهما في تربية أبنائهما الفضائيات؟
- تأثير الفضائيات على الأبناء خطير، فالصورة المعروضة تمر بسهولة إلى العقل الباطن، مما يرسخ فيه الكثير من التصورات الخاطئة، لينعكس ذلك بدوره على أفكاره واهتماماته وسلوكه، من هنا كان من الضروري الانتباه لخطورة هذه الفضائيات التي أفسدت أكثر مما أصلحت في شخصيات أبنائنا.
نعم، المنع ليس هو الحل الواقعي ، ولكن لابد من تقنين مشاهدتها، وعدم السماح برؤية الفاضح منها و«يفضل تشفيره »، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التحصين الواجب إعطاؤه للأبناء ليس في المقام الأول هو التحصين الفكري، بل التحصين الإيماني، وتكوين الوازع الديني والانضباط الداخلي؛ فالحل هنا هو أن نجعل الولد يخاف ربه، وبالتالي يتحقق لديه الحياء، واستشعار رقابة الله عليه، فلابد من تعظيم قدر الله في نفس الابن لينعكس ذلك على سلوكه وتعاملاته، ومع التحصين الإيماني يأتي بعد ذلك التحصين الفكري من خلال الجلوس مع الأبناء، وهم يشاهدون الفضائيات، والتعليق على الأفكار الخاطئة، وبيان ما فيها، وأيضًا يتم التحصين من خلال انفتاح الأب والأم على أبنائهما، والتصابي لهما، ليكون من السهل على الأولاد عرض ما يتعرضون له في حياتهم على أبويهم، ومعرفة الصواب والخطأ فيه.
ومن وسائل التحصين كذلك توفير البدائل الإعلامية الهادفة التي تبث الفكر الصحيح، وهذه البدائل بفضل الله متوفرة هذه الأيام أكثر من ذي قبل من مجلات، وقنوات، ومواد سمعية ومرئية وألعاب كمبيوتر.
ـ برأيكم.. ما هي أسباب فشل الحوار الأسري داخل البيت؟
- الحوار له أهمية قصوى في التربية، سواء كان بين الزوج وزوجته، أو بين الأبوين وأبنائهما، وعندما يهمل الحوار فإن العلاقات بين أفراد الأسرة تكون علاقات جافة ومتوترة مبهمة؛ لذلك لابد أن نعمل جميعًا على استخدام لغة الحوار في مناقشتنا الأسرية ليتم من خلاله استيعاب جميع الأفراد وانصهارهم في بوتقة واحدة، وشعورهم بالمسئولية المشتركة عن أي قرار يتخذ في البيت.
أما لماذا يفشل الحوار الأسري؟ فلعدة أسباب منها:
- عدم إدراك كل من الزوجين أهمية الحوار وآدابه وضوابطه.
- عدم وجود أرضية مشتركة للتفاهم بين الزوجين، فعندما تصبح اهتمامات كل منهما مختلفة عن الآخر، فإن هذا من شأنه أن يجعل الواحد منهما ينصرف بذهنه عندما يبدأ الآخر في الحديث، ومن ثم لا يجتمعان على رأي واحد مهما طال وقت الحوار.
- التربية الأولى التي ترباها الزوجان في بيوتهما، والتي لم يكن فيها أي مساحة للحوار.
- ضعف الإيمان، وكثرة ارتكاب المعاصي، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى تضخم الذات، وهذا يؤدي بدوره إلى الاعتداد بالرأي، وعدم تحمل النقد، وعدم القدرة على الظهور بمظهر الجاهل المحتاج إلى المعرفة.
- انشغال الأب بأعمال كثيرة تنهك قواه وتستنفذ طاقاته، مما يجعله لا يستطيع تحمل الحوار والمناقشات، فيؤدي ذلك إلى استخدام سلطته بإنهائه، واتخاذ قرارات منفردة ديكتاتورية.
ـ هل من نصيحة أخيرة لكل أسرة مسلمة ؟
- أنصح نفسي، وأنصح كل أب وأم بأن يكون اهتمامنا بصلاح أبنائنا واستقامتهم قبل الاهتمام بالتعليم، فالمطلوب مراعاة الأولويات التي سيحاسبنا الله عليها، لذلك علينا أن يكون شعارنا في بيوتنا «احفظ الله يحفظك» بمعنى أن يكون الله (عز وجل) هو محور تفكيرنا واهتمامنا، وأن يكون رضاه هو مطلبنا ومقصدنا، وأن يتحول هذا الشعار إلى واقع عملي في جميع أفعالنا، فنربط كل توفيق ونعمة تحدث لأي فرد في الأسرة بما قام به من طاعة وعمل صالح، ونربط كذلك كل نقص يحدث لأحد الأفراد بما فعله من خطأ قد لا يعلمه إلا الله.
فينبغي أن يتعلم الابن أن الله قبل الوالدين، وأنه قد يستطيع أن يكذب عليهما فيصدقاه، إلا أن الله لا يخفى عليه شيء، ويملك عقابه وحرمانه مما يحب.
إن نحن فعلنا ذلك وربطنا آيات القرآن وأحداث الحياة بهذه المعاني، فسيكون له أعظم الأثر في بناء الشخصية الإسلامية المنضبطة، والتي يمكنها أن تعيش في جو من الفتن الذي نحيا فيه دون أن تتبدل أو تتغير، بل تؤثر فيه تأثيرًا إيجابيًا .
أجرت الحوار أحلام على
الشبكة الاسلامية .........