الاختلاط رقي أم انحطاط]

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
إن سحابة حرب على المرأة المسلمة نراها هذه الأيام عارضة مستقبلة بيوتنا، يحسبها كثير من الجهلة والبسطاء غيثًا ورحمة ويعتقدها الفساق وأهل الأهواء والمنافقون حضارة ومدنية، والحق الذي لا مرية فيه أنها ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء من الحياء والعفاف والدين والخلق، ريح عقيم تقضي على البقية الباقية من الستر والحشمة، وضحيتها الأولى هي المرأة المسلمة، ومن ثم المجتمع بأكمله إن لم نحذر شرها ونتوقَّ ضررها ونجتهد في دفعها» «والوقاية خير من العلاج».


وهذه السحابة التي نعني هي تلك الدعوة المحمومة والصوت النشاز الذي يرفعه أدعياء التحرر والتقدم بين الفينة والأخرى إلى دمج المرأة في جميع مجالات الحياة بلا استثناء كالرجال سواء بسواء كمشاركتها في الاجتماعات واللجان والمؤتمرات والندوات والجامعات والمستشفيات والاحتفالات والنوادي إلى غير ذلك من الدعوات التي فيها دعوة صريحة إلى ظهورها في الطرقات والأماكن العامة متبرجة سافرة لتخالط الرجال جنبًا إلى جنب، في وقت بدأ يعلن فيه عقلاء الغرب والشرف التراجع عما يطرحونه في قضية المرأة، فبدؤوا يدعون ويطالبون بفصل التعليم، ويدعو بعضهم إلى الحجاب وعودة المرأة إلى منزلها وعدم اختلاطها بالرجال، ومع ذلك يسير هؤلاء الببغاوات كالقطيع يريدون أن يبدؤوا من حيث بدأ هؤلاء.

- إنهم يريدون بدعوتهم هذه أن تتخلى المرأة عن أنوثتها الطاهرة، وتصبح ألعوبة لشهواتهم ودمية لأهوائهم.
- يريدون منها أن تتمرد على حجابها وتنتكس في حمأة الجاهلية ومستنقعاتها الآسنة.
- يريدون استنساخ المرأة الغربية الكافرة في بلادنا؛ لتنتشر ثقافة العري والمجون والرذيلة والفسوق.
ولا يخفى أن هؤلاء الدعاة المبطلون ليس دافعهم من وراء ذلك الإصلاح وإنصاف المرأة ورقي البلاد وتطورها – كما يزعمون -، إنما هو حب الفساد والإفساد ومرض القلوب والشهوات {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} .
ولقد ظن بعض المنغمسين في هذا التيار من الرجال والنساء أنهم بدعوتهم هذه يرفون من مستوى المرأة ويحققون لها الكرامة والسعادة وبالتالي يساعدون في رفعة المجتمع وتقدمه {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} .

ومهما ادعى المبطلون «دعاة التحرير» ببراءة الاختلاط وأنه لن يحصل بسببه شيء يضر بالمرأة والمجتمع، وأن امرأة تستطيع حماية نفسها إذا كانت محصنة بالعلم والإيمان. نقول: وإن ادعوا براءتها فهي ليست بريئة في الميزان الإسلامي الذي يقيس به المسلم أمور حياته، فهي تشتمل على خلوة محرمة في ذاتها سواء أدت إلى الفاحشة أم لم تؤد إليها، وهي محرمة في دين الله لحكمة واضحة لأنها تؤدي في النهاية – حتمًا – إلى الفاحشة

وإذا قيل لهؤلاء الدعاة إن عملكم هذا فيه الفساد والإفساد للمرأة وللبلاد، وأنه سيجر على المجتمع المصائب والويلات التي نحن في غنى عنها. قالوا: إنما نريد الإصلاح!
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}
.



خطورة وأضرار مشاركة المرأة للرجل
في مجال العمل*

إن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلميح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدًا له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة

ولقد حرم الإسلام جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة، ولذلك حرم على النساء خضوعهن بالقول للرجال؛ لكونه يفضي إلى الطمع فيهن كما في قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} . يعني مرض الشهوة، فكيف يمكن التحفظ من ذلك بالاختلاط؟ ومن البديعي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال لابد أن تكلمهم وأن يكلموها برقة ولين، والشيطان من وراء ذلك يزين ويحسن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له.
وكذلك فإنه من المعلوم من الدين بالضرورة أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها، ولا شك أن إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة، وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يصعب تحققها منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية عنه في العمل، ولهذا فقد أكد الله تعالى على عدم القرب من دواعي ووسائل الزنا فقال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} ولم يقل ولا تقعوا في الزنا، فالقرب من وسائل الزنا هي الاختلاط والنظر والسماع وإذا حصلت هذه المقدمات فإنه يخشى على الإنسان الوقوع في الزنا والعياذ بالله. والتفت يمينًا وشمالاً في واقع كثير من الدول؛ لترى مصداق هذه الآية.
إن العفة حجاب يمزقه الاختلاط، ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، فالمجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، فللرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهن، ولا تخرج المرأة إلى مجتمع الرجال إلا لضرورة أو حاجة بضوابط الخروج الشرعية.
كل هذا لحفظ الأعراض والأنساب وحراسة الفضائل والبعد عن الريب والرذائل، وعدم إشغال المرأة عن وظائفها الأساسية في بيتها، ولذا حرم الاختلاط في كل مكان لما يترتب عليه من مرض القلوب، وخطرات النفوس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء،

الاختلاط سبب لانحطاط الأمم وسقوطها

إن الإسلام حريص جدًا على جلب المصالح ودرء المفاسد وغلق الأبواب المؤدية إليها، ولاختلاط المرأة مع الرجل في ميدان العمل تأثير كبير في انحطاط الأمة وفساد مجتمعها؛ لأن المعروف تاريخيًا عن الحضارات القديمة الرومانية واليونانية ونحوهما أن من أعظم أسباب الانحطاط والانهيار الواقع بها هو خروج المرأة من ميدانها الخاص بها إلى ميدان الرجال وتركهم لما يدفع بأمتهم إلى الرقي المادي والمعنوي.

جاء في دائرة معارف القرن التاسع عشر الميلادي ما نصه: «كانت النساء عند الرومانيين محبات للعمل مثل محبة الرجال، وكن يشتغلن في بيوتهن، أما الأزواج والآباء فكانوا يقتحمون غمرات الحروب في ذلك الحين، ففي حين احتجاب النساء برع الرومانيون في كل شيء واستبدوا بصلوجان الملك والعظمة دون سواهم من الأمم، ولكن دعاهم بعد ذلك دواعي اللهو والترف إلى إخراج النساء من خدورهن؛ ليحضرن معهم مجالس الأنس والطرب، فخرجن كخروج الفؤاد من بين الضلوع، وصرن يحضرن المسارح ويغنين في المنتديات وساد سلطانهم، حتى كان لهن الصوت الأول في تعيين رجال السياسة وخلعهم، فلم تلبث دولة الرومان على هذه الحالة حتى جاءها الخراب من حيث تدري ولا تدري حتى إن القارئ للتاريخ ليدهش حينما يرى ذلك الصرح الروماني الباذخ وقد هدمته المرأة حجرًا بعد حجر بيديها الرقيقتين, لا لسوء نية فيها، ولا لأنها مفطورة على الشر، بل لافتتان الرجال بها وتناظرهم عليها. هذه حقيقة سياسية لا مجال للجدال فيها»() كما أشارت إلى ذلك دائرة معارف القرن التاسع عشر الميلادي آنفًا.

وشهد شاهد من أهلها
لقد ذكرنا من الأدلة الشرعية الواقع الملموس قديمًا وحديثًا ما يدل على خطورة الاختلاط واشتراك المرأة في أعمال الرجال مما فيه الكفاية ومقنع لطال الحق، ولكن نظرًا إلى أن بعض الناس قد لا يعترفون إلا بكلمات أسيادهم من رجال ونساء الغرب والشرق ويستفيدون منها – مع الأسف الشديد – أكثر مما يستفيدون من كلام الله تعالى وكلام رسوله r وكلام علماء المسلمين، رأينا أن ننقل لهؤلاء ما يتضمن اعترافات رجال الغرب والشرق ونساؤهم أيضًا بمضار الاختلاط ومفاسده لعلهم يقتنعون بذلك ويعلمون أن ما جاء به دينهم العظيم من منع الاختلاط هو عين الكرامة والصيانة للنساء وحمايتهن من وسائل الإضرار بهن والانتهاك لأعراضهن. إن كانوا فعلاً ينشدون إنصاف المرأة ويسعون لمصلحتها ومصلحة بلادهم.

ويقول سامويل سمايلس: «إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجته تكون هادمة لبناء الحياة المنزلية؛ لأنه هاجم هيكل المنزل وقوض أركان الأسرة وفرق الروابط الاجتماعية، فإنه يسلب الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم، صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة.
إن وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية مثل ترتيب مسكنها وتربية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها مع القيام بالواجبات البيتية الأخرى، ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير المنازل، وأصبح الأولاد يشبون على عدم التربية ويتلقون في زوايا الإهمال وانطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة والقريبة المحبة للرجل، وصارت زميتله في العمل والمشاق وباتت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالبًا التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة».
وتقول الدكتورة إيدالين: «إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم هو الطريق الوحيد لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يعيش فيه».

وقال أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي أيضًا: «إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقًا إذا بقيت في البيت الذي هو كيان الأسرة».
وتقول أم سعدية واسمها قبل الإسلام «راشيل بريتشرد» في لقاء معها في مجلة البيان عدد 150 تقول: «كثير من النساء خرجن للعمل مع الرجال، ولكن تسمية ذلك نجاحًا شيء يحزن والتنافس مع الرجال خطأ بالكلية، ولعل المرأة العاملة تعتقد أنها ناجحة بالتمكن من نفس مكانة الرجال أو أعلى منه ولكنها في الحقيقة هي الخاسرة، فمن مشاكل الاختلاط مع الرجال أنها تخاطر بنفسها في الوقوع بعلاقات محرمة معهم، وطبيعي أن يؤدي ذلك إلى الطلاق فتخسر زوجها وأولادها، وتقول أيضًا: «إن المرأة في الغرب اليوم لا يوجد عندها قيم لنفسها وليس لديها كرامة البتة وسوف تهلك نفسها بنفسها».
كلمة لدعاة الاختلاط
بعد كل هذا التوضيح والإيضاح لمخاطر اختلاط المرأة بالرجال وعملها معهم جنبًا إلى جنب وتأثيره السيئ على الأسرة والمجتمع، وما أوردناه من الأدلة والواقع الملموس وما سجلناه من اعترافات رجال ونساء الغرب الذين طبقوا هذا الاختلاط ثم عرفوا أخيرًا عواقبه وما جناه عليهم من الأضرار والمفاسد وتهدم الأسر وتفكك المجتمع.
نقول بعد كل ذلك: هل يعي بعض كتاب وكاتبات بلادنا الذين لم ينفكوا يكتبون ويطالبون بضرورة عمل المرأة مع الرجل في محيط واحد؟
هل يعي هؤلاء ويفيقون من غفلتهم ويعودون إلى رشدهم ويتركوا هذه اللوثة الفكرية الفاسدة التي يطالبون بها والتي لن تجني البلاد من ورائها إلا الدمار والفساد وتحلل الأخلاق كما حصل لغيرها ممن سبقوها في هذا المجال سواء المجتمعات الكافرة أو المجتمعات العربية التي طبقت هذا الاختلاط وسحت به، إن كانوا فعلاً يريدون إنصاف المرأة وحريصون على مصلحتها ومصلحة بلادهم وتجنيبها أسباب الفساد والدمار، وأن يتركوا المرأة في حصنها الحصين تؤدي دورها الذي يناسب أنوثتها وطبيعتها بين بنات جنسها.
ونذكرهم أيضًا: بأن عملهم هذا من الفساد والإفساد الذي لا يحبه الله عز وجل ولا رسوله r، {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وسيأتي اليوم الذي يمقت فيه أهل الفساد أنفسهم ويتحسرون على ما فرطوا وضيعوا وأفسدوا.
إن من عنده أدنى مروءة ونخوة فضلاً عن الدين والإيمان لا يسمح لنفسه أن يكون من هؤلاء المفسدين.


وكلمة أخرى للمرأة المسلمة


فنقول لها: حذار من التردي في المنحدر الذي تردت فيه المرأة في بعض المجتمعات الأخرى ووصلت إلى ما وصلت إليه من التهتك والضياع والمهانة والابتذال، فالمرأة في تلك المجتمعات إن كان لها بعض العذر في عدم وجود الرادع الديني والمجتمع المحافظ الذي يعينها على نفسها وكرامتها ويحفظ لها حقوقها ومكانتها، فما عذرك أنت في مجتمعك المحافظ المتمسك بالدين والأخلاق، الذي يدعوك إلى الحشمة والعفة والطهارة والكرامة والبعد عن مواقع الفتنة والشبه ومجامع الرجال, وعدم الاختلاط بهم والعمل معهم.
إنك أختي المسلمة لست بحاجة إلى الشرق ولا إلى الغرب فإن مجدك تليد وعزك حاضر، وإنك أسمى وأعز وأعلى من أن تكوني مفتونة بتلك الصرخات أو مفتونة بتلك الدعوات التي تنادي بالتحلل من الأخلاق والآداب وتنادي بالتبرج والسفور والاختلاط.
جنبنا الله وإياك مسالك أهل الفساد والإفساد، وجعلنا من الهداة المهتدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المؤلف***
محمد بن عبدالله الحمود/

مكتبة صيد الفوائد ***
14
719

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الجوري الناعس18
يليت يمنعون الإختلاط في الجامعة :(
جزاج الله كل خير غاليتي..
الامــيــرة01
الامــيــرة01
شرفني طيب مروركم
من اعماق قلبي اشكركم على حظوركم المميز والمشرف في متصفحي المتواضع
لكم مني أرق وأعذب التحايا واعطرها
ام حكوم
ام حكوم
جزاك الله خير
الامــيــرة01
الامــيــرة01
شرفني طيب مرورك
من اعماق قلبي اشكرك على حظورك المميز والمشرف في متصفحي المتواضع
لك مني أرق وأعذب التحايا واعطرها
الامــيــرة01
الامــيــرة01