الاختلاط.. بين الواقع والضوابط

ملتقى الإيمان

الاختلاط.. بين الواقع والضوابط

مها أحمد*

كثر في مجتمعنا اختلاط الجنسين، حتى كاد يبدو سمة من سمات هذا العصر. فلم تعد الفتاة ترفض عملاً خوفاً من الاختلاط، ولا الشاب بات يطأطئ رأسه عند مرور بنت الجيران.

أجواء العمل أو الدراسة أصبحت معطرةَ بشتى أنواع العطور والبخـور. وها هي ألوان الطيف تشرق مع كل صباح على أوجه العاملات والمدرسات. الدوائر الحكومية منها والخاصة باتت مسرحاً تظهر فيه كافة أنواع التحرر والتفكك!! فمن تحرر الحجاب حتى تفكك أزرار القمصان وإظهار الصدور والنحور.

فتلك تمسد بيديها خصلة من شعرها، وأخرى تعدل "الشيلة" بعد استقرارها على كتفيها، ناهيك عن إصلاح الماكياج في الأروقة والحمامات..

نكاتٌ يطلقها الموظفون لتتبعها ضحكاتٌ وسط أجواء وظيفية خالية من التعكير والضغوط النفسية، ليدخل العميل فيقلب بصره مابين هذه وذاك فيلملم بقايا أوراقه ليتأكد من عنوانه ومكانه!!

باتت معظم الأماكن المختلطة صورةٌ مصغرة لما ذكر، فلا أعين غُضَت ولا آياتٌ بنواهي رب الأنام ذُكرت. فلا يكفي أن نعرض المشكلة، بل أن نعالجها ونضع ضوابط لكيلا نقع بها من الأساس.

وهذا إيضاح مختصر عن ضوابط الاختلاط بما أوضحه الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم:

ضوابط الاختلاط والأدلة الشرعية عليها

- غـض البصر من كلا الطرفين فقد قال جل في علاه: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{.

- اللباس الشرعي الذي لا يصف ولا يشف ونأخذ هذا من قوله تعالى في الآية السابقة.

- مراعاة الحدود في:

أ) الحديث مع الرجال، وحتى بحديث النساء فيما بينهن أمام الرجال لقوله تعالى: }يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا{ .

فلم يقصد بنساء النبي حصرهن فهن أمهاتنا، وكل أمٍ لابنتها مربية فهذا ينطبق على جميع نساء المؤمنين لأن العفة والحياء زينتهن كلهن.

- المشــي: وخص الله تعالى في قوله }َجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء{ .

فليس من شيم المسلمة أن تتمايل، فهي تمشي بحياءٍ ألبسها الله ثوبه، وهذا أيضا قوله تعالى: }وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ{ وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه للمتبرجات كتبرج الجاهلية الأولى: "مائلات مميلات".

- التعطر والتطيب والزينة: فكلنا سمعنا بقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية".

استهان البعض في فهمه لهذا الحديث، فهم يحصرون الزنا على زنى الجسد، فقد نسوا قول الله: }وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً{ .

فهذا نهي صريح بالابتعاد عن كل أمر قد يكون نهايته معاذ الله للزنى، وأي أمرٍ يقرب إليه أكثر من طيبٍ وتطيبٍ أمام الرجال؟

- الخلــوة: قال عليه الصلاة والسلام: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ"،

فأوسع أبواب الزنا تهيأت وهي المكان، فالخلوة هي غنيمة الشيطان ليقع الرجل بامرأة قد تكون مع عفتها التي هُتكت آثمة على خلوة الرجل بها مع وجود هذا النهي الصريح من الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن أبواب الزنا التي قد يغفل البعض عنها هي خلوة الأقارب بالنساء، فهذا أيضا بابٌ سده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "الحمـو الموت". والحمو هو أخ الزوج وما شابهه من أقاربه، ووجودهم في المنزل لوحدهم قد يهيأ الجو لدخول الشيطان بينهم ووقوع مالا تحمد عقباه.

هذا هو ديننا الحنيف، وهذه هي ضوابطه وقواعده للاختلاط منذ مئات السنين، للرجال عامة وللنساء خاصة، ففتنة الأمم السابقة كانت فيهن، فمن كانت مضطرة للاختلاط فعليها بها، ومن لم ترد أن تلتزم بها فلتقر في منزلها هو خيرٌ لها وسداً لأبواب الفساد في مجتمعات المسلمين، وإلا فلن نقول إلا: "اللهم إن أردت في القوم فتنة فتوفنا غير مفتونين وحسبنا الله ونعم الوكيل".
1
520

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ام مصعب ويزيد
ام مصعب ويزيد
جزاااااااااااك الله خير

وجعلك فى عليين
الصفحة الأخيرة